صفحة : ٤٩
ثم اعلم ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري في باب تأليف القرآن أنها لا ترى القراءة على ترتيب المصحف أمرا لازما فقد سألها رجل من العراق أن تريه مصحفها ليؤلف عليه مصحفه فقالت وما يضرك أية آية قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل منه سورة فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام وفي صحيح مسلم عن حذيفة أن النبي ﷺ صلى بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران في ركعة. قال عياض في الإكمال هو دليل لكون ترتيب السورة وقع باجتهاد الصحابة حين كتبوا المصحف وهو قول مالك رحمه الله وجمهور العلماء وفي حديث صلاة الكسوف أن النبي قرأ فيها بسورتين طويلتين ولما كانت جهرية فإن قراءته تينك السورتين لا يخفى على أحد ممن صلى معه، ولذلك فالظاهر أن تقديم سورة آل عمران على سورة النساء في المصحف الإمام ما كان إلا اتباعا لقراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قرأها النبي كذلك إما لأن سورة آل عمران سبقت في النزول سورة النساء التي هي من آخر ما أنزل، أو لرعى المناسبة بين سورة البقرة وسورة آل عمران في الافتتاح بكلمة آلم، أو لأن النبي ﷺ وصفهما وصفا واحدا ففي حديث أبي أمامة أن النبي قال اقرءوا الزهراوين البقرة وآل عمران وذكر فضلهما يوم القيامة أو لما في صحيح مسلم أيضا عن حديث النواس ابن سمعان أن النبي قال يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران، وضرب لهما ثلاثة أمثال الحديث. ووقع في تفسير شمس الدين محمود الأصفهاني الشافعي، في المقدمة الخامسة من أوائله لا خلاف في أن القرآن يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه، وأما في محله ووضعه وترتيبه فعند المحققين من أهل السنة كذلك؛ إذ الدواعي تتوفر على نقله على وجه التواتر، وما قيل التواتر شرط في ثبوته بحسب أصله وليس شرطا في محله ووضعه وترتيبه فضعيف لأنه لو لم يشترط