قال صاحب المفتاح قبيل الكلام على اعتبارات الإسناد الخبري ليس من الواجب في صناعته وإن كان المرجع في أصولها وتفاريعها إلى مجرد العقل، أن يكون الدخيل فيها كالناشئ عليها في استفادة الذوق منها، فكيف إذا كانت الصناعة مستندة إلى تحكيمات وضيعة، واعتبارات إلفية، فلا بأس على الدخيل في علم المعاني، أن يقلد صاحبه في بعض فتاواه إن فاته الذوق هناك إلى أن يتكامل له على مهل موجبات ذلك الذوق اه.
ولذلك أي لإيجاد الذوق أو تكميله لم يكن غنى للمفسر في بعض المواضع من الاستشهاد على المراد في الآية، ببيت من الشعر، أو بشيء من كلام العرب لتكميل ما عنده من الذوق، عند خفاء المعنى، ولإقناع السامع والمتعلم اللذين لم يكمل لهما الذوق في المشكلات.
وهذا كما قلناه آنفا شئ وراء قواعد علم العربية. وعلم البلاغة به يحصل انكشاف بعض المعاني واطمئنان النفس لها، وبه يترجح أحد الاحتمالين على الآخر معاني القرآن ألا ترى أنه لو اطلع أحد على تفسير قوله تعالى )يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء(، وعرض لديه احتمال أن يكون عطف قوله )ولا نساء( على قوله )قوم( عطف مباين، أو عطف خاص على عام فاستشهد المفسر في ذلك بقول زهير: وما أدرى وسوف إخال أدري أقوم آل حصن أم نساء كيف تطمئن نفسه لاحتمال عطف المباين دون عطف الخاص على العام، وكذلك إذا رأى تفسير قوله تعالى )وامسحوا برؤوسكم( وتردد عنده احتمال أن الباء فيه للتأكيد أو أنها للتبعيض أو للآلة وكانت نفسه غير مطمئنة لاحتمال التأكيد إذ كان مدخول الباء مفعولا فإذا استشهد له على ذلك بقول النابغة: لك الخير إن وارت بك الأرض واحدا وأصبح جد الناس يظلع عاثرا وقول الأعشى: فكلنا مغرم يهوى بصاحبه قاص ودان ومحبول ومحتبل رجح عنده احتمال التأكيد وظهر له أن دخول الباء على المفعول للتأكيد طريقة مسلوكة في الاستعمال.