ولذا تسابق الباحثون إلى جمع أقوال الأئمة في التفسير ودراستها؛ فجمعوا تفسير شيخ الإسلام ابن تيمية، وتفسير ابن قيم الجوزية، وتفسير ابن حجر العسقلاني، وتفسير ابن حزم الأندلسي، وتفسير الأزهري، وغيرهم.
ولا شك بأن هؤلاء الأئمة وغيرهم من أئمة الإسلام الكبار تطمئن النفس إلى علمهم وتفاسيرهم.
ومن الأئمة الكبار المشهود لهم بالعلم والتحقيق؛ الإمام العلامة أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي.
ولذا لما رأيت عنايته العظيمة بكتاب الله تعالى وتفسيره، وبيان هداياته، واستنباط فوائده وأحكامه، وإيضاح ما أشكل فهمه، مع تحقيقات نفيسة؛ لما رأيت ذلك أجمعت أمري -متوكلاً على الله- فجعلت موضوع رسالتي في الدكتوراه: " أقوال أبي إسحاق الشاطبي في التفسير - جمعاً ودراسة ".
ــ أهمية الموضوع وأسباب اختياره :
ترجع أهمية الموضوع وأسباب اختياره إلى أمور، منها:
١- مكانة أبي إسحاق الشاطبي العلمية :
يعد الشاطبي أحد الأئمة الكبار المحققين، ومصنفاته شاهدة بذلك، وقد كانت له عناية خاصة بكتاب الله تعالى؛ تفسيراً وبياناً واستنباطاً واستدلالاً، مع توجيه لأقوال المفسرين تارة ونقد لها تارة أخرى.
وقد حباه الله فهماً دقيقاً للكتاب والسنة وأسرار الشريعة وأحكامها.
٢- عنايته بتفسير القرآن بالقرآن والسنة وآثار السلف.
٣- اهتمام أبي إسحاق الشاطبي بعلوم القرآن؛ كأسباب النّزول، والناسخ والمنسوخ.
٤- اهتمامه ببعض الآيات المشكلة، وبيان وجه الإشكال فيها، مع بيان ما يزيل هذا الإشكال.
٥- اهتمامه بالجمع بين الآيات والأحاديث التي يوهم ظاهرها التعارض.
٦- اهتمامه بتقرير الأحكام الشرعية من خلال الآيات، واستنباط الفوائد منها، مع عنايته ببيان الحكمة في بعض الأوامر والنواهي والعقوبات.
٧- حاجة أهل الاختصاص لجمع أقوال أمثال هذا الإمام المحقق في التفسير ؛ لأن أقواله في التفسير اشتملت على مسائل قلّما يتعرض لها، أو لم تستوف حقها من البيان والبحث.
إلا أنه يعاب على المفسرين كغيرهم من المفسرين نقلهم لبعض الأحاديث والآثار والأخبار الضعيفة، وعدم التعقيب عليها(١).
السمة الثانية: عنايتهم بعلوم القرآن.
فلعلماء الأندلس في عصر الشاطبي وقبله عناية بعلوم القرآن سواء في مقدمة تفاسيرهم أو في أثنائها.
وممن له عناية خاصة بها الإمام الشاطبي حيث أفرد بعض المباحث في بيان بعض علوم القرآن وأصلها تأصيلاً علمياً(٢).
السمة الثالثة: بيان آرائهم.
وهذا البيان يشمل أحياناً آراءهم في التفاسير المنقولة، وفي الأحكام الفقهية والعقدية، والآراء المخالفة، ونحو ذلك، وهذا يتضح من خلال السمات التالية.
السمة الرابعة: العناية بالأحكام الفقهية.
فلعلماء التفسير في الأندلس في عصر الشاطبي اهتمام بالأحكام الفقهية، ولكن لم يكن توسعهم فيها بمنْزلة عناية السابقين؛ كابن العربي، والقرطبي، وغيرهما(٣).
السمة الخامسة: عنايتهم بالمذهب المالكي عند بيان الأحكام الفقهية.
وهذه السمة تابعة للسمة الرابعة؛ إلا أنهم يهتمون ببيان المذهب المالكي عند ذكر الأحكام الفقهية أكثر من غيره؛ وذلك لأن المذهب المالكي هو السائد في بلاد الأندلس.
وهذا ظاهر في آيات الأحكام التي تناولها علماء الأندلس قبل عصر الشاطبي، وفي عصره؛ كابن جزي الكلبي.
وهم في الغالب ينظرون إلى دلالة النصوص الشرعية، وإن خالفت مذهبهم(٤).
السمة السادسة: سلامة تفاسيرهم في الغالب عن التيارات المنحرفة والآراء الفاسدة والفرق المبتدعة؛ كالرافضة، والمعتزلة، والقدرية، والخوارج، وغيرهم.

(١) انظر: مدرسة التفسير في الأندلس ص١٤٧، ١٤٨، ٢٣٩-٢٤٣.
(٢) انظر: الموافقات ٣/٣٣٥-٣٦٩، منهج المدرسة الأندلسية ص٦٦.
(٣) انظر: مدرسة التفسير في الأندلس ص٤٧٣، ٥٢٥-٥٢٧، ابن جزي ومنهجه في التفسير٢/٧٠٨-٧٢٩.
(٤) انظر: ابن جزي ومنهجه في التفسير ٢/٧٠٨-٧٢٩، مدرسة التفسير في الأندلس ص٤٥، ٥٣-٥٦، ٤٧٣، ٥٢٦.

- وأول ملوكها هو: "الغالب بالله أمير المسلمين أبو عبد الله محمد بن يوسف ابن محمد بن أحمد بن محمد بن خميس بن نصر بن قيس الخزرجي الأنصاري، من ولد أمير الأنصار سعد بن عبادة، مَلَك مدينة غرناطة في رمضان من عام خمسة وثلاثين وستمائة إلى أن توفي عام أحد وسبعين وستمائة"(١).
- والثاني: هو أبو عبد الله محمد (الثاني) بن محمد بن يوسف بن الأحمر، تولّى بعد وفاة والده، وامتدت مدة خلافته حتى وفاته سنة ٧٠١هـ، وفي عهده فُتحت بعض المدن، ولم يخْلُ من الاضطرابات الداخلية.
- والثالث: أبو عبد الله محمد (الثالث) بن محمد بن محمد بن يوسف، تولى بعد وفاة أبيه، وامتدّ حكمه حتى خلع سنة ٧٠٨هـ على يد أخيه نصر بن محمد، وفي عهده سالمته الملوك، وبنى المسجد الجامع بالحمراء.
- والرابع: أبو الجيوش نصر بن محمد بن محمد بن يوسف، بويع بالخلافة بعد خلع أخيه سنة ٧٠٨هـ، وامتدّ حكمه حتى خُلع سنة ٧١٣هـ.
وفي عهده: هزم النصارى في المرية(٢)، وانتصروا عليه في الجزيرة الخضراء (٣)؛ حيث سقط جبل طارق بأيديهم بعد حصار طويل سنة ٧٠٩هـ.
وحصل بينه وبين بني مرين -حكام المغرب- جفاء؛ استغله النصارى، وشددوا عليه الخناق، حتى دفع الجزية للنصارى، فثار الشعب عليه وخلعوه.
- والخامس: أبو الوليد إسماعيل بن فرج بن إسماعيل بن يوسف بن الأحمر، ابن عمّ أبيه السلطان إسماعيل بن فرج بن إسماعيل، صنو الأمير الغالب بالله أول ملوكهم، بويع بالخلافة سنة ٧١٣هـ، وامتدّ حكمه حتى قتل بباب قصره غيلة من قبل ابن عم له سنة ٧٢٥هـ.
(١) اللمحة البدرية في الدولة النصرية ص٣٤.
(٢) المَرِيّة: بفتح الميم وكسر الراء وتشديد الياء، مدينة كبيرة من كورة إلبيرة من أعمال الأندلس. [انظر: معجم البلدان ٥/١٤٠].
(٣) الجزيرة الخضراء: مدينة مشهورة بالأندلس، وقبالتها من البر بلاد البربر "سبتة"، ومدينتها من أشرف المدن وأطيبها أرضاً. [انظر: معجم البلدان ٢/١٥٨].

- عند قوله تعالى: -ayah text-primary">﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ مPحhچutéB مَا ¨@xmr& اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ y٧إ_¨urّ-r& وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (١).
قال الشاطبي: "قال إسماعيل بن إسحاق: يمكن أن يكون النبي - ﷺ - حرمها -يعني: جاريته- بيمين بالله..."(٢).
٢ - أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي.
وقد نقل منه في عدة مواضع، ومنها:
- عند قوله تعالى: ﴿ $sYù=yèy_ur فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ بb¨uqôتح' اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا ¨،xm رِعَايَتِهَا ﴾ (٣).
قال الشاطبي: "قال ابن العربي: وقد زاغ قوم عن منهج الصواب فظنوا أنها رهبانة كتبت عليهم بعد أن التزموها"(٤).
والمذكور في كتاب أحكام القرآن لابن العربي بنصه(٥).
وقد صرح الشاطبي بكتاب ابن العربي في مواضع، منها:
قال الشاطبي: "... وهذه المسألة نص عليها الغزالي في مواضع من كتبه، وتلاه في تصحيحها ابن العربي في أحكام القرآن"(٦).
٣ - المحرر الوجيز لابن عطية.
نقل عنه في مواضع، وصرح باسمه دون كتابه، ومنها:
- عند قوله تعالى: ﴿ وَأَنَّ هَذَا 'دغ¨uژإہ مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ ¾د&ح#‹خ٧y™ ﴾ (٧).
قال الشاطبي: "قال ابن عطية: هذه الآية تعم أهل الأهواء والبدع والشذوذ في الفروع وغير ذلك من أهل التعمق في الجدل والخوض في الكلام، هذه كلها عرضة للزلل ومظنة لسوء المعتقد"(٨).
وهذا المذكور في المحرر الوجيز بنصه(٩).
(١) سورة التحريم : ١.
(٢) الاعتصام ٢/٢١٤.
(٣) سورة الحديد : ٢٧.
(٤) الاعتصام ٢/١٣٧.
(٥) انظر: أحكام القرآن ٤/٣٨٣.
(٦) الاعتصام ٣/٢٩.
(٧) سورة الأنعام : ١٥٣.
(٨) الاعتصام ١/٨٣.
(٩) انظر: المحرر الوجيز ٢/٣٦٤.

ثم شرح هذه العبادة في تفاصيل السورة؛ كقوله تعالى: ﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ة>حچَّyJّ٩$#ur وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ... ﴾ إلى قوله: ﴿ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ (١).
وهكذا إلى تمام ما ذكر في السورة من الأحكام... " (٢).
٢- " إن الأدلة على رفع الحرج في هذه الأمة بلغت مبلغ القطع ؛ كقوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ ٨luچxm ﴾ (٣)، وسائر ما يدل على هذا المعنى ؛
كقوله: ﴿ ك‰ƒحچمƒ اللَّهُ بِكُمُ uچَ، مٹّ٩$# وَلَا ك‰ƒحچمƒ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ (٤).
﴿ ك‰ƒحچمƒ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ t، د=نzur الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ (٥).
﴿ مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ ٨luچxm فِيمَا uعuچsù اللَّهُ لَهُ ﴾ (٦).
﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ (٧) " (٨).
المبحث الثاني
تفسير القرآن بالسنة
تعتبر السنة المصدر الثاني من مصادر التفسير؛ لأن الله سبحانه أمر نبيه محمداً - ﷺ - ببيان آياته للناس ؛ كما قال تعالى :﴿ !$uZّ٩u"Rr&ur إِلَيْكَ uچٍ٢دe%!$# لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا tAحh"çR ِNخkِژs٩خ) وَلَعَلَّهُمْ ڑcrمچ¤٦xےtFtƒ ﴾ (٩).
فالسنة شارحة للقرآن وموضحة لمعانيه.
(١) سورة البقرة : ١٧٧.
(٢) الموافقات ٢/٢٩٠.
(٣) سورة الحج : ٧٨.
(٤) سورة البقرة : ١٨٥.
(٥) سورة النساء : ٢٨.
(٦) سورة الأحزاب : ٣٨.
(٧) سورة الأعراف : ١٥٧.
(٨) الموافقات ١/٥٢٠.
(٩) سورة النحل : ٤٤.

ثم لما هاجر رسول الله - ﷺ - إلى المدينة كان من أول ما نزل عليه سورة البقرة، وهي التي قررت قواعد التقوى المبنية على قواعد سورة الأنعام؛ لأنها بينت من أقسام أفعال المكلفين جملتها، وإن تبين في غيرها تفاصيل لها؛ كالعبادات التي هي قواعد الإسلام، والعادات من أصل المأكول والمشروب وغيرهما، والمعاملات من البيوع والأنكحة وما دار بها، والجنايات من أحكام الدماء وما يليها.
وأيضاً؛ فإن حفظ الدين فيها، وحفظ النفس والعقل والنسل والمال مضمن فيها، وما خرج عن المقرر فيها؛ فبحكم التكميل، فغيرها من السور المدنية المتأخرة عنها مبني عليها، كما كان غير الأنعام من المكي المتأخر عنها مبنياً عليها، وإذا تنَزلت إلى سائر السور بعضها مع بعض في الترتيب؛ وجدتها كذلك، حذو القُذّة بالقُذّة؛ فلا يغيبن عن الناظر في الكتاب هذا المعنى فإنه من أسرار علوم التفسير، وعلى حسب المعرفة به تحصل له المعرفة بكلام ربه سبحانه"(١).
القاعدة الثانية : أن العموم إنما يعتبر بالاستعمال المنضبط بمقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان.
قال الشاطبي: "العموم إنما يعتبر بالاستعمال، ووجوه الاستعمال كثيرة، ولكن ضابطها مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان؛ فإن قوله: ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ حچّBr'خ/ رَبِّهَا ﴾ (٢)، لم يقصد به أنها تدمر السموات والأرض والجبال، ولا المياه ولا غيرها مما هو في معناها، وإنما المقصود تدمر كل شيء مرت عليه مما شأنها أن تؤثر فيه على الجملة، ولذلك قال: ﴿ فَأَصْبَحُوا لَا #"uچمƒ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ y٧د٩¨x‹x. "ح"ّgwU الْقَوْمَ tûüدBحچôfكJّ٩$# ﴾ (٣).
وقال في الآية الأخرى: ﴿ مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ (٤)الآية"(٥).
(١) الموافقات ٤/٢٥٦-٢٥٨.
(٢) سورة الأحقاف : ٢٥.
(٣) سورة الأحقاف : ٢٥.
(٤) سورة الذاريات : ٤٢.
(٥) الموافقات ٤/٢١.

والضَّالون هم النصارى ؛ لأنهم ضلُّوا في الحجة في عيسى - عليه السلام -، وعلى هذا التفسير أكثر المفسرين، وهو مروي عن النبي - ﷺ - (١).
ويلحق بهم في الضَّلال المشركون الذين أشركوا مع الله إلها غيره ؛ لأنه قد جاء في أثناء القرآن ما يدل على ذلك (٢) ؛ ولأن لفظ القرآن في قوله :﴿ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ يعمهم وغيرهم، فكل من ضلَّ عن سواء السبيل داخل فيه.
ولا يبعد أن يقال : إن ﴿ ںtûüدj٩!$‍ز٩$# ﴾ يدخل فيه كل من ضلَّ عن الصراط المستقيم؛ كان من هذه الأمة أو لا؛ إذ قد تقدَّم في الآيات المذكورة قبل هذا مثله (٣)،
(١) كما في حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه - عن النبي - ﷺ - قال: "إن المغضوب عليهم اليهود، وإن الضالين النصارى" والحديث أخرجه الترمذي في جامعه، في كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة فاتحة الكتاب، ٥/٢٠٢-٢٠٤، برقم (٢٩٥٣، ٢٩٥٤)، وقال عنه الترمذي :"هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك ابن حرب".
وأخرجه أحمد في مسنده، ٤/٤٥٧، ٤٥٨، برقم (١٩٢٧٦).
والطبراني في المعجم الكبير، ١٧/٩٩، ١٠٠، برقم (٢٣٧).
وأبو داود الطيالسي في مسنده، ٢/٣٧١، ٣٧٢، برقم (١١٣٥).
وابن جرير الطبري في تفسيره ١/١١٠، ١١٣، ١١٤.
قال عنه ابن حجر :"... وأخرجه ابن مردويه بإسناد حسن عن أبي ذر " [فتح الباري ٨/١٥٩].
وصححه الألباني [انظر: شرح الطحاوية ص٥٢٦، رقم (٨١١)، صحيح الجامع الصغير ٢/١٣٦٣، برقم (٨٢٠٢)].
(٢) كقوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ﴾ [النساء: ١٦٧].
انظر : روح المعاني ١/٩٩.
(٣) انظر : الاعتصام ١/٢٣٣-٢٣٨.

وما ذكره الشاطبي بأن سورة البقرة مدنية ؛ فهذا بالإجماع؛ كما حكاه الماوردي(١)، والواحدي (٢)، وابن كثير (٣)، وابن حجر (٤)، والقاسمي (٥).
وما ذهب إليه بأن سورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة ؛ فقد حكى ابن حجر الاتفاق عليه(٦).
قالت عائشة -رضي الله عنها-: «وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده»(٧) ولم يدخل عليها إلا في المدينة.
وقال ابن كثير: "والبقرة جميعها مدنية بلا خلاف، وهي من أوائل ما نزل بها"(٨).
وقال ابن حجر -في سورة البقرة-: "واتفقوا على أنها مدنية، وأنها أول سورة أنزلت بها، وسيأتي قول عائشة: «وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده - ﷺ - » ولم يدخل عليها إلا بالمدينة"(٩).
وقال القاسمي: "سورة البقرة جميعها مدني بلا خلاف"(١٠).
(١) انظر : النُّكت والعيون ١/٦٣.
(٢) انظر : أسباب النّزول ص ١٩.
(٣) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٣٧.
(٤) انظر : فتح الباري ٨/١٦٠.
(٥) انظر : محاسن التأويل ١/٢٣٦.
(٦) انظر : فتح الباري ٨/١٦٠، وانظر : المكي والمدني في القرآن الكريم ١/٣٧٠-٣٧٢.
(٧) الحديث: أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب فضائل القرآن، ص٨٩٦، برقم(٤٩٩٣).
(٨) تفسير القرآن العظيم ١/٣٧.
(٩) فتح الباري ٨/١٦٠.
(١٠) محاسن التأويل ١/٢٣٦.

والذي يظهر: أن هذين الوجهين من اختلاف التنوع؛ إذ هما معنيان صحيحان داخلان في معنى إقامة الصلاة؛ إذ إقامة الصلاة لا تكون إلا بأدائها على الوجه الشرعي مع المداومة عليها، فكل منهما يستلزم الآخر، واقتصار المفسر على أحد الوجهين لا يستلزم نفيه للوجه الآخر، ولذا من المفسرين من فسَّر إقامة الصلاة بما يدل على هذين الوجهين؛ كابن جرير(١)، والجصاص(٢)، والبغوي(٣)، والرازي(٤)، والقرطبي(٥)، والشوكاني(٦).
قال ابن جرير: "القول في تأويل قوله تعالى -جل ثناؤه-: ﴿ وَيُقِيمُونَ ﴾.
وإقامتها: أداؤها -بحدودها وفروضها والواجب فيها- على ما فُرِضَت عليهم"(٧).
وقال البغوي: "قوله تعالى: ﴿ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾ ؛ أي: يديمونها ويحافظون عليها في مواقيتها؛ بحدودها، وأركانها وهيئاتها"(٨).
وقال القاسمي: " ﴿ tbqمK‹ة)مƒur no٤qn=¢ء٩$# ﴾ ؛ أي: يؤدونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة؛ كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلو والمقروء"(٩).
(١) انظر: جامع البيان ١/١٣٦.
(٢) انظر: أحكام القرآن ١/٢٧.
(٣) انظر: معالم التنْزيل ١/٦٢.
(٤) انظر: التفسير الكبير ١/٢/٢٧.
(٥) انظر: الجامع لأحكام القرآن ١/١/١١٥.
(٦) انظر: فتح القدير ١/٣٥، وانظر: محاسن التأويل ١/٢٣٨.
(٧) جامع البيان ١/١٣٦.
(٨) معالم التنْزيل ١/٦٢.
(٩) محاسن التأويل ١/٢٣٨.

وتصديق قلبي (١) ؛ وبهذا المعنى (٢) كانوا في الدرك الأسفل من النار.
وقيل فيهم : إنهم ﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ (٣).
وقالوا عن أنفسهم :﴿ إِنَّمَا نَحْنُ tbrâنح"÷kyJَ، مB ﴾ (٤) ؛ لأنهم تحيلوا بملابسة الدين وأهله إلى أغراضهم الفاسدة "(٥).
الدِّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ حچ½zFy$#.... ﴾ إلى آخر الآيات، إنما هو في وصف المنافقين.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ هو الثابت عن جميع المفسرين، وقد حكى ابن جرير الإجماع على نزول هذه الآية في المنافقين.
قال ابن جرير -في هذه الآية-: "وأجمع جميع أهل التأويل على أن هذه الآية نزلت في قوم من أهل النفاق، وأن هذه الصِّفة صفتهم" (٦).
(١) فنفاقهم اعتقادي مخرج من الملَّة. [انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٥٠، تيسير الكريم الرحمن ١/٤٧].
(٢) وهو التحايل والنفاق بإظهار الإسلام، وإسرار الكفر.
(٣) سورة البقرة : ٩.
(٤) سورة البقرة : ١٤.
(٥) الموافقات ٣/١٠٩.
(٦) جامع البيان ١/١٤٩.

" ومن ذلك : أنه نقل عن سهل بن عبد الله (١) في فهم القرآن أشياء مما يعد من
باطنه(٢)، فقد ذُكر عنه أن قال في قوله تعالى :﴿ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا ﴾، أي: أضداداً، قال : وأكبر الأنداد النفس الأمَّارة بالسوء، المتطلعة إلى حظوظها ومُناها بغير هدى من الله(٣).
وهذا يشير إلى أن النفس الأمَّارة داخلة تحت عموم الأنداد، حتى لو فصل لكان المعنى : فلا تجعلوا لله أنداداً لا صنماً ولا شيطاناً ولا النفس ولا كذا، وهذا مشكل الظاهر جداً، إذ كان مساق الآية ومحصول القرائن فيها يدل على أن الأنداد الأصنام أو غيرها مما كانوا يعبدون، ولم يكونوا يعبدون أنفسهم ولا يتخذونها أرباباً، ولكن له وجه جار على الصحة، وذلك أنه لم يقل : إن هذا هو تفسير الآية(٤)،
(١) سهل بن عبد الله : هو أبو محمد سهل بن عبد الله التستري الصوفي الزاهد، من أئمة الصوفية وعلمائها، ومن المحبين للحديث وأهله، له كلمات نافعة، ومواعظ حسنه، أثنى عليه الذهبي، وذمَّه أبو حيان، من كتبه : تفسير القرآن العظيم، رقائق المحبين، توفي سنة ٢٨٣هـ، وقيل ٢٧٢هـ، وصوَّب الأول الذهبي.
[انظر : سير أعلام النبلاء ١٣/٣٣٠-٣٣٣، البحر المحيط ٣/٤٦٤، ٤٦٥، الأعلام ٣/١٤٣].
(٢) أي : باطن القرآن، والباطن منه ما هو مقبول بالشرطين اللذين ذكرهما الشاطبي، ومنه ما هو مردود إذا لم يجتمع فيه الشرطان.
(٣) في تفسير التستري ص٢٧ بلفظ: "أي: أضداداً، فأكبر الأضداد النفس الأمارة بالسوء، المتطلعة إلى حظوظها ومناها بغير هدىً من الله".
(٤) لأنه إذا ادَّعى ذلك كان معارضاً لظاهر الآية وسياقها، وهذا باطل.
وبيان ذلك : أنه لم ينف ظاهر الآية ويريد بِها معنى يخالف ظاهرها، وإنما أراد أن هذا من قبيل تفسير الباطن الذي لا يخالف الظاهر.

