وخرج رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بنفسه يشيعهم.. وهي الغزوة التي استشهد فيها الثلاثة رضي اللّه عنهم.
وكان آخر عمل من أعماله - صلى اللّه عليه وسلم - أن أمّر أسامة بن زيد على جيش لغزو الروم، يضم كثرة من المهاجرين والأنصار، فيهم أبو بكر وعمر وزيراه، وصاحباه، والخليفتان بعده بإجماع المسلمين.
وفيهم سعد بن أبي وقاص قريبه - صلى اللّه عليه وسلم - ومن أسبق قريش إلى الإسلام.
وقد تململ بعض الناس من إمارة أسامة وهو حدث. وفي ذلك قال ابن عمر رضي اللّه عنهما - : بعث رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - بعثا أمر عليهم أسامة بن زيد - رضي اللّه عنهما - فطعن بعض الناس في إمارته، فقال النبي - صلى اللّه عليه وسلم - إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وأيم اللّه إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إليّ. وإن هذا لمن أحب الناس إلي « أخرجه الشيخان والترمذي.»..
ولما لغطت ألسنة بشأن سلمان الفارسي، وتحدثوا عن الفارسية والعربية، بحكم إيحاءات القومية الضيقة، ضرب رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - ضربته الحاسمة في هذا الأمر فقال :«سلمان منا أهل البيت « أخرجه الطبراني والحاكم. »» فتجاوز به - بقيم السماء وميزانها - كل آفاق النسب الذي يستعزون به، وكل حدود القومية الضيقة التي يتحمسون لها.. وجعله من أهل البيت رأسا!
ولما وقع بين أبي ذر الغفاري وبلال بن رباح - رضي اللّه عنهما - ما أفلت معه لسان أبي ذر بكلمة «يا بن السوداء».. غضب لها رسول اللّه - صلى اللّه عليه وسلم - غضبا شديدا وألقاها في وجه أبي ذر عنيفة مخيفة :«يا أبا ذر طفّ الصاع ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل « أخرجه ابن المبارك في البر والصلة مع اختلاف.»». ففرق في الأمر إلى جذوره البعيدة..
إما إسلام فهي قيم السماء وموازين السماء. وإما جاهلية فهي قيم الأرض وموازين الأرض! ووصلت الكلمة النبوية بحرارتها إلى قلب أبي ذر الحساس فانفعل لها أشد الانفعال، ووضع جبهته على الأرض يقسم ألا يرفعها حتى يطأها بلال. تكفيرا عن قولته الكبيرة!
وكان الميزان الذي ارتفع به بلال هو ميزان السماء.. عن أبي هريرة - رضي اللّه عنه - قال : قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - :«يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام منفعة عندك. فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة». فقال : ما عملت في الإسلام عملا أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاما في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي « أخرجه الشيخان.».


الصفحة التالية
Icon