ثم لو كان التفسير مقصورا على بيان معاني مفردات القرآن من جهة العربية لكان التفسير نزرا، ونحن نشاهد كثرة أقوال السلف من الصحابة، فمن يليهم في تفسير آيات القرآن وما أكثر ذلك الاستنباط برأيهم وعلمهم. قال الغزالي والقرطبي: لا يصح أن يكون كل ما قاله الصحابة في التفسير مسموعا من النبي ﷺ لوجهين: أحدهما: أن النبي ﷺ لم يثبت عنه من التفسير إلا تفسير آيات قليلة وهي ما تقدم عن عائشة. الثاني أنهم اختلفوا في التفسير على وجوه مختلفة لا يمكن الجمع بينها. وسماع جميعها من رسول الله محال، ولو كان بعضها مسموعا لترك الآخر، أي لو كان بعضها مسموعا لقال قائله: إنه سمعه من رسول الله ﷺ فرجع إليه من خالفه، فتبين على القطع أن كل مفسر قال في معنى الآية بما ظهر له باستنباطه. روى البخاري في صحيحه عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا أعلمه إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن إلخ وقد دعا رسول الله ﷺ لعبد الله بن عباس فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل واتفق العلماء على أن المراد بالتأويل تأويل القرآن، وقد ذكر فقهاؤنا في آداب قراءة القرآن أن التفهم مع قلة القراءة أفضل من كثرة القراءة بلا تفهم، قال الغزالي في الإحياء التدبر في قراءته إعادة النظر في الآية والتفهم أن يستوضح من كل آية ما يليق بها كي تتكشف له من الأسرار معان مكنونة لا تتكشف إلا للموفقين قال: ومن موانع الفهم أن يكون قد قرأ تفسيرا واعتقد أن لا معنى لكلمات القرآن إلا ما تناوله النقل عن ابن عباس وابن مجاهد، وأن ما وراء ذلك تفسير بالرأي فهذا من الحجب العظيمة وقال فخر الدين في تفسير قوله تعالى )وعاشروهن بالمعروف( في سورة النساء: وقد ثبت في أصول الفقه أن المتقدمين إذا ذكروا وجها في تفسير الآية فذلك لا يمنع