وقال - في موضع آخر :"... فإنهم لَمَّا مثلت أصنامهم التي اتخذوها من دون الله ببيت العنكبوت في ضعفه ؛ تركوا التأمل والاعتبار فيما قيل لهم حتى يتحققوا أن الأمر كذلك، وأخذوا في ظاهر التمثيل بالعنكبوت من غير التفات إلى المقصود، وقالوا :﴿ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا ﴾ ؛ فأخبر الله تعالى عن الحقيقة السابقة فيمن شأنه هذا بقوله :﴿ يُضِلُّ بِهِ #[ژچدVں٢ وَيَهْدِي بِهِ #[ژچدWx. ﴾ ؛ ثم استدرك البيان المنتظر بقوله :﴿ وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ﴾ ؛ نفياً لتوهم من يتوهم أنه أنزل بقصد الإضلال لقوم، والهداية لقوم ؛ أي: هو هدى ؛ كما قال أولاً: ﴿ هُدَى لِلْمُتَّقِينَ ﴾ (١)، لكن الفاسقين يضلون بنظرهم إلى غير المقصود من إنزال القرآن ؛ كذلك هو هدىً للمتقين الذين ينظرون إلى صواب الحقيقة فيه، وهو الذي أنزل من أجله..." (٢).
الدِّراسة :
تحدث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين:
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن سبب نزول قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا... ﴾ بأن الكفار قالوا : ما بال العنكبوت والذباب يذكر في القرآن ؟ ما هذا الإله ؟ فنَزلت.
وهذه الرواية التي ذكرها هي إحدى الروايات الواردة في سبب النّزول ؛ إذ وردت عدة روايات في سبب نزولها :
(١) سورة البقرة : ٢.
(٢) الموافقات ٣/٥١٤، ٥١٥.

وهذا الذي ادَّعاه في الآية خلاف ما ذكره الناس من أن المراد النهي عن نفس الأكل، لا عن سكون الهمة لغير الله، وإن كان ذلك منهياً عنه - أيضاً -، ولكن له وجه يجري عليه لمن تأول ؛ فإن النهي إنما وقع عن القرب لا غيره، ولم يرد النهي عن الأكل تصريحاً ؛ فلا منافاة بين اللفظ وبين ما فسر به.
وأيضاً - فلا يصح حمل النهي على نفس القرب مجرداً ؛ إذ لا مناسبة فيه تظهر، ولأنه لم يقل به أحد، وإنما النهي عن معنى في القرب ؛ وهو إما التناول والأكل، وإما غيره ؛ وهو شيء ينشأ الأكل عنه، وذلك مساكنة الهمة ؛ فإنه الأصل في تحصيل الأكل، ولا شك في أن السكون لغير الله لطلب نفع أو دفع منهي عنه ؛ فهذا التفسير له وجه ظاهر، فكأنه يقول : لم يقع النهي عن مجرد الأكل من حيث هو أكل ؛ بل عمَّا ينشأ عنه الأكل من السكون لغير الله ؛ إذ لو انتهى لكان ساكناً لله وحده، فلما لم يفعل وسكن إلى أمر في الشجرة غرَّه به الشيطان، وذلك الخلد المدعى ؛ أضاف الله إليه لفظ العصيان (١)، ثم تاب الله عليه، إنه هو التواب الرحيم " (٢).
الدّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن المراد بقوله :﴿ وَلَا $t/uچّ)s؟ دnة‹"yd nouچyf¤±٩$# ﴾ النهي عن نفس الأكل، لا عن مساكنة الهمة لغير الله، وأنه لا يصح حمل النهي في قوله :﴿ وَلَا $t/uچّ)s؟ دnة‹"yd nouچyf¤±٩$# ﴾ على نفس القرب مجرداً ؛ إذ لا مناسبة فيه تظهر، ولأنه لم يقل به أحد.
(١) أكثر علماء الإسلام على أن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، والسلف من الصحابة والتابعين على هذا القول، ولكن لا يقرون على الصغائر إذا وقعت منهم. [انظر : مجموع الفتاوى ٤/٣١٩، ٣٢٠].
(٢) الموافقات ٤/٢٤٥، ٢٤٦.

وإن كان مقصوده بأنها خفيفة على القائم بها؛ فإن الأمر مختلف، فإن المؤمن تكون عليه خفيفة؛ لأنه يرجو ثوابها من عند الله.
وأما غير المؤمن فإنها تكون ثقيلة عليه؛ لأنه لا يرجو عليها ثواباً، والاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع، وإذا انضم إليها معنى المداومة، اشتد ثقلها إلا على الخاشعين.
وأكثر المفسرين ذكروا بأنها ثقيلة، ولم يقيدوها بالمداومة؛ لأن فيها من الصبر عن جميع الشهوات ما لا يكون في غيرها(١).
قال الرازي: "فالحاصل أن الملحد إذا لم يعتقد في فعلها منفعة ثقل عليه فعلها؛ لأن الاشتغال بما لا فائدة فيه يثقل على الطبع، وأما الموحِّد فلما اعتقد في فعلها أعظم المنافع، وفي تركها أعظم المضار؛ لم يثقل ذلك عليه"(٢).
وقال القرطبي -في بيان كونها كبيرة-:"لأنها تكبر على النفوس ما لا يكبر الصوم...". "فالصلاة فيها سجن النفوس، والصوم إنما فيه منع الشهوة".
ثم قال -عن المصلي-: "فجوارحه كلها مقيدة بالصلاة عن جميع الشهوات، وإذا كان ذلك كانت الصلاة أصعب على النفس، ومكابدتها أشد"(٣).
وقال السعدي: "وكذلك الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، يستعان بها على كل أمر من الأمور، ﴿ $pk®Xخ)ur ﴾ ؛ أي: الصلاة، ﴿ لَكَبِيرَةٌ ﴾ أي: شاقة. ﴿ إِلَّا عَلَى tûüدèد±"sƒù:$# ﴾ فإنها سهلة عليهم خفيفة؛ لأن الخشوع، وخشية الله، ورجاء ما عنده؛ يوجب له فعلها، منشرحاً صدره لترقبه للثواب، وخشيته من العقاب.
(١) انظر : جامع البيان ١/٢٩٩، الكشاف ١/٦٦، ٦٧، التفسير الكبير ٢/٣/٤٧، الجامع لأحكام القرآن ١/١/٢٥٤، البحر المحيط ١/٣٤١، بدائع التفسير ١/٣١٤، أنوار التنْزيل ١/٥٩، روح المعاني ١/٢٥٠، محاسن التأويل ١/٢٨٧، تفسير القرآن الحكيم ١/٣٠١، تيسير الكريم الرحمن ١/٨٣.
(٢) التفسير الكبير ٢/٣/٤٧.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١/١/٢٥٤.

وقيل: شراب مزجوه بالماء(١)، فهذا كله يشمله اللفظ، لأن الله مَنَّ به عليهم، ولذلك جاء في الحديث: " الكمأة من المنِّ الذي أنزل الله على بني إسرائيل "(٢)، فيكون المنُّ
جُملة نِعَمٍ، ذكر الناس منها آحاداً (٣).
والثاني : أن يذكر في النقل أشياء تتفق في المعنى بحيث ترجع إلى معنى واحد، فيكون التفسير فيها على قول واحد، ويوهم نقلها على اختلاف اللفظ أنه خلاف محقق(٤)، كما قالوا في السلوى (٥) : إنه طير يشبه السُّمانَى (٦)،
(١) أخرجه ابن جرير في تفسيره ١/٣٣٤ عن الربيع بن أنس، وذكره ابن الجوزي في تفسيره ١/٧٣ عن أبي العالية.
(٢) الحديث : أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الأشربة، باب فضل الكمأة ومداواة العين بِها، ٣/١٦٢٠، برقم١٥٩ من حديث سعيد بن زيد - رضي الله عنه - بلفظه.
والكمأة : نبات يُنَقِّض الأرض فيخرج كما يخرج الفِطر [انظر: لسان العرب ١/١٤٨، مادة كمأ].
(٣) انظر : معالم التنْزيل ١/٩٧، البحر المحيط ١/٣٧٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٩٩، تيسير الكريم الرحمن ١/٥٠٩، التحرير والتنوير ١/٤٩٢، ٤٩٣.
(٤) نبَّه على هذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى ١٣/٣٣٣-٣٤٣، ٣٦٩، ١٩/١٣٨-١٤٠.
(٥) أي : السلوى الوارد في قوله تعالى :﴿... $uZّ٩u"Rr&ur عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى... ﴾ (البقرة: ٥٧).
(٦) أخرجه ابن جرير في تفسيره ١/٣٣٥، ٣٣٦ عن ابن عباس، وابن مسعود، وأناس من الصحابة، والربيع بن أنس، والسدي.
والسُّمانَى : بضم السين، طائر صغير [انظر : القاموس المحيط ص٥٥٧، لسان العرب ١٣/٢٢٠، مادة سمن، المعجم الوسيط ١/٤٤٦].

"وقوله: رموها في السبت؛ يعني: احتالوا على وقوعها في الماء يوم السبت؛ كما بين غيره: أنهم حفروا لها حياضاً ثم فتحوها عشية الجمعة، ولم يرد أنهم باشروا رميها يوم السبت، إذ لو اجترءوا على ذلك لاستخرجوها"(١).
وقال ابن كثير: "يقول تعالى: ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ ﴾ يا معشر اليهود ما حلّ من البأس بأهل القرية التي عصت أمر الله، وخالفوا عهده وميثاقه فيما أخذه عليهم من تعظيم السبت، والقيام بأمره، إذ كان مشروعاً لهم؛ فتحيلوا على اصطياد الحيتان في يوم السبت بما وضعوا لها من الشصوص والحبائل والبرك قبل يوم السبت، فلما جاءت يوم السبت على عادتها في الكثرة نشبت بتلك الحبائل والحيل، فلم تخلص منها يومها ذلك، فلما كان الليل أخذوها بعد انقضاء السبت، فلما فعلوا ذلك مسخهم الله إلى صورة القردة"(٢).
(١) بدائع التفسير ١/٣١٦.
(٢) تفسير القرآن العظيم ١/١٠٩.

لما شددوا بالسؤال -وكانوا متمكنين من ذبح أي بقرة شاؤوا-؛ شدد عليهم(١)
حتى ذبحوها وما كادوا يفعلون " (٢).
وقال - في موضع آخر (٣) - :" ومثل ذلك قصة أصحاب البقرة ؛ فقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال :" لو ذبحوا بقرة ما لأجزأتهم، ولكن شددوا فشدد الله عليهم حتى ذبحوها وما كادوا يفعلون " (٤) " (٥).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن أصحاب البقرة كانوا مأمورين بذبح أي بقرة شاؤوا، فشددوا في السؤال عنها، فشدد الله عليهم، وما كادوا يفعلون.
وما ذكره الشاطبي ؛ ذهب إليه جمهور المفسرين(٦).
قال ابن عباس - رضي الله عنهما- :"لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بها، لكنهم شددوا؛ فشدد الله عليهم"(٧).
قال ابن كثير -في قول ابن عباس: "إسناده صحيح، وقد رواه غير واحد عن ابن عباس، وكذا قال عبيدة، والسدي، ومجاهد، وعكرمة، وأبو العالية، وغير واحد"(٨).
(١) أي أن الأمر كان مطلقاً بذبح أي بقرة شاؤوا، ولم تحدد بقرة معينة ؛ ولكنهم شددوا على أنفسهم بالسؤال عن سِنِّها ولونها وغير ذلك، فتعيَّنت بصفة معينة بعد أن كانت غير معينة بأوصاف. [انظر : بدائع التفسير ١/٣١٨، أضواء البيان ١/١٤٠].
(٢) الموافقات ١/٢٥٨.
(٣) في سياق حديثه عن كون الإكثار من الأسئلة من غير حاجة ؛ مذموم [انظر : الموافقات ٥/٣٧٤-٣٧٧].
(٤) الأثر : عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : أخرجه ابن جرير في تفسيره ١/٣٨٩ بلفظ :" لو أخذوا أدنى بقرة اكتفوا بِها ؛ لكنهم شددوا فشدد الله عليهم "، وصحح ابن كثير في تفسيره ١/١١٤ إسناده إلى ابن عباس.
(٥) الموافقات ٥/٣٧٧، وانظر : الموافقات ٥/٣٨٨.
(٦) انظر : جامع البيان ١/٣٧٨-٣٩٢، البغوي ١/١٠٦، المحرر الوجيز ١/١٦٢، الجامع لأحكام القرآن ١/١/٣٠٨، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/١١٤.
(٧) الأثر : أخرجه ابن جرير في تفسيره ١/٣٨٩.
(٨) تفسير القرآن العظيم ١/١١٤.

وهو خلاف التوقير للنبي - ﷺ -، وأن في هذا مشابهة لليهود في أقوالهم وأفعالهم مع أنبياء الله تعالى ؛ فإن هذا داخل في معنى النهي - أيضاً.
وقد دلَّ على فعل اليهود هذا قوله تعالى :﴿ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا tbqèùحhچutن† zNد=s٣ّ٩$# عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ $sY÷èدےxœ وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ $uZدم¨u'ur لَيًّا ِNخkةJt^إ، ّ٩r'خ/ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ ِNهk®Xr& قَالُوا $sY÷èدےxœ وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ #[ژِچyz لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ ÷L؟eحچّےن٣خ/ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا Wxٹد=s% ﴾ (١).
قال ابن القيم: "قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا $uZدم¨u' وَقُولُوا انْظُرْنَا ﴾.
نهاهم سبحانه أن يقولوا هذه الكلمة مع قصدهم بها الخير؛ لئلا يكون قولهم ذريعة إلى التشبه باليهود في أقوالهم وخطابهم، فإنهم كانوا يخاطبون بها النبي - ﷺ - ويقصدون بها السَّبَّ.." "فنهى المسلمون عن قولها سداً لذريعة المشابهة، ولئلا يكون ذلك ذريعة إلى أن يقولها اليهود للنبي - ﷺ - تشبهاً بالمسلمين يقصدون بها غير ما قصده المسلمون"(٢).
وقال الشوكاني:" وجه النهي عن ذلك: أن هذا اللفظ كان بلسان اليهود سَبّاً؛ قيل: إنه في لغتهم بمعنى؛ اسمع لا سمعت؛ وقيل: غير ذلك، فلما سمعوا المسلمين يقولون للنبي - ﷺ - راعنا ؛ طلباً منه أن يراعيهم من المراعاة، اغتنموا الفرصة، وكانوا يقولون للنبي - ﷺ - كذلك، مظهرين أنهم يريدون المعنى العربي، مبطنين أنهم يقصدون السَّبَّ الذي هو معنى هذا اللفظ في لغتهم"(٣).
(١) سورة النساء : ٤٦.
(٢) بدائع التفسير ١/٣٣٣.
(٣) فتح القدير ١/١٢٤.

ذهب الشاطبي إلى أن حمل المساجد في الآية على القلوب تمنع بالمعاصي من ذكر الله ؛ بأن هذا خارج عما تفهمه العرب ودعوى ما لا دليل عليه في مراد الله بكلامه.
وما ذهب إليه الشاطبي هو الظاهر ؛ لأن هذا التفسير لم ينقل عن أحدٍ من المفسِّرين(١)، سوى أهل النظر والاعتبار من الصوفية.
وهذا المنقول عنهم ليس عليه دليل، وما هو مخالف لقبول التفسير الباطن فلا يصح ؛ فهو خارج عما تفهمه العرب، ودعوى في كتاب الله بلا دليل (٢).
والمنقول عن السلف أنهم فسروا المساجد بمواضع العبادة.
قال ابن جرير -في الآية-:"والمساجد جمع مسجد؛ وهو كل موضع عُبد الله فيه.
وقد بينا معنى السجود فيما مضى، فمعنى المسجد: الموضع الذي يُسجد لله فيه"(٣).
وقال الماوردي:"قوله عز وجل: ﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ yىsY¨B y‰إf"|،tB اللَّهِ أَنْ uچx. ُ‹مƒ فِيهَا اسْمُهُ ﴾.
أما المساجد فهي مواضع العبادات، وفي المراد بها هنا قولان:
أحدهما: ما نسب إلى التعبد من بيوت الله تعالى استعمالاً لحقيقة الاسم.
والثاني: أن كل موضع من الأرض، أقيمت فيه عبادة من بيوت الله وغيرها؛ مسجد"(٤).
(١) انظر : جامع البيان ١/٥٤٥-٥٤٧، بحر العلوم ١/١٥١، النكت والعيون ١/١٧٣، معالم التنْزيل ١/١٣٨، ١٣٩، الكشاف ١/٨٩، المحرر الوجيز ١/١٩٩، زاد المسير ١/١١٦، التفسير الكبير ٢/٤/٩، الجامع لأحكام القرآن ١/٢/٥٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/١٦١، فتح القدير ١/١٣١، محاسن التأويل ١/٣٤٩-٣٥١، التحرير والتنوير ١/٦٦٠-٦٦٢.
(٢) انظر : ص١٣٦.
(٣) جامع البيان ١/٥٤٥.
(٤) النكت والعيون ١/١٧٣، ١٧٤.

فالنهي في الحقيقة عن كونهم على خلاف حال الإسلام إذا ماتوا ؛ لأنه هو المقدور"(١).
(١) محاسن التأويل ١/٣٧٠.

ومما يدل على ذلك حديث البراء - في تحويل القبلة إلى الكعبة - وفيه :"... وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحوَّل قِبَلَ البيت رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم ؛ فأنزل الله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ ِNن٣sY"yJƒخ) إِن اللَّهَ بِالنَّاسِ ش$râنuچs٩ رَحِيمٌ ﴾ " (١).
قال ابن العربي: "قوله تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ ِNن٣sY"yJƒخ) ﴾.
اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس"(٢).
وقال القرطبي: " قوله: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ ِNن٣sY"yJƒخ) ﴾.
اتفق العلماء على أنها نزلت فيمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس؛ كما ثبت في البخاري من حديث البراء بن عازب"(٣).
(١) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب قول الله تعالى :﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ مNخkةJn=ِ٦د% ﴾ ص ٧٦٢، ٧٦٣، برقم ٤٤٨٦.
(٢) أحكام القرآن ١/٦٢.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١/٢/١٠٦.

وقال الشوكاني :" وتنكير شيء للتقليل ؛ أي بشيء قليل من هذه الأمور " (١).
(١) فتح القدير ١/١٥٩.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين(١).
ويدل على ذلك سبب نزولها ؛ إذ مجموع الروايات الواردة في سبب نزولها تدّل على تحرجهم من الطواف بالصفا والمروة؛ لأسباب متعددة ؛ فنَزلت رفعاً للحرج في ذلك(٢)، ومنها:
١ - حديث عائشة في سؤال عروة بن الزبير -رضي الله عنهم- قال: "سَأَلتُ عائشة -رضي الله عنها- فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ حچح !$yèx© اللَّهِ فَمَنْ ¢kxm الْبَيْتَ أَوِ uچyJtFôم$# فَلَا yy$sYم_ عَلَيْهِ أَنْ t$q©ـtƒ بِهِمَا ﴾ فوالله ما على أحدٍ جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة، قالت : بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أوّلتها عليه كانت لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يُهلُّون لمناة الطاغية التي كانوا يعبدونها بالمُشَلَّل، فكان من أهلَّ يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة، فلّما أسلموا سألوا رسول الله - ﷺ - عن ذلك قالوا : يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ حچح !$yèx© اللَّهِ ﴾ الآية.
(١) انظر : جامع البيان ٢/٥٢، أحكام القرآن للجصاص ١/١١٦-١١٩، النكت والعيون ١/٢١٣، تفسير القرآن ١/١٥٩، الكشاف ١/١٠٤، أحكام القرآن لابن العربي ١/٧٠، ٧١، المحرر الوجيز ١/٢٢٩، الجامع لأحكام القرآن ١/٢/١٢٠-١٢٣، مجموع الفتاوى ١٤/٤٣، ٢٤/٢٠، مدارك التنْزيل ١/٩٤، التسهيل ١/٩٠، الجواهر الحسان ١/١٢٩، نظم الدرر ٢/٢٦٩، تفسير الجلالين ١/١١٩، إرشاد العقل السليم ١/٢٢٣، روح المعاني ١/٤٢٤، ٤٢٥، تفسير القرآن الحكيم ٢/٤٥، تيسير الكريم الرحمن ١/١٨٣، ١٨٤، التحرير والتنوير ٢/٥٨-٦٢.
(٢) انظر: أسباب النّزول ص٤٤-٤٧، لباب النقول ص٣٠.

ذهب الشاطبي إلى أنَّ شحم الخنْزير حرام، مستدلاً بهذه الآية :﴿ وَلَحْمَ حچƒح"Yد‚ّ٩$# ﴾ (١).
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ هو ما تدل عليه هذه الآية والآيات الأخرى (٢)، وهو ما عليه المسلمون، ولم يخالف في ذلك إلا داود بن علي رأس الظاهرية (٣).
وقد حكى السمرقندي (٤)، وابن العربي (٥)، وابن عطية (٦)، والرَّازي (٧)، والقرطبي(٨)، وابن جزي (٩) ؛ الإجماع على تحريم شحم الخنْزير.
قال ابن العربي: "اتفقت الأمة على أن لحم الخنْزير حرام بجميع أجزائه"(١٠).
المسألة الثانية : وجه الاستدلال بالآية على تحريم شحم الخنْزير.
ذهب الشاطبي إلى أن تحريم شحم الخنْزير يؤخذ من قوله تعالى: ﴿ وَلَحْمَ حچƒح"Yد‚ّ٩$# ﴾ ؛ لأن اللحم يطلق على الشحم وغيره حقيقة.
وهو بذلك يرد على من زعم بأن شحم الخنْزير حلال لاقتصار الآية على تحريم اللحم دون غيره.
ويرد به - أيضاً - على من سلَّم من العلماء بهذا الاستدلال وزعم أن الشحم إنما حُرِّم بالإجماع، ولم يحرَّم بالآية.
وبنى الشاطبي هذا الرّد على أمرين :
الأول : أن اللحم يطلق على الشحم وغيره حقيقة، حتى إذا خصَّ بالذِّكر ؛ قيل : شحم؛ كما قيل : عِرق، وعَصَب، وجلد.
(١) سورة البقرة : ١٧٣.
(٢) انظر : الآيات [المائدة : ٣، الأنعام : ١٤٥، النحل : ١١٥].
(٣) انظر : النكت والعيون ١/٢٢٢، البحر المحيط ١/٦٦٢، روح المعاني ١/٤٣٩.
(٤) انظر : بحر العلوم ١/١٧٧.
(٥) انظر : أحكام القرآن لابن العربي ١/٨٠.
(٦) انظر : المحرر الوجيز ١/٢٤٠.
(٧) انظر : التفسير الكبير ٣/٥/١٨، ١٩.
(٨) انظر : الجامع لأحكام القرآن ١/٢/١٥٠.
(٩) انظر : التسهيل ١/٩٤.
(١٠) أحكام القرآن ١/٨٠.

