وإن لهم أن يتوكلوا على اللّه وحده في وجه الطاغوت أيا كان! ولن يضرهم الطاغوت إلّا أذى - ابتلاء من اللّه لا عجزا منه سبحانه عن نصرة أوليائه، ولا تركا لهم ليسلمهم إلى أعدائه. ولكنه الابتلاء الذي يمحص القلوب والصفوف. ثم تعود الكرة للمؤمنين. ويحق وعد اللّه لهم بالنصر والتمكين.
واللّه سبحانه يقص قصة عبده نوح وهو يتحدى قوى الطاغوت في زمانه هذا التحدي الواضح الصريح.
فلنمض مع القصة لنرى نهايتها عن قريب، «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ. إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ. وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».. فإن أعرضتم عني وابتعدتم، فأنتم وشأنكم، فما كنت أسألكم أجرا على الهداية، فينقص أجري بتوليكم :«إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ»..
ولن يزحزحني هذا عن عقيدتي، فقد أمرت أن أسلم نفسي كلها للّه :«وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ»
وأنا عند ما أمرت به.. من المسلمين.. فماذا كان؟
«فَكَذَّبُوهُ. فَنَجَّيْناهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْناهُمْ خَلائِفَ. وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا»..
هكذا باختصار. نجاته هو ومن معه في الفلك - وهم المؤمنون. واستخلافهم في الأرض على قلتهم. وإغراق المكذبين على قوتهم وكثرتهم :«فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ»..
لينظر من ينظر «عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ» المكذبين وليتعظ من يتعظ بعاقبة المؤمنين الناجين.
ويعجل السياق بإعلان نجاة نوح ومن معه، لأن نوحا والقلة المؤمنة كانوا يواجهون خطر التحدي للكثرة الكافرة. فلم تكن النتيجة مجرد هلاك هذه الكثرة، بل كان قبلها نجاة القلة من جميع الأخطار واستخلافها في الأرض، تعيد تعميرها وتجديد الحياة فيها، وتأدية الدور الرئيسي فترة من الزمان.
هذه سنة اللّه في الأرض. وهذا وعده لأوليائه فيها.. فإذا طال الطريق على العصبة المؤمنة مرة، فيجب أن تعلم أن هذا هو الطريق، وأن تستيقن أن العاقبة والاستخلاف للمؤمنين، وألا تستعجل وعد اللّه حتى يجيء وهي ماضية في الطريق.. واللّه لا يخدع أولياءه - سبحانه - ولا يعجز عن نصرهم بقوته، ولا يسلمهم كذلك لأعدائه.. ولكنه يعلمهم ويدربهم ويزودهم - في الابتلاء - بزاد الطريق..
===============


الصفحة التالية
Icon