ومن أساليب القرآن المنفرد بها التي أغفل المفسرون اعتبارها أنه يرد فيه استعمال اللفظ المشترك في معنيين أو معان إذا صلح المقام بحسب اللغة العربية لإدارة ما يصلح منها، واستعمال اللفظ في معناه الحقيقي والمجازي إذا صلح المقام لإرادتهما، وبذلك تكثر معاني الكلام مع الإيجاز وهذا من آثار كونه معجزة خارقة لعادة كلام البشر ودالة على أنه منزل من لدن العليم بكل شيء والقدير عليه. وقد نبهنا على ذلك وحققناه في المقدمة التاسعة. ومن أساليبه الإتيان بالألفاظ التي تختلف معانيها باختلاف حروفها أو اختلاف حركات حروفها وهو من أسباب اختلاف كثير من القراءات مثل )وجعلوا الملائكة الذين هم عند الرحمان إناثا( قرئ )عند( بالنون دون ألف وقرئ )عباد( بالموحدة وألف بعدها، ومثل )إذا قومك منه يصدون( بضم الصاد وكسرها.
وقد أشرنا إلى ذلك في المقدمة السادسة.
واعلم أن مما يندرج تحت جهة الأسلوب ما سماه أئمة نقد الأدب بالجزالة، وما سموه بالرقة وبينوا لكل منهما مقاماته وهما راجعتان إلى معاني الكلام، ولا تخلو سورة من القرآن من تكرر هذين الأسلوبين، وكل منهما بالغ غايته في موقعه، فبينما تسمعه يقول )قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم( ويقول )يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا( إذ تسمعه يقول )فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود( قال عياض في الشفا: إن عتبة بن ربيعة لما سمع هذه الآية أمسك بيده على فم النبي ﷺ وقال له: ناشدتك الله والرحم إلا ما كففت.
عادات القرآن
يحق على المفسر أن يتعرف عادات القرآن من نظمه وكلمه. وقد تعرض بعض السلف لشيء منها، فعن ابن عباس: كل كاس في القرآن فالمراد بها الخمر. وذكر ذلك الطبري عن الضحاك أيضا.


الصفحة التالية
Icon