والرجل كان أديباً نقادة، ثم اتجه إلى خدمة الإسلام، من خلال القرآن العظيم، والسنة المشرفة، وسخر قلمه ووقته، ودمه في سبيلها، فشرق بها طغاة عصره! وأصر على موقفه في سبيل الله تعالى، وكشف عن سالفته، وطلب منه أن يسطر بقلمه كلمات اعتذار! وقال كلمته المشهورة: إن أصبعاً أرفعه للشهادة، لن أكتب به كلمة تضارها! أو كلمة نحو ذلك. والواجب على الجميع الدعاء له بالمغفرة، والاستفادة من علمه، وبيان ما تحققنا خطأه فيه. وإن خطأه لا يوجب حرماننا من علمه، ولا هجر كتبه. واعتبر -رعاك الله - حاله بحال أسلاف مضوا، أمثال أبي إسماعيل الهروي، والجيلاني، وكيف دافع عنهما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع ما لديهما من الطوام، لأن الأصل في مسلكهما: نصرة الإسلام والسنة. وانظر (منازل السائرين) للهروي - رحمه الله تعالى- تر عجائب لا يمكن قبولها! ومع ذلك فابن القيم - رحمه الله تعالى- يعتذر عنه أشد الاعتذار، ولا يجرمه فيها، وذلك في شرحه ( مدارج السالكين) وقد بسطت في كتاب ( تصنيف الناس بين الظن واليقين ) ما تيسر لي من قواعد
ضابطة في ذلك. وفي الختام فإني أنصح فضيلة الأخ في الله بالعدول عن طبع هذا الكتاب ( أضواء إسلامية) وإنه لا يجوز نشره، ولا طبعه، لما فيه من التحامل الشديد، والتدريب القوي لشباب الأمة على الوقعية في العلماء، وتشذيبهم والحط من أقدارهم، والانصراف عن فضائلهم! أخوكم بكر بن عبد الله أبو زيد ٢٠/١/ ١٤١٤هـ.
والحق أن ما كتبنا عن ( سيد قطب) في هذا الجواب كان لمحة خاطفة، ومن أراد الاستزادة فليراجع الكتب المتخصصة في دراسة حياته وكتبه مثل: ( ظلال القرآن في الميزان) و( سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد) وكلاهما لصلاح عبد الفتاح الخالدي. وأما كتاب ( معالم في الطريق) فقد قال فيه الخالدي: ( هذا هو آخر كتاب صدر في حياة سيد. وقد أصدرته مكتبة ( وهبة) عام ١٩٦٤م، وألف سيد كتابه ليكون بياناً لمنهج عمل الحركة الإٍسلامية، وتوضيحاً لمعالم طريقها في الدعوة إلى الله. وأساس الكتاب فصول كتبها سيد من سجنه في "طرة".
والحاصل أن سيد قد وهب نفسه للصدع بالحق في سبيل الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، وقد دفع حياته ثمناً لذلك غير متوان ولا متردد وذلك في وقت عز فيه وجود من يقوم بما قام هو به، بل ظل وجوده عزيزاً إلى الآن، فعلى من وقعوا فيه أن يتأملوا قول القائل:
أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم *من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا
والله أعلم. المفتي: مركز الفتوى بإشراف د. عبدالله الفقيه (١)
===============