منها : الأسباب الموجبة لتقرير الأحكام ؛ كما إذا نزلت آية، أو جاء حديث على سبب ؛ فإن الدليل يأتي بحسبه، وعلى وفاق البيان التمام فيه ؛ فقد قال تعالى :﴿ zNد=tو اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ الآية (١) ؛ إذ كان ناس يختانون (٢) أنفسهم (٣) : فجاءت الآية تبيح لهم ما كان ممنوعاً قبل (٤) حتى لا يكون
فعلهم ذلك الوقت خيانة منهم لأنفسهم " (٥).
" ومنها : أن يقع اللفظ المخاطب به مجملاً ؛ بحيث لا يفهم المقصود به ابتداء ؛ فيفتقر المكلف عند العمل إلى بيانه ؛ وهذا الإجمال قد يقع لعامة المكلفين، وقد يقع لبعضهم دون بعض..."
(١) سورة البقرة : ١٨٧.
(٢) يختانون : أي يخونون. [انظر : زاد المسير ١/١٦٦].
(٣) سبب نزول هذه الآية : ما أخرجه البخاري في صحيحه عن البراء - رضي الله عنه - :" لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم ؛ فأنزل الله :﴿ zNد=tو اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ﴾ الآية ". [صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب ﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى ِNن٣ح !$|، دS ﴾ ص ٧٦٦، رقم ٤٥٠٨، وانظر : صحيح البخاري، كتاب الصيام، باب قول الله :﴿ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ... ﴾ الآية، ص ٣٠٨، رقم ١٩١٥، جامع البيان ٢/١٧٠-١٧٣].
(٤) والممنوع عليهم، قال عنه ابن كثير في تفسيره ١/٢٢٦ :"... كان إذا أفطر أحدهم إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء، أو ينام قبل ذلك، فمتى نام أو صلى العشاء حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة ؛ فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة ".
(٥) الموافقات ٣/٢٩٦، ٢٩٧.

ثم قال :﴿ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ﴾ بناءً على تأويل من تأوَّل أن الآية كلها نزلت في هذا المعنى (١) ؛ فكان من جملة الجواب أن هذا السؤال في التمثيل إتيان للبيوت من ظهورها، والبِرُّ إنما هو التقوى، لا العلم بهذه الأمور التي لا تفيد نفعاً في التكليف، ولا تجرُّ إليه " (٢).
وقال - في موضع آخر - :" وفي كتب التفسير (٣) : أن رجلاً (٤) سأل النبي - ﷺ - ؛ فقال :" ما بال الهلال يبدو رقيقاً كالخيط، ثم ينمو إلى أن يصير بدراً، ثم يصير إلى حالته الأولى ؟ فنَزلت :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ àM‹د%¨uqtB لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا ﴾ الآية " (٥)، فجعل إتيان البيوت من ظهورها مثالاً شاملاً لمقتضى هذا السؤال ؛ لأنه تطلب لما لم يؤمر بتطلبه " (٦).
(١) سيأتي بيان هذا في الدراسة.
(٢) الموافقات ١/٤٣، ٤٤.
(٣) انظر : بحر العلوم ١/١٨٨، النكت والعيون ١/٢٤٩، معالم التنْزيل ١/٢١١، الكشاف ١/١١٧، أحكام القرآن لابن العربي ١/١٤٢، ١٤٣، زاد المسير ١/١٦٨، ١٦٩، التفسير الكبير ٣/٥/١٠٢، ١٠٣، الجامع لأحكام القرآن ١/٢/٢٢٧، مدارك التنْزيل ١/١٠٧.
(٤) بناء على هذه الرواية ؛ فإنما هما رجلان من الأنصار : معاذ بن جبل، وثعلبة بن عَنَمَة.
(٥) الأثر : سبق تخريجه. انظر ص١٨٧.
(٦) الموافقات ٣/١٤٩، ١٥٠.

١ - أنه لا خلاف بين المسلمين بأن هذه الآية نزلت في الحديبية، سنة ست من الهجرة، بعدما شرع النبي - ﷺ - وأصحابه بالعمرة، وصدَّهم المشركون عن البيت الحرام (١).
والحج لم يفرض إلا متأخراً، على الصحيح في سنة تسع أو عشر (٢).
قال ابن تيمية -في هذه الآية :"وهذه الآية نزلت عام الحديبية سنة ست باتفاق الناس، وآية آل عمران نزلت بعد ذلك، سنة تسع أو عشر، وفيها فرض الحج"(٣).
وقال ابن عاشور :" والمقصود من هذه الآية إتمام العمرة التي خرجوا لقضائها، وذكر الحج معها إدماج ؛ لأن الحج لم يكن قد وجب يومئذٍ ؛ إذ كان الحج بيد المشركين، ففي ذكره بشارة بأنه يوشك أن يصير في قبضة المسلمين " (٤).
٢ - أنه لا دلالة في الآية على أكثر من وجوب الإتمام بعد الشروع فيه، وإيجاب أصل الفعل خلاف الظاهر.
يقول ابن كثير :" ظاهر السياق إكمال أفعالهما بعد الشروع فيهما ؛ ولهذا قال بعده :﴿ فَإِنْ ِNè؟ِژإاômé& ﴾ ؛ أي: صددتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامها... " (٥).
٣ - أن العبادات لا تفرض إلا بدلالة واضحة، ودلالة الآية على إيجاب الحج محتملة، مع أن الحج ركن من أركان الإسلام (٦).
والقول الآخر في الآية : أن هذه الآية تدل على إيجاب الحج ابتداءً، وإتمامه بعد الشروع فيه.
(١) ممن حكى الإجماع : ابن تيمية [انظر : مجموع الفتاوى ٢٦/٧، ٢٧/٢٦٥]، والشوكاني في تفسيره ١/١٩٥، وابن عاشور في تفسيره ٢/٢١٢.
(٢) انظر : مجموع الفتاوى ٢٦/٧، ٢٧/٢٦٥، فتح القدير ١/١٩٥، التحرير والتنوير ٢/٢١٢.
(٣) مجموع الفتاوى ٢٦/٧.
(٤) التحرير والتنوير ٢/٢١٥.
(٥) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٣٧.
(٦) انظر : جامع البيان ٢/٢١٧، ٢١٨.

ومن الأحاديث : قوله - ﷺ - :" إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر " (١).
" فهو نص صريح في أن المجتهدين منهم المخطئ ومنهم المصيب " (٢).
وهذا يدل على أن الحق واحد (٣).
قال ابن عاشور - عن علماء الإسلام :"... وقد استبرءوا للدين فأعلنوا جميعاً : أن لله تعالى حكماً في كل مسألة، وأنه حكم واحد، وأنه كلف المجتهدين بإصابته، وأن المصيب واحد، وأن مخطئه أقل ثواباً من مصيبه، وأن التقصير في طلبه إثم " (٤).
(١) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، ص ١٢٦٤، برقم ٧٣٥٢ من حديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه -.
(٢) مذكرة في أصول الفقه ص ٣٧١.
(٣) انظر : الموافقات ٥/٧١.
(٤) التحرير والتنوير ٢/٢٩٤.

فنَزلت الآية (١)، فرفع الجناح هو معنى العفو " (٢).
الدّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن هذه الآية :﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ حچôJy‚ّ٩$# وَالْمَيْسِرِ... ﴾ ليست نصاً في تحريم الخمر - وإن ظهر وجهه -، وإنما النص في تحريمها هو في قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (#ûqمYtB#uن إِنَّمَا مچôJsƒù:$# مژإ£ّٹyJّ٩$#ur وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ِNن٣¯=yès٩ tbqكsد=ّےè؟ ﴾ (٣).
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جمهور المفسرين(٤).
ولهم أدلة، منها :
الأول : أن الآية لم تصرح بالتحريم، وإن بينت بأن فيها إثماً كبيراً، وإنما فيها التعريض والتمهيد للتحريم (٥).
(١) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب المظالم، باب صب الخمر في الطريق، ص ٣٩٧، رقم ٢٤٦٤، ومسلم في صحيحه، في كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر ٣/١٥٧٠، ١٥٧١، رقم ١٩٨٠، من حديث أنس - رضي الله عنه - بمعناه.
(٢) الموافقات ١/٢٧٥، ٢٧٦.
(٣) سورة المائدة : ٩٠.
(٤) نسبه ابن العربي في أحكام القرآن ١/٢١٠ إلى الجمهور، وانظر : جامع البيان ٢/٣٤٣، ٣٧٤، ٣٧٥، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٦٣، روح المعاني ١/٥٠٩، محاسن التأويل ١/٥٣٥، تيسير الكريم الرحمن ١/٢٧١.
(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٦٣، روح المعاني ١/٥٠٩، محاسن التأويل ١/٥٣٥.

ولا ينفي هذا عدم دخول المخالطات الأخرى في الآية ؛ لأن الآية عامة ؛ كما هو رأي جماعة من المفسرين ؛ كابن جرير(١)، والجصاص(٢)، وأبي حيان (٣)، والشوكاني(٤)، وغيرهم(٥).
وإنما نص الشاطبي على المخالطة في الطعام لأن السؤال الوارد إليه في الفتوى عن الطعام.
قال ابن عباس: "لما نزلت: ﴿ وَلَا (#qç/uچّ)s؟ مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ (٦)، عزلوا أموالهم عن أموال اليتامى فجعل الطعام يفسد، واللحم ينتن، فشكوا ذلك إلى رسول الله - ﷺ - فأنزل الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ ضژِچyz وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ ِNن٣çR¨uq÷zخ*sù ﴾ قال: فخالطوهم"(٧).
وقال أبو حيان: " والذي يظهر أن المخالطة لم تقيد بشيء، لم يقل في كذا، فتحمل على أي مخالطة كانت مما فيه إصلاح لليتيم، ولذلك قال: ﴿ ِNن٣çR¨uq÷zخ*sù ﴾ أي: تنظرون لهم نظر إخوانكم مما فيه إصلاحهم"(٨).
وقال الشوكاني: "والأولى عدم قصر المخالطة على نوع خاص، بل يشمل كل مخالطة؛ كما يستفاد من الجملة الشرطية"(٩).
وقال السعدي:"فأخبرهم تعالى أن المقصود إصلاح أموال اليتامى؛ بحفظها وصيانتها، والاتجار فيها، وأن خلطتهم إياهم في طعام وغيره جائز على وجه لا يضر باليتامى"(١٠).
(١) انظر: جامع البيان ٢/٣٨٤، ٣٨٥.
(٢) انظر: أحكام القرآن ١/٤٠١.
(٣) انظر: البحر المحيط ٢/١٧١.
(٤) انظر: فتح القدير ١/٢٢٢.
(٥) انظر: روح المعاني ١/٥١٠، ٥١١، محاسن التأويل ١/٥٣٨، ٥٣٩، تيسير الكريم الرحمن ١/٢٧٣.
(٦) سورة الأنعام : ١٥٢.
(٧) الحديث: أخرجه النسائي في سننه، في كتاب الوصايا، باب ما للوحي من مال اليتيم ص٥٧٠، ٥٧١، برقم ٣٦٦٩، ٣٦٧٠، والحاكم في المستدرك، في كتاب التفسير، من سورة البقرة ٢/٣٠٦، برقم ٣١٠٣، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(٨) البحر المحيط ٢/١٧١.
(٩) فتح القدير ١/٢٢٢.
(١٠) تيسير الكريم الرحمن ١/٢٧٣.

وممن ذهب إليه : ابن القيم (١).
والذي يظهر : أن كل هذه المعاني داخلة في معنى الآية ؛ لأن معنى :﴿ أَنَّى ﴾ أعمّ في اللغة من لفظ :(كيف) و (متى) و (أين) وغيرها (٢) ؛ كما أن هذه التفاسير كلها من التفسير بالمعنى، ولا تضاد بينها، ويمكن دخولها في الآية.
قال الشوكاني :" وإنما عبَّر سبحانه بقوله :﴿ أَنَّى ﴾ ؛ لكونها أعمّ في اللغة من : كيف، وأين، ومتى " (٣).
وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة المفسرين الذين فسروا الآية بهذه المعاني قالوا: بأن التخيير لا يبيح إتيان المرأة في دبرها ؛ فهو تخيير في الحال والجهة والهيئة والزمن، وليس تخييراً في الموضع (٤).
وأظهر هذه التفاسير من فسَّر الآية بالهيئة والحال والجهة، وليس بالزمن والعزل ؛ للأحاديث الواردة في سبب نزول هذه الآية (٥)، ومنها :
حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال :" كانت اليهود تقول : إذا جامعها من ورائها جاء الولد أحول ؛ فنَزلت :﴿ ِNن. نt!$|، دS س^ِچxm ِNن٣©٩ (#qè؟ù'sù ِNن٣rOِچxm ٤'¯Tr& ÷Lنê÷¥د© ﴾ " (٦).
(١) انظر : زاد المعاد ٤/٢٦١، ٢٦٢، وذكره الماوردي في تفسيره ١/٢٨٤ عن ابن المسيب.
(٢) انظر : تأويل مشكل القرآن، ص ٥٢٥، نزهة الأعين النواظر، ص ١٠٦-١٠٨، المحرر الوجيز ١/٢٩٩، البحر المحيط ٢/١٨١، النحو الوافي ٤/٤٣٠، ٤٣١.
(٣) فتح القدير ١/٢٦٦.
(٤) انظر : جامع البيان ٢/٤١١، الكشاف ١/١٣٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٦٧، ٢٦٨، البحر المحيط ٢/٢٢٦، زاد المعاد ٤/٢٥٧-٢٦٤، فتح القدير ١/٢٢٦، روح المعاني ١/٥١٨.
(٥) انظر: جامع البيان ٢/٤٠٨-٤١٠، أسباب النّزول ص٧٥-٧٨، العجاب ١/٥٥٦-٥٦٣، لباب النقول ص٤٣.
(٦) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب :﴿ ِNن. نt!$|، دS س^ِچxm ِNن٣©٩ (#qè؟ù'sù ِNن٣rOِچxm ٤'¯Tr& ÷Lنê÷¥د© ﴾ ص ٧٦٩، رقم ٤٥٢٨.

وأما الأصوليون والمتأخرون فإنهم لا يطلقون النسخ إلا على رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر عنه فقط (١).
وعلى هذا فما ورد عن السلف من إطلاق النسخ ربما أرادوا به تخصيص العام ونحوه، ولم يريدوا به النسخ في عرف المتأخرين والأصوليين.
ومن ذلك قول قتادة بأن هذه الآية :﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ ڑئَء­/uژyItƒ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ﴾ (٢) منسوخة ؛ فمراده بالنسخ هنا ليس على عرف المتأخرين والأصوليين، وإنما مراده هنا التخصيص ؛ أي : أن هذه الآية خص منها كذا وكذا (٣).
وما ذهب إليه الشاطبي من تقرير مراد المتقدمين بالنسخ وأنه أعم من مراد المتأخرين ؛ ذهب إليه الجصاص (٤)، وابن تيمية (٥)، وابن القيم (٦)، والدهلوي (٧).
قال ابن القيم :" مراد عامة السلف بالناسخ والمنسوخ رفع الحكم بجملته تارة ؛ وهو اصطلاح المتأخرين، ورفع دلالة العام والمطلق والظاهر وغيرها تارة ؛ إما بتخصيص أو تقييد أو حمل مطلق على مقيد وتفسيره وتبيينه ؛ حتى إنهم يسمون الاستثناء والشرط والصفة نسخاً ؛ لتضمن ذلك رفع دلالة الظاهر وبيان المراد.
فالنسخ عندهم وفي لسانهم هو بيان المراد بغير ذلك اللفظ، بل بأمر خارج عنه، ومن تأمل كلامهم رأى من ذلك فيه ما لا يحصى، وزال عنه به إشكالات أوجبها حملُ كلامهم على الاصطلاح الحادث المتأخر " (٨).
(١) انظر : الموافقات ٣/٣٤٤، ٣٤٥.
(٢) سورة البقرة : ٢٢٨.
(٣) انظر : الموافقات ٣/٣٤٤، ٣٤٥، ٣٥٨، وانظر : أحكام القرآن للجصاص ١/٤٥٦، ٤٥٧.
(٤) انظر : أحكام القرآن ١/٤٥٧.
(٥) انظر : مجموع الفتاوى ١٣/٢٩، ٣٠، ٢٧٢، ٢٧٣.
(٦) انظر : إعلام الموقعين ١/٣٥.
(٧) انظر : الفوز الكبير، ص ٨٣، ٨٤.
(٨) إعلام الموقعين ١/٣٥.

ونزل مع ذلك :﴿ ںwur
يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آَتَيْتُمُوهُنَّ $¸"ّ‹x©... ﴾
الآية، فيمن كان يضار المرأة حتى تفتدي منه ؛ وهذه كلها حيل على بلوغ غرضٍ لم يشرع ذلك الحكم لأجله"(١).
الدّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن سبب نزول قوله تعالى :﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ أن الطلاق كان في أول الإسلام إلى غير عدد ؛ فكان الرجل يرتجع المرأة قبل أن تنقضي عدتها، ثم يطلقها، ثم يرتجعها كذلك قصداً ؛ فنَزلت.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره كثير من المفسرين (٢).
وهو الذي تدل عليه الروايات الواردة في نزول هذه الآية، وما كان عليه أهل الجاهلية قبل نزولها، ومنها :
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال " ﴿ وَالْمُطَلَّقَاتُ ڑئَء­/uژyItƒ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ ﴾ (٣) الآية، وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها، وإن طلقها ثلاثاً، فنسخ ذلك فقال: ﴿ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ ﴾ الآية"(٤).
(١) الموافقات ٣/١١١.
(٢) انظر : جامع البيان ٢/٤٦٩-٤٧١، النكت والعيون ١/٢٩٣، ٢٩٤، معالم التنْزيل ١/١٦٩، أحكام القرآن لابن العربي ١/٢٥٧، المحرر الوجيز ١/٣٠٦، زاد المسير ١/٢٢٠، التفسير الكبير ٣/٦/٨٢، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/٨٣، ٨٤، البحر المحيط ٢/٢٠٢، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٧٩، محاسن التأويل ١/٥٥٧، التحرير والتنوير ٢/٣٨٤.
(٣) سورة البقرة : ٢٢٨.
(٤) أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب الطلاق، باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث ص٣٣٣، برقم٢١٩٥، وصححه الألباني في إرواء الغليل ٧/١٦١.

المسألة الأولى : ذهب الشاطبي بأن هذه الآية ﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ y٧د٩¨sŒ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ﴾ فسِّرت : بأن الله حرم على الرجل أن يرتجع المرأة، يقصد بذلك مضرتها.
وما ذكره الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين (١).
وتدل عليه الآية في قوله :﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾.
قال الحسن -في هذه الآية :" كان الرجل يطلق المرأة ثم يراجعها، ثم يطلقها ثم يراجعها؛ يضارها، فنهاهم الله عن ذلك"(٢).
وقال ابن كثير :" قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ قال ابن عباس ومجاهد ومسروق والحسن وقتادة والضحاك والربيع ومقاتل بن سليمان وغير واحد : كان الرجل يطلق المرأة فإذا قاربت انقضاء العدة راجعها ضراراً لئلا تذهب إلى غيره، ثم يطلقها فتعتد، فإذا شارفت على انقضاء العدة طلَّق لتطول عليها العدة؛ فنهاهم الله عن ذلك وتوعدهم عليه فقال: ﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ y٧د٩¨sŒ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ﴾ "(٣).
(١) انظر : جامع البيان ٢/٤٩٣-٤٩٥، أحكام القرآن للجصاص ١/٤٨٢، بحر العلوم ١/٢٠٩، النكت والعيون ١/٢٩٧، الكشاف ١/١٤٠، المحرر الوجيز ١/٣٠٩، زاد المسير ١/٢٢٣، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/١٠٣، مدارك التنْزيل ١/١٢٩، التسهيل ١/١١٢، البحر المحيط ٢/٢١٩، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٨٩، أنوار التنْزيل ١/١٢٤، الدر المنثور ١/٥٠٨، ٥٠٩، روح المعاني ١/٥٣٦، تيسير الكريم الرحمن ١/٢٩٠، أضواء البيان ١/٢٧٩، التحرير والتنوير ٢/٤٠٢، ٤٠٣.
(٢) أخرجه ابن جرير في تفسيره ٢/٤٩٣، وصحح إسناده إليه ابن حجر في العجاب ١/٥٨٨.
(٣) تفسير القرآن العظيم ١/٢٨٨.

ومنهم من جعل معناه الأمر، جاء بصورة الخبر تأكيداً ؛ كما قاله كثير من المفسرين (١).
قال الجصاص :"... ظاهره الخبر ؛ ولكنه معلوم من مفهوم الخطاب أنه لم يرد به الخبر ؛ لأنه لو كان خبراً لوجد مُخْبَرُهُ، فلما كان في الوالدات من لا يرضع علم أنه لم يرد به الخبر " (٢).
وقال الزمخشري :" ﴿ يُرْضِعْنَ ﴾ مثل ﴿ ڑئَء­/uژyItƒ ﴾ في أنه خبر معنى الأمر المؤكد " (٣).
وقال أبو حيان :" ﴿ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾ صورته خبر، محتمل أن يكون معناه خبراً، أي: في حكم الله تعالى الذي شرعه ؛ فالوالدات أحق برضاع أولادهن، سواء كانت في حيالة الزوج، أو لم تكن ؛ فإن الإرضاع من خصائص الولادة، لا من خصائص الزوجية، ويحتمل أن يكون معناه الأمر... " (٤).
(١) انظر : أحكام القرآن للجصاص ١/٤٨٨، معالم التنْزيل ١/٢٧٧، الكشاف ١/١٤١، المحرر الوجيز ١/٣١٠، زاد المسير ١/٢٢٥، التفسير الكبير ٣/٦/١٠٠، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/١٠٦، مدارك التنْزيل ١/١٣٠، التسهيل ١/١١٣، أنوار التنْزيل ١/١٢٤، تيسير الكريم الرحمن ١/٢٩٢.
(٢) أحكام القرآن ١/٤٨٨.
(٣) الكشاف ١/١٤١.
(٤) البحر المحيط ٢/٢٢٢.

