وعندي أنه إن كان حديث عمر وهشام بن حكيم قد حسن إفصاح راويه عن مقصد عمر فيما حدث به بأن لا يكون مرويا بالمعنى مع إخلال بالمقصود أنه يحتمل أن يرجع إلى ترتيب آي السور بأن يكون هشام قرأ سورة الفرقان على غير الترتيب الذي قرأ به عمر فتكون تلك رخصة لهم في أن يحفظوا سور القرآن بدون تعيين ترتيب الآيات من السورة، وقد ذكر الباقلاني احتمال أن يكون ترتيب السور من اجتهاد الصحابة كما يأتي في المقدمة الثامنة. فعلى رأينا هذا تكون هذه رخصة. ثم لم يزل الناس يتوخون بقراءتهم موافقة قراءة رسول الله ﷺ حتى كان ترتيب المصحف في زمن أبي بكر على نحو العرضة الأخيرة التي عرضها رسول الله ﷺ فأجمع الصحابة في عهد أبي بكر على ذلك لعلمهم بزوال موجب الرخصة.
ومن الناس من يظن المراد بالسبع في الحديث ما يطابق القراءات السبع التي اشتهرت بين أهل فن القراءات، وذلك غلط ولم يقله أحد من أهل العلم، وأجمع العلماء على خلافه كما قال أبو شامة: فإن انحصار القراءات في سبع لم يدل عليه دليل، ولكنه أمر حصل إما بدون قصد أو بقصد التيمن بعدد السبعة أو بقصد إيهام أن هذه السبعة هي المرادة من الحديث تنويها بشأنها بين العامة، ونقل السيوطي عن أبي العباس ابن عمار أنه قال: لقد فعل جاعل عدد القراءات سبعا ما لا ينبغي، وأشكل به الأمر على العامة إذ أوهمهم أن هذه السبعة هي المرادة في الحديث، وليت جامعها نقص عن السبعة أو زاد عليها.
قال السيوطي: وقد صنف ابن جبير المكي وهو قبل ابن مجاهد كتابا في القراءات فاقتصر على خمسة أئمة من كل مصر إماما، وإنما اقتصر على ذلك لأن المصاحف التي أرسلها عثمان إلى الأمصار كانت إلى خمسة أمصار.


الصفحة التالية
Icon