(٣) وقال - أيضا -: "فصل، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾(١)رُوي في سبب نزول هذه الآية أخبارٌ جملتها تدور على معنى واحد، وهو تحريم ما أحل الله من الطيبات تدينا أو شبه التدين، والله نهى عن ذلك، وجعله اعتداء، والله لا يحب المعتدين، ثم قرر الإباحة تقريرًا زائدًا(٢)على ما تقرر بقوله: ﴿وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلالاً طَيِّباً﴾(٣)ثم أمرهم بالتقوى؛ وذلك مشعر بأن تحريم ما أحل الله خارج عن درجة التقوى.
فخرَّج إسماعيل القاضي من حديث أبي قلابة، قال: أراد ناس من أصحاب رسول الله ﷺ أن يرفضوا الدنيا، وتركوا النساء، وترهبوا، فقام رسول الله ﷺ فغلظ عليهم المقالة، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم"(٤)قال: ونزلت فيهم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾(٥)..."(٦).
المبحث العاشر: مع الإمام أبي إسحاق الشاطبي في الإفادة من أصول الفقه في تفسير القرآن الكريم
(٢) في النسخة التي نقلتُ منها النص "زائدة".
(٣) سورة المائدة، الآية: ٨٨.
(٤) هذه الرواية أخرجها عبد الرزاق في تفسير القرآن (١/١٩٢)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجها الطبري في تفسيره (١٠/٥١٥). وأبو قلابة لم يدرك القصة، فالحديث مرسل. لكن أصل الحديث في الصحيحين، من رواية أنس.
(٥) سورةن المائدة، الآية: ٨٧.
(٦) الاعتصام (١/٤١٧، ٤١٨).