صفحة : ٦
وقد جرت عادة المفسرين بالخوض في بيان معنى التأويل، وهل هو مساو للتفسير أو أخص منه أو مباين. وجماع القول في ذلك أن من العلماء من جعلهما متساويين، وإلى ذلك ذهب ثعلب وابن الأعرابي وأبو عبيدة، وهو ظاهر كلام الراغب، ومنهم من جعل التفسير للمعنى الظاهر والتأويل للمتشابه، ومنهم من قال: التأويل صرف اللفظ عن ظاهر معناه إلى معنى آخر محتمل لدليل فيكون هنا بالمعنى الأصولي، فإذا فسر قوله تعالى )يخرج الحي من الميت( بإخراج الطير من البيضة، فهو التفسير، أو بإخراج المسلم من الكافر فهو التأويل، وهنالك أقوال أخر لا عبرة بها، وهذه كلها اصطلاحات لا مشاحة فيها إلا أن اللغة والآثار تشهد للقول الأول، لأن التأويل مصدر أوله إذا أرجعه إلى الغاية المقصودة، والغاية المقصودة من اللفظ هو معناه وما أراده منه المتكلم به من المعاني، فساوى التفسير، على أنه لا يطلق إلا على ما فيه تفصيل معنى خفي معقول. قال الأعشى: على أنها كانت تأول حبها تأول ربعي السقاب فأصحبا أي تبيين تفسير حبها أنه كان صغيرا في قلبه، فلم يزل يشب حتى صار كبيرا كهذا السقب، أي ولد الناقة، الذي هو من السقاب الربيعية لم يزل يشب حتى كبر وصار له ولد يصحبه قاله أبو عبيدة، وقد قال الله تعالى )هل ينظرون إلا تأويله( أي ينتظرون إلا بيانه الذي هو المراد منه، وقال ﷺ في دعائه لأبن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل، أي فهم معاني القرآن، وفي حديث عائشة رضي الله عنها كان ﷺ يقول في ركوعه: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي. يتأول القرآن أي يعمل بقوله تعالى )فسبح بحمد ربك واستغفره( فلذلك جمع في دعائه التسبيح والحمد وذكر لفظ الرب وطلب المغفرة فقولها يتأول، صريح في أنه فسر الآية بالظاهر منها ولم يحملها على ما تشير إليه من انتهاء مدة الرسالة وقرب انتقاله صلى الله عليه وسلم، الذي فهمه منها عمر وابن عباس رضي الله عنهما.


الصفحة التالية
Icon