وقد تصفحت أسباب النزول التي صحت أسانيدها فوجدتها خمسة أقسام: الأول: هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه فلابد من البحث عنه للمفسر، وهذا منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالى )قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها(، ونحو )يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا( ومثل بعض الآيات التي فيها )ومن الناس(.
والثاني: هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لا تبين مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، ولكنها إذا ذكرت أمثالها وجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها، مثل حديث عويمر العجلاني الذي نزلت عنه آية اللعان، ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عنه آية )ومن كان مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام( الآية فقد قال كعب بن عجرة: هي لي خاصة ولكم عامة، ومثل قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى )ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض( الآية. وهذا القسم لا يفيد البحث فيه إلا زيادة تفهم في معنى الآية وتمثيلا لحكمها، ولا يخشى توهم تخصيص الحكم بتلك الحادثة، إذ قد اتفق العلماء أو كادوا على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل التشريع أن لا يكون خاصا.