هذا الأعرابي. مثله مثل حاتم الأصم (١) الذي صاحب شقيق البلخي (٢) ثلاثين سنة فسأله يوما إنك صاحبي منذ ثلاثين سنة فما حاصلك فيها قال حصلت ثمانية فوائد من العلم وهي تكفيني منه لأني أرجو نجاتي وخلاصي فيها. فقال شقيق ما هي ؟ قال حاتم : الفائدة الأولى : أني نظرت إلى الخلق فرأيت لكل واحد منهم محبوبا ومعشوقا يحبه ويعشقه وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت وبعضه إلى شفير القبر ثم يرجع كله ويتركونه وحيدا فريدا ولا يدخل في قبره منهم أحد. فتفكرت وقلت أفضل محبوب المرء ما يدخل في قبره ويؤنسه فيه فما وجدت إلى الأعمال الصالحة وأخذتها محبوبا لي لتكون سراجا في قبري وتؤنسني ولا تتركني فريدا. الفائدة الثانية : أني رأيت الخلق يعبدون أهواءهم ويبادرون إلى مداراة أنفسهم فتأملت في قوله تعالى :﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ (٣) وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خلاف نفسي وتشمرت لمجاهدتها وما متعتها بهواها حتى ارتاضت في طاعة الله وانقيادها له. الفائدة الثالثة أني رأيت كل واحد من الناس يسعى في جمع حطام الدنيا ثم يمسكه قابضا يده عليه فتأملت في قوله تعالى :﴿ مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ ﴾ (٤) فبذلت محصولي من الدنيا لوجه الله تعالى ففرقته بين المساكين ليكون ذخرا لي عند الله. الفائدة الرابعة : أني رأيت بعض الخلق يظن أن شرفه وعزه في كثرة الأقوام والعشائر فيغتر بهم وزعم آخرون أنه في ثروة المال وكثرة الأولاد فيفتخر بهم وحسب بعضهم أن العز والشرف في غصب أموال الناس وظلمهم وسفك الدماء واعتقدت طائفة أنه من إتلاف المال وإسرافه وتبذيره فتأملت قوله تعالى :﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ (٥) فاخترت التقوى واعتقدت أن القرآن صادق وظنهم وحسابهم كلها باطلة. الفائدة الخامسة : أني رأيت الناس يذم بعضهم بعضا
(٢) أبو علي شقيق بن إبراهيم البلخي كان من مشايخ خراسان صحب إبراهيم بن أدهم كان يقول عملت في القرآن عشرين سنة حتى ميزت الدنيا من الآخرة فأصبته في حرفين وهما قوله تعالى ﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾.
(٣) سورة النازعات الآيتان ٣٩-٤٠.
(٤) سورة النحل الآية ٩٦.
(٥) سورة الحجرات الآية ١٣.