صفحة : ٤٧
وكل ذلك استنادا لما فهمه من نزول القرآن. ولم يحفظ عن جمهور الصحابة حين جمعوا القرآن أنهم ترددوا ولا اختلفوا في عدد سوره، وأنها مائة وأربع عشرة سورة، روى أصحاب السنن عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ كان إذا نزلت الآية يقول: ضعوها في السورة التي يذكر فيها كذا، وكانت السور معلومة المقادير منذ زمن النبي ﷺ محفوظة عنه في قراءة الصلاة وفي عرض القرآن، فترتيب الآيات في السور هو بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عزا ابن عطية إلى مكي بن أبي طالب وجزم به السيوطي في الإتقان، وبذلك يكون مجموع السورة من الآيات أيضا توقيفيا، ولذلك نجد في الصحيح أن النبي ﷺ قرأ في الصلاة سورة كذا وسورة كذا من طوال وقصار، ومن ذلك حديث صلاة الكسوف، وفي الصحيح أن رجلا سأل النبي ﷺ أن يزوجه امرأة فقال له النبي: هل عندك ماتصدقها؟ قال: لا، فقال: ما معك من القرآن؟ قال: سورة كذا وسورة كذا لسور سماها، فقال قد زوجتكها بما معك من القرآن وسيأتي مزيد شرح لهذا الغرض عند الكلام على أسماء السور.
وفائدة التسوير ما قاله صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى )فأتوا بسورة من مثله(: إن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن وأنبل من أن يكون ببانا واحدا، وأن القارئ إذا ختم سورة أو بابا من الكتاب ثم أخذ في آخر كان أنشط له وأهز لعطفه كالمسافر إذا علم أنه قطع ميلا أو طوى فرسخا.
وأما ترتيب السور بعضها إثر بعض، فقال أبو بكر الباقلاني: يحتمل أن النبي ﷺ هو الذي أمر بترتيبها كذلك، ويحتمل أن يكون ذلك من اجتهاد الصحابة، وقال الداني: كان جبريل يوقف رسول الله على موضع الآية وعلى موضع السورة.


الصفحة التالية
Icon