فمما قال في ذلك قوله رحمه الله تعالى:"وقوله تعالى:﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾(١) نازلة في قضية واحدة. وسورة "اقرأ" نازلة في قضيتين الأولى إلى قوله: ﴿عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾(٢)، والأخرى ما بقي إلى آخر السورة. وسورة المؤمنين نازلة في قضية واحدة، وإن اشتملت على معان كثيرة فإنها من المكيات، وغالب المكي أنه مقرر لثلاثة معان - أصلها معنى واحد وهو الدعاء إلى عبادة الله تعالى - أحدها: تقرير الوحدانية لله الواحد الحق... والثاني: تقرير النبوة للنبي محمد، وأنه رسول الله إليهم جميعا، صادق فيما جاء به من عند الله... والثالث: إثبات أمر البعث والدار الآخرة، وأنه حق لا ريب فيه بالأدلة الواضحة، والرد على من أنكر ذلك، بكل وجه يمكن الكافر إنكاره به....
فهذه المعاني الثلاثة هي التي اشتمل عليها المنزل من القرآن بمكة في عامّة الأمر، وما ظهر ببادئ الرأي خروجه عنها فراجع إليها في محصول الأمر، ويتبع ذلك الترغيب والترهيب، والأمثال والقصص، وذكر الجنة والنار، ووصف يوم القيامة، وأشباه ذلك"(٣).
ثم رجع أبو إسحاق إلى تطبيق المعاني الثلاثة على سورة المؤمنين، يقف على ذلك من أحب في موطنه من كتاب الموافقات(٤).
التعليق على مبحث: تفسير القرآن الكريم يتبع فيه المفسر التوسط والاعتدال
قضية التوسط والاعتدال التي ألمح إليها أبو إسحاق الشاطبي قضيّة مهمّة جدًّا سواء في فهم القرآن الكريم وتفسيره، أو في غير ذلك من حياة المسلم.
ولو اتُّبع كل من فسر القرآن الكريم التوسط والاعتدال في تفسيره لما وجدنا الأبحاث المطولة التي لا علاقة لها بتفسير الآية.
ولو اتُّبع التوسط والاعتدال لما جُعل تفسير القرآن كتاب نحو تذكر فيه القواعد النحوية ودقائق علوم النحو، والاعتراضات والردود، ورد الردود.
(٢) سورة العلق، الآية: ٥.
(٣) انظر الموافقات (٤/٢٦٩، ٢٧٠).
(٤) انظر (٤/٢٧٠ - ٢٧٣).