صفحة : ٦٨
وكذلك التمثيل فقد كان في أدب العرب الأمثال وهي حكاية أحوال مرموز لها بتلك الجمل البليغة التي قيلت فيها أو قيلت لها المسماة بالأمثال، فكانت تلك الجمل مشيرة إلى تلك الأحوال، إلا أنها لما تداولتها الألسن في الاستعمال وطال عليها الأمد نسيت الأحوال التي وردت فيها ولم يبق للأذهان عند النطق بها إلا الشعور بمغازيها التي تقال لأجلها.
أما القرآن فقد أوضح الأمثال وأبدع تركيبها كقوله تعالى )مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الرياح في يوم عاصف( وقوله )ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوى به الريح في مكان سحيق( وقوله )والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن( إلى قوله )فما له من نور( وقوله )والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه(.
لم يلتزم القرآن أسلوبا واحدا، واختلفت سوره وتفننت، فتكاد تكون لكل سورة لهجة خاصة، فإن بعضها بني على فواصل وبعضها ليس كذلك. وكذلك فواتحها منها ما افتتح بالاحتفال كالحمد، ويا أيها الذين آمنوا، وآلم ذلك الكتاب، وهي قريب مما نعبر عنه في صناعة الإنشاء بالمقدمات. ومنها ما افتتح بالهجوم على الغرض من أول الأمر نحو)الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم( و)براءة من الله ورسوله(.