عام في المطلقات وغيرهن"(١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن حديث سُبَيْعة الأسلميَّة يدل على أن قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ %[`¨urّ-r& z`َء­/uژyItƒ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ #[ژô³tمur ﴾ مخصوص في غير الحامل، وأن قوله تعالى :﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ (٢) عام في المطلقات وغيرهن.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جمهور المفسرين (٣).
ويدل عليه حديث سُبيعة الأسلمية، وهو أنها " نُفِسَت بعد وفاة زوجها بليالٍ، فجاءت النبي - ﷺ - فاستأذنته أن تنكح فأذن لها فنكحت" (٤)، فدل على أن الحامل عدتها بوضع الحمل مطلقاً.
وحكى الجصاص (٥)، والبيضاوي (٦)، والألوسي (٧) الإجماع على ذلك.
قال الجصاص:"... ولا خلاف بين أهل العلم -أيضاً- في أن هذه الآية خاصة في غير الحامل".
(١) الموافقات ٤/٣٩٦، ٣٩٧.
(٢) سورة الطلاق : ٤.
(٣) انظر : جامع البيان ٢/٢٢٥، ٢٢٦، أحكام القرآن للجصاص ١/٥٠٢، ٥٠٣، معالم التنْزيل ١/٢٨١، أحكام القرآن لابن العربي ١/٢٨٠-٢٨٣، المحرر الوجيز ١/٣١٤، زاد المسير ١/٢٩٩، التفسير الكبير ٣/٦/١٠٨، ١٠٩، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/١١٥، البحر المحيط ٢/٢٣٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٩٢، أنوار التنْزيل ١/١٢٦، فتح القدير ١/٢٤٨، روح المعاني ١/٥٤٢، ٥٤٣، محاسن التأويل ١/٥٧١، تيسير الكريم الرحمن ١/٢٩٥، أضواء البيان ١/٢٧٩، ٢٨٠، التحرير والتنوير ٢/٤٢١-٤٢٥.
(٤) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الطلاق، باب ﴿ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ﴾ من حديث المسور بن مخرمة، برقم ٥٣٢٠ ص٩٥١.
(٥) انظر : أحكام القرآن ١/٥٠٢، ٥٠٣.
(٦) انظر : أنوار التنْزيل ١/١٢٦.
(٧) انظر : روح المعاني ١/٥٤٢، ٥٤٣.

وفي رواية : قال أبو الدَّحداح: يستقرضنا وهو غني؟ فقال عليه الصلاة والسلام: " نعم ليدخلكم الجنة " وفي الحديث قصة(١).
وفهم اليهود لم يزد على مجرد القول العربي الظاهر، ثم حمل استقراض الرَّب الغني على استقراض العبد الفقير، عافانا الله من ذلك " (٢).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ مَنْ ذَا الَّذِي قعحچّ)مƒ اللَّهَ قَرْضًا $YZ|،xm فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ يدل على أن الله كريم استقرض منا ما أعطانا لأنفسنا، ولا يدل على أن الله فقير ؛ كما قالت اليهود - تعالى الله عن ذلك.
(١) الحديث : أخرجه الطبري في تفسيره ٢/٦٠٨، وابن أبي حاتم في تفسيره ٢/٤٦٠، والطبراني في المعجم الكبير ٢٢/٣٠١، برقم ٧٦٤، من طريق خلف بن خليفة، عن حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن عبدالله ابن مسعود قال :" لما نزلت :﴿ مَنْ ذَا الَّذِي قعحچّ)مƒ اللَّهَ قَرْضًا $YZ|،xm ﴾ قال أبو الدحداح : يا رسول الله، أوَ إن الله يريد منا القرض ؟ قال : نعم يا أبا الدحداح، قال : يدك، قال : فناوله يده، قال : فإني قد أقرضت الله ربي حائطي، حائطاً فيه ستمائة نخلة، ثم جاء يمشي حتى أتى الحائط وأم الدحداح فيه في عيالها، فناداها : يا أم الدحداح، قالت : لبيك، قال : اخرجي، قد أقرضت ربي حائطاً فيه ستمائة نخلة "....... =
= والحديث ضعَّفه بعض أهل العلم.
قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٢/٣/١١٤ :"... رواه البزار، وفيه حميد بن عطاء الأعرج، وهو ضعيف".
وقال ابن حجر في المطالب العالية ١٦/٤٢١ - بعد ذكره للحديث - :" حميد ضعيف ".
وقال أحمد شاكر في تحقيقه لجامع البيان ٥/٢٨٥ :" وهذا إسناد ضعيف جداً ".
وروي الحديث مرسلاً عن زيد بن أسلم، كما في جامع البيان ٢/٦٠٧.
(٢) الموافقات ٤/٢١٨.

وردَّ استدلالهم بقول الشاعر :
................... ولا يُكَرْسِئ علم الله مخلوق
على معنى : ولا يعلم علمه ؛ بأن هذا البيت لا يعرف، وأن لفظ يُكَرْسِئ مهموز، والكرسي غير مهموز.
وما ذهب إليه الشاطبي من ردِّه لتفسير الكرسي في الآية بالعلم ؛ هو الظاهر ؛ كما بيَّنه أهل العلم.
قال ابن قتيبة :" وطلبوا للكرسي غير ما نعلم، وجاؤوا بشطر بيت لا يُعرف ما هو، ولا يُدرى مَن قائله 'ولا يُكَرْسِئ علم الله مخلوق' والكرسي غير مهموز بإجماع الناس جميعاً، ويُكَرْسِئ مهموز " (١).
وقال الزَّجاج :" الذي نعرفه من الكرسي في اللغة : الشيء الذي يعتمد عليه ويجلس عليه"(٢).
وقال الأزهري :" والصحيح عن ابن عباس في الكرسي ما رواه الثوري وغيره عن عمّار الدُّهني، عن مُسلم البَطِين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أنه قال :" الكرسي موضع القدمين، وأما العرش فإنه لا يقدر قدره " وهذه رواية اتفق أهل العلم على صحتها، والذي روي عن ابن عباس في الكرسي : أنه العلم ؛ فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار " (٣).
وهنا ملحوظتان :
الأولى : أن الشاطبي أورد هذا المثال على أن إطلاق لفظ (الكرسي) على العلم غير جار على اللسان العربي، وهذا فيه نظر ؛ إذ الكرسي في اللغة يطلق على العلم، وعلى السَّرير (٤).
قال الفيروز ابادي :" والكرسي بالضم وبالكسر : السرير والعلم " (٥).
(١) الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبِّهة، ص ٣٥.
(٢) معاني القرآن وإعرابه للزجاج ١/٣٣٨.
(٣) تهذيب اللغة ١٠/٥٤، مادة "كرس".
(٤) انظر : تهذيب اللغة ١٠/٥٢-٥٤، الصحاح ٣/٩٧٠، القاموس المحيط، ص٧٣٥، لسان العرب ٦/١٩٣-١٩٤ مادة "كرس".
(٥) القاموس المحيط، ص ٧٣٥.

فمن المفسرين من ذهب إلى أن الانتقال انتقال من حجة إلى حجة أخرى، أو من دليل إلى دليل آخر، وعليه أكثر المفسرين (١) ؛ كالسمرقندي (٢)، والماوردي (٣)، والزمخشري (٤)، وابن الجوزي (٥)، وابن جري (٦)، والشوكاني (٧).
ومنهم من ذهب إلى أن هذا الانتقال انتقال من مثال إلى مثالٍ أوضح منه، وقال به بعض المفسرين ؛ كالبيضاوي (٨).
ومنهم من ذهب إلى أن هذا الانتقال إنما هو إلزام للمدعي بطرد حجته إن كانت صحيحة، وقال به بعض المفسرين ؛ كالرازي (٩)، وابن القيم (١٠)، وابن كثير (١١)، والسعدي (١٢).
ولكل من هذه التقريرات وجه حسن ؛ فكلها تدل على أن المخاصم عارض في الأول، ثم بهت في الثاني، ولكن أحسنها التقرير الثالث؛ لأنه أوضح في بطلان ما ادعاه الخصم -النمرود، وأسلم من الإشكالات الواردة في التقرير الأول والثاني (١٣).
(١) نسبه إليهم : الرازي في تفسيره ٤/٧/٢٣، ٢٤.
(٢) انظر : بحر العلوم ١/٢٢٥.
(٣) انظر : النكت والعيون ١/٣٣٠.
(٤) انظر : الكشاف ١/١٥٦.
(٥) انظر : زاد المسير ١/٢٥٤.
(٦) انظر : التسهيل ١/١٢٢، ١٢٣.
(٧) انظر : فتح القدير ١/٢٧٧.
(٨) انظر : أنوار التنْزيل ١/١٣٦، وانظر : المحرر الوجيز ١/٣٤٦، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/١٨٦.
(٩) انظر : التفسير الكبير ٤/٧/٢٢-٢٤.
(١٠) انظر : بدائع التفسير ١/٤١٦.
(١١) انظر : تفسير القرآن العظيم ١/٣٢١.
(١٢) انظر : تيسير الكريم الرحمن ١/٣٢٠.
(١٣) انظر : التفسير الكبير ٤/٧/٢٢-٢٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٣٢١، روح المعاني ٢/١٨-١٩، محاسن التأويل ١/٦٠٤.

وهذا التقرير يتضمن الشهادة لإبراهيم - عليه السلام - بالإيمان وإزالة الشبهة عن كونه شاكَّاً في قدرة الله تعالى ؛ كما يدل عليه قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ ؛ وقوله - في محاجة النمرود - :﴿ إِذْ قَالَ مN؟دd¨uچِ/خ) رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ (١).
وأما ما ذهب إليه الشاطبي في كون هذا التقرير فيه إشارة إلى التخوف ألا يكون مؤمناً ؛ فإن هذا الاستنباط لم أجد من وافق الشاطبي عليه، والذي يظهر أن هذا الاستنباط لا يتناسب مع ما اختاره الشاطبي في كون الاستفهام للتقرير، وإنما يدخل تحت قول من يقول : بأن إبراهيم - عليه السلام - كان في سؤاله شاكَّاً في قدرة الله (٢) ؛ وهو قول باطل ؛ لأدلة منها :
١ - أن إبراهيم - عليه السلام - لم يكن شاكَّاً في قدرة الله - كما سبق بيانه -، وإنما أراد أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين، ومن الرؤية القلبية إلى المشاهدة البصرية، فهو سؤال عن الكيفية، وليس سؤالاً عن القدرة، وهذا أقوى في طمأنينة القلب (٣).
٢ - أن النبي - ﷺ - قال :" نحن أولى بالشك من إبراهيم ؛ إذ قال :﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي ٤'sAِqyJّ٩$# قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ " (٤).
(١) سورة البقرة : ٢٥٨.
(٢) انظر : جامع البيان ٣/٥١، التفسير الكبير ٤/٧/٣٥.
(٣) انظر : معالم التنْزيل ١/، المحرر الوجيز ١/٣٥٢، ٣٥٣ التفسير الكبير ٤/٧/٣٥، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/١٩٣-١٩٥ تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٣٢٢، فتح القدير ١/٢٨١.
(٤) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب ﴿ وَإِذْ قَالَ قO؟دd¨uچِ/خ) رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي ٤'sAِqyJّ٩$# ﴾ ص ٧٧١، برقم ٤٥٣٧ من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

والتعليل الثاني : أن هذا البطلان بسبب أن نيَّته لم تكن خالصة لله تعالى في هذه الصدقات؛ إذ لو كانت خالصة لما أتبعها بالمنّ والأذى، ولذا شبهه الله بمن ينفق ماله رئاء الناس؛ كما قال تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# ﴾.
وقد ذكره بعض المفسرين ؛ كابن عطية (١)، وابن القيم (٢).
وكلا التعليلين داخلان في سبب بطلان أجر الصدقة.
قال ابن عطية :" المنّ المؤذي ينص على نفسه أن نيَّته لم تكن لله - عز وجل - " (٣).
وقال ابن القيم :" المعطي قد تولى الله ثوابه، وردَّ عليه أضعاف ما أعطى، فبقي عوض ما أعطى عند الله، فأي حق بقي له قِبَلَ الآخذ ؟ فإذا امتن عليه فقد ظلمه ظلماً بيِّناً، وادَّعى أن حقه في قلبه.
ومن هنا - والله أعلم - بطلت صدقته بالمنّ ؛ فإنه لما كانت معاوضته ومعاملته مع الله، وعوض تلك الصدقة عنده فلم يرض به، ولا حظ العوض من الآخذ والمعاملة عنده فمنَّ عليه بما أعطاه ؛ بطلت معاوضته مع الله ومعاملته له، فتأمل هذه النصائح من الله لعباده ودلالته على ربوبيته وإلهيته وحده، وأنه يبطل عمل من نازعه في شيء من ربوبيته وإلهيته " (٤).
(١) انظر : المحرر الوجيز ١/٣٥٧.
(٢) انظر : بدائع التفسير ١/٤١٩.
(٣) المحرر الوجيز ١/٣٥٧.
(٤) بدائع التفسير ١/٤١٩.

٤١/٤٠ قال الشاطبي :" أهل الصُّفَّة (١) لما لم يجدوا منْزلاً آواهم النبي - ﷺ -
إلى المسجد حتى يجدوا، كما أنهم حين لم يجدوا ما يقوتهم نَدَبَ النبي - ﷺ - إلى إعانتهم.
وفيهم نزل قول الله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (#ûqمZtB#uن أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا $sYô_uچ÷zr& لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ... ﴾ إلى قوله :﴿ دن!#uچs)àےù=د٩ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ الآية.
فوصفهم الله تعالى بأوصاف ؛ منها : أنهم أحصروا في سبيل الله ؛ أي : مُنِعُوا وحُبسوا حين قصدوا الجهاد مع نبيه - ﷺ -، كأن العدو أحصرهم، فلا يستطيعون ضرباً في الأرض ؛ لاتخاذ المسكن ولا للمعاش ؛ لأن العدو قد أحاط بالمدينة، فلا هم يقدرون على الجهاد حتى يكسبوا من غنائمه، ولا هم يتصرفون بتجارة أو غيرها لخوفهم من الكفار ولضعفهم في أول الأمر، فلم يجدوا سبيلاً للكسب أصلاً " (٢).
الدّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
المسالة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ (#ûqمZtB#uن أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا $sYô_uچ÷zr& لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ... ﴾ إلى قوله :﴿ دن!#uچs)àےù=د٩ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ الآية، نزل في أهل الصُّفَّة.
وما ذهب إليه الشاطبي فيه تفصيل :
(١) أهل الصُّفَّة : كانوا نحواً من أربعمائة رجل، وهم فقراء المسلمين، ممن يقدم على النبي - ﷺ - في المدينة، وليس لهم أهل ولا مال ولا مسكن، فبنيت لهم صُفَّة في شمالي المسجد النبوي، فكانوا يأوون إليها، فقيل لهم : أهل الصُّفَّة. [انظر : الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/٢٢٠، مجموع الفتاوى ١١/٣٨-٤١].
(٢) الاعتصام ١/٣٤٢، ٣٤٣.

أن الكفار قالوا :﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ (#٤qt/حhچ٩$# ﴾، فإنهم لما استحلوا العمل به ؛ احتجوا بقياسٍ فاسد فقالوا : إذا فسخ العشرة التي اشترى بِها إلى شهر في خمسة عشر إلى شهرين ؛ فهو كمن لو باع بخمسة عشر إلى شهرين، فأكذبهم الله تعالى، وردَّ عليهم، فقال :﴿ y٧د٩¨sŒ بِأَنَّهُمْ (#ûqن٩$s% إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ (#٤qt/حhچ٩$# ¨@xmr&ur اللَّهُ الْبَيْعَ tP

چxmur (#٤qt/حhچ٩$# ﴾ ؛ أي : ليس البيع مثل الربا.

فهذه محدثة أخذوا بِها مستندين إلى رأي فاسد، فكان من جملة المحدثات ؛ كسائر ما أحدثوا في البيوع الجارية بينهم، المبنية على الخطر والغرر " (١).
الدّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن أربع مسائل :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن ربا الجاهلية الذي قالوا فيه :﴿ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ (#٤qt/حhچ٩$# ﴾ هو فسخ الدَّين في الدَّين، يقول الطالب : إما أن تقضي، وإما أن تربي.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين (٢).

(١) الاعتصام ٢/٣٦٠.
(٢) انظر : جامع البيان ٣/١٠٢، ١٠٤، أحكام القرآن للجصاص ١/٥٦٣، ٥٦٩، بحر العلوم ١/٢٣٤، معالم التنْزيل ١/٣٤١، أحكام القرآن لابن العربي ١/٣٢٠، المحرر الوجيز ١/٣٧١، التفسير الكبير ٤/٧/٧٩، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/٢٢٦، البحر المحيط ٢/٣٤٨، الدر المنثور ١/٦٤٤، ٦٤٥، فتح القدير ١/٢٩٤، التحرير والتنوير ٣/٥٤٧.

٤٣/٤٢ قال الشاطبي(١) :"... أن الله تعالى قال :﴿ وَاسْتَشْهِدُوا بûّïy‰‹خky­ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ ×@م_uچsù وَامْرَأَتَانِ ﴾ الآية ؛ فحكم في الأموال بشهادة النساء مُنضَمَّة إلى شهادة رجل، وظهر به ضعف شهادتهنّ، ونبَّه على ذلك في قوله :"ما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبٍ منكنَّ"، وفسّر نقصان العقل بأن شهادة امرأتين تعدل شهادة رجل (٢).
(١) ذكر الشاطبي هذا المثال في سياق حديثه عن وجه دلالة الكتاب على السنة، وأن من هذه الأوجه : النظر إلى مجال الاجتهاد الحاصل بين الطرفين الواضحين، ومجال القياس الدائر بين الأصول والفروع، وهذا المثال في مجال القياس الدائر بين الأصول والفروع. [انظر : الموافقات ٤/٣٣٩-٣٨٩].
(٢) بقية الحديث السابق، ولفظه :" قالت : يا رسول الله، وما نقصان العقل والدين ؟ قال : أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل ؛ فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تُصلي، وتُفطر في رمضان ؛ فهذا نقصان الدِّين " [أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب بيان نقص الإيمان بنقص الطاعات، ١/٨٦، ٨٧، برقم ٧٩ عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بلفظه، وأخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، ص ٥٣، برقم ٣٠٤ عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - بنحوه].

وذهب إلى أن الواو للاستئناف جماعة من المفسرين؛ كأبي حيان(١)، والسمين الحلبي(٢)، والسيوطي(٣)، وغيرهم(٤).
ولكن لم يذكروا ما قاله الشاطبي:"فكأن الثاني سبب في الأول".
قال البيضاوي: " كرر لفظة الله في الجمل الثلاث لاستقلالها؛ فإن الأولى: حث على التقوى، والثانية وعد بإتمامه، والثالثة: تعظيم لشأنه؛ ولأنه أدخل في التعظيم من الكناية"(٥).
والقول الثاني : أن الآية تدل على أن من اتقى الله علمه؛ فكأن التقوى سبب للعلم.
وذهب إليه جماعة من المفسرين؛ كالقرطبي(٦)، وابن كثير(٧)، والشوكاني(٨)، وغيرهم(٩).
وعلى هذا القول تكون الواو للعطف، وليست للاستئناف.
قال القرطبي :" قوله تعالى :﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ زOٹد=tو ﴾ ؛ وعد من الله تعالى بأن من اتقاه علمه"(١٠).
وقال ابن عاشور :" وفي عطفه على الأمر بالتقوى إيحاء إلى أن التقوى سبب إفاضة العلوم"(١١).
والذي يظهر: أنه من حيث المعنى ؛ فإن كلاً من التقوى والعلم سبب في الآخر، فكل واحد من القولين صحيح؛ لأن القرآن دل عليهما:
(١) انظر: البحر المحيط ٢/٣٧٠.
(٢) انظر: الدر المصون ٢/٦٧٧.
(٣) انظر: الإتقان ١/٢٣٣.
(٤) انظر: أنوار التنْزيل١/١٤٥، الفتوحات الإلهية١/١/٣٨٨، حاشية الصاوي١/٢١٨، صفوة الآثار والمفاهيم ٣/٥٦٠.
(٥) أنوار التنْزيل ١/١٤٥.
(٦) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/٢٦٢.
(٧) انظر: تفسير القرآن العظيم ١/٣٤٤.
(٨) انظر: فتح القدير ١/٣٠٣.
(٩) انظر: التحرير والتنوير ٢/٥٨٢.
(١٠) الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/٢٦٢.
(١١) التحرير والتنوير ٢/٥٨٢.

وقال -في موضع آخر-: " وقال هو (١) وابن مسعود (٢) في قوله :﴿ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ : إنه منسوخ بقوله :﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ (٣)، مع أن الأخبار لا تنسخ، وإنما المراد -والله أعلم-: ما انطوت عليه النفوس من الأمور الكسبية التي هي في وسع الإنسان، وبيَّن ذلك قوله تعالى :﴿ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ﴾ بدليل أن ابن عباس فسَّر الآية بكتمان الشهادة (٤)؛
(١) أي : عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - [انظر : الموافقات ٣/٣٤٥-٣٥١].
(٢) ابن مسعود : هو الصحابي أبو عبد الرحمن عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي المكي المهاجري البدري، من السابقين الأولين ؛ أسلم بمكة قديماً، وهاجر الهجرتين، وشهد بدراً والمشاهد كلها، وكان صاحب نعل رسول الله - ﷺ - وسواكه وطهوره، وكان من كبار فقهاء الصحابة، وفضائله كثيرة، توفي سنة ٣٢هـ في المدينة. [انظر : أسد الغابة ٣/٣٨٤-٣٩٠، سير أعلام النبلاء ١/٤٦٠-٥٠٠، تهذيب التهذيب ٦/٢٤، ٢٥].
(٣) الأثر : أخرج القول بالنَّسخ عن ابن عباس : أبو عبيد في النَّاسخ والمنسوخ ص ٢٧٥، وابن جرير في تفسيره ٣/١٤٤، ١٤٥، والحاكم في المستدرك، في كتاب التفسير، ومن سورة البقرة، ٢/٣١٥، برقم ٣١٣٣، وصححه ووافقه الذهبي.
وأخرج القول بالنسخ عن ابن مسعود : أبو عبيد في النَّاسخ والمنسوخ ص ٢٧٥، وابن جرير في تفسيره ٣/١٤٧.
(٤) الأثر : أخرجه أبو عبيد في النَّاسخ والمنسوخ ص ٢٧٤، وابن جرير في تفسيره ٣/١٤٣.
وإسناد الأثر ضعيف ؛ لأن فيه يزيد بن أبي زياد، وهو ضعيف، قال عنه الذهبي في ميزان الاعتدال ٤/٤٢٣ :" أحد علماء الكوفة المشاهير بسوء حفظه "، وقال عنه ابن حجر في تقريب التهذيب ص٦٠١: " ضعيف، كبر فتغيَّر وصار يتلقن"، وضعَّف الأثر الشوكاني في تفسيره ١/٣٠٦.

