وعليه فإن الباحث يرجح كون القرآن في عهد النبي ﷺ قد كتب على ما رق من الأدوات نظراً لأهميته ومكانته عند المسلمين أو على الجلد الرقيق وذلك لشيوعه في الجزيرة العربية، وكذلك على الورق الرقيق من البردي المصري لا سيما وقد عرفه العرب منذ فترة مبكرة من تاريخهم نظراً للعلاقات التجارية التي كانت تربط مكة بما حولها من البلاد، يقول زيد عمر مصطفى :>والعرب قد عرفوا البردي المصري منذ أيام الجاهلية(٣)، وليس هناك من شك أن عمرو بن العاص رآه فيما رأى من منتجات مصر، عندما كان يتاجر فيها قبل ظهور الإسلام، كذلك كانت القراطيس المصنوعة من البردي معروفة للمسلمين قبل فتحهم لمصر. فما المانع من أن يكون المسلمون قد حصلوا على الورق بطريقة أو أخرى لكتابة القرآن الكريم، الذي هو أغلى وأعظم نص عرفوه، وأُمروا بالمحافظة عليه بخاصة أنهم كانوا يهدفون من كتابته إلى جمعه بين دفتين ؟! ونحن لا ننكر أن المسلمين لم يعرفوا صناعة الورق إلا في سنة ١٣٤هـ عندما انتقلت صناعته من الصين إلى سمرقند عن طريق بعض الأسرى الصينيين، ولكن ليس في هذا دليل على نفي كتابته على ورق، لأننا لم نقل إن الأوراق التي كتب عليها القرآن هي من جنس الأوراق التي أدخل الصينيون صناعتها إلى بلاد المسلمين<(١).
يقول الجبوري :>وقد عرف العرب منذ الجاهلية البردي باسم (القرطاس) وهي كلمة يونانية (CHARTES) ومعناها ما يكتب فيه، ويقابلها في العربية ورقة وصحيفة، وجاءت كلمة القرطاس في شعر طرفة بن العبد في معلقته يصف ناقته ويشبه خدها بالقرطاس الشامي :
وخَدٍّ كقرطاس الشآم ومشفرٍ كسيف اليماني حدُّه لم يجرد
ونسب القرطاس إلى الشام لأنه كان منتشراً هناك، ويأخذه الروم من مصر<(٢).


الصفحة التالية
Icon