إذا هو يجري في ميدان العلم أو مضمار الفلسفة فيبدي من أسرار الطب والطبيعة وكائنات الأرض وكامنات السماء ونواميس الكون مالا تفي بشرحه الصحائف مما نطق به أمس وانكشف سره اليوم... والحالة أنه لم يك يملك شيئًا منها يوم أخبر عنها.. ثم نراه خائضًا في تاريخ القرون الخالية والأمم البائدة، غير مستند على آثار أو أسفار، ثم تأتي في الحفريات والأثريات مصدقتين له وشارحتين إياه، بعد قرون وأجيال... وكذلك نراه يسن نظامًا، وينسخ أحكامًا، غير مستند في ذلك إلى مشورات أو مؤتمرات، ولكن الظروف الأخيرة، والتجارب المتعاقبة، ومؤتمرات عصورنا الحالية تذعن له، وتعلن اتفاقًا معه. ذلك عدا الأنباء الغيبية عن أحوال أفراد وأقوام هي والله بواعث الإعجاب والدهشة العامة التي اعترت وتعتري الناس من عرب ومستعربة.. كلما تلوا القرآن أو تليت عليهم آياته، وفسرت بيناته... وسنتناول في نظراتنا الثانية أسس إعجاز القرآن. قال: رأينا في نظراتنا السابقة نموذجًا شائقًا من التفكير والتحليل في أسلوب عصري سائغ، جرى به قلم العلامة " هبة الدين الحسيني الشهر ستاني " تمهيدًا لبحثه في القرآن ".. يبدأ علامتنا تحليله بسؤاله: هل تحدى الرسول - صلى الله عليه وسلم- بالقرآن؟.. ثم يقول: " صدور التحدي من الرسول لأهل الصنعة أساس ينبغي ثبوته قبل أي شيء آخر، ويتبع هذا بشواهد الآيات الناطقة بالتحدي، ومنها هذه الآية: " وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ". ولكن فصحاء العرب أعرضوا عن هذا التحدي المتكرر، وأحجم أبو سفيان عن تجنيد جيش من شعراء الجزيرة وأدبائها لمعارضة القرآن، بل جد في تأليف جيش من عشرة آلاف مقاتل يخاصم النبي وحزبه.. ص _١٣٦


الصفحة التالية
Icon