وما يجوز أن يثقل الواقع الجاهلي على حس مسلم، حتى يتلقى من الجاهلية في منهج حياته وهو يعلم أن ما جاءه به محمد - صلى اللّه عليه وسلم - هو الحق وأن الذي لا يعلم أن هذا هو الحق «أعمى». ثم يتبع هذا الأعمى، ويتلقى عنه، بعد شهادة اللّه سبحانه وتعالى..
وأخيرا نقف أمام المعلم الأخير من المعالم التي تقيمها هذه السورة لهذا الدين..
إن هناك علاقة وثيقة بين الفساد الذي يصيب حياة البشر في هذه الأرض وبين ذلك العمى عن الحق الذي جاء من عند اللّه لهداية البشر إلى الحق والصلاح والخير. فالذين لا يستجيبون لعهد اللّه على الفطرة، ولا يستجيبون للحق الذي جاء من عنده ويعلمون أنه وحده الحق.. هم الذين يفسدون في الأرض كما أن الذين يعلمون أنه الحق ويستجيبون له هم الذين يصلحون في الأرض، وتزكو بهم الحياة : َ فَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمى ؟ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ. الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ. وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ، وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ. وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ، وَأَقامُوا الصَّلاةَ، وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً، وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ...»..« وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ، وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ، وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ، أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ»..
إن حياة الناس لا تصلح إلا بأن يتولى قيادتها المبصرون أولو الألباب الذين يعلمون أن ما أنزل إلى محمد - صلى اللّه عليه وسلم - هو الحق. ومن ثم يوفون بعهد اللّه على الفطرة، وبعهد اللّه على آدم وذريته، أن يعبدوه وحده، فيدينوا له وحده، ولا يتلقوا عن غيره، ولا يتبعوا إلا أمره ونهيه. ومن ثم يصلون ما أمر اللّه به أن يوصل، ويخشون ربهم فيخافون أن يقع منهم ما نهى عنه وما يغضبه ويخافون سوء الحساب، فيجعلون الآخرة في حسابهم في كل خالجة وكل حركة ويصبرون على الاستقامة على عهد اللّه ذاك بكل تكاليف الاستقامة ويقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم اللّه سرا وعلانية ويدفعون السوء والفساد في الأرض بالصلاح والإحسان..
إن حياة الناس في الأرض لا تصلح إلا بمثل هذه القيادة المبصرة التي تسير على هدى اللّه وحده والتي تصوغ الحياة كلها وفق منهجه وهديه.. إنها لا تصلح بالقيادات الضالة العمياء، التي لا تعلم أن ما أنزل على محمد - صلى اللّه عليه وسلم - هو الحق وحده والتي تتبع - من ثم - مناهج أخرى غير منهج اللّه الذي ارتضاه للصالحين من عباده.. إنها لا تصلح بالإقطاع والرأسمالية، كما أنها لا تصلح بالشيوعية والاشتراكية العلمية!..
إنها كلها من مناهج العمي الذين لا يعلمون أن ما أنزل على محمد - صلى اللّه عليه وسلم - هو وحده الحق، الذي لا يجوز العدول عنه، ولا التعديل فيه.. إنها لا تصلح بالثيوقراطية كما أنها لا تصلح بالديكتاتورية أو الديمقراطية! فكلها سواء في كونها من مناهج العمي، الذين يقيمون من


الصفحة التالية
Icon