وإن وقع الخلاف في مسائلها، ومعترف بأن قوله تعالى :﴿ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ على ظاهره من غير شك فيه ؛ فيستقرئ من هذا إجماع على أن المتشابه في الشريعة قليل، وإن اعترفوا بكثرة الخلاف " (١).
وقال -في موضع ثالث- :"... وأصل هذا القسم(٢) مذكور في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي tAu"Rr& عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ الآية.
وفي الصحيح أن النبي - ﷺ - قرأ هذه الآية، ثم قال :" فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه ؛ فأولئك الذين سَمَّى الله فاحذروهم " (٣).
(١) الموافقات ٣/٣٢٠.
(٢) يعني : الاجتهاد غير المعتبر شرعاً، وهو الصادر عمن ليس بعارف بما يفتقر الاجتهاد إليه. [انظر : الموافقات ٥/١٣١-١٤٣].
(٣) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب ﴿ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ ﴾ ص ٧٧٣، برقم٤٥٤٧، بلفظه ما عدا :" قرأ " " فإذا رأيتم " فإنها بلفظ :" تلا " و " فإذا رأيت "، ومسلم في صحيحه، في كتاب العلم، باب النهي عن اتباع متشابه القرآن ٤/٢٠٥٣، برقم ٢٦٦٥، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.

وهذه المسالة مبنية - فيما يظهر على الخلاف في منتهى الاستفهام في الآية.
فالقول الأول : أن الاستفهام انتهى إلى قوله :﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ِNà٦د٩¨sŒ ﴾ وأن الجواب ابتدأ بقوله :﴿ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا... ﴾ الآية.
وهذا رأي جماعة من المفسرين ؛ كابن جرير (١)، والزمخشري (٢)، والقرطبي (٣)، والنسفي (٤)، وابن جزي (٥).
والقول الثاني : أن الاستفهام انتهى إلى قوله :﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ِNà٦د٩¨sŒ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ وأن الجواب ابتدأ بقوله: ﴿ جَنَّاتٌ "حچôfs؟ مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ... ﴾ الآية.
وهذا الرأي جوَّزه بعض المفسرين ؛ كابن عطية، وأبي حيان.
والرأيان محتملان ؛ كما قاله ابن عطية (٦)، وأبو حيان (٧).
وعلى هذا ؛ فما ذهب إليه الشاطبي في هذه المسالة يتَّفق مع القول الأول، وكلا الرأيين محتملان، وأوجههما القول الأول، لئلا يكون بالكلام حينئذ حاجة إلى ضمير (٨).
(١) انظر : جامع البيان ٣/٢٠٦.
(٢) انظر : الكشاف ١/١٧٨.
(٣) انظر : الجامع لأحكام القرآن ٢/٤/٢٥.
(٤) انظر : مدارك التنْزيل ١/١٦٥.
(٥) انظر : التسهيل ١/١٣٨، ١٣٩، وانظر : روح المعاني ٢/٩٨.
(٦) انظر : المحرر الوجيز ١/٤١٠، ٤١١.
(٧) انظر : البحر المحيط ٢/٤١٧.
(٨) انظر : جامع البيان ٣/٢٠٦.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كابن تيمية (١)، وأبي حيان(٢)، وابن القيم (٣)، والبيضاوي (٤)، والألوسي (٥)، والسعدي (٦)، وغيرهم (٧).
وهذا هو الظاهر، وهو ما تدل عليه الآيات والأحاديث، ومنها ما ذكره المؤلف ؛ لأن الله سبحانه حكيم عليم، لا يظلم أحداً، ولا يفعل إلا لحكمة، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله.
قال ابن تيمية :" وقد علم المسلمون أن الله لم يخلق شيئاً ما إلا لحكمة ؛ فتلك الحكمة وجهُ حُسنِهِ وخيره، ولا يكون في المخلوقات شر محض لا خير فيه ولا فائدة فيه بوجه من الوجوه؛ وبهذا يظهر معنى قوله :" والشر ليس إليك "، وكون الشر لم يضف إلى الله وحده ؛ بل إما بطريق العموم، أو يضاف إلى السبب أو يحذف فاعله " (٨).
وقال ابن القيم :" فسلبه الملك عمن يشاء، وإذلاله من يشاء خير، وإن كان شراً بالنسبة إلى المسلوب الذليل ؛ فإن هذا التصرف دائر بين العدل والفضل والحكمة والمصلحة لا تخرج عن ذلك، وهذا كله خير يحمد عليه الرَّب ويثنى عليه بتنْزيهه عن الشر، وأنه ليس إليه " (٩).
وقال السعدي :" وأما الشر فإنه لا يضاف إلى الله تعالى لا وصفاً ولا اسماً ولا فعلاً، ولكنه يدخل في مفعولاته، ويندرج في قضائه وقدره.
(١) انظر : مجموع الفتاوى ٨/٦٣، ٦٤، ١٤/١٨-٢٨.
(٢) انظر : البحر المحيط ٢/٤٣٨.
(٣) انظر : شفاء العليل ص٣٠١، بدائع التفسير ١/٤٥٩.
(٤) انظر : أنوار التنْزيل ١/١٥٤.
(٥) انظر : روح المعاني ٢/١١٠.
(٦) انظر : تيسير الكريم الرحمن ١/٣٧٠، ٣٧١.
(٧) انظر : شرح الطحاوية ص٣٦٤-٣٦٦.
(٨) مجموع الفتاوى ١٤/٢١.
(٩) شفاء العليل ص٣٠١.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ أشار إليه بعض المفسرين ؛ كالجصاص (١)، وابن تيمية (٢)، وابن كثير(٣).
ولكن ينبغي التنبُّه : بأن هذا الإشكال إنما يكون إذا قيل : بأن تحريم يعقوب على نفسه بعض الحلال بناءً على اجتهاده ؛ كما هو ظاهر الآية.
وأما إذا قيل : بأن تحريمه بناء على إذن الله ؛ فلا إشكال في الآية أصلاً (٤).
وما أشار إليه الشاطبي بأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا إذا جاء شرعنا بخلافه ؛ فهذا بالإجماع(٥).
قال الجصاص :" قد دلت الآية على أن تحريم إسرائيل لِمَا حرَّمه من الطعام على نفسه قد كان واقعاً، ولم يكن موجب لفظه شيئاً غير التحريم، وهذا المعنى هو منسوخ بشريعة نبينا محمد - ﷺ - ؛ وذلك لأن النبي - ﷺ - حرَّم مارية على نفسه، وقيل : إنه حرَّم العسل، فلم يحرمها الله تعالى عليه، وجعل موجب لفظه كفارة يمين" (٦).
وقال ابن تيمية :" وليس لأحد أن يحرِّم بيمينه ما أحلَّه الله ولا يوجب بيمينه ما لم يوجبه الله، هذا هو شرع محمد - ﷺ -، وأما شرع من قبله فكان في شرع بني إسرائيل إذا حرَّم الرجل شيئاً حرُم عليه، وإذا حلف ليفعلن شيئاً وجب عليه، ولم يكن في شرعهم كفارة"(٧).
(١) انظر : أحكام القرآن ٢/٢٥.
(٢) انظر : مجموع الفتاوى ١٩/٧، ٣٣/١٤٦، ١٤٧، ٣٥/٣٣٠.
(٣) انظر : تفسير القرآن العظيم ١/٣٩٠.
(٤) انظر : أحكام القرآن للجصاص ٢/٢٥، النكت والعيون ١/٤٠٩، أحكام القرآن للهراسي ١/٢٨٩، ٢٩٠، الكشاف ١/٢٠٢، أحكام القرآن لابن العربي ١/٣٦٩، المحرر الوجيز ١/٤٧٢، زاد المسير ١/٣٤٢، الجامع لأحكام القرآن ٢/٤/٨٧، أنوار التنْزيل ١/١٧٠، روح المعاني ٢/٢١٩.
(٥) انظر : مذكرة في أصول الفقه ص١٩٣.
(٦) أحكام القرآن ٢/٢٥.
(٧) مجموع الفتاوى ٣٣/١٤٦، ١٤٧.

وما ذهب إليه الشاطبي هو الصحيح بما علَّلَه، ولذا لم أجد أحداً من المفسرين تابع سهلاً عليه(١).
قال الزركشي :" فأما كلام الصوفية في تفسير القرآن، فقيل : ليس تفسيراً، وإنما هي معانٍ ومواجيد يجدونها عند التلاوة " (٢).
(١) انظر : جامع البيان ٣/٣٥٤-٣٥٧، النكت والعيون ١/٤١٠، معالم التنْزيل ٢/٦٩، أحكام القرآن لابن العربي ١/٣٧١، ٣٧٢، المحرر الوجيز ١/٤٧٤، التسهيل ١/١٥٣، زاد المسير ١/٤٤٣، ٤٤٤، الجامع لأحكام القرآن ٢/٤/٨٨، ٨٩، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٣٩١، الدر المنثور ٢/٩٣، ٩٤.
(٢) البرهان ٢/١٧٠.

وقال - في موضع آخر - :" قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ دMّٹt٧ّ٩$# ﴾ قاضٍ بظاهره أنه للأبد لإطلاقه " (١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ دMّٹt٧ّ٩$# ﴾ قاضٍ بظاهره أنه للأبد لإطلاقه، فلا يجب الحج إلا مرة واحدة في العمر.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كالجصاص (٢)، والهراسي (٣)، وابن العربي (٤)، وأبي حيان (٥)، وغيرهم (٦).
وعليه يدل النص والإجماع.
قال الجصاص :" والذي يقتضيه ظاهر قوله تعالى :﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ دMّٹt٧ّ٩$# ﴾ حجة واحدة ؛ إذ ليس فيه ما يوجب تكراراً، فمتى فعل الحج فقد قضى عهدة الآية " (٧).
وقال أبو حيان :" وظاهره الاكتفاء بحجة واحدة، وعليه انعقد إجماع الجمهور، خلافاً لبعض أهل الظاهر ؛ إذ قال يجب في كل خمسة أعوام مرة، والحديث الصحيح يرده " (٨).
وقال ابن كثير :" وإنما يجب على المكلف في العمرة مرة واحدة بالنص والإجماع"(٩).
(١) الموافقات ٥/٣٨٨.
(٢) انظر : أحكام القرآن ٢/٣٤، ٣٥.
(٣) انظر : أحكام القرآن ١/٢٩٨.
(٤) انظر : أحكام القرآن ١/٣٧٥، ٣٧٦.
(٥) انظر : البحر المحيط ٣/١٢.
(٦) انظر : التفسير الكبير ٤/٨/١٣٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٣٩٣، محاسن التأويل ٢/٩٨.
(٧) أحكام القرآن ٢/٣٤، ٣٥.
(٨) البحر المحيط ٣/١٢.
(٩) تفسير القرآن العظيم ١/٣٩٣.

©!$# مَا اسْتَطَعْتُمْ }، فإنما أرادوا بالنسخ أن إطلاق سورة آل عمران مقيد بسورة التغابن"(١).
الدّراسة :
هذا المثال الذي ذكره الشاطبي عن قتادة وغيره من الأمثلة التي أوردها لبيان أن إطلاق المتقدمين للنسخ أعم من إطلاق المتأخرين والأصوليين، وقد سبق بيان هذا الأمر وتقريره(٢).
وأما بخصوص هذا المثال ؛ فما ذهب إليه الشاطبي بأن مراد قتادة وغيره بالنسخ هنا، إنما هو البيان والتقييد، وليس النَّسخ في عرف الأصوليين والمتأخرين ؛ فقد ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كالنحاس (٣)، وابن تيمية (٤).
قال النحاس :" وأما قول قتادة - مع محله من العلم - أنها نسخت ؛ فيجوز أن يكون معناه: نزلت :﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ (٥) بنسخة :﴿ (#qà)¨؟$# اللَّهَ ¨،xm تُقَاتِهِ ﴾، وأنها مثلها؛ لأنه لا يكلف أحداً إلا طاقته " (٦).
(١) الموافقات ٣/٣٥٧، ٣٥٨.
(٢) انظر : ص ٢١١، ٢١٢، ٢٦٠، ٢٦١.
(٣) انظر : الناسخ والمنسوخ ص٨٥.
(٤) انظر : مجموع الفتاوى ١٤/١٠١.
(٥) سورة التغابن : ١٦.
(٦) الناسخ والمنسوخ ص٨٥.

وقال - في موضع آخر - (١) :" وقوله تعالى :
﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ الآية، وهي عند العلماء منَزَّلة في أهل القبلة، وهم أهل البدع، وهذا كالنص في الكفر " (٢).
الدّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن الاستفهام في قوله :﴿ أَكَفَرْتُمْ ﴾ للتقريع والتوبيخ.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه كثير من المفسرين، وأقوالهم متقاربه (٣).
قال ابن عطية :" وقوله :﴿ أَكَفَرْتُمْ ﴾ تقرير وتوبيخ " (٤).
وقال أبو حيان :" والهمزة في ﴿ أَكَفَرْتُمْ ﴾ للتقرير والتوبيخ والتعجب من حالهم " (٥).
المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن المراد بهذه الآيات :﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا مMèduن!%y` àM"sYةi t٦ّ٩$# وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (١٠٥) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ﴾ ؛ أنهم أهل البدع.
(١) أورد الشاطبي هذا في سياق حديثه عن الفرق الثلاث والسبعين ؛ هل هي خارجة عن الملة أو لا، فذكر في هذا الموضع أنه يحتمل من جهة النظر أن يكونوا خارجين بسبب ما أحدثوا، وأن هذا الاحتمال يدل عليه ظواهر من القرآن والسنة، وأن هذه الآية من الأدلة، ثم ذكر الاحتمال الآخر - بأن لا يكونوا خارجين من الملة-[انظر: الاعتصام ٣/١٦٧-١٦٩، ٢٦٤-٢٧١].
(٢) الاعتصام ٣/١٦٧.
(٣) انظر : المحرر الوجيز ١/٤٨٧، الكشاف ١/٢٠٩، مدارك التنْزيل ١/١٩٥، البحر المحيط ٣/٢٧، أنوار التنْزيل ١/٧٤، فتح القدير ١/٣٧٠، روح المعاني ٢/٢٣٩، محاسن التأويل ٢/١٠٩، تيسير الكريم الرحمن ١/٤٠٧.
(٤) المحرر الوجيز ١/٤٨٧.
(٥) البحر المحيط ٣/٢٧.

وأما ما ذهب إليه الشاطبي بأن اختلافهم من بعدها دليل على أنها لا اختلاف فيها، وأن اختلافهم من جهة أنفسهم لا من جهة الدليل ؛ فقد أشار إليه بعض المفسرين ؛ كالرازي (١)، والسعدي(٢).
وتدل عليه الآيات الأخرى ؛ كقوله تعالى :﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً Zoy‰دn¨ur فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ڑْïحچدe±u; مB وَمُنْذِرِينَ tAu"Rr&ur مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ àM"sYةi t٦ّ٩$# بَغْيًا َOكgsY÷ t/... ﴾ (٣).
قال الرازي :" تفرقوا واختلفوا بسبب اتباع الهوى وطاعة النفس والحسد " (٤).
وقال السعدي :" ثم نهاهم عن سلوك مسلك المتفرقين، الذين جاءهم الدين والبَيِّنَات، الموجب لقيامهم به واجتماعهم، فتفرقوا واختلفوا وصاروا شيعاً وأحزاباً.
ولم يصدر ذلك عن جهل وضلال، وإنما صدر عن علم وقصد سيء، وبغي من بعضهم على بعض، ولهذا قال :﴿ y٧ح´¯"s٩'ré&ur ِNçlm; ë>#x‹tم زOٹدàtم ﴾ " (٥).
(١) انظر : التفسير الكبير ٤/٨/١٤٨.
(٢) انظر: تيسير الكريم الرحمن ١/٤٠٧، وانظر: محاسن التأويل ٢/١١١.
(٣) سورة البقرة : ٢١٣.
(٤) التفسير الكبير ٤/٨/١٤٨.
(٥) تيسير الكريم الرحمن ١/٤٠٧.

وهو ظاهر الآية، وعليه تدل الآيات الأخرى؛ كقوله تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ tûïحچإf"ygكJّ٩$# وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا çm÷Ztم... ﴾ (١).
قال القرطبي :" ثبت بنص التنْزيل أن هذه الأمة خير الأمم " (٢).
وقال البيضاوي :" دلَّ على خيريَّتهم فيما مضى، ولم يدل على انقطاع طرأ " (٣).
وقال الشوكاني :" وفيه دليل على أن هذه الأمة الإسلامية خير الأمم على الإطلاق"(٤).
المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ y٧د٩¨x‹x.ur ِNن٣"sYù=yèy_ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ (٥) ؛ يدل على إثبات العدالة مطلقاً للصحابة، وذلك يدل على ما دلت عليه الآية الأولى.
وما ذهب إليه ؛ ذكره كثير من المفسرين (٦).
وهو ظاهر الآية، وتفاسير السلف على أن الوسط هم العدول الخيار (٧).
قال ابن عطية :" وسطاً : معناه عدلاً، روي ذلك عن النبي - ﷺ -، وتظاهرت به عبارات المفسرين، والوسط الخير والأعلى من الشيء " (٨).
وقال القرطبي :" وفيه دليل على صحة الإجماع ووجوب الحكم به ؛ لأنهم إذا كانوا عدولاً شهداء على الناس، فكل عصر شهيد على من بعده، فقول الصحابة حجة وشاهد على التابعين" (٩).
(١) سورة التوبة : ١٠٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ٢/٤/١١٠.
(٣) أنوار التنْزيل ١/١٧٥.
(٤) فتح القدير ١/٣٧١.
(٥) سورة البقرة : ١٤٣.
(٦) انظر : جامع البيان ٢/٩، ١٠، أحكام القرآن لابن العربي ١/٦١، الجامع لأحكام القرآن ١/٢/١٠٥، إعلام الموقعين ٤/١٣٢، ١٣٣، أنوار التنْزيل ١/٩١، ٩٢، تيسير الكريم الرحمن ١/١٥٨.
(٧) انظر : جامع البيان ٢/، ٩، ١٠، المحرر الوجيز ١/٢١٩.
(٨) المحرر الوجيز ١/٢١٩.
(٩) الجامع لأحكام القرآن ١/٢/١٠٥.

قال ابن الجوزي :" وفي المشار إليه بهذا قولان :
أحدهما : أنه القرآن، قاله الحسن، وقتادة، ومقاتل.
والثاني : أنه شرح أخبار الأمم السالفة، قاله ابن إسحاق " (١).
(١) زاد المسير ٣٧٣.

وقال - في موضع ثالث - " والثاني (١) : قول من زعم أنه يجوز للرجل نكاح تسع من الحرائر، مستدلاً بقوله تعالى :﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ ؛ لأن أربعاً إلى ثلاث إلى اثنتين تسع، ولم يشعر بمعنى فُعَال ومَفعل في كلام العرب، وأن معنى الآية : فانكحوا إن شئتم اثنتين اثنتين، أو ثلاثاً ثلاثاً، أو أربعاً أربعاً ؛ على التفصيل، لا على ما قالوا " (٢).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن من ادَّعى جواز نكاح أكثر من أربع نسوة مستدلاً بقوله: ﴿ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ﴾ بأنها دعوى لا دليل عليها ولا مستند فيها.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين (٣)، وأن الواو في الآية ليست للعطف المقتضي للجمع ؛ وإنما هي بدل، أو بمعنى : أو (٤).
(١) أي الثاني من الأمثلة التي تدل على أن بعض اللغة يعزب عن علم بعض العرب، وأن الخطأ في فهم اللغة العربية يؤدي إلى تحريف الكلم عن مواضعه [انظر : الاعتصام ٣/٣٧٠-٣٧٤].
(٢) الاعتصام ٣/٣٧١.
(٣) انظر : أحكام القرآن للجصاص ٢/٦٩، النكت والعيون ١/٤٤٩، أحكام القرآن للهراسي ١/٣١٦-٣١٩، معالم التنْزيل ٢/١٦١، الكشاف ١/٢٤٤، أحكام القرآن لابن العربي ١/٤٠٨، ٤٠٩، زاد المسير ٢/٧، التفسير الكبير ٥/٩/١٤٢، الجامع لأحكام القرآن ٣/٥/١٣، ١٤، التسهيل ١/١٧٤، البحر المحيط ٣/١٧١، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٤٦٠، الفتوحات الإلهية ١/٢/٨، ٩، حاشية الصاوي ١/٣٢٧، روح المعاني ٢/٤٠٢، ٤٠٣، تيسير الكريم الرحمن ٢/٨، ٩، أضواء البيان ١/٣٦٩.
(٤) انظر : المراجع السابقة.

وقال مثله : الضحاك (١)، والسُّدي (٢)، وعكرمة (٣).
وقال الحسن (٤) : منسوخ بالزكاة (٥).
وقال ابن المسيّب (٦) : نسخه الميراث والوصية (٧).
(١) أخرجه عن الضحاك ابن جرير في تفسيره ٣/٦٠٧، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص٩٢، ومكي في الإيضاح ص٢١٠، وابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص٣١٣.
والضحاك هو : أبو محمد، : وقيل أبو القاسم الضحاك بن مزاحم الهلالي الخراساني صاحب التفسير، كان من أوعية العلم، وله باع في التفسير والقصص، توفي سنة ١٠٢هـ، وقيل غير ذلك [انظر: سير أعلام النبلاء ٤/٥٩٨-٦٠٠، تقريب التهذيب ص٢٨٠].
(٢) نسبه إلى السدي : مكي في الإيضاح ص٢١٠.
(٣) نسبه إلى عكرمة: النحاس في الناسخ والمنسوخ ص٩٢، ومكي في الإيضاح ص٢١٠، وابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص٣١٣.
وعكرمة : هو العلامة الحافظ المفسر أبو عبد الله عكرمة مولى ابن عباس أصله بربري، كان من أهل العلم، توفي سنة ١٠٤هـ [انظر : سير أعلام النبلاء ٥/١٢-٣٦، تقريب التهذيب ص٣٩٧].
(٤) الحسن: هو أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم، مولى زيد بن ثابت، كان سيد أهل زمانه علماً وعملاً، توفي سنة ١١٠هـ[انظر: سير أعلام النبلاء ٤/٥٦٣-٥٨٨، تقريب التهذيب ص١٦٠].
(٥) نسبه إلى الحسن : مكي في الإيضاح ص٢١٠.
(٦) ابن المسيب : هو الإمام العلم أبو محمد سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي كان عالم أهل المدينة وسيد التابعين في زمانه، وكان ممن برّز في العلم والعمل، توفي سنة ٩٤هـ [انظر: سير أعلام النبلاء ٤/٢١٧-٢٤٦، تقريب التهذيب ص٢٤١].
(٧) أخرجه عن ابن المسيب : ابن جرير في تفسيره ٣/٦٠٦، والنحاس في الناسخ والمنسوخ ص٩١، ومكي في الإيضاح ص٢١٠، وابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص٣١١، ٣١٢.

