صفحة : ٥٨
قال الله تعالى )وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار( الآية من سورة البقرة.
وقال )قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين( سورة يونس وقال )أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله أن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله( سورة هود.
فعجز جميع المتحدين عن الإتيان بمثل القرآن أمر متواتر بتواتر هذه الآيات بينهم وسكوتهم عن المعارضة مع توفر دواعيهم عليها.
وقد اختلف العلماء في تعليل عجزهم عن ذلك فذهبت طائفة قليلة إلى تعليله بأن الله صرفهم عن معارضة القرآن فسلبهم المقدرة أو سلبهم الداعي، لتقوم الحجة عليهم بمرأى ومسمع من جميع العرب. ويعرف هذا القول بالصرفة كما في المواقف للعضد والمقاصد للتفتزاني ولعلها بفتح الصاد وسكون الراء وهي مرة من الصرف وصيغ بصيغة المرة للإشارة إلى أنها صرف خاص فصارت كالعلم بالغلبة ولم ينسبوا هذا القول إلا إلى الأشعري فيما حكاه أبو الفضل عياض في الشفاء وإلى النظام والشريف المرتضى وأبي إسحاق الاسفرائيني فيما حكاه عنهم عضد الدين في المواقف، وهو قول ابن حزم صرح به في كتاب الفصل ص٧ جز٣ ص١٨٤ جز وقد عزاه صاحب المقاصد في شرحه إلى كثير من المعتزلة.
وأما الذي عليه جمهرة أهل العلم والتحقيق واقتصر عليه أيمة الأشعرية وإمام الحرمين وعليه الجاحظ وأهل العربية كما في المواقف، فالتعليل لعجز المتحدين به بأنه بلوغ القرآن في درجات البلاغة والفصاحة مبلغا تعجز قدرة بلغاء العرب عن الإتيان بمثله، وهو الذي نعتمده ونسير عليه في هذه المقدمة العاشرة.