حقا خالصا للّه وتجعل مزاولته من البشر - بغير ما أذن اللّه - كفرا.. بل زيادة في الكفر.. ومن ثم تزيل العقبة التي تحيك في بعض النفوس من استحلال رجب. وفي الوقت ذاته تقرر أصلا من أصول العقيدة الأساسية وهو قصر حق التشريع في الحل والحرمة على اللّه وحده. وتربط هذه الحقيقة بالحق الأصيل في بناء الكون كله، يوم خلق اللّه السماوات والأرض. فتشريع اللّه للناس إنما هو فرع عن تشريعه للكون كله بما فيه هؤلاء الناس. والحيدة عنه مخالفة لأصل تكوين هذا الكون وبنائه فهو زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا «١»..
وحقيقة أخرى تقررها هذه النصوص، تتعلق بما سبق تقريره في المقطع السابق مباشرة، من اعتبار أهل الكتاب مشركين، وضمهم في العداوة والجهاد إلى المشركين. والأمر بقتالهم كافة.. المشركين وأهل الكتاب..
كما أنهم يقاتلون المسلمين كافة.. الأمر الذي يقرره الواقع التاريخي كله كما تقرره من قبل كلمات اللّه - سبحانه - وهي تعبر عن وحدة الهدف تماما بين المشركين وأهل الكتاب تجاه الإسلام والمسلمين، وعن وحدة الصف التي تجمعهم كذلك عند ما تكون المعركة مع الإسلام والمسلمين، مهما يكن بينهم هم من عداوات قبل ذلك وثارات واختلافات في تفصيلات العقيدة كذلك، لا تقدم شيئا ولا تؤخر في تجمعهم جميعا في وجه الانطلاق الإسلامي وفي عملهم متجمعين لسحق الوجود الإسلامي.
وهذه الحقيقة الأخيرة الخاصة بأن أهل الكتاب مشركون كالمشركين، وأن المشركين هؤلاء وهؤلاء يقاتلون المسلمين كافة فوجب على المسلمين أن يقاتلوهم كافة.. بالإضافة إلى الحقيقة الأولى : وهي أن النسيء زيادة في الكفر.
لأنه مزاولة للتشريع بغير ما أنزل اللّه، فهو كفر يضاف إلى الكفر الاعتقادي ويزيد فيه.. هاتان الحقيقتان هما المناسبة التي تربط هاتين الآيتين بما قبلهما وما بعدهما في السياق الذي يعالج المعوقات دون النفير العام، والانطلاق الإسلامي تجاه المشركين وأهل الكتاب..
«إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ. ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ»..
إن هذا النص القرآني يرد معيار الزمن، وتحديد دورانه إلى طبيعة الكون التي فطرة اللّه عليها. وإلى أصل الخلقة. خلقة السماوات والأرض. ويشير إلى أن هناك دورة زمنية ثابتة، مقسمة إلى اثني عشر شهرا. يستدل على ثباتها بثبات عدة الأشهر فلا تزيد في دورة وتنقص في دورة. وأن ذلك في كتاب اللّه - أي في ناموسه الذي أقام عليه نظام هذا الكون. فهي ثابتة على نظامها، لا تتخلف ولا تتعرض للنقص والزيادة. لأنها تتم وفق قانون ثابت، هو ذلك الناموس الكوني الذي أراده اللّه يوم خلق السماوات والأرض :


الصفحة التالية
Icon