وأما السنة : فمنها : حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - ﷺ - :" إن الله تبارك وتعالى قد أعطى لكل ذي حق حقه ؛ فلا وصية لوارث " (١).
وحديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال :" كان النبي - ﷺ - يعودني وأنا مريض بمكة، فقلت: لي مال، أوصي بمالي كله ؟ قال : لا، قلت : فالشطر ؟ قال : لا، قلت : فالثلث ؟ قال : الثلث، والثلث كثير... " (٢).
وأما الإجماع فقد حكاه بعض المفسرين ؛ كالقرطبي، وابن كثير.
قال القرطبي :" وأجمع العلماء على أن الوصية للوارث لا تجوز " (٣).
وقال ابن كثير - فيما أقر به الْمُوَرِّث - :" ومتى كان حيلة ووسيلة إلى زيادة بعض الورثة ونقصان بعضهم فهو حرام بالإجماع وبنص هذه الآية الكريمة :﴿ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةٍ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ يOٹد=tو زOٹد=xm ﴾ " (٤).
قال الشوكاني :" قوله :﴿ غَيْرَ مُضَارٍّ ﴾ أي يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار ؛ كأن يقر بشيء ليس عليه، أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة، أو يوصي لوارث مطلقاً أو لغيره بزيادة على الثلث ولم تجزه الورثة.
(١) الحديث : أخرجه الترمذي في جامعه، في كتاب الوصايا، باب ما جاء :" لا وصية لوارث "، ص٤٧٨، برقم (٢١٢٠)، وقال عنه الترمذي :" حديث حسن صحيح ".
(٢) الحديث: أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل ص٩٥٦، برقم ٥٣٥٤.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٣/٥/٥٣، وانظر: التسهيل ١/١٧٩.
(٤) تفسير القرآن العظيم ١/٤٧٢.

وقال - في موضع آخر - :" السابع (١) : قولهم (٢) : إن الحديث جاء بأن المرأة لا تنكح على عمتها ولا على خالتها (٣)، وأنه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب(٤)، والله تعالى لما ذكر المحرمات لم يذكر من الرضاع إلا الأم والأخت، ومن
الجمع إلا الجمع بين الأختين (٥)، وقال بعد ذلك :﴿ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ِNà٦د٩¨sŒ ﴾ فاقتضى أن المرأة تنكح على عمتها وعلى خالتها، وكل رضاعة سوى الأم والأخت حلال.
(١) أي السابع من الأمثلة التي ذكرها مُبيِّناً أن من غفل عن اعتقاد أن القرآن لا اختلاف فيه، ولم يمعن النظر فيه ؛ وقع في الإشكال والاختلاف. [انظر: الاعتصام ٣/٣٨٢-٣٩١].
(٢) ممن نُسب إليه هذا القول : الخوارج، [انظر: التفسير الكبير ٥/١٠/٣٥، ٣٦، وانظر: الاعتصام ٣/٣٨٤].
(٣) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها، ص٩١٤، برقم (٥١٠٩)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - قال :" لا يجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها "، وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، ٢/١٠٢٨، برقم (١٤٠٨).
(٤) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب والرضاع، ص٤٢٨، برقم (٢٦٤٦)، من حديث عائشة - رضي الله عنها - وفيه :" إن الرضاعة يحرمُ منها ما يحرم من الولادة "، وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الرضاع، باب ما يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ٢/١٠٦٨، برقم (١٤٤٤).
(٥) يعني قوله تعالى :﴿ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي ِNن٣sY÷è|تِ'r& Nà٦è؟¨uqyzr&ur مِنَ الرَّضَاعَةِ ﴾ وقوله :﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ﴾، سورة النساء : ٢٣.

٦٤/٥ قال الشاطبي :" والسادس (١) : قول من زعم (٢) أن قوله تعالى - في الإماء - :﴿ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ £`خkِژn=yèsù نِصْفُ مَا عَلَى دM"sY|ءَsكJّ٩$# مِنَ الْعَذَابِ ﴾، لا يعقل مع ما جاء في الحديث :" أن النبي - ﷺ - رجَمَ، ورجَمَت الأئمة بعده " (٣) ؛ لأنه يقتضي أن الرجم يتنصف، وهذا غير معقول، فكيف يكون نصفه على الإماء ؟ ذهاباً منهم إلى أن المحصنات هنا ذوات الأزواج، وليس كذلك؛ بل المحصنات هنا المراد بهن الحرائر ؛ بدليل قوله أول الآية :﴿ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ دM"sY|ءَsكJّ٩$# دM"sYدB÷sكJّ٩$# ﴾ وليس المراد هنا إلا الحرائر ؛ لأن ذوات الأزواج لا تنكح " (٤).
(١) أي : السادس من الأمثلة التي ذكرها مُبيِّناً أن من غفل عن اعتقاد أن القرآن لا اختلاف فيه، ولم يمعن النظر فيه؛ وقع في الإشكال والاختلاف. [انظر : الاعتصام ٣/٣٨٢-٣٩١].
(٢) نسب الرازي إنكار الرجم إلى الخوارج واحتجاجهم بهذه الآية [انظر: التفسير الكبير ٥/١٠/٥٣].
(٣) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الحدود، باب الاعتراف بالزنا، ص١١٧٦، برقم (٦٨٢٩)، من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن عمر بن الخطاب وفيه بلفظ :" ألا وقد رجم رسول الله - ﷺ - ورجمنا بعده"، وأخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الحدود، باب رجم الثيِّب في الزنا، ٣/١٣١٧، برقم (١٦٩١).
(٤) الاعتصام ٣/٣٩١.

وهو من المواضع المشكلة في كلامه، ولغيره مثل ذلك - أيضاً -، وذلك أن الجاري على مفهوم كلام العرب في هذا الخطاب ما هو الظاهر، من أن المراد بالجار ذي القربى وما ذكر معه ما يفهم منه ابتداءً، وغير ذلك لا يعرفه العرب، لا من آمن منهم ولا من كفر، والدليل على ذلك أنه لم ينقل عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين تفسير للقرآن يماثله أو يقاربه، ولو كان عندهم معروفاً لنُقل ؛ لأنهم كانوا أحرى بفهم ظاهر القرآن وباطنه باتفاق الأئمة، ولا يأتي آخر هذه الأمة بأهدى مما كان عليه أولها، ولا هم أعرف بالشريعة منهم، ولا أيضاً ثم دليل يدل على صحة هذا التفسير، لا من مساق الآية ؛ فإنه ينافيه، ولا من خارج ؛ إذ لا دليل عليه كذلك ؛ بل مثل هذا أقرب إلى ما يثبت رده ونفيه عن القرآن من كلام الباطنية ومن أشباههم"(١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قول سهل في باطن الآية : بأن الجار ذي القربى هو القلب، وأن الجار الجنب هو النفس الطبيعي، وأن الجار بالجنب هو العقل المقتدي بعمل الشرع، وأن ابن السبيل هو الجوارح المطيعة لله عز وجل ؛ بأن هذا التفسير مردود، وأنه لم ينقل عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين تفسير للقرآن يماثله أو يقاربه.
وما ذهب إليه الشاطبي بأن هذا التفسير الباطني للآية مردود ؛ هو الصحيح ؛ إذ لا دليل عليه، ولا يعرف في لغة العرب، وسياق الآية ينافيه - كما ذكر الشاطبي - وقد سبق بيان ما يتعلق بهذه التفاسير الصوفية (٢).
(١) الموافقات ٤/٢٤٨، ٢٤٩.
(٢) انظر : ص١٣٦، ١٣٧، ١٤٨، ١٤٩.
وانظر : مجموع الفتاوى ١٣/٢٣٨، الموافقات ٤/٢٣١-٢٤٩.

وقال - في موضع رابع - :" إذا وقع النِّزاع في مسألة شرعية ؛ وجب ردها إلى الشريعة حيث يثبت الحق فيها ؛ لقوله تعالى :﴿ فَإِنْ ÷Lنêôمu""uZs؟ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# ﴾ "(١).
الدّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن المراد بأولي الأمر في قوله :﴿ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ هم الأمراء والعلماء.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه كثير من المفسرين ؛ كالقرطبي (٢)، والنسفي (٣)، وابن تيمية (٤)، وابن القيم (٥)، وابن كثير (٦)، والقاسمي (٧)، والسعدي (٨).
وما ذهب إليه الشاطبي يجمع بين الأقوال الواردة في تفسير الآية، وهي :
القول الأول : أن المراد بأولي الأمر هم الأمراء، وذهب إليه أكثر المفسرين (٩).
القول الثاني : أن المراد بهم العلماء، وذهب إليه بعض المفسرين (١٠).
(١) الاعتصام ٣/٤٤١.
(٢) انظر : الجامع لأحكام القرآن ٣/٥/١٦٧، ١٦٨.
(٣) انظر : مدارك التنْزيل ١/٢٦٠.
(٤) انظر : مجموع الفتاوى ٣/٢٥٠، ١٠/٣٥٤، ١١/٥٥١، ٥٥٢، ١٨/١٥٨، ١٩/٦٧.
(٥) انظر : بدائع التفسير ٢/٢٤-٢٩.
(٦) انظر : تفسير القرآن العظيم ١/٥٣٠.
(٧) انظر : محاسن التأويل ٢/٣٦١.
(٨) انظر : تيسير الكريم الرحمن ٢/٨٩.
(٩) نسبه إليهم : ابن عطية في تفسيره ٢/٧٠، ٧١، والقرطبي في تفسيره ٣/٥/١٦٧، وممن قال به : ابن جرير [انظر: جامع البيان ٤/١٥٣] والهراسي [انظر: أحكام القرآن ١/٤٧٢]، والزمخشري [انظر: الكشاف ١/٢٧٥]، وابن جزي [انظر: التسهيل ١/١٩٦]، والبيضاوي [انظر: أنوار التنْزيل ١/٢٢٠]، والصاوي [انظر: حاشية الصاوي ١/٣٦٥]، والشوكاني [انظر: فتح القدير ١/٤٨١].
(١٠) أخرجه ابن جرير في تفسيره ٤/١٥٢ عن ابن عباس ومجاهد وعطاء والحسن وأبي العالية.

أو في
رجل من الأنصار (١) " (٢).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن ظاهر هذه الآية :﴿ أَلَمْ uچs؟ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا tAح"Ré& إِلَيْكَ وَمَا tAح"Ré& مِنْ y٧د=ِ٦s% tbrك‰ƒحچمƒ أَنْ (#ûqكJx.$yغtFtƒ إِلَى الطَّاغُوتِ ﴾ يدل على أنها نزلت فيمن دخل في الإسلام.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في سبب نزولها.
فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال :" كان أبو برزة الأسلمي كاهناً يقضي بين اليهود فيما يتنافرون فيه، فتنافر إليه ناس من المسلمين ؛ فأنزل الله :﴿ أَلَمْ uچs؟ إِلَى الَّذِينَ
tbqكJمم÷"tƒ أَنَّهُمْ آَمَنُوا ﴾
إلى قوله :﴿ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا ﴾ (٣) " (٤).
وأما جمهور المفسرين فإنهم قالوا بأنها نزلت في رجل من المنافقين (٥).
وقد حكى الرازي الاتفاق على ذلك.
قال الرازي :" اعلم أن المفسرين اتفقوا على أن هذه الآية نزلت في بعض المنافقين " (٦).
(١) الأثر : أخرجه ابن جرير في تفسيره ٤/١٥٦، عن قتادة مرسلاً.
وصحح إسناده إلى قتادة : ابن حجر في فتح الباري ٥/٣٨.
(٢) الاعتصام ١/٢٣٤.
(٣) سورة النساء : ٦٢.
(٤) الأثر : أخرجه الطبراني في معجمه الكبير (١١/٣٧٣، برقم ١٢٠٤٥) من طريق عكرمة، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم ٣/٩٩١.
وقد صححه الهيثمي في مجمع الزوائد ٧/٦، والسيوطي في الدر المنثور ٢/٣١٩، ولباب النقول ص٧٢.
(٥) انظر : جامع البيان ٤/١٥٥، بحر العلوم ١/٣٦٤، الكشاف ١/٢٧٦، أحكام القرآن لابن العربي ١/٥٧٨، التفسير الكبير ٥/١٠/١٢٣، مدارك التنْزيل ١/٢٦٠، ٢٦١، التسهيل ١/١٩٦، أنوار التنْزيل ١/٢٢١، روح المعاني ٣/٦٦، محاسن التأويل ٢/٣٦٦.
(٦) التفسير الكبير ٥/١٠/١٢٣.

وأما جهة المعنى ؛ فإن معاني القرآن على كثرتها أو على تكرارها بحسب مقتضيات الأحوال على حفظ وبلوغ غاية في إيصالها إلى غايتها، من غير إخلال بشيء منها، ولا تضاد، ولا تعارض، على وجه لا سبيل إلى البشر أن يدانوه، ولذلك لما سمعه أهل البلاغة الأولى والفصاحة الأصيلة - وهم العرب - ؛ لم يعارضوه، ولم يغيِّروا في وجه إعجازه بشيء مما نفى الله تعالى عنه، وهم أحرص ما كانوا على الاعتراض فيه والغض من جانبه ؛ ثم لما أسلموا وعاينوا معانيه وتفكروا في غرائبه ؛ لم يزدهم البحث إلا بصيرة في أنه لا اختلاف فيه ولا تعارض، والذي نقل من ذلك يسير، توقّفوا فيه توقف المسترشد، حتى يرشدوا إلى وجه الصواب، أو توقف المتثبت في الطريق " (١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد ؛ لقوله تعالى :﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا #[ژچدWں٢ ﴾ فنفى أن يقع فيه الاختلاف ألبتة.
ولو كان فيه ما يقتضي قولين مختلفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ قرره كثير من المفسرين بوجهٍ أنه لا تناقض في الشريعة ؛ لدلالة هذه الآية (٢).
وما ذهب إليه الشاطبي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة، وقد سبق بيان هذه المسألة (٣).
(١) الاعتصام ٣/٣٧٧، ٣٧٨.
(٢) انظر : جامع البيان ٤/١٨٢، معالم التنْزيل ٢/٢٥٤، المحرر الوجيز ٢/٨٣، التفسير الكبير ٥/١٠/١٥٧، الجامع لأحكام القرآن ٣/٥/١٨٧، مدارك التنْزيل ١/٢٦٨، التسهيل ١/٢٠٠، مجموع الفتاوى ١٣/١٩، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٥٤٢، أنوار التنْزيل ١/٢٢٧، فتح القدير ١/٤٩١.
(٣) انظر : ص١٩٩، ٢٠٠، ٣١٣، ٣١٤، ٣٤٨.

وقال - في موضع آخر - (١) :" وسؤال ابن أم مكتوم (٢) حين نزل :﴿ لَا
"بqtGَ،o" الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
الآية، حتى نزل :﴿ مژِچxî أُولِي الضَّرَرِ ﴾ " (٣).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ الآية ؛ أشكل هذا على ابن أم مكتوم فخاف من ذلك وسأل الرخصة ؛ فأنزل الله تعالى :﴿ مژِچxî أُولِي الضَّرَرِ ﴾.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره كثير من المفسرين (٤).
ويدل عليه حديث البراء في الصحيحين قال :" لما نزلت :﴿ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ دعا رسول الله - ﷺ - زيداً فكتبها، فجاء ابن أم مكتوم فشكا ضرارته، فأنزل الله :﴿ مژِچxî 'ح<'ré& ح'uژœط٩$# ﴾ " (٥).
(١) أورده الشاطبي في سياق ذكره لأسئلة الصحابة لرسول الله - ﷺ - فيما يشكل عليهم. [انظر : الموافقات ٥/٤٠٩].
(٢) ابن أم مكتوم : هو الصحابي المشهور عمرو بن زائدة، ويقال عمرو بن قيس بن زائدة، ويقال زيادة، ويقال اسمه عبد الله، ويقال الحصين، القرشي العامري، ابن أم مكتوم الأعمى مؤذن رسول الله - ﷺ -، أسلم قديماً، وهاجر إلى المدينة، واستخلفه النبي - ﷺ - على المدينة ثلاث عشر مرة، وشهد القادسية، وقتل شهيداً في خلافة عمر - رضي الله عنهم -. [انظر: تهذيب التهذيب ٨/٣٠، ٣١، تقريب التقريب ٤٢١].
(٣) الموافقات ٥/٤٠٩.
(٤) انظر : جامع البيان ٤/٢٢٩، أسباب النّزول ص١٧٥-١٧٧، معالم التنْزيل ٢/٢٧٠، الكشاف ١/٢٩١، ٢٩٢، زاد المسير ٢/١٠٣، التفسير الكبير ٦/١١/٧، الجامع لأحكام القرآن ٣/٥/٢٢٠، التسهيل ١/٢٠٥، تفسير القرآن العظيم ١/٥٥٤، فتح القدير ١/٥٠٣، روح المعاني ٣/١١٧، محاسن التأويل ٢/٤٤٤.
(٥) الحديث سبق تخريجه، انظر: ص٣٥٨.

وإن أتاه خليل يوم مسألةٍ (١)...............
قال ابن قتيبة (٢) : أيُّ فضيلة لإبراهيم في هذا القول ؟ أما يعلمون أن الناس فقراء إلى الله ؟! وهل إبراهيم في لفظ خليل الله إلا كما قيل : موسى كليم الله، وعيسى روح الله ؟(٣)
ويشهد له الحديث :" لو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر(٤) خليلاً، إن صاحبكم خليل الله " (٥).
(١) هذا صدر بيت، وعجزه :" يقول لا غائب مالي ولا حَرَمُ " وهو ضمن قصيدة له يمدح فيها هَرِم بن سنان [انظر: ديوان زهير بن أبي سلمى ص٦٠]، والمراد بالخليل في البيت الفقير.
(٢) ابن قتيبة : هو العلامة الكبير، ذو الفنون، أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل المروزي، الكاتب صاحب التصانيف، كان رأساً في علم اللسان العربي والأخبار وأيام الناس، له عدة مؤلفات منها : تأويل مشكل القرآن، وغريب القرآن، توفي سنة ٢٧٦هـ في بغداد [انظر : سير أعلام النبلاء ١٣/٢٩٦-٣٠٢، الأعلام ٤/١٣٧].
(٣) انظر : الاختلاف في اللفظ ص٣٦، تأويل مختلف الحديث ص٦٩، ٧٠ لابن قتيبة.
(٤) أبو بكر : هو الصحابي الجليل عبد الله بن أبي قحافة عثمان القرشي التيمي، أول من أسلم من الرجال، وصاحب رسول الله - ﷺ - وخليفته من بعده، ولد بعد الفيل بسنتين وستة أشهر، شهد المشاهد كلها، وله مناقب كثيرة مشهورة، توفي سنة ١٣هـ وهو ابن ثلاث وستين سنة. [انظر: أسد الغابة ٣/٣٠٩-٣٣٥، الإصابة ٢/٤/١٠١-١٠٤].
(٥) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب فضائل أصحاب النبي - ﷺ -، باب قول النبي - ﷺ - :" سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر " ص٦١٣، برقم (٣٦٥٤)، من حديث أبي سعيد الخدري، بلفظ :"ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً ".
ومسلم في صحيحه، في كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق ٤/١٨٥٦، برقم (٢٣٨٣) من حديث عبد الله بن مسعود بلفظ :" لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إن صاحبكم خليل الله ".

وجوّز الوجهين جماعة من المفسرين؛ كالزمخشري(١)، والنسفي(٢)، والثعالبي(٣)، والألوسي(٤)، والشوكاني(٥)، وابن عاشور(٦)، وغيرهم(٧).
والذي يظهر: أن كلا الوجهين داخلان في معنى الآية؛ لأنهما صحيحان، وسياق الآية يحتملهما؛ من حيث إن الرغبة فيهن وعنهن من أجل المال وغيره، كما أنه ليس بينهما تنافٍ، إذ لكل حرف تقديره: فالولي يرغب في نكاحها؛ إذا كانت جميلة أولها مال، ويرغب عن نكاحها؛ إذا كانت دميمة أو ليس لها مال.
ويدل عليه تفسير عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم-.
فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "... ثم استفتى الناس رسول الله - ﷺ - بعد، فأنزل الله -عز وجل-: ﴿ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ ﴾ ".
قالت: فبين الله في هذه أن اليتيمة إذا كانت ذات جمال ومال رغبوا في نكاحها، ولم يُلْحِقُوها بِسُنَّتها بإكمال الصداق، فإذا كانت مرغوبة عنها في قلة المال والجمال تركوها والتمسوا غيرها من النساء"(٨).
(١) انظر: الكشاف ١/٣٠١.
(٢) انظر: مدارك التنْزيل ١/٢٨٥.
(٣) انظر: الجواهر الحسان ١/٣٩٠.
(٤) انظر: روح المعاني ٣/١٥٥.
(٥) انظر: فتح القدير ١/٥٢٠.
(٦) انظر: التحرير والتنوير ٤/٢٦٥، ٢٦٦.
(٧) انظر: إملاء ما من به الرحمن ص١٧٦، فتح البيان ٢/١٥٧، تفسير القرآن الحكيم ٥/٤٤٤، تيسير الكريم الرحمن ٢/١٨٠، ١٨١.
(٨) الأثر: أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الوصايا، باب قول الله تعالى: ﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى ِNوhs٩¨uqّBr& ﴾ الآية، ص٤٥٧، برقم٢٧٦٣.

وهذا هو الوجه الأول من الأوجه التي ذكرها العلماء في تأويل الآية (١).
قال ابن العربي :" أن الله سبحانه لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً بالشرع ؛ فإن وجد ذلك فبخلاف الشرع " (٢).
وقال الصاوي :" أو المراد سبيلاً بالشرع، فإن شريعة الإسلام ظاهرة إلى يوم القيامة، فمن ذلك : أن الكافر لا يرث المسلم، وليس له أن يملك عبداً مسلماً، ولا يقتل المسلم بالذمي" (٣).
الوجه الثاني : أن الله لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً يوم القيامة.
وذهب إلى هذا جمهور المفسرين ؛ كعلي بن أبي طالب (٤)، وابن جرير (٥)، وابن عطية (٦)، والنسفي (٧)، وابن كثير (٨)، والصاوي (٩).
وحكى ابن جرير وابن عطية الاتفاق عليه.
ويدل عليه سياق الآية، وهي قوله :﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ ِNن٣sY÷ t/ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ tûïحچدے"s٣ù=د٩ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾.
قال ابن جرير :" وأما قوله :﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ ِNن٣sY÷ t/ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ tûïحچدے"s٣ù=د٩ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا ﴾ فلا خلاف بينهم في أن معناه : ولن يجعل الله للكافرين يومئذ على المؤمنين سبيلاً " (١٠).
(١) انظر : معالم التنْزيل ٢/٣٠٢، الجامع لأحكام القرآن ٣/٥/٢٦٩، ٢٧٠، أضواء البيان ١/٤٩٠، ٤٩١.
(٢) أحكام القرآن ١/٦٤١.
(٣) حاشية الصاوي ١/٤٠٧.
(٤) أخرجه عن علي بن أبي طالب : ابن جرير في تفسيره ٤/٣٣١، ٣٣٢، والحاكم في المستدرك، في كتاب التفسير، باب تفسير سورة النساء ٢/٣٣٨، برقم (٣٢٠٦)، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
(٥) انظر : جامع البيان ٤/٣٣١.
(٦) انظر : المحرر الوجيز ٢/١٢٦.
(٧) انظر : مدارك التنْزيل ١/٢٠٩.
(٨) انظر : تفسير القرآن العظيم ١/٥٨٠.
(٩) انظر : حاشية الصاوي ١/٤٠٧.
(١٠) جامع البيان ٤/٣٣١.

