حفظ أبو بكر - رضي اللّه عنه - عن صاحبه - صلّى اللّه عليه وسلم - ما أراده في أمر أسامة. فكان أول عمل له بعد توليه الخلافة هو إنفاذه بعث أسامة، على رأس الجيش الذي أعده رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - وسار يودعه بنفسه إلى ظاهر المدينة. أسامة راكب وأبو بكر الخليفة راجل. فيستحيي أسامة الفتى الحدث أن يركب والخليفة الشيخ يمشي. فيقول :«يا خليفة رسول اللّه لتركبن أو لأنزلن».. فيقسم الخليفة :
«واللّه لا تنزل. وو اللّه لا أركب. وما علي أن أغبر قدمي في سبيل اللّه ساعة؟»..
ثم يرى أبو بكر أنه في حاجة إلى عمر. وقد حمل عبء الخلافة الثقيل. ولكن عمر إنما هو جندي في جيش أسامة. وأسامة هو الأمير. فلا بد من استئذانه فيه. فإذا الخليفة يقول :«إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل».. يا للّه! إن رأيت أن تعينني فافعل.. إنها آفاق عوال، لا يرقى إليها الناس إلا بإرادة اللّه، على يدي رسول من عند اللّه! ثم تمضي عجلة الزمن فنرى عمر بن الخطاب خليفة يولي عمار بن ياسر على الكوفة.
ويقف بباب عمر سهيل بن عمرو بن الحارث بن هشام، وأبو سفيان بن حرب، وجماعة من كبراء قريش من الطلقاء! فيأذن قبلهم لصهيب وبلال. لأنهما كانا من السابقين إلى الإسلام ومن أهل بدر. فتورم أنف أبي سفيان، ويقول بانفعال الجاهلية :«لم أر كاليوم قط. يأذن لهؤلاء العبيد ويتركنا على بابه!»..
فيقول له صاحبه - وقد استقرت في حسه حقيقة الإسلام - :«أيها القوم. إني واللّه أرى الذي في وجوهكم.
إن كنتم غضابا فاغضبوا على أنفسكم. دعي القوم إلى الإسلام ودعيتم. فأسرعوا وأبطأتم. فكيف بكم إذا دعوا يوم القيامة وتركتم؟.
ويفرض عمر لأسامة بن زيد أكبر مما يفرض لعبد اللّه بن عمر. حتى إذا سأله عبد اللّه عن سر ذلك قال له :«يا بني. كان زيد - رضي اللّه عنه - أحب إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - من أبيك! وكان أسامة - رضي اللّه عنه - أحب إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - منك! فآثرت حب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - على حبي»
« أخرجه الترمذي. ».. يقولها عمر وهو يعلم أن حب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - إنما كان مقوما بميزان السماء! ويرسل عمر عمارا ليحاسب خالد بن الوليد - القائد المظفر صاحب النسب العريق - فيلببه بردائه.. ويروى أنه أوثقه بشال عمامته حتى ينتهي من حسابه فتظهر براءته فيفك وثاقه ويعممه بيده.. وخالد لا يرى في هذا
كله بأسا. فإنما هو عمار صاحب رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - السابق إلى الإسلام الذي قال عنه رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلم - ما قال! وعمر هو الذي يقول عن أبي بكر - رضي اللّه عنهما - هو سيدنا وأعتق سيدنا. يعني بلالا. الذي كان مملوكا لأمية بن خلف. وكان يعذبه عذابا


الصفحة التالية
Icon