أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً؟ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ؟»...
ونجده في قصة شعيب - عليه السلام - :«قالَ : يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً؟ وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ، إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ. وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ. عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ»..
ونجدها في قول يعقوب - عليه السلام - لبنيه : ِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ»..
وهكذا وهكذا نجد في أقوال الرسل وأوصافهم أثر ذلك الإيقاع العميق الملح على فطرتهم، والذي تشي كلماتهم بما يجدونه منه في أعماق الضمير! ويوما بعد يوم تكشفت للمعرفة الإنسانية الخارجية ظواهر تشير من بعيد إلى قانون الوحدة في هذا الوجود.
واطلع العلماء من البشر على ظاهرة وحدة التكوين ووحدة الحركة في هذا الكون العريض. وتكشف - في حدود ما يملك الإنسان أن يعلم - أن الذرة هي أساس البناء الكوني كله، وأن الذرة طاقة.. فالتقت المادة بالقوة في هذا الكون ممثلة في الذرة. وانتفت الثنائية التي تراءت طويلا. وإذا المادة - وهي مجموعة من الذرات - هي طاقة حين تتحطم هذه الذرات، فتتحول إلى طاقة من الطاقات!.. وتكشف كذلك - في حدود ما يملك الإنسان أن يعلم - أن الذرة في حركة مستمرة من داخلها. وأنها مؤلفة من إلكترونات - أو كهارب - تدور في فلك حول النواة أو النويات وهي قلب الذرة. وأن هذه الحركة مستمرة ومطردة في كل ذرة. وأن كل ذرة - كما قال فريد الدين العطار - شمس تدور حولها كواكب كشمسنا هذه وكواكبها التي ما تني تدور حولها باستمرار! وحدة التكوين ووحدة الحركة في هذا الكون هما الظاهرتان اللتان اهتدى إليهما الإنسان.. وهما إشارتان من بعيد إلى قانون الوحدة الشامل الكبير. وقد بلغت إليهما المعرفة البشرية بمقدار ما تطيق الملاحظة والتجربة البشرية أن تبلغ.. أما الطبائع الخاصة الموهوبة، فقد أدركت القانون الشامل الكبير كله في لمحة لأنها تتلقى إيقاعه المباشر، وتطيق وحدها تلقيه.
إنهم لم يجمعوا الشواهد والظواهر على تلك الوحدة عن طريق التجارب العلمية. ولكن لأنهم وهبوا جهاز استقبال كاملا مباشرا، استقبلوا إيقاع الناموس الواحد استقبالا داخليا مباشرا فأدركوا إدراكا مباشرا أن الإيقاع الواحد لا بد منبعث عن ناموس واحد، صادر من مصدر واحد. وكان هذا الجهاز اللدني في تلك الطبائع الخاصة الموهوبة أدق وأشمل وأكمل، لأنه أدرك في لمسة واحدة ما وراء وحدة الإيقاع من وحدة المصدر، ووحدة الإرادة والفاعلية في هذا الوجود. فقرر - في إيمان - وحدة الذات الإلهية المصرفة لهذا الوجود.