وتدل عليه هذه الآيات والآيات الأخرى ؛ كقوله :﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا (#ûqن٩$s% آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ (#ûqن٩$s% إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ tbrâنح"÷kyJَ، مB ﴾ (١).
قال النسفي :" ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ ﴾ أي : يفعلون ما يفعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطال الكفر، والمنافق مَن أظهر الإيمان وأبطن الكفر " (٢).
وقال ابن كثير :" ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم يعتقدون أن أمرهم كما راج عند الناس وجرت عليهم أحكام الشريعة ظاهراً ؛ فكذلك يكون حكمهم عند الله يوم القيامة وأن أمرهم يروج عنده " (٣).
(١) سورة البقرة : ١٤، وانظر: ص١٣٢، ٢٣٣.
(٢) مدارك التنْزيل ١/٢٩١.
(٣) تفسير القرآن العظيم ١/٥٨١.

القرآن(١)، فالسنة إذاً في محصول الأمر بيان لما فيه، وذلك معنى كونها راجعة إليه " (٢).
وقال - في موضع رابع - :" إن الله تعالى أنزل الشريعة على رسوله - ﷺ - فيها تبيان كل شيء يحتاج إليه الخلق، في تكاليفهم التي أمروا بِها، وتعبداتهم التي طوقوها في أعناقهم، ولم يمت رسول الله - ﷺ - حتى كمل الدين ؛ بشهادة الله تعالى بذلك، حيث قال تعالى :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ِNن٣sYƒدٹ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ فكل من زعم أنه بقي من الدين شيء لم يكمل بعد، فقد كذّب بقوله :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ِNن٣sYƒدٹ ﴾.
فلا يقال : قد وجدنا من النوازل والوقائع المتجددة ما لم يكن في الكتاب ولا في السنة نص عليه ولا عموم ينتظمه، وإلا فمسائل الجد في الفرائض، والحرام في الطلاق، ومسألة الساقط على جريح محفوف بجرحى، وسائر المسائل الاجتهادية التي لا نص فيها من كتاب ولا سنة ؛ فأين الكمال فيها ؟. فيقال في الجواب :
أولا : إن قوله تعالى :﴿ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ ِNن٣sYƒدٹ ﴾ إن اعتُبرت فيه الجزئيات من المسائل والنوازل فهو كما أوردتم، ولكن المراد كليّاتها، فلم يبق للدين قاعدة يحتاج إليها في الضروريات والحاجيات أو التكميليات إلا وقد بُينت غاية البيان.
نعم، يبقى تنْزيل الجزيئات على تلك الكليات موكولاً إلى نظر المجتهد، فإن قاعدة الاجتهاد - أيضاً - ثابتة في الكتاب والسنة، فلابد من إعمالها، ولا يسع تركها، وإذا ثبتت في الشريعة أشعرت بأنّ ثمّ مجال للاجتهاد، ولا يوجد ذلك إلا فيما لا نص فيه، ولو كان المراد بالآية الكمال، بحسب تحصيل الجزيئات بالفعل، فالجزيئات لا نهاية لها، فلا تنحصر بمرسوم.
(١) ومقصوده أن القرآن هو مصدر التشريع فإذا كمل الدين فقد كمل نزول القرآن.
(٢) الموافقات ٤/٣١٩.

فإن كان المراد أن طعام أهل الكتاب حلال وإن لم يذكر اسم الله عليه ؛ فهو تخصيص للعموم، وإن كان المراد أن طعامهم حلال بشرط التسمية ؛ فهو - أيضاً - من باب التخصيص، لكن آية الأنعام هي آية العموم المخصوص في الوجه الأول، وفي الثاني بالعكس(١)" (٢).
وقال - في موضع آخر - :" قوله تعالى :﴿ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ ﴾ فإن هذا العموم يتناول بظاهره ما ذبحوا لأعيادهم وكنائسهم، وإذا نظر إلى المعنى أشكل ؛ لأن في ذبائح الأعياد زيادة تنافي أحكام الإسلام ؛ فكان للنظر هنا مجال، ولكن مكحولاً (٣) سئل عن المسألة ؛ فقال : كله، قد علم الله ما يقولون وأحلّ ذبائحهم (٤).
يريد - والله أعلم - أن الآية لم يُخصَّ عمومها، وإن وجد هذا الخاص المنافي، وعلم الله مقتضاه ودخوله تحت عموم اللفظ، ومع ذلك فأحلَّ ما ليس فيه عارض وما هو فيه، لكن بحكم العفو عن وجه المنافاة " (٥).
الدِّراسة :
تحدث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
(١) أي أن آية المائدة هي آية العموم المخصوص في الوجه الثاني.
(٢) الموافقات ٣/٣٥٤.
(٣) مكحول : هو التابعي أبو عبد الله، ويقال أبو أيوب، ويقال أبو مسلم، مكحول الشامي الفقيه الدمشقي مفتي أهل الشام وعالمها، توفي سنة ١١٢هـ، وقيل غير ذلك [انظر: سير أعلام النبلاء ٥/١٥٥-١٦٠، تهذيب التهذيب ١٠/٢٥٨-٢٦٠].
(٤) ذكره بهذا اللفظ عن مكحول : ابن القيم في أحكام أهل الذمة ١/١٩٣ نقلاً عن كتاب " أحكام القرآن" للقاضي إسماعيل، وذكره البغوي في تفسيره ٣/١٨.
(٥) الموافقات ١/٢٧٤، ٢٧٥.

وأما النوع الثاني : فهو هذه الآية.
وطريق الجمع أن تقول : النوع الأول من الآيات مصروف إلى ما يتعلق بأصول الدين.
والنوع الثاني : مصروف إلى ما يتعلق بفروع الدين " (١).
(١) التفسير الكبير ٦/١٢/١٢، وانظر: تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٦٩.

قال ابن تيمية :" يجب أن يعلم أن النبي - ﷺ - بيّن لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى :﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا tAحh"çR ِNخkِژs٩خ) ﴾ (١) يتناول هذا وهذا " (٢).
وقال السعدي :" هذا أمر من الله لرسوله محمد - ﷺ - بأعظم الأوامر وأجلها، وهو التبليغ لما أنزل الله إليه.
ويدخل في هذا : كل أمر تلقته الأمة عنه - ﷺ - من العقائد، والأعمال، والأقوال، والأحكام الشرعية، والمطالب الإلهية " (٣).
(١) سورة النحل : ٤٤.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/٣٣١.
(٣) تيسير الكريم الرحمن ٢/٣٢٠.

قال ابن تيمية :" والغلو : مجاوزة الحد بأن يزاد الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق، ونحو ذلك. والنصارى أكثر غلواً في الاعتقادات والأعمال من سائر الطوائف، وإياهم نهى الله عن الغلو في القرآن في قوله تعالى :﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾ (١).
وسبب هذا اللفظ العام : رمي الجمار، وهو داخل فيه، فالغلو فيه مثل الرمي بالحجارة الكبار، ونحو ذلك، بناءً على أنه أبلغ من الحصى الصغار، ثم علل ذلك : بأن ما أهلك من قبلنا إلا الغلو في الدين، كما تراه في النصارى " (٢).
(١) سورة النساء : ١٧١.
(٢) اقتضاء الصراط المستقيم ١/٢٨٩، ٢٩٠.

فخرَّج إسماعيل القاضي من حديث أبي قلابة (١) : قال :" أراد ناس من أصحاب رسول الله - ﷺ - أن يرفضوا الدنيا ويتركوا النساء، ويترهبوا (٢)، فقام رسول الله - ﷺ - فغلظ فيهم المقالة، فقال: إنما هلك من كان قبلكم بالتشديد، شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم، فأولئك بقاياهم في الديار والصوامع (٣)، اعبدوا الله ولا
تشركوا به شيئاً، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم.
قال : ونزلت فيهم :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا (#qمBحhچutéB طَيِّبَاتِ مَا ¨@xmr& اللَّهُ لَكُمْ ﴾ "(٤).
(١) أبو قلابة : هو عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمي البصري، أحد الأعلام، كثير الحديث، توفي بالشام سنة ١٠٤هـ وقيل غير ذلك. [انظر : تهذيب التهذيب ٥/١٩٧-١٩٩].
(٢) الترهب : هو التعبد [انظر: القاموس المحيط ص١١٨].
(٣) الصوامع : جمع صومعة، وهي موضع العبادة، كما عند النصارى [انظر : المحرر الوجيز ٤/١٢٥، القاموس المحيط ص٩٥٤].
(٤) الأثر : أخرجه ابن جرير في تفسيره (٥/١٠) بلفظه، وسعيد بن منصور في سننه (٤/١٥١٥، برقم٧٧١) وإسناده صحيح إلى أبي قلابة إلا أنه مرسل، كما قاله الحميدان في تحقيقه لأسباب النّزول للواحدي ص٢٠٥.

ذهب الشاطبي إلى أن الخمر كانت عند العرب تشجع الجبان وتبعث البخيل على البذل، وتنشِّط الكسالى، وأن الميسر كان محموداً عندهم لما كانوا يقصدون به من إطعام الفقراء والمساكين، والعطف على المحتاجين.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين (١).
ولكن ما ذكروه بعض منافعها عندهم ؛ إذ أن من أعظم منافعها، ربح التجارة والكسب بلا تعب.
قال البغوي :" فمنفعة الخمر : اللذة عند شربها، والفرح، واستمرار الطعام، وما يصيبون من الربح بالتجارة فيها.
ومنفعة الميسر : إصابة المال من غير كد ولا تعب، وارتفاق الفقراء به " (٢).
وقال القرطبي :" قوله تعالى :﴿ كىدے"sYtBur لِلنَّاسِ ﴾ أما في الخمر : فربح التجارة، فإنهم كانوا يجلبونها من الشام برخص فيبيعونها في الحجاز بربح، وكانوا لا يرون المماكسة فيها، فيشتري طالب الخمرِ الخمرَ بالثمن الغالي، وهذا أصح ما قيل في منفعتها.
وقد قيل في منفعتها : إنها تهضم الطعام، وتقوي الضعف، وتعين على الباءة، وتسخي البخيل، وتشجع الجبان " " ومنفعة الميسر : مصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد ولا تعب" (٣).
وقال النسفي :" ﴿ كىدے"sYtBur لِلنَّاسِ ﴾ بالتجارة في الخمر والتلذذ بشربها، وفي الميسر بارتفاق الفقراء، أو نيل المال بلا كد " (٤).
(١) انظر: معالم التنْزيل ١/٢٥٣، الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/٣٩، مدارك التنْزيل ١/١٢١، التسهيل ١/١٠٨، الفتوحات الإلهية ١/١/٢٨٦، حاشية الصاوي ١/١٦٤، فتح القدير ١/٢٢٠.
(٢) معالم التنْزيل ١/٢٥٣.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٢/٣/٣٩.
(٤) مدارك التنْزيل ١/١٢١.

فحينئذ استقر حكم التحريم وارتفع العفو، وقد دل على ذلك قوله تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا دM"ysد="¢ء٩$# جُنَاحٌ فِيمَا (#ûqكJدèsغ...... الآية ﴾ ؛ فإنه لما حُرِّمت قالوا :" كيف بمن مات وهو يشربها ؟ فنَزلت الآية " (١) " (٢).
وقال - في موضع آخر - :" مَنْ مات والخمر في جوفه قبل أن تحرم ؛ فلا حرج عليه، لقوله تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا دM"ysد="¢ء٩$# سy$uZم_...... الآية ﴾ "(٣).
وقال - في موضع ثالث - :" الخمر لما حُرِّمت، ونزل من القرآن في شأن مَنْ مات قبل التحريم وهو يشربها، قال تعالى :﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا دM"ysد="¢ء٩$# جُنَاحٌ فِيمَا (#ûqكJدèsغ إِذَا مَا (#qs)¨؟$#... الآية ﴾ ؛ تأولها قوم - فيما ذكر - على أن الخمر حلال، وأنها داخلة تحت قوله :﴿ فِيمَا (#ûqكJدèsغ ﴾.
(١) الحديث : سبق تخريجه، انظر : ص٢٠٢-٢٠٥.
(٢) الموافقات ١/٢٧٥، ٢٧٦، وقد سبق بيان بعض ما يتعلق بهذا الموضع من مسائل، انظر: ص٢٠٣.
(٣) الموافقات ٤/٢٥٩، ٢٦٠.

وروي أنه - عليه السلام - قام يوماً يعرف الغضب في وجهه فقال :" لا تسألوني عن شيءٍ إلا أنبأتكم. فقام رجلٌ فقال : يا رسول اللَّه مَن أبِي ؟ قال : أبوك حُذافة، فنَزلت " (١)، وفي الباب روايات أخر (٢) " (٣).
وقال - في موضع آخر - :"وفي مثل هذا (٤) نزلت :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾. ثم قال :﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا ﴾ أي : عن تلك الأشياء ؛ فهو إذاً عفو.
(١) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب ما يكره من كثرة السؤال ومن تكلف مالا يعنيه، ص١٢٥٤، ١٢٥٥، برقم ٧٢٩٤، ٧٢٩٥، ومسلم في صحيحه، في كتاب الفضائل، باب توقيره - ﷺ - وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه أو لا يتعلق به تكليف وما لا يقع ونحو ذلك، ٤/١٨٣٢، ١٨٣٣، برقم ٢٣٥٩، من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - بنحوه، وسيذكره المؤلف بأطول من هذا.
(٢) جاء هذا الحديث بروايات متعددة متقاربة في صحيح البخاري، من حديث أنس بن مالك، برقم ٩٣، ٥٤٠، ٧٤٩، ٤٦٢١، ٦٣٦٢، ٦٤٦٨، ٦٤٨٦، ٧٠٧٩، ٧٠٩٠، ٧٠٩١، ٧٢٩٤، ٧٢٩٥، ومن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -، برقم ٤٦٢٢، ومن حديث أبي موسى الأشعري، برقم ٧٢٩١، وفي صحيح مسلم بعدة روايات متقاربة ٤/١٨٣٢-١٨٣٥، برقم ٢٣٥٩ من حديث أنس، وانظر: جامع البيان ٥/٨١-٨٥.
(٣) الموافقات ١/٤٥.
(٤) أي في كثرة السؤال فيما لم ينْزل فيه حكم، [انظر: الموافقات ١/٢٥٦، ٢٥٧].

وقال - في موضع ثالث - :" فمثال وقوعه في الدين (١) : ما تقدم من اختراع الكفار وتغييرهم ملة إبراهيم - عليه السلام - ؛ في نحو قوله تعالى :﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا ٧pt٦ح !$y™ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ﴾.
فروي عن المفسرين فيها أقوال كثيرة (٢)، وفيها عن ابن المسيب :" أن البحيرة من الإبل ؛ هي التي يمنع درُّها للطواغيت، والسائبة ؛ هي التي يسيِّبونها لطواغيتهم، والوصيلة ؛ هي الناقة تبكِّر بالأنثى ثم تُثَنِّي بالأنثى، يقولون : وصلت اثنتين ليس بينهما ذكر، فيجدعونها لطواغيتهم، والحامي ؛ هو الفحل من الإبل كان يضرب الضِّراب المعدودة، فإذا بلغ ذلك، قالوا : حمى ظهره، فيُترك، فيسمونه الحامي " (٣)"
"وحاصل ما في هذه الآية تحريم ما أحل الله على نية التقرب به إليه، مع كونه حلالاً بحكم الشريعة المتقدمة " (٤).
(١) أي : وقوع البدع في الدين كالمعاصي [ انظر : الاعتصام ٢/٣٤٢، ٣٤٣ ].
(٢) انظر : جامع البيان ٥/٨٧-٩٣، النكت والعيون ٢/٧٢-٧٤، معالم التنْزيل ٣/١٠٧، ١٠٨، أحكام القرآن لابن العربي ٢/٢١٦- ٢١٨، المحرر الوجيز ٢/٢٤٧، زاد المسير ٢/٢٦٤-٢٦٧، الجامع لأحكام القرآن ٣/٦/٢١٦، ٢١٧، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/١١٠-١١٢، والاختلاف فيها يسير ؛ لأنها معلومة المعنى، مختلفة الكيفية عند العرب - فيما يظهر - [ انظر : جامع البيان ٥/٩٣].
(٣) الأثر : أخرجه عن سعيد بن المسيب : البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب :﴿ مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا ٧pt٦ح !$y™ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ﴾ ص٧٩٠، برقم ٤٦٢٣، من رواية ابن شهاب بنحوه، ومسلم في صحيحه، في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، ٤/٢١٩٢، برقم ٢٨٥٦، من رواية ابن شهاب - أيضاً - وذكر فقط تفسير البحيرة والسائبة.
(٤) الاعتصام ٢/٣٤٣-٣٤٥.

ونظيره قوله :﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ ﴾ (١) الآية.
ثم جرى ذكر ما يليق بالموطن إلى أن قال :﴿ وَمَا نُرْسِلُ tûüد=y™ِچكJّ٩$# إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آَمَنَ وَأَصْلَحَ ﴾ (٢) الآية" (٣).
الدِّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن سورة الأنعام نزلت مبينة لقواعد العقائد وأصول الدين.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره جماعة من المفسرين (٤).
وهذا ظاهر في الآيات المكية عموماً.
قال الرازي - في سورة الأنعام - :" مشتملة على دلائل التوحيد والعدل والنبوة والمعاد وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين " (٥).
وقال القرطبي :" قال العلماء : هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور " (٦).
وقال ابن تيمية :" كالآيات المكية، فإن فيها من بيان التوحيد والنبوة والمعاد وأصول الشرائع ما هو أفضل من تفاصيل الشرائع... " " ولهذا كانت سورة الأنعام أفضل من غيرها، وكذلك سورة يس ونحوهما من السور التي فيها أصول الدين التي اتفق عليها الرسل كلهم - صلوات الله عليهم - " (٧).
المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن سورة الأنعام من السور المكية.
(١) سورة الأنعام : ٣٩.
(٢) سورة الأنعام : ٤٨.
(٣) الموافقات ٤/١٦٩.
(٤) انظر : التفسير الكبير ٦/١٢/١١٧، الجامع لأحكام القرآن ٣/٦/٢٤٦، مجموع الفتاوى ١٧/١٩٠، بصائر ذوي التمييز ١/١٨٧، ١٨٨، روح المعاني ٤/٧٣، محاسن التأويل ٣/٢٦٩، التحرير والتنوير ٦/٧، ٨.
(٥) التفسير الكبير ٦/١٢/١١٧.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٣/٦/٢٤٦.
(٧) مجموع الفتاوى ١٧/١٩٠.

كما أشار سبحانه في آيات كثيرة إلى أن الكفار ساووا بين المخلوق والخالق - قبحهم الله - ؛ كقوله: ﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ ك،ù=sƒù:$# ِNخkِژn=tم قُلِ اللَّهُ ك، د="yz كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ ك‰دn¨uqّ٩$# الْقَهَّارُ ﴾ (١).
قال ابن جزي :" ﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ِNخkحh٥uچخ/ يَعْدِلُونَ ﴾ ؛ أي : يسوون ويمثلون، من قولك : عدلت فلاناً بفلان ؛ إذا جعلته نظيره وقرينه " (٢).
وقال ابن القيم " قوله :﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ِNخkحh٥uچخ/ يَعْدِلُونَ ﴾ ؛ أي : يقيسونه على غيره، ويسوون بينه وبين غيره في الإلهية والعبودية " (٣).
وما ذهب إليه بعض المفسرين (٤) من تجويز أن يكون المعنى يعدلون عنه إلى غيره ؛ فهو داخل في معنى الآية ؛ لأن من ساوى بالله غيره في العبادة ؛ فقد عدل عن عبادته الحقة.
(١) سورة الرعد : ١٦، وانظر : أضواء البيان ٢/١٨٠، ١٨١.
(٢) التسهيل ١/٢٦١.
(٣) بدائع التفسير ٢/١٣٩.
(٤) كالزمخشري [ انظر : الكشاف ٢/٢/٣ ]، والنسفي [ مدارك التنْزيل ١/٣٥٣ ]، وأبي حيان [ انظر : البحر المحيط ٤/٧٤ ] والبيضاوي [ انظر : أنوار التنْزيل ١/٢٩٢ ].

وما ذهب إليه بعض المفسرين من احتمال عود الضمير في قوله :﴿ يَعْرِفُونَهُ ﴾ إلى القرآن أو الدين والتوحيد (١) ؛ فإنه يدخل في معنى الآية ؛ إذ لا تعارض بينها ؛ بل هي متلازمة، والآية السابقة قبلها أشارت إلى هذه المعاني، وهي قوله تعالى :﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ مژy٩ٍ٢r& شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ٧‰‹خky­ سة_ّٹt/ ِNن٣sY÷ t/ur وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ِNن٣¨Yح r& لَتَشْهَدُونَ أَن مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً ٣"uچ÷zé& قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ س‰دn¨ur سة_¯Rخ)ur ضنü"حچt/ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ (٢).
قال ابن عطية - بعد أن ذكر هذه الأقوال في قوله :﴿ يَعْرِفُونَهُ ﴾ - :" ويصح أن تعيد الضمير على هذه كلها دون اختصاص ؛ كأنه وصف أشياء كثيرة، ثم قال : أهل الكتاب ﴿ ¼çmtRqèùحگ÷êtƒ ﴾ أي ما قلنا وما قصصنا " (٣).
(١) انظر : جامع البيان ٥/١٦٣، النكت والعيون ٢/١٠٠، ١٠١، زاد المسير ٣/١٣، تيسير الكريم الرحمن ٢/٣٨٤.
(٢) سورة الأنعام : ١٩.
(٣) المحرر الوجيز ٢/٢٢٧، وانظر : جامع البيان ٥/١٦٣، ١٦٤، تيسير الكريم الرحمن ٢/٣٨٤.

