صفحة : ٤
فإذا قلنا إن يوم الدين في قوله تعالى )ملك يوم الدين( هو يوم الجزاء، وإذا قلنا إن قوله تعالى )وحمله وفصاله ثلاثون شهرا( مع قوله )وفصاله في عامين( يؤخذ منه أن أقل الحمل ستة أشهر عند من قال ذلك، لم يكن شيء من ذلك قضية، بل الأول تعريف لفظي، والثاني من دلالة الالتزام ولكنهم عدوا تفسير ألفاظ القرآن علما مستقلا أراهم فعلوا ذلك لواحد من وجوه ستة: الأول: أن مباحثه لكونها تؤدي إلى استنباط علوم كثيرة وقواعد كلية، نزلت منزلة القواعد الكلية لأنها مبدأ لها، ومنشأ، تنزيلا للشيء منزلة ما هو شديد الشبه به بقاعدة ما قارب الشيء يعطي حكمه، ولا شك أن ما تستخرج منه القواعد الكلية والعلوم أجدر بأن يعد علما من عد فروعه علما، وهم قد عدوا تدوين الشعر علما لما فى حفظه من استخراج نكت بلاغية وقواعد لغوية.
والثاني أن نقول: إن اشتراط كون مسائل العلم قضايا كلية يبرهن عليها في العلم خاص بالعلوم المعقولة، لأن هذا اشتراط ذكره الحكماء في تقسيم العلوم، أما العلوم الشرعية والأدبية فلا يشترط فيها ذلك، بل يكفي أن تكون مباحثها مفيدة كمالا علميا لمزاولها، والتفسير أعلاها في ذلك، كيف وهو بيان مراد الله تعالى من كلامه، وهم قد عدوا البديع علما والعروض علما وما هي إلا تعاريف لألقاب اصطلاحية.
والثالث أن نقول: التعاريف اللفظية تصديقات على رأي بعض المحققين فهي تؤول إلى قضايا، وتفرع المعاني الجمة عنها نزلها منزلة الكلية، والاحتجاج عليها بشعر العرب وغيره يقوم مقام البرهان على المسألة، وهذا الوجه يشترك مع الوجه الأول في تنزيل مباحث التفسير منزلة المسائل، إلا أن وجه التنزيل في الأول راجع إلى ما يتفرع عنها، وهنا راجع إلى ذاتها مع أن التنزيل في الوجه الأول في جميع الشروط الثلاثة وهنا في شرطين، لأن كونها قضايا إنما يجيء على مذهب بعض المنطقيين.


الصفحة التالية
Icon