الإمام أبو إسحاق الشاطبي من أئمة النحو، وقد ألَّف شرحا على ألفية ابن مالك قال عنه أحمد بابا التنبكتي: "شرحه الجليل على الخلاصة في النحو في أسفار أربعة كبار لم يؤلَّف عليها مثله بحثا وتحقيقا فيما أعلم"(١).
وإمامته في النحو ظاهرة في أثناء مؤلفاته، ولكنني سأقتصر على ذكر بعض الأمثلة - من بعض مؤلفاته - التي تتعلق بنحو القرآن وبلاغته مما نقله عن الأئمة والشيوخ، أو قاله هو:
(١) قال رحمه الله تعالى: "ذكر لي الفقيه الأستاذ الفاضل أبو عبد الله محمد بن البكا عن بعضهم، وحكاه ابن مالك في شرح التسهيل(٢)أنه أعرب "نفسه"من قوله تعالى:﴿إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾(٣):"نفسه" توكيدًا لـ"من" و"مَنْ" منصوبة على الاستثناء واستحسنه؛ لأن الناس اختلفوا فيه اختلافا كثيرًا.
فقلت له: إن المعنى على الرفع والتفريغ. فقال لي: أتسلم أن في "يرغب" ضميرًا هو فاعله ؟. فقلت: نعم، لولا أن المعنى: ما يرغب عن ملة الإسلام إلا من سفه نفسه. فوقف الكلام ها هنا، ثم دلني الأستاذ الكبير أبو سعيد بن لب على ما يؤيد ما ذكرته، وهو قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ﴾(٤)وجهه الزمخشري على التفريغ من جهة المعنى، أي: ما يغفر الذنوب إلا الله...(٥)"(٦).
(٢) وقال رحمه الله تعالى: "حكى لنا الأستاذ الشهير أبو سعيد بن لب - أبقاه الله - أن الفارسي قال: وجدت في القرآن من وضع الجملة الاسمية موضع الفعلية قوله تعالى: ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى﴾(٧)، فقوله: ﴿فَهُوَ يَرَى﴾ جملة اسميّة في موضع فعلية.

(١) نيل الابتهاج ص (٤٨).
(٢) انظر منه (٤/١١٠) تجد بعض معنى ما ذكر هاهنا.
(٣) سورة البقرة، الآية: ١٣٠.
(٤) سورة آل عمران، الآية: ١٣٥.
(٥) نص كلام الزمخشري في النسخة التي بين يدي هكذا "والمعنى أنه وحده معه مصححات المغفرة" الكشاف (١/٤٦٤).
(٦) انظر الإفادات والإنشادات، ص (١٠٨، ١٠٩).
(٧) سورة النجم، الآية: ٣٥.


الصفحة التالية
Icon