ولما كان جانب الإخلال من العباد أغلب كان جانب التخويف أغلب، وذلك في مظانه الخاصة، لا على الإطلاق؛ فإنه إذا لم يكن هنالك مظنَّة هذا، ولا هذا أتى الأمر معتدلاً"(١).
ثم أورد أبو إسحاق اعتراضا على ما قرره سابقا فقال: "فإن قيل: هذا لا يطرد فقد ينفرد أحد الأمرين فلا يؤتى معه بالآخر، فيأتي التخويف من غير ترجية، وبالعكس، ألا ترى قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾(٢) إلى آخرها فإنها كلها تخويف، وقوله: ﴿ كَلا إِنَّ الأِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ (٣)إلى آخر السورة، وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ﴾ (٤)إلى آخر السورة... وفي الطرف الآخر قوله تعالى: ﴿ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾(٥) إلى آخرها،
وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾(٦) إلى آخرها"(٧).
وأورد الإمام الشاطبي من الآيات أيضا ما يؤيّد هذا الاعتراض(٨).
ثم قال: "فالجواب إن ما اعترض به غير صاد عن سبيل ما تقدم، وعنه جوابان: إجمالي وتفصيلي:
فالإجمالي أن يقال: إن الأمر العام والقانون الشائع هو ما تقدّم، فلا تنقضه الأفراد الجزئية الأقلية؛ لأن الكلية إذا كانت أكثرية في الوضعيات انعقدت كلية، واعتمدت في الحكم بها وعليها، شأن الأمور العادية الجارية في الوجود، ولا شك أن ما اعترض به من ذلك قليل، يدل عليه الاستقراء، فليس بقادح فيما تأصل.
(٢) سورة الهمزة، الآية: ١.
(٣) سورة العلق، الآية: ٦، ٧.
(٤) سورة الفيل، الآية: ١.
(٥) سورة الضحى، الآية: ١، ٢.
(٦) سورة الشرح، الآية: ١.
(٧) انظر الموافقات (٤/١٧٢).
(٨) انظر المصدر نفسه (٤/١٧٢ - ١٧٥).