... عرض ابن تيمية رحمه الله لهذا الموضوع في فتاواه عندما عرض للحديث عن قوله تعالى (إنْ هذانِ لساحرانِ) وبعد أن ذكر بعضاً من أقوال العلماء في إعراب هذه الآية قال :(... وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ إنه غلط من الكاتب، أو نقل ذلك عن عثمان، فإن هذا ممتنع لوجوه، منها: تعدد المصاحف واجتماع جماعة على كل مصحف، ثم وصول كل مصحف إلى بلد كبير فيه كثير من الصحابة والتابعين يقرءون القرآن ويعتبرون ذلك بحفظهم، والإنسان إذا نسخ مصحفاً غلط في بعضه عرف غلطه بمخالفة حفظه القرآن وسائر المصاحف، فلو قدر أنه كتب كاتب مصحفاً ثم نسخ سائر الناس منه من غير اعتبار للأول والثاني أمكن وقوع الغلط في هذا، وهنا كل مصحف إنما كتبه جماعة ووقف عليه خلق عظيم ممن يحصل التواتر بأقل منهم، ولو قدر أن الصحيفة كان فيها لحن فقد كتب منها جماعة لا يكتبون إلا بلسان قريش، ولم يكن لحناً فامتنعوا أن يكتبوه إلا بلسان قريش، فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا (إنْ هذانِ) وهم يعلمون أنّ ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم... ومما يبين كذب ذلك : أن عثمان لو قدر ذلك فيه، فإنما رأى ذلك في نسخة واحدة، فأما أن تكون جميع المصاحف اتفقت على الغلط، وعثمان قد رآه في جميعها وسكت، فهذا ممتنع عادة وشرعاً من الذين كتبوا، ومن عثمان ثم من المسلمين الذين وصلت إليهم المصاحف ورأوا ما فيها، وهم يحفظون القرآن، ويعلمون أن فيه لحنا لا يجوز في اللغة، فضلاً عن التلاوة وكلهم يقر هذا المنكر لا يغيره أحد.


الصفحة التالية
Icon