ألاَ مَنْ يُرِينِي غَايتِي قَبْل مذْهَبِي ومِنْ أينْ والغَايَاتُ بَعْد المذَاهِبِ؟
وقد عزل الكفار الوسيلة في الدنيا عن الغاية في الآخرة، فتباهوا وعَيَّروا المؤمنين:﴿ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَاماً وَأَحْسَنُ نَدِيّاً ﴾[مريم: ٧٣].
وفي قصة سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ:﴿ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ ﴾[العنكبوت: ٢٤].
وهكذا اتفقوا على الإحراق، ونجَّى الله نبيه وخيَّب سَعْيهم، ثم كانت الغاية في الآخرة:﴿ وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ ﴾[العنكبوت: ٢٥]. فكان عليهم ألاَّ ينظروا إلى الوسيلة منفصلةً عن غايتها. وهنا يردُّ الحق ـ تبارك وتعالى ـ على هؤلاء المغترِّين بنعمة الله:﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً ﴾ [مريم: ٧٤] وكما قال في آيات أخرى:﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى الأَوْتَادِ ﴾[الفجر: ٦ـ١٠].
وهلاك هؤلاء وأمثالهم سَهْل لا يكلف الحق سبحانه إلا أنْ تهُبَّ عليهم عواصف الرمال، فتطمس حضارتهم، وتجعهلم أثراً بعد عَيْن.
فدعاهم إلى النظر في التاريخ، والتأمّل في عاقبة أمثالهم من الكفرة والمكذبين، وما عساه أنْ يُغني عنهم من المقام والندىّ الذي يتباهون به، وهل وسائل الدنيا هذه تدفع عنهم الغاية التي تنتظرهم في الآخرة؟
وكأن الحق ـ تبارك وتعالى ـ لا يردّ عليهم بكلام نظري يقول: إن عاقبتكم كذا وكذا من العذاب، بل يعطيهم مثالاً من الواقع.
ويخاطب نبيه - ﷺ - بقوله:﴿ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ ﴾[غافر: ٧٧] أي: من القهر والهزيمة والانكسار﴿ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ﴾[غافر: ٧٧] فمَنْ أفلت من عذاب الدنيا، فلن يفلت من عذاب الآخرة.


الصفحة التالية
Icon