للحياة شامل، هي خير ما يكفل للحياة النمو والتجدد والانطلاق. فأيما إنسان زعم لنفسه أنه أعلم من اللّه بمصلحة عباده أو زعم أن هذا المنهج الرباني لم يعد يصلح للحياة المتجددة النامية في الأرض أو زعم أنه يملك ابتداع منهج أمثل من المنهج الذي أراده اللّه.. أيما إنسان زعم واحدة من هذه الدعاوى أو زعمها جميعا فقد كفر كفرا صراحا لا مراء فيه وأراد لنفسه وللبشرية شر ما يريده إنسان بنفسه وبالبشرية واختار لنفسه موقف العداء الصريح للّه، والعداء الصريح للبشرية التي رحمها اللّه بهذه الرسالة، وأراد لها الخير بالمنهج الرباني المنبثق منها ليحكم الحياة البشرية إلى آخر الزمان.
وبعد فقد اقتتل أتباع «تِلْكَ الرُّسُلُ». ولم تغن وحدة جماعة الرسل في طبيعتهم، ووحدة الرسالة التي جاءوا بها كلهم.. لم تغن هذه الوحدة عن اختلاف أتباع الرسل حتى ليقتتلون من خلاف :
« وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ - مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ - وَلكِنِ اخْتَلَفُوا : فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا. وَلكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ»..
إن هذا الاقتتال لم يقع مخالفا لمشيئة اللّه. فما يمكن أن يقع في هذا الكون ما يخالف مشيئته - سبحانه - فمن مشيئته أن يكون هذا الكائن البشري كما هو. بتكوينه هذا واستعداداته للهدى وللضلال. وأن يكون موكولا إلى نفسه في اختيار طريقه إلى الهدى أو إلى الضلال. ومن ثم فكل ما ينشأ عن هذا التكوين وإفرازاته واتجاهاته داخل في اطار المشيئة وواقع وفق هذه المشيئة.
كذلك فإن اختلاف الاستعدادات بين فرد وفرد من هذا الجنس سنة من سنن الخالق، لتنويع الخلق - مع وحدة الأصل والنشأة - لتقابل هذه الاستعدادات المختلفة وظائف الخلافة المختلفة المتعددة المتنوعة. وما كان اللّه ليجعل الناس جميعا نسخا مكررة كأنما طبعت على ورق «الكربون».. على حين أن الوظائف اللازمة للخلافة في الأرض وتنمية الحياة وتطويرها منوعة متباينة متعددة.. أما وقد مضت مشيئة اللّه بتنويع الوظائف فقد مضت كذلك بتنويع الاستعدادت. ليكون الاختلاف فيها وسيلة للتكامل. وكلف كل إنسان أن يتحرى لنفسه الهدى والرشاد والإيمان. وفيه الاستعداد الكامن لهذا، وأمامه دلائل الهدى في الكون، وعنده هدى الرسالات والرسل على مدار الزمان. وفي نطاق الهدى والإيمان يمكن أن يظل التنوع الخير الذي لا يحشر نماذج الناس كلهم في قالب جامد! «وَلكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ»..
وحين يصل الاختلاف إلى هذا المدى، فيكون اختلاف كفر وإيمان، يتعين القتال. يتعين لدفع الناس بعضهم ببعض. دفع الكفر بالإيمان. والضلال بالهدى، والشر بالخير. فالأرض لا تصلح بالكفر والضلال والشر.
ولا يكفي أن يقول قوم : إنهم أتباع أنبياء إذا وصل الاختلاف بينهم إلى حد الكفر والإيمان. وهذه هي الحالة التي كانت تواجهها الجماعة المسلمة في المدينة يوم نزل هذا النص.. كان المشركون في مكة يزعمون أنهم على ملة إبراهيم! وكان اليهود في المدينة يزعمون أنهم على دين موسى. كما كان