" أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ". وتستطيع- بعد أن عرفت العوامل المتعددة التي لابد من تعاونها على تكوين المطر- أن تدرك شيئًا من سر الحجة في هذا السؤال العجيب: " أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون" ؟! لكن الإشارة التي أردنا أن نلفت النظر إليها هي قوله تعالى: " لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ". والناس طبعًا يسلمون بالقدرة الإلهية على قلب العذب أجاجًا، ويظنون أن هذا يكون عن طريق الخوارق، ولايتساءلون: هل سنن ما يسمح بهذا ؟ ولو تساءلوا وتطلبوا الجواب في العلم لوجدوه قريبًا، ولعرفوا أن عذوبة الماء الذي يسقيهم الله إياه من السحاب هي بمحض رحمة الله. إن الماء طبعًا عذب بطبيعته، وماء المطر معروف أنه أنقى المياه، لكن طبيعة تكونه من السحاب تعرضه لأن ينقلب أجاجًا لا ينتفع به الإنسان.! إن الهواء كما تعرف أربعة أخماسه أزوت أو نتروجين، والأزوت كما تعرف أيضًا لا يكاد يتحد في العادة بشيء، حتى ولا بالأكسيجين الذي يكاد يتحد بكل شيء. لكن الكيمياويين وجدوا أنهم يستطيعون بالكهربائية أن يحولوا الأزوت غير الفعال إلى أزوت فعال، يتحد بأشياء كثيرة في درجة الحرارة العادية، كما وجدوا أنهم يستطيعون أن يحملوا الأزوت على الاتحاد بالأكسيجين بإمرار الشرر الكهربائي في مخلوط منهما، ومن هذا الاتجاه ينشأ بعض أكاسيد للأزوت فيصبح قابلاً للذوبان في الماء، و إذا ذاب فيه اتحد به، وكون حمضين أزوتين، أحدهما: حمض الأزوتيك، أو ماء النار، كما كان يسميه القدماء، وإليه يصير الحمض الثاني. وقليل من حمض الأزوتيك في الماء كاف لإفساد طعمه. ص _١٢٢


الصفحة التالية
Icon