قال تعالى: ﴿فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ﴾(١)فالذين آمنوا هم الذين اتبعوا الرهبانية ابتغاء رضوان الله، والفاسقون هم الخارجون عن الدخول فيها بشرطها، إذ لم يؤمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
إلا أن هذا التقرير يقتضي أن المشروع لهم يُسمى ابتداعا، وهو خلاف ما دل عليه حدّ البدعة.
والجواب أنه يُسمى بدعة من حيث أخلُّوا بشرط المشروع، إذ شرط عليهم فلم يقوموا به، وإذا كانت العبادة مشروطة بشرط، فيعمل بها دون شرطها، لم تكن عبادة على وجهها، وصارت بدعة، كالمخل قصدًا بشرط من شروط الصلاة، مثل استقبال القبلة، أو الطهارة، أو غيرها، فحيث عرف بذلك وعلمه، فلم يلتزمه، ودأب على الصلاة دون شرطها، فذلك العمل من قبيل البدع، فيكون ترهب النصارى صحيحا قبل بعث محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بُعِث وجب الرجوع عن ذلك كله إلى ملته، فالبقاء عليه مع نسخه بقاءٌ على ما هو باطل بالشرع، وهو عين البدعة.
وإذا بنينا على أن الاستثناء منقطع، وهو قول فريق من المفسرين، فالمعنى: ما كتبناها عليهم أصلاً، ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله، فلم يعملوا بها بشرطها، وهو الإيمان برسول الله ﷺ إذ بعث إلى الناس كافة.
وإنما سميت بدعة على هذا الوجه لأمرين:
أحدهما: يرجع إلى أنها بدعة حقيقية(٢)- كما تقدم - لأنها داخلة تحت حد البدعة.
(٢) البدعة الحقيقية هي التي لم يدل عليها دليل شرعي، لا من كتاب ولا سنة ولا إجماع. انظر البدعة ضوابطها وأثرها السيء في الأمة. ص (١٤).