وإن القراءات المتواترة إذا اختلفت في قراءة ألفاظ القرآن اختلافا يفضي إلى اختلاف المعاني لمما يرجع إلى هذا الأصل.
ثم إن معاني التركيب المحتمل معنيين فصاعدا قد يكون بينهما العموم والخصوص فهذا النوع لا تردد في حمل التركيب على جميع ما يحتمله، ما لم يكن عن بعض تلك المحامل صارف لفظي أو معنوي، مثل حمل الجهاد في قوله تعالى )ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه( في سورة العنكبوت على معني مجاهدة النفس في إقامة شرائع الإسلام، ومقاتلة الأعداء في الذب عن حوزة الإسلام. وقد يكون بينها التغاير، بحيث يكون تعيين التركيب للبعض منافيا لتعيينه للآخر بحسب إرادة المتكلم عرفا، ولكن صلوحية التركيب لها على البدلية مع عدم ما يعين إرادة أحدها تحمل السامع على الأخذ بالجميع إيفاء بما عسى أن يكون مراد المتكلم، فالحمل على الجميع نظير ما قاله أهل الأصول في حمل المشترك على معانيه احتياطا. وقد يكون ثاني المعنيين متولدا من المعنى الأول، وهذا لا شبهة في الحمل عليه لأنه من مستتبعات التراكيب، مثل الكناية والتعريض والتهكم مع معانيها الصريحة، ومن هذا القبيل ما في صحيح البخاري عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟، فقال عمر: إنه من حيث علمتم، فدعاه ذات يوم فأدخله معهم قال: فما رئيت أنه دعاني إلا ليريهم، قال: ما تقولون في قول الله تعالى )إذا جاء نصر الله والفتح؟( فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا وسكت بعضهم فلم يقل شيئا، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، فقال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله أعلمه له، قال إذا جاء نصر الله والفتح وذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول.