صفحة : ٣٤
ثم إن القراءات العشر الصحيحة المتواترة، قد تتفاوت بما يشتمل عليه بعضها من خصوصيات البلاغة أو الفصاحة أو كثرة المعاني أو الشهرة، وهو تمايز متقارب، وقل أن يكسب إحدى القراءات في تلك الآية رجحانا، على أن كثيرا من العلماء كان لا يرى مانعا من ترجيح قراءة على غيرها، ومن هؤلاء الإمام محمد بن جرير الطبري، والعلامة الزمخشري وفي أكثر ما رجح به نظر سنذكره في مواضعه، وقد سئل ابن رشد عما يقع في كتب المفسرين والمعربين من اختيار إحدى القراءتين المتواترتين وقولهم هذه القراءة أحسن: أذاك صحيح أم لا؟ فأجاب: أما ما سألت عنه مما يقع في كتب المفسرين والمعربين من تحسين بعض القراءات واختيارها على بعض لكونها أظهر من جهة الإعراب، وأصح في النقل، وأيسر في اللفظ فلا ينكر ذلك، كرواية ورش التي اختارها الشيوخ المتقدمون عندنا أي بالأندلس فكان الإمام في الجامع لا يقرأ إلا بها لما فيها من تسهيل النبرات وترك تحقيقها في جميع المواضع، وقد تؤول ذلك فيما روى عن مالك من كراهية النبر في القرآن في الصلاة.
وفي كتاب الصلاة الأول من العتبية: سئل مالك عن النبر في القرآن فقال: إني لأكرهه وما يعجبني ذلك، قال ابن رشد في البيان يعنى بالنبر ههنا إظهار الهمزة في كل موضع على الأصل فكره ذلك واستحب فيه التسهيل على رواية ورش، لما جاء من أن رسول الله ﷺ لم تكن لغته الهمز أي إظهار الهمز في الكلمات المهموزة بل كان ينطق بالهمزة مسهلة إلى أحرف علة من جنس حركتها، مثل ياجوج وماجوج بالألف دون الهمز، ومثل الذيب في الذئب ومثل مومن في مؤمن.


الصفحة التالية
Icon