وكأنك بعد ما قررناه في هذه المقدمة قد صرت قديرا على الحكم فيما اختلف فيه أئمة علم الكلام من إعجاز القرآن للعرب هل كان بما بلغه من منتهى الفصاحة والبلاغة وحسن النظم وما احتوى عليه من النكت والخصوصيات التي لا تقف بها عدة، ويزيدها النظر مع طول الزمان جدة، فلا تخطر ببال ناظر من العصور الآتية نكتة أو خصوصية إلا وجد آيات القرآن تتحملها بحيث لا يمكن إيداع ذلك في كلام إلا لعلام الغيوب وهو مذهب المحققين، أة كان الإعجاز بصرف الله تعالى مشركي العرب عن الإتيان بمثله وأنه لولا أن الله سلبهم القدرة على ذلك لأمكن أن يأتوا بمثله لأنه مما يدخل تحت مقدور البشر، ونسب هذا إلى الحسن الأشعري وهو منقول في شرح التفتزاني على المفتاح عن النظام وطائفة من المعتزلة، ويسمى مذهب أهل الصرفة، وهو الذي قال به ابن حزم في كتابه في الملل والنحل.
والأول هو الوجه الذي اعتمده أبو بكر الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن، وأبطل ما عداه بما لا حاجة إلى التطويل به، وعلى اعتباره دون ائمة العرب علم البلاغة، وقصدوا من ذلك تقريب إعجاز القرآن على التفصيل دون الاجمال، فجاءوا بما يناسب الكامل من دلائل الكمال.

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفاتحة
سورة الفاتحة من السور ذات الأسماء الكثيرة: أنهاها صاحب الإتقان إلى نيف وعشرين بين ألقاب وصفات جرت على ألسنة القراء من عهد السلف، ولم يثبت في السنة الصحيحة والمأثور من أسمائها إلا فاتحة الكتاب، والسبع المثاني، وأم القرآن، أو أم الكتاب، فلنقتصر على بيان هذه الأسماء الثلاثة.


الصفحة التالية
Icon