على أن التعدد في الوقف قد يحصل به ما يحصل بتعدد وجوه القراءات من تعدد المعنى مع اتحاد الكلمات. فقوله تعالى )ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قواريرا من فضة قد روها تقديرا( فإذا وقف على قواريرا، الأول كان قواريرا الثاني تأكيدا لرفع احتمال المجاز في لفظ قواريرا، واذا وقف على قواريرا الثاني كان المعنى الترتيب والتصنيف، كما يقال: قرأ الكتاب بابا بابا، وحضروا صفا صفا. وكان قوله )من فضة( عائدا إلى قوله )بآنية من فضة(.
ولما كان القرآن مرادا منه فهم معانيه وإعجاز الجاحدين به وكان قد نزل بين أهل اللسان كان فهم معانيه مفروغا من حصوله عند جميعهم. فأما التحدي بعجز بلغائهم عن معارضته فأمر يرتبط بما فيه من الخصوصيات البلاغية التي لا يستوي في القدرة عليها جميعهم بل خاصة بلغائهم من خطباء وشعراء، وكان من جملة طرق الإعجاز ما يرجع إلى محسنات الكلام من فن البديع، ومن ذلك فواصل الآيات التي هي شبه قوافي الشعر وأزجاع النثر، وهي مراده في نظم القرآن لا محالة كما قد مناه عند الكلام على آيات القرآن فكان عدم الوقف عليها تفريطا في الغرض المقصود منها.


الصفحة التالية
Icon