وينتقل الدكتور الشيخ " محمد عبد الله دراز " إلى خصائص الأسلوب القرآني، فيبين الأسباب التي بلغ بها درجة الإعجاز. ولولا أن الرجل حافظ فاقه لكتاب الله، وضليع مكين في آداب العربية، وعابد مخبت تكشفت أمام بصيرته النيرة الحكم البالغات التي غابت عن غيره، ما استطاع أن يصور لنا هذه الخصائص ويجعلها منا رأى العين... ونكتفي بنماذج قليلة من كلماته لا تغني البتة عن مدارسة الكتاب ذاته قال: " خطاب العامة ".. و، خطاب الخاصة ": " وهاتان غايتان أخريان متباعدتان عند الناس ". فلو أنك خاطبت الأذكياء بالواضح المكشوف الذي تخاطب به الأغبياء نزلت بهم إلى مستوى لا يرضونه لأنفسهم في الخطاب. ولو أنك خاطبت العامة باللمحة والإشارة التي تخاطب الأذكياء، لجئتهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم. فلا غنى لك - إن أردت أن تعطي كلتا الطائفتين حظها كاملاً من بيانك- أن تخاطب كل واحدة منهما بغير ما تخاطب به الأخرى. كما تخاطب الأطفال بغير ما تخاطب به الرجال.. فأما أن جملة واحدة تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، إلى السوقة والملوك، فيراها كل منهم مقدرة على مقياس عقله، وعلى وفق حاجته، فذلك ما لا نجده على أتمه إلا في القرآن الكريم. فهو قرآن واحد، يراه البلغاء أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم، لا يلتوي على أفهامهم، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان وراء وضع اللغة. " ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ". فهو متعة العامة والخاصة على السواء، ميسر لكل من أراد إقناع العقل وإمتاع العاطفة.. ص _١٢٩


الصفحة التالية
Icon