قال الثوري: (مات الحديث بموت شعبة). وشعبة هو القائل:(كل من سمعت منه حدثنا فأنا له عبد) وقال يحيى بن جعفر البِيكَنْدي: (لَوْ قَدَرْتُ أن أزيِدَ من عُمُري في عمُر محمد بن إسماعيل لفعلت، فإن موتي يكون موت رجل واحد، وموت محمد بن إسماعيل فيه ذهاب العلم، وكان يقول له: لولا أنت ما استطعت العيش ببخارى). وكتب أهل بغداد إلى محمد بن إسماعيل كتاباً فيه:
المسلمون بخير ما بقيت لهم ** وليس بعدك خير حين تُفْتَقَدُ
وقال آخر:
منْ شَاءَ بَعْدَكَ فَلْيَمُتْ ** فعليكَ كُنت أُحَاذِرُ
كَنْتَ السَّوَادَ لِنَاظِري ** فَعَمِيْ عَلَيْكَ النَّاظِرُ
لَيْتَ الْمنَازِلَ والدّ ** يَارَ حَفَائرٌ وَمَقَابِرُ
إِنِّي وغَيْرِي لا مَحَا ** لَةَ حَيْثُ صِرْتَ لَصَائِر
قال الحسنُ البصري: (الدنيا كُلُّهَا ظُلمة إلا مَجَالس العلماء). وقال آخر: (لولا العلماء لصار الناس كالبهائم). وقال أبو بكر الآجري: (... فما ظنكم –رحمكم الله- بطريق فيه آفات كثيرة، ويحتاج الناس إلى سلوكه في ليلة ظلماء فإن لم يكن فيه ضياء وإِلاَّ تحيَّروا، فقيض الله لهم فيه مصابيح تضيء لهم، فسلكوه على السلامة والعافية، ثم جاءت طبقات من الناس، لا بد لهم من السلوك فيه فسلكوا، فبينما هم كذلك إذ طفئت المصابيح، فبقوا في الظلمة، فما ظنكم بهم؟ هكذا العلماء في الناس، لا يعلم كثير من الناس كيف أداء الفرائض، ولا كيف اجتناب المحارم، ولا كيف يعْبَدُ اللهُ في جميع ما يَعْبُدُهُ به خلقُه إلا ببقاء العلماء، فإذا مات العلماء تحيَّر الناس، ودَرَسَ العلم بموتهم وظهر الجهل). وقال سفيان بن عيينة: (وأي عقوبة أشد على أهل الجهل أن يذهب أهل العلم؟)، (وهذا أوضح من النهار، لأولي النهى والاعتبار).
فهذا الحق ليس به خفاء * فدَعْنِي من بُنَيات الطريق


الصفحة التالية
Icon