صفحة : ٤٤
فكانت وحيا نزل به جبريل، فقرئ مع الآية التي نزل بأثرها، وكذلك آية )إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها( عقب قوله تعالى )وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات( إلى قوله )وهم فيها خالدون( في سورة البقرة إذ كان ردا على المشركين في قولهم: أما يستحي محمد أن يمثل بالذباب وبالعنكبوت؟ فلما ضرب لهم الأمثال بقوله )مثلهم كمثل الذي استوقد نارا( تخلص إلى الرد عليهم فيما أنكروه من الأمثال. على أنه لا يعدم مناسبة ما، وقد لا تكون له مناسبة ولكنه اقتضاه سبب في ذلك المكان كقوله تعالى )لا تحرك به لسانك لتعجل به. إن علينا جمعه وقرآنه. فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه( فهذه الآيات نزلت في سورة القيامة في خلال توبيخ المشركين على إنكارهم البعث ووصف يوم الحشر وأهواله، وليست لها مناسبة بذلك ولكن سبب نزولها حصل في خلال ذلك. روى البخاري عن ابن عباس قال كان رسول الله إذا نزل جبريل بالوحي كان مما يحرك به لسانه وشفتيه يريد أن يحفظه فأنزل الله الآية التي في )لا أقسم بيوم القيامة( اه، فذلك يفيد أن رسول الله ﷺ حرك شفتيه بالآيات التي نزلت في أول السورة.
على أنه قد لا يكون في موقع الآية من التي قبلها ظهور مناسبة فلا يوجب ذلك حيرة للمفسر؛ لأنه قد يكون سبب وضعها في موضعها أنها قد نزلت على سبب وكان حدوث سبب نزولها في مدة نزول السورة التي وضعت فيها فقرئت تلك الآية عقب آخر آية انتهى إليها النزول، وهذا كقوله تعالى )حافظوا على الصلوات( إلى قوله )ما لم تكونوا تعلمون( بين تشريعات أحكام كثيرة في شؤون الأزواج والأمهات، وقد ذكرنا ذلك عند هذه الآية في التفسير.


الصفحة التالية
Icon