صفحة : ٤٨
وقد يوجد في آي من القرآن ما يقتضي سبق سورة على أخرى مثل قوله في سورة النحل )وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل( يشير إلى قوله )وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر( الآية من سورة الأنعام فدلت على أن سورة الأنعام نزلت قبل سورة النحل، وكذلك هي مرتبة في المصحف، وقد ثبت أن آخر آية نزلت آية في سورة البقرة أو في سورة النساء أو في براءة، وثلاثتها في الترتيب مقدمة على سور كثيرة.
فالمصاحف الأولى التي كتبها الصحابة لأنفسهم في حياة النبي ﷺ كانت مختلفة في ترتيب وضع السور. وممن كان له مصحف عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب، وروي أن أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة. قال في الإتقان: إن من الصحابة من رتب مصحفه على ترتيب النزول أي بحسب ما بلغ إليه علمه وكذلك كان مصحف علي رضي الله عنه وكان أوله اقرأ باسم، ثم المدثر، ثم المزمل، ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي ثم المدني. ومنهم من رتب على حسب الطول والقصر وكذلك كان مصحف أبي وابن مسعود فكانا ابتدأ بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، وعلى هذه الطريقة أمر عثمان رضي الله عنه بترتيب المصحف المدعو بالإمام، أخرج الترمذي وأبو داود عن ابن عباس قال: قلت لعثمان بن عفان: ما حملكم أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموهما في السبع الطوال، فقال عثمان كان رسول الله مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما أنزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم