بما يستفاد من القصص ومن المشاهد (١)
يستفاد من القصص ومن المشاهد إلى الرسول - صلى اللّه عليه وسلم - والقلة المؤمنة معه في مكة - تسرية وتثبيتا وإلى المكذبين من قومه بيانا وتحذيرا. فليس هناك شك في أن القوم يعبدون ما كان آباؤهم يعبدون - شأنهم شأن أصحاب ذلك القصص وأصحاب تلك المصائر - ونصيبهم الذي يستحقونه سيوفونه. فإن كان قد أخر عنهم فقد أخر عذاب الاستئصال عن قوم موسى - بعد اختلافهم في دينهم - لأمر قد شاءه اللّه في إنظارهم.
ولكن قوم موسى وقوم محمد على السواء سيوفون ما يستحقون، بعد الأجل، وفي الموعد المحدود. ولم يؤخر عنهم العذاب لأنهم على الحق. فهم على الباطل الذي كان عليه آباؤهم بكل تأكيد :
«فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ. ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ. وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ. وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ. وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ. وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ. وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ.. إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»..
لا يتسرب إلى نفسك شك في فساد عبادة هؤلاء. والخطاب للرسول - صلى اللّه عليه وسلم - والتحذير لقومه. وهذا الأسلوب أفعل في النفس أحيانا، لأنه يوحي بأنها قضية موضوعية يبينها اللّه لرسوله، وليست جدالا مع أحد، ولا خطابا للمتلبسين بها، إهمالا لهم وقلة انشغال بهم! وعندئذ يكون لتلك الحقيقة الخالصة المجردة أثرها في اهتمامهم أكثر مما لو خوطبوا بها خطابا مباشرا..
«فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ. ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ»..
ومصيرهم إذن كمصيرهم.. العذاب.. ولكنه يلفه كذلك في التعبير تمشيا مع الأسلوب :
«وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ»..
ومعروف نصيبهم هذا من نصيب القوم قبلهم. وقد رأينا منه نماذج ومشاهد! وقد لا يصيبهم عذاب الاستئصال - في الدنيا - كما لم يصب قوم موسى :«وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ».. وتفرقت كلمتهم واعتقاداتهم وعباداتهم، ولكن كلمة سبقت من اللّه أن يكون حسابهم الكامل يوم القيامة :«وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ»..
ولحكمة ما سبقت هذه الكلمة، ولم يحل عذاب الاستئصال بهم، لأن لهم كتابا، والذين لهم كتاب من أتباع الرسل كلهم مؤجلون إلى يوم القيامة، لأن الكتاب دليل هداية باق، تستطيع الأجيال أن تتدبره كالجيل الذي أنزل فيه. والأمر ليس كذلك في الخوارق المادية التي لا يشهدها إلا جيل، فإما أن يؤمن بها وإما أن لا يؤمن فيأخذه العذاب.. والتوراة والإنجيل كتابان متكاملان يظلان معروضين