وهذا الأخير قد نبه عليه علماء العربية الذين اشتغلوا بعلم المعاني والبيان. وبقي المبحثان الأولان وهما استعمال المشترك في معنييه أو معانيه، واستعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، محل تردد بين المتصدين لاستخراج معاني القرآن تفسيرا وتشريعا، سببه أنه غير وارد في كلام العرب قبل القرآن أو واقع بندرة، فلقد تجد بعض العلماء يدفع محملا من محامل بعض آيات بأنه محمل يفضي إلى استعمال المشترك في معنييه أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، ويعدون ذلك خطبا عظيما.
من أجل ذلك اختلف علماء العربية وعلماء أصول الفقه في جواز استعمال المشترك في أكثر من معنى من مدلوله اختلافا ينبي عن ترددهم في صحة حمل ألفاظ القرآن على هذا الاستعمال. وقد أشار كلام بعض الأئمة إلى أن مثار اختلافهم هو عدم العهد بمثله عند العرب قبل نزول القرآن، إذ قال الغزالي وأبو الحسين البصري يصح أن يراد بالمشترك عدة معان لكن بإرادة المتكلم وليس بدلالة اللغة. وظني بهما أنهما يريدان تصيير تلك الإرادة إلى أنها دلالة من مستتبعات التراكيب لأنها دلالة عقلية لا تحتاج إلى علاقة وقرينة، كدلالة المجاز والاستعارة.


الصفحة التالية
Icon