وعزا شهاب الدين القرافي في أول أنواء البروق إلى بعض مشايخه أن العرب فرقوا بين فرق بالتخفيف، وفرق بالتشديد، فجعلوا الأول للمعاني والثاني للأجسام بناء على أن كثرة الحروف تقتضي زيادة المعنى أو قوته، والمعاني لطيفة يناسبها المخفف، والأجسام كثيفة يناسبها التشديد، واستشكله هو بعدم اطراده، وهو ليس من التحرير بالمحل اللائق، بل هو أشبه باللطائف منه بالحقائق، إذ لم يراع العرب في هذا الاستعمال معقولا ولا محسوسا وإنما راعوا الكثرة الحقيقية أو المجازية كما قررنا، ودل عليه استعمال القرآن، ألا ترى أن الاستعمالين ثابتان في الموضع الواحد، كقوله تعالى )وقرآنا فرقناه( قرىء بالتشديد والتخفيف، وقال تعالى حكاية لقول المؤمنين )لا نفرق بين أحد من رسله( وقال لبيد: فمضى وقدمها وكانت عادة منه إذا هي عردت إقدامها فجاء بفعل قدم وبمصدر أقدم، وقال سيبويه إن فعل وأفعل يتعاقبان على أن التفرقة عند مثبتها، تفرقة في معنى الفعل لا في حالة مفعوله بالأجسام. والتفسير في الاصطلاح نقول: هو اسم للعلم الباحث عن بيان معاني ألفاظ القرآن وما يستفاد منها باختصار أو توسع. والمناسبة بين المعنى الأصلي والمعنى المنقول إليه لا يحتاج إلى تطويل.
وموضوع التفسير: ألفاظ القرآن من حيث البحث عن معانيه، وما يستنبط منه وبهذه الحيثية خالف علم القراءات لأن تمايز العلوم-كما يقولون-بتمايز الموضوعات، وحيثيات الموضوعات.


الصفحة التالية
Icon