يقول : فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشئ على مقدار عقائد أهلها في ما يجوز على الله ويستحيل، وكان أكثر الأمم مجسمة، ثم يجيء ذلك في لسان الشرائع تعبيرًا على المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على ( )فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا } ليس كمثله شيء { التنزيه وهو مضمون قول القرآن وصفي : الرحمن الرحيم ؛ لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الأسمى من حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة لأن ماعدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له، لولا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم ألا ترى أن المرء قد يرحم أحدًا ولا يملك له نفعا لعجز أو نحوه وقد أشار إلى ما قلناه أبو حامد الغزالي في المقصد الأسنى بقوله : الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرًا على قضائها لم يسم رحيمًا إذ لو تمت الإرادة لوفى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتبره من الرحمة والرقة ولكن ناقص.