والأخبار والروايات التي وردت فيه كثيرة ومخلتفة في فترة ارتداده فيذهب البعض إلى أنه قد ارتد قبل الهجرة ومنهم الإمام الطبري. حيث يذكر في تفسيره :>أنه ـ عبد اللّه بن أبي سرح ـ قد وشى بعمار وجبير عند ابن الحضرمي أو لبني عبد الدار، فأخذوهم فعُذِّبوا حتى كفروا، وجذع أذن عمار يومئذ، فانطلق عمار إلى النبي ﷺ، فأخبره بما لقي، والذي أعطاهم من الكفر فأبى النبي ﷺ أن يتولاه، فأنزل اللّه في شأن ابن أبي سرح وعمار وأصحابه :(من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدراً)، فالذي أكره عمار وأصحابه، والذي شرح بالكفر صدراً، فهو ابن أبي سرح<(٢). ويذهب أغلبية العلماء إلى أنه قد ارتد بعد الهجرة، ولكن هذا ليس بالأمر المهم، ولكن المؤكد أن فترة كتابته للقرآن هي الفترة المكية وهو ما يهمنا هنا.
ويذكر الحافظ العسقلاني في معرض حديثه عن اكتفاء الإمام البخاري بذكر كُتَّاب النبي ﷺ بزيد بن ثابت وأن البخاري قد أفرده بالحديث لكونه من أشهر الكُتَّاب، وإلا فقد كتب للرسول ﷺ غيره فيقول :>قد كتب الوحي لرسول اللّه ﷺ جماعة غير زيد بن ثابت. أما بمكة فلجميع ما نزل بها، لأن زيد بن ثابت إنما أسلم بعد الهجرة...(١) وقد كتب له قبل زيد بن ثابت أبي بن كعب وهو أول من كتب له بالمدينة. وأول من كتب له بمكة من قريش عبد اللّه بن سعد بن أبي سرح، ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام يوم الفتح(٢)، وممن كتب له بالجملة : الخلفاء الأربعة والزبير بن العوام وخالد وأبان وابنا سعيد بن العاص بن أمية وحنظلة بن الربيع الأسدي ومعيقيب بن أبي فاطمة وعبد اللّه بن الأرقم الزهري وشرحبيل بن حسن وعبد اللّه بن رواحة...<(٣).
وقول ابن حجر :<وهو أول من كتب له ﷺ بمكة<، فيه دلالة واضحة على أن هناك غيره ممن كتب له ﷺ في مكة، وهو ما يدل عليه واقع المسلمين الذين التفوا حول الدعوة الجديدة، حيث إن كثيراً من الذين آمنوا ودخلوا الإسلام أول الأمر كانوا من الذين يعرفون الكتابة والقراءة، ولا شك أن بعضاً منهم كانوا من كتاب القرآن المكي وقد ذكر ابن حجر بعضاً منهم.