صفحة : ١٥
وإذ قد تقصينا مثارات التفسير بالرأي المذموم وبينا لكم الأشياء والأمثال، بما لا يبقي معه للاشتباه من مجال، فلا نجاوز هذا المقام ما لم ننبهكم إلى حال طائفة التزمت تفسير القرآن بما يوافق هواها، وصرفوا ألفاظ القرآن عن ظواهرها بما سموه الباطن، وزعموا أن القرآن إنما نزل متضمنا لكنايات ورموز عن أغراض، وأصل هؤلاء طائفة من غلاة الشيعة عرفوا عند أهل العلم بالباطنية فلقبوهم بالوصف الذي عرفوهم به، وهم يعرفون عند المؤرخين بالإسماعيلية لأنهم ينسبون مذهبهم إلى جعفر بن إسماعيل الصادق، ويعتقدون عصمته وإمامته بعد أبيه بالوصاية، ويرون أن لا بد للمسلمين من إمام هدى من آل البيت هو الذي يقيم الدين، ويبين مراد الله. ولما توقعوا أن يحاجهم العلماء بأدلة القرآن والسنة رأوا ان لا محيص لهم من تأويل تلك الحجج التي تقوم في وجه بدعتهم، وأنهم إن خصوها بالتأويل وصرف اللفظ إلى الباطن اتهمهم الناس بالتعصب والتحكم فرأوا صرف جميع القرآن عن ظاهره وبنوه على أن القرآن رموز لمعان خفية في صورة ألفاظ تفيد معاني ظاهرة ليشتغل بها عامة المسلمين، وزعموا أن ذلك شأن الحكماء، فمذهبهم مبني على قواعد الحكمة الإشراقية ومذهب التناسخ والحلولية فهو خليط من ذلك، ومن طقوس الديانات اليهودية والنصرانية وبعض طرائق الفلسفة ودين زرادشت. وعندهم أن الله يحل في كل رسول وإمام وفي الأماكن المقدسة، وأنه يشبه الخلق تعالى وتقدس وكل علوي يحل فيه الإله. وتكلفوا لتفسير القرآن بما يساعد الأصول التي أسسوها. ولهم في التفسير تكلفات ثقيلة منها قولهم ان قوله تعالى )وعلى الأعراف رجال( أن جبلا يقال له الأعراف هو مقر أهل المعارف الذين يعرفون كلا بسيماهم. وأن قوله تعالى )وإن منكم غلا واردها( أي لا يصل أحد إلى الله إلا بعد جوازه على الآراء الفاسدة إما في صباه، أو بعد ذلك، ثم ينجي الله من يشاء. وإن قوله تعالى )اذهبا إلى فرعون إنه طغى( أراد بفرعون


الصفحة التالية
Icon