وليس بنا هنا أن نستعرض هذه المبادئ والأحكام (فهي جديرة ببحث مستقل يتولاه متخصص في القانون الدولي). ولكننا نستعرض ما جاء في هذه المجموعة من الآيات في هذا الدرس.. وهي تتعلق بالتعامل مع الطوائف التالية :
«أ» المنافقين غير المقيمين في المدينة.
«ب» الذين يرتبطون بقوم بينهم وبين المسلمين ميثاق..
« ج» المحايدين الذين تضيق صدورهم بحرب المسلمين أو حرب قومهم كذلك. وهم على دينهم.
«د» المتلاعبين بالعقيدة الذين يظهرون الإسلام إذا قدموا المدينة ويظهرون الكفر إذا عادوا إلى مكة.
«ه» حالات القتل الخطأ بين المسلمين والقتل العمد على اختلاف المواطن والأقوام..
وسنجد أحكاما صريحة واضحة في جميع هذه الحالات التي تكوّن جانبا من مبادئ التعامل في المحيط الدولي. شأنها شأن بقية الأحكام، التي تتناول شتى العلاقات الأخرى.
ونبدأ من حيث بدأ السياق القرآني بالقاعدة الأولية التي يقوم عليها بناء الإسلام كله. وبناء النظام الإسلامي في شتى جوانبه :
«اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ. وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً؟» إنه من توحيد اللّه - سبحانه - وإفراده بالألوهية تبدأ خطوات المنهج الرباني - سواء في تربية النفوس أم في إقامة المجتمع، ووضع شرائعه وتنظيمه وسواء كانت هذه الشرائع متعلقة بالنظام الداخلي للمجتمع المسلم، أم بالنظام الدولي، الذي يتعامل هذا المجتمع على أساسه مع المجتمعات الأخرى. ومن ثم نجد هذا الافتتاح لمجموعة الآيات المتضمنة لطائفة من قواعد التعامل الخارجية والداخلية أيضا.
كذلك من الاعتقاد في الآخرة، وجمع اللّه الواحد لعباده، ليحاسبهم هناك على ما أتاح لهم في الدنيا من فرص العمل والابتلاء، تبدأ خطوات هذا المنهج في تربية النفوس، وإثارة الحساسية فيها تجاه التشريعات والتوجيهات وتجاه كل حركة من حركاتها في الحياة.. فهو الابتلاء في الصغيرة والكبيرة في الدنيا والحساب على الصغيرة والكبيرة في الآخرة.. وهذا هو الضمان الأوثق لنفاذ الشرائع والأنظمة لأنه كامن هناك في أعماق النفس، حارس عليها، سهران حيث يغفو الرقباء ويغفل السلطان! هذا حديث اللّه - سبحانه - وهذا وعده :
« وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً»..
وبعد هذه اللمسة للقلوب، وهي اللمسة الدالة على طريقة هذا المنهج في التربية، كما هي دالة على أساس التصور الاعتقادي العملي في حياة الجماعة المسلمة..
===============


الصفحة التالية
Icon