أول ما نزل من القرآن هو مطلع سورة العلق، وفيه إشارة إلى القراءة، أو الجمع الصوتي للقرآن، بجمع الحروف في الفم ثم النطق بها. ثم نزل بعد ذلك مطلع سورة القلم، وفيه إشارة إلى كتابة القرآن، وهي جمع حروف وكلمات القرآن، بكتابتها على السطر(٥).
يقول القلقشندي :>أعظم شاهد لجليل قدرها ـ الكتابة ـ، وأقوى دليل على رفعة شأنها، أن اللّه نسب تعليمها إلى نفسه، واعتده من وافر كرمه، وإفضاله فقال عزَّ اسمه :﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بالقَلَمِ، عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم ﴾، مع ما يروى أن هذه الآية والتي قبلها مفتتح الوحي، وأول التنزيل على أشرف نبي، وأكرم مرسل ﷺ وفي ذلك من الاهتمام بشأنها ورفعة محلها ما لا خفاء فيه<(٦).
فهناك مناسبة وثيقة بين أول كلمة نزلت من القرآن الكريم وبين القلم والكتابة :>فإن أول كلمة نزلت هي (اقرأ) ومعنى ذلك أن هناك مكتوباً ـ فلم تنزل كلمة (قل) بمعنى أن يردد النبي ﷺ ما يقال له ولكن نزل ـ اقرأ ـ بمعنى أن يقرأ شيئاً مكتوباً. إذن فالكتابة سبقت القراءة. والكتابة بمعناها التدارس والتعلم، لأن القلم لا يقول ولكن يكتب. (فاقرأ)، إذن تتناسب مع القلم، وهما وسيلتا العلم والتعليم. وكان من الآيات الأولى التي نزلت من القرآن الكريم :﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بالقَلَمِ ﴾. فجعل سبحانه مفتاح العلم القلم<(١).
يقول الإمام الزمخشري في تفسير الآية :>فدلَّ على كمال كرمه بأنه علَّم عباده ما لم يعلموا، ونقلهم من ظلمة الجهل إلى نور العلم، ونبه على فضل علم الكتابة لما فيه من المنافع العظيمة التي لا يحيط بها إلا هو، وما دونت العلوم ولا قيدت الحكم ولا ضبطت أخبار الأولين ومقالاتهم، ولا كتب اللّه المنزلة إلا بالكتابة، ولولا هي لما استقامت أمور الدين والدنيا، ولو لم يكن على دقيق حكمة اللّه العظيمة ولطيف تدبيره دليل إلا القلم والخط، لكفى به<(٢). فقوم يُبتدأ الوحي عندهم بهذا الابتداء؛ لا يعقل أبداً أن يتركوا القلم ويناموا؛ ثم لا ينشط واحد من بينهم فيكتب أو يدون شيئاً(٣).
٢. الصحف : وقد وردت لفظة الصحف في سبعة مواضع من القرآن المكي. منها : في قوله تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ ﴾(٤).


الصفحة التالية
Icon