قال أبو إسحاق رحمه الله تعالى: "إعمال الرأي في القرآن جاء ذمه، وجاء أيض-ا ما يقتضي إعماله، وحسبك من ذلك ما نقل عن الصدِّيق، فإنه نقل عنه أنه قال - وقد سُئل في شيء من القرآن -: "أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إن أنا قلت في كتاب الله ما لا أعلم... "(١). ثم سُئل عن الكلالة المذكورة في القرآن فقال: "أقول فيها برأيي، فإن كان صوابا فمن الله، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان، الكلالة كذا وكذا"(٢).
فهذان قولان اقتضيا إعمال الرأي وتركه في القرآن، وهما لايجتمعان"(٣).
ثم أجاب أبو إسحاق عما رُوي عن أبي بكر - رضي الله عنه - مما يقتضي إعمال الرأي وتركه فقال: "والقول فيه أن الرأي ضربان: أحدهما: جار على موافقة كلام العرب، وموافقة الكتاب والسنة، فهذا لا يمكن إهمال مثله لعالم بهما لأمور:
أحدها: إن الكتاب لا بد من القول فيه ببيان معنى، واستنباط حكم وتفسير لفظ، وفهم مراد، ولم يأت جميع ذلك عمن تقدم، فإما أن يتوقف دون ذلك فتتعطل الأحكام كلها أو أكثرها، وذلك غير ممكن، فلا بد من القول فيه بما يليق.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٨/٥٣)، والبيهقي في السنن الكبرى (٦/٢٢٣) عن الشعبي قال سُئل أبو بكر فذكره. والشعبي لم يدرك أبا بكر، ولا يكاد يرسل إلا صحيحا. انظر السير (٤/٣٠١).
(٣) انظر الموافقات (٤/٢٧٦).