صفحة : ٨٣
وفي هذا ما يدل على أن اختلاف مذاهب القراء في قراءة البسملة في مواضع من القرآن ابتداء ووصلا كما تقدم لا أثر له في الاختلاف في حكم قراءتها في الصلاة، فإن قراءتها في الصلاة تجري على إحكام النظر في الأدلة وليست مذاهب القراء بمعدودة من أدلة الفقه، وإنما قراءاتهم روايات وسنة متبعة في قراءة القرآن دون استناد إلى اعتبار أحكام رواية القرآن من تواتر ودونه، ولا إلى وجوب واستحباب وتخيير، فالقارئ يقرأ كما روى عن معلميه ولا ينظر في حكم ما يقرأه من لزوم كونه كما قرأ أو عدم اللزوم، تجري أعمالهم في صلاتهم على نزعاتهم في الفقه من اجتهاد وتقليد، ويوضح غلط من ظن أن خلاف الفقهاء في إثبات البسملة وعدمه مبني على خلاف القراء، كما يوضح تسامح صاحب الكشاف في عده مذاهب القراء في نسق مذاهب الفقهاء. وإنما اختلف المجتهدون لأجل الأدلة التي تقدم بيانها، وأما الموافقة بينهم وبين قراء أمصارهم غالبا في هاته المسألة فسببه شيوع القول بين أهل ذلك العصر بما قال به فقهاؤه في المسائل، أو شيوع الأدلة التي تلقاها المجتهدون من مشايخهم بين أهل ذلك العصر ولو من قبل ظهور المجتهد مثل سبق نافع بن أبي نعيم إلى عدم ذكر البسملة قبل أن يقول مالك بعدم جزئيتها؛ لأن مالكا تلقى أدلة نفي الجزئية عن علماء المدينة وعنهم أو عن شيوخهم تلقى نافع بن أبي نعيم. وإذ قد كنا قد تقلدنا مذهب مالك واطمأننا لمداركه في انتفاء كون البسملة آية من أول سورة البقرة كان حقا علينا أن لا نتعرض لتفسيرها هنا وأن نرجئه إلى الكلام على قوله تعالى في سورة النمل )إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم( غير أننا لما وجدنا من سلفنا من المفسرين كلهم لم يهملوا الكلام على البسملة في هذا الموضع اقتفينا أثرهم إذ صار ذلك مصطلح المفسرين.