وأما مذهب الإمام أبي إسحاق الشاطبي في العقيدة: فهو مذهب أهل السنة والجماعة، المبني على الكتاب والسنة، وذلك في الجملة؛ إذ أنه لم يسلم من الميل إلى رأي الأشاعرة في بعض الصفات - وفي غير الصفات -، فمن ذلك قوله: "والحب والبغض من الله تعالى، إما أن يراد بهما نفس الإنعام أو الانتقام، فيرجعان إلى صفات الأفعال على رأي من قال بذلك، وإما أن يراد بهما إرادة الإنعام والانتقام فيرجعان إلى صفات الذات؛ لأن نفس الحب والبغض المفهومين في كلام العرب حقيقة محالان على الله تعالى..."(١).
وقال: "... قوله تعالى: ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِم﴾(٢)، ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ﴾ (٣)وأشباه ذلك إنما جرى على معتادهم في اتخاذ الآلهة في الأرض، وإن كانوا مقرين بإلهيّة الواحد الحقّ، فجاءت الآيات بتعيين الفوق وتخصيصه تنبيها على نفي ما ادَّعوه في الأرض فلا يكون فيه دليل على إثبات الجهة البتة"(٤).
وقال: "(فصل) وهل للقرآن مأخذ في النظر على أن جميع سوره كلام واحد بحسب خطاب العباد، لا بحسبه في نفسه ؟. فإن كلام الله في نفسه كلام واحد لا تعدّد فيه بوجه ولا باعتبار، حسبما يتبين في علم الكلام"(٥).
فأنت ترى في المثال الأول أن الإمام الشاطبي أوّل الحب والبغض بإرادة الإنعام والانتقام، أو أنهما نفس الإنعام والانتقام.
وفي المثال الثاني يؤوّل صفة الفوقية الثابتة في النصوص لله تعالى على ما يليق بجلاله وعظمته.
وفي المثال الثالث يجعل كلام الله تعالى معنى قائما بالنفس، مجردًا عن الألفاظ والحروف.
ولا شك أن أبا إسحاق - غفر الله له - قد فاته الصواب في هذه الأمثلة الثلاثة.
(٢) سورة النحل، الآية: ٥٠.
(٣) سورة الملك، الآية: ١٦.
(٤) الموافقات (٤/١٥٥).
(٥) المصدر نفسه (٤/٢٧٤).