وما ذهب إليه الشاطبي من كونها نزلت في فقراء وضعفاء المسلمين ؛ صحيح، وذهب إليه المفسرون (١)، وتدل عليه الروايات الصحيحة (٢)، ولكن ليس في الروايات ذكر للصُّفَّة أو وصف لهؤلاء بأنهم فقراء المهاجرين - هذا من حيث نزولها.
وأما من حيث دخول أهل الصفة في معناها، فإنهم داخلون فيها، ومن حيث وصفهم بأنهم أهل الصفة أو فقراء المهاجرين ؛ فقد اتصفوا به بعد ذلك ؛ إذ أن سورة الأنعام مكية - كما سبق بيانه (٣) - وكان المسلمون في مكة مستضعفين فيها بخلاف المدينة.
ومن الروايات الصحيحة الواردة في نزول هذه الآية في فقراء وضعفاء المسلمين ؛ ما جاء في صحيح مسلم من حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال :" كنا مع النبي - ﷺ - ستة نفرٍ، فقال المشركون للنبي - ﷺ - : اطرد هؤلاء لا يجترؤن علينا، قال : وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول الله - ﷺ - ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه ؛ فأنزل الله - عز وجل - :﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ دo٤ry‰tَّ٩$$خ/ وَالْعَشِيِّ tbrك‰ƒحچمƒ وَجْهَهُ ﴾ " (٤).
(١) انظر : جامع البيان ٥/١٩٨-٢٠١، بحر العلوم ١/٤٨٦، ٤٨٧، النكت والعيون ٢/١١٧، معالم التنْزيل ٣/١٤٦، المحرر الوجيز ٢/٢٩٤، ٢٩٥، زاد المسير ٣/٣٥، ٣٦، التفسير الكبير ٦/١٢/١٩٣، الجامع لأحكام القرآن ٣/٦/٢٧٨، التسهيل ١/٢٧١، البحر المحيط ٤/١٣٨، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/١٣٩، فتح القدير ٢/١٢١، محاسن التأويل ٣/٣٢٠، ٣٢١، أضواء البيان٢/١٩٢.
(٢) انظر : صحيح مسلم ٤/٨٧٨، أسباب النّزول ص٢١٦-٢١٨، لباب النقول ص١٠٠، ١٠١، الصحيح المسند من أسباب النّزول ص١٠٦، ١٠٧.
(٣) انظر : ص ٤٣٧.
(٤) الحديث : أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل سعد بن أبي وقاص، ٤/١٨٧٨، برقم ١٤١٣.

وقوله :﴿ فَابْعَثُوا $VJs٣xm مِنْ ¾د&ح#÷dr& $VJs٣xmur مِنْ !$ygد=÷dr& ﴾ (١)"(٢).
وقال - في موضع ثالث - :" فلو نظر الخوارج أن الله تعالى قد حكم الخلق في دينه في قوله :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ (٣) وقوله :﴿ فَابْعَثُوا $VJs٣xm مِنْ ¾د&ح#÷dr& $VJs٣xmur مِنْ !$ygد=÷dr& ﴾ (٤)، لعلموا أن قوله :﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ غير منافٍ لما فعله عليّ، وأنه من جملة حكم الله ؛ فإن تحكيم الرجال يرجع به الحكم لله وحده، فكذلك ما كان مثله مما فعله عليّ " (٥).
الدِّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ﴾ عام، مخصوص بقوله تعالى :﴿ فَابْعَثُوا $VJs٣xm مِنْ ¾د&ح#÷dr& $VJs٣xmur مِنْ !$ygد=÷dr& ﴾ (٦)، وقوله :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ (٧).
وأن تحكيم الرجال يرجع به الحكم لله وحده، فلا منافاة بين الآيات.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ جاء عن ابن عباس - رَضِيَ الله عَنْهُما -.
فقد جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في مناظرته للخوارج الذين خرجوا على علي بن أبي طالب :" أما قولكم : حكَّم الرجال في أمر الله، فأنا أقرأ عليكم ما قد رد حكمه إلى الرجال في ثمن ربع درهم في أرنب ونحوها من الصيد، فقال :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ﴾ إلى قوله :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ (٨).
(١) سورة النساء : ٣٥.
(٢) الموافقات ٣/٣١٣.
(٣) سورة المائدة : ٩٥.
(٤) سورة النساء : ٣٥.
(٥) الموافقات ٤/٢٢٣.
(٦) سورة النساء : ٣٥.
(٧) سورة المائدة : ٩٥.
(٨) سورة المائدة : ٩٥.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ يدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله، وأن الله استثنى المرسلين بقوله :﴿ مNد="tم الْغَيْبِ فَلَا مچخgّàمƒ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ ﴾ (١).
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ نص عليه كثير من المفسرين (٢).
وتدل عليه نصوص الكتاب والسنة، ومنها ما أورده الشاطبي.
وهو عقيدة من عقائد أهل السنة والجماعة، فالله سبحانه هو الذي يطلعهم على شيء من أمور الغيب، والأمر فيها ظاهر.
قال القرطبي :" قال العلماء - رحمة الله عليهم - : لما تمدّح سبحانه بعلم الغيب واستأثر به دون خلقه، كان فيه دليل على أنه لا يعلم الغيب أحد سواه، ثم استثنى من ارتضاه من الرسل، فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم، وجعله معجزة لهم ودلالة صادقة على نبوتهم"(٣).
وقال أبو حيان :" ﴿ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ﴾ حصر أنه لا يعلم تلك المفاتيح ولا يطلع عليها غيره تعالى"(٤).
(١) سورة الجن : ٢٦، ٢٧.
(٢) انظر : جامع البيان ٥/٢١١، معالم التنْزيل ٣/١٥٠، ١٥١، أحكام القرآن لابن العربي ٢/٢٥٥-٢٥٩، الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٩/١٩، البحر المحيط ٤/١٤٩، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/١٤٢، أنوار التنْزيل ١/٣٠٤، فتح القدير ٢/١٢٣، محاسن التأويل ٣/٣٣٢-٣٣٥، أضواء البيان ٢/١٩٥-١٩٧.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٩/١٩.
(٤) البحر المحيط ٤/١٤٩.

وقال مجاهد وأبو العالية (١) : إن هذه الآية لأمة محمد - ﷺ - (٢).
وقال أبو العالية عن أبيّ بن كعب (٣) : هن أربع، ظهر ثنتان بعد وفاة النبي - ﷺ - بخمس وعشرين سنة ؛ فألبسوا شيعاً، وأُذيق بعضهم بأس بعض، وبقيت اثنتان، فهما ولابد واقعتان : الخسف من تحت أرجلكم، والمسخ من فوقكم (٤).
وهذا كله صريح في أن اختلاف الأهواء مكروه غير محبوب، ومذموم غير محمود"(٥).
الدِّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ ِNن٣د=م_ِ'r& أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ... ﴾ وما جاء عن السلف في تفسيرها يدل على أن اختلاف الأهواء مكروه غير محبوب، ومذموم غير محمود.
(١) أبو العالية : هو أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي مولاهم البصري، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبي - ﷺ - بسنتين، ودخل على أبي بكر، وصلّى خلف عمر، وكان من أهل التفسير، توفي سنة ٩٣هـ وقيل غير ذلك [انظر : ميزان الاعتدال ٢/٥٤، تهذيب التهذيب ٣/٢٤٦، ٢٤٧].
(٢) الأثر : أخرجه عن مجاهد وأبي العالية : ابن جرير في تفسيره (٥/٢٢٠).
(٣) أبَيّ بن كعب : هو الصحابي الجليل أبو المنذر أبي بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي النَّجَّاري، سيد القراء، كان من أصحاب العقبة الثانية، شهد بدراً والمشاهد كلها، وتوفي سنة ٣٢هـ وقيل غير ذلك :[انظر: أسد الغابة ١/٦١-٦٣، الإصابة ١/١/١٦، ١٧].
(٤) الأثر : أخرجه عن أبي بن كعب : ابن جرير في تفسيره (٥/٢٢٣) بنحوه، وحسن إسناده : حكمت بشير ياسين [ انظر : التفسير الصحيح ٢/٢٤٧ ]، كما أخرج الأثر عن أبي العالية - أيضاً - : ابن جرير في تفسيره (٥/٢٢٠) بنحوه.
(٥) الاعتصام ١/٨٦، ٨٧.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين، كالنحاس (١)، ومكي (٢)، وابن عطية (٣)، وابن الجوزي (٤)، والشوكاني (٥)، والألوسي (٦)، والقاسمي (٧).
قال النحاس :" ﴿ وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ خبر، ومحال نسخه، والمعنى فيه بين ؛ ليس على من اتقى الله إذا نهى إنسان عن منكر من حسابه شيئاً الله مطالبه ومعاقبه، وعليه أن ينهاه ولا يقعد معه راضياً بقوله وفعله وإلا كان مثله " (٨).
وقال مكي :" والذي عليه أهل النظر : أن هذا لا يُنسخ ؛ لأنه خبر، ومعناه : ليس على من اتقى المنكر إذا نهى عنه من حساب من يفعله شيء، وإنما عليه أن ينهاه ولا يقعد معه راضياً بقوله ؛ فالآيتان محكمتان " (٩).
وقال ابن الجوزي :" والصحيح أنها محكمة ؛ لأنها خبر " (١٠).
وهذا على فرض صحة سنده إلى ابن عباس، وإلا فالأثر ضعيف - كما سبق بيانه -.
(١) انظر : الناسخ والمنسوخ ص١٣٢.
(٢) انظر : الإيضاح ص٢٨٢.
(٣) انظر : المحرر الوجيز ٢/٣٠٤، ٣٠٥.
(٤) انظر : زاد المسير ٣/٤٩، ناسخ القرآن ومنسوخه ص٣٨٩.
(٥) انظر : فتح القدير ٢/١٢٩.
(٦) انظر : روح المعاني ٤/١٧٥.
(٧) انظر : محاسن التأويل ٣/٣٤٤.
(٨) الناسخ والمنسوخ ص١٣٢.
(٩) الإيضاح ص٢٨٢.
(١٠) زاد المسير ٣/٤٩، ناسخ القرآن ومنسوخه ص٣٨٩.

على الخصوص، فإن السورة من أولها إلى آخرها مقررة لقواعد التوحيد، وهادمة لقواعد الشرك وما يليه، والذي تقدم قبل الآية قصة إبراهيم - عليه السلام - في محاجته لقومه بالأدلة التي أظهرها لهم في الكواكب والقمر والشمس، وكان قد تقدم قبل ذلك قوله :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٣"uژyIّù$# عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ ﴾ (١)؛ فبين أنه لا أحد أظلم ممن ارتكب هاتين الخلتين وظهر أنهما المعنيُّ بهما في سورة الأنعام إبطالاً بالحجة، وتقريراً لمنْزلتهما في المخالفة، وإيضاحاً للحق الذي هو مضاد لهما ؛ فكأن السؤال إنما ورد قبل تقرير هذا المعنى.
وأيضاً فإن ذلك لما كان تقريراً لحكم شرعي بلفظ عام ؛ كان مظنة لأن يفهم منه العموم في كل ظلم، دق أو جل ؛ فلأجل هذا سألوا، وكان ذلك عند نزول السورة، وهي مكية نزلت في أول الإسلام قبل تقرير جميع كليات الأحكام.
(١) سورة الأنعام : ٢١.

قال ابن جزي :" والقائلون هم اليهود ؛ بدليل ما بعده، وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار نبوة محمد - ﷺ - " "فرد الله عليهم ؛ بأن ألزمهم ما لابد لَهم من الإقرار به ؛ وهو إنزال التوراة على موسى، وقيل القائلون : قريش، ولزموا ذلك ؛ لأنهم كانوا مُقِّرين بالتوراة " (١).
(١) التسهيل ١/٢٧٨، وانظر : فتح القدير ٢/١٣٨، ١٣٩، محاسن التأويل ٣/٣٧٠.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (١).
ويؤيده ما جاء عن ابن عباس أنه قال - في هذه الآية - :" قالوا : يا محمد، لتنتهين عن سب آلهتنا، أو لنهجون ربك، فنهاهم الله أن يسبوا أوثانهم، فيسبوا الله عدواً بغير علم " (٢).
(١) انظر : جامع البيان ٥/٣٠٤، بحر العلوم ١/٥٠٦، أسباب النّزول - تحقيق الحميدان - ص ٢٢١، ٢٢٢، معالم التنْزيل ٣/١٧٦، الكشاف ٢/٣٣، المحرر الوجيز ٢/٣٣٢، زاد المسير ٣/٧٨، ٧٩، التفسير الكبير ٧/١٣/١١٤، ١١٥، الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/٤١، البحر المحيط ٤/٢٠١، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/١٦٩، ١٧٠، أنوار التنْزيل ١/٣١٦، لباب المنقول ص١٠٣، الدر المنثور ٣/٧١، ٧٢، الفتوحات الإلهية ١/٢/٤٣٩، ٤٤٠، حاشية الصاوي ٢/٦٣، ٦٤، روح المعاني ٤/٢٣٧.
(٢) الأثر : سبق تخريجه، انظر : ص٤٦٥.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كأبي عبيدة(١)، والأخفش(٢)،
وابن قتيبة(٣)، وابن زنجلة(٤)، وغيرهم(٥).
الوجه الثاني: أن قبلاً جميع قبيل، والقبيل هو الكفيل، والمعنى: كفلاء وضمناء.
وذهب إليه جماعة من المفسرين؛ كالفراء(٦)، والسمرقندي(٧)، والبغوي(٨)، والنسفي(٩)، والبنَّا(١٠)، والشوكاني(١١)، وغيرهم(١٢).
والوجه الثالث: أن قبيلاً مفرد؛ كقُبل الإنسان ودُبُره، ومعناه: مواجهة ومعاينة.
وذهب إليه جماعة من المفسرين؛ كالواحدي(١٣)، وابن جزي(١٤)، وأبي حيان(١٥)، والألوسي(١٦)، وابن عاشور(١٧)، وغيرهم(١٨).
وقد ذهب إلى جواز هذه الوجوه الثلاثة جماعة من المفسرين؛ كالفراء(١٩)، وابن جرير(٢٠)،
(١) انظر: مجاز القرآن ١/٢٠٤.
(٢) انظر: معاني القرآن ٢/٥٠١.
(٣) انظر: تفسير غريب القرآن ص١٥٨.
(٤) انظر: حجة القراءات ص٢٦٧.
(٥) انظر: الكشاف ٢/٣٥، إملاء ما مَن به الرحمن ص٢٣١، تفسير الجلالين ٢/٦٦، العذب النمير من مجالس الشنقيطي ٢/٥٦٥، ٥٦٦.
(٦) انظر: معاني القرآن ١/٢٣٧.
(٧) انظر: بحر العلوم ١/٥٠٧.
(٨) انظر: معالم التنْزيل ٣/١٧٩.
(٩) انظر: مدارك التنْزيل ٢/٣٨٤.
(١٠) انظر: إتحاف فضلاء البشر ٢/٢٧.
(١١) انظر: فتح القدير ٢/١٥٣.
(١٢) انظر: الكشاف ٢/٣٥، محاسن التأويل ٣/٤٠٨.
(١٣) انظر: الوسيط ٢/٣١٢.
(١٤) انظر: التسهيل ١/٢٨٣.
(١٥) انظر: البحر المحيط ٤/٢٠٨.
(١٦) انظر: روح المعاني ٤/٢٤٨.
(١٧) انظر: التحرير والتنوير ٧/٦.
(١٨) انظر: الكشاف ٢/٣٥، إملاء ما مَن به الرحمن ص٢٣١، محاسن التأويل ٣/٤٠٨.
(١٩) انظر: معاني القرآن ١/٢٣٧.
(٢٠) انظر: جامع البيان ٥/٣١٢، ٣١٣.

بالبدعة، بل بمجرد المعصية، فنظرنا : هل نجد لأحد المحتملين عاضداً يكون هو الأولى في حمل الآيات عليه، فوجدنا قوله سبحانه وتعالى :﴿ y٧د٩¨x‹ں٢ur زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ ِNèdنt!$ں٢uچن© ِNèdrكٹِژمچد٩ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ﴾ (١) فإن الآية صرحت أن لهذا التزيين سببين :
أحدهما : الإرداء ؛ وهو الإهلاك.
والآخر : لبسُ الدين ؛ وهو قوله :﴿ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ ﴾، ولا يكون ذلك إلا بتغييره وتبديله، أو الزيادة فيه أو النقصان منه ؛ وهو الابتداع بلا إشكال، وإنما كان دينهم أولاً دين أبيهم إبراهيم، فصار ذلك من جملة ما بدّلوا فيه ؛ كالبحيرة والسائبة ونصب الأصنام وغيرها، حتى عُدّ من جملة دينهم الذي يدينون به.
ويعضده قوله تعالى بعدُ :﴿ فَذَرْهُمْ وَمَا ڑcrمژyIّےtƒ ﴾ فنسبهم إلى الافتراء كما ترى، والعصيان من حيث هو عصيان لا يكون افتراءً، وإنما يقع الافتراء في نفس التشريع وفي أن هذا القتل من جملة ما جاء من الدين.
ولذلك قال تعالى - على إثر ذلك - :﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ (#ûqè=tGs% أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ (#qمBچxmur مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ﴾ (٢)، فجعل قتل الأولاد مع تحريم ما أحل الله من جملة الافتراء، ثم ختم بقوله :﴿ قَدْ ضَلُّوا ﴾ وهذه خاصية البدعة - كما تقدم - ؛ فإذن ما فعلت الهند نحو مما فعلت الجاهلية "
(١) سورة الأنعام : ١٣٧.
(٢) سورة الأنعام : ١٤٠.

ثم قال تعالى : بعد تعزيرهم على هذه المحرمات التي حرموها وهي ما في قوله :﴿ قُلْ بûّïuچں٢©%!!#uن tPچxm أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٣"uژyIّù$# عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا "د‰÷ku‰ الْقَوْمَ ڑْüدJد="©à٩$# ﴾ (١)، وقوله :﴿ لَا "د‰÷ku‰ ﴾ ؛ يعني أنه يضله " (٢).
الدِّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن المشركين قتلوا أولادهم بغير علم، وحرموا ما رزقهم الله من الرزق بالرأي على جهة التشريع.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كالبغوي (٣)، وابن الجوزي(٤)، والرازي (٥)، وابن جزي (٦)، ورشيد رضا (٧)، وابن عاشور (٨).
ويدل عليه من الآية أمور، منها :
الأمر الأول : أن الله تعالى وصف فعلهم بأنه مبني على السفه وعدم العلم.
الأمر الثاني : أن الله تعالى سمى فعلهم افتراء، والافتراء هو الكذب.
الأمر الثالث : أن الله حكم عليهم بالضلال وعدم الهداية.
كما أن الله تعالى بين في مواضع من كتابه ؛ بأن أمر المشركين في عباداتهم وغيرها قائم على الظن وما تهوى الأنفس، كما قال تعالى :﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ﴾ (٩).
(١) سورة الأنعام : ١٤٤.
(٢) الاعتصام ١/٢٣٥، ٢٣٦.
(٣) انظر : معالم التنْزيل ٣/١٩٤.
(٤) انظر : زاد المسير ٣/١٠٣.
(٥) انظر : التفسير الكبير ٧/١٣/١٧١، ١٧٢.
(٦) انظر : التسهيل ١/١٨٧.
(٧) انظر : تفسير القرآن الحكيم ٨/١٢٤-١٢٧، ١٣٠، ١٣١.
(٨) انظر : التحرير والتنوير ٧/٨٤-٨٧، ١٩٥-١٠٢.
(٩) سورة النجم : ٢٣.

الذي شأنه أن لا يشرع إلا حقاً ؛ وهو علم الشريعة لا غيره، ثم قال تعالى :﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا ﴾ تنبيهاً لهم على أن هذا ليس مما شرعه في ملة إبراهيم ؛ ثم قال :﴿ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٣"uژyIّù$# عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ " (١).
الدِّراسة :
تحدَّث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن المراد بالعلم في قوله :﴿ 'دTqن"خm٧tR بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ هو علم الشريعة.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (٢).
ويدل عليه سياق الآيات ؛ إذ أنها في تحريم ما لم يحرمه الله.
قال الزمخشري :" ﴿ 'دTqن"خm٧tR بِعِلْمٍ ﴾ أخبروني بأمر معلوم من جهة الله تعالى يدل على تحريم ما حرمتم " (٣).
وقال ابن عطية :" ثم اتبع تقريرهم وتوبيخهم بقوله :﴿ 'دTqن"خm٧tR ﴾ أخبروني، ﴿ بِعِلْمٍ ﴾ ؛ أي : من جهة نبوة أو كتاب من كتب الله " (٤).
المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا ﴾ تنبيه لهم على أن فعلهم هذا ليس مما في شرعة ملة إبراهيم.
(١) الاعتصام ٣/١٧٨، ١٧٩.
(٢) انظر : جامع البيان ٥/٣٧٥، معالم التنْزيل ٣/١٩٧، الكشاف ٢/٤٥، المحرر الوجيز ٢/٣٥٥، زاد المسير ٣/١٠٧، التفسير الكبير ٧/١٣/١٧٨، الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/٧٦، مدارك التنْزيل ١/٣٩٤، البحر المحيط ٤/٢٤٢، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/١٩٠، أنوار التنْزيل ١/٣٢٤، تفسير القرآن الحكيم ٨/١٤١.
(٣) الكشاف ١/٤٥.
(٤) المحرر الوجيز ٢/٣٥٥.

ويدل على ذلك ما روى إسماعيل (١) عن سليمان بن حرب (٢) ؛ قال : حدثنا حماد بن زيد (٣)، عن عاصم بن بهدلة (٤)، عن أبي وائل (٥)، عن عبد الله (٦) ؛ قال :
" خط لنا رسول الله - ﷺ - يوماً - وخط لنا سليمان - خطاً طويلاً، وخط عن يمينه وعن يساره، فقال : هذا سبيل الله.
ثم خط لنا خطوطاً عن يمينه ويساره، وقال : هذه سبلٌ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه.
ثم تلا هذه الآية :﴿ وَأَنَّ هَذَا 'دغ¨uژإہ مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ ﴾ -يعني: الخطوط- ﴿ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ ¾د&ح#‹خ٧y™ ﴾ " (٧).
(١) إسماعيل : هو إسماعيل القاضي، انظر : ص٢٧٣.
(٢) سليمان بن حرب : هو أبو أيوب سليمان بن حرب الأزدي الواشحي البصري، قاضي مكة، ثقة إمام حافظ، توفي سنة ٢٢٤هـ، وقيل غير ذلك [ انظر : تهذيب التهذيب ٤/١٥٧، ١٥٨، التقريب ص ٢٥٠].
(٣) حماد بن زيد : هو أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي البصري، ثقة ثبت فقيه كثير الحديث، توفي سنة ١٧٩هـ [ انظر: تهذيب التهذيب ٣/٩-١١، التقريب ص١٧٨ ].
(٤) عاصم بن بهدلة : هو المقرئ أبو بكر عاصم بن بهدلة أبي النجود الأسدي مولاهم، الكوفي، حجة في القراءة، أحد القراء السبعة، توفي سنة ١٢٨هـ وغير ذلك [ انظر : تهذيب التهذيب ٥/٣٥، ٣٦ ].
(٥) أبو وائل : هو شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة مخضرم، توفي سنة ٨٢هـ، [ انظر : تهذيب التهذيب ٤/٣١٧، ٣١٨ ].
(٦) عبد الله : هو عبد الله بن مسعود.
(٧) الحديث : أخرجه أحمد في المسند ٤/١٥٥، ١٥٦، برقم ٤١٤٢، ٤/٢٥٧، برقم ٤٤٣٧، بنحوه، وصحح إسناده أحمد شاكر [ انظر : المسند ٤/١٥٥، ٢٥٧].
والدرامي في سننه، في كراهية الأخذ بالرأي، ١/٦٠، برقم ٢٠٨.
وابن جرير في تفسيره ٥/٣٩٧، والحاكم في المستدرك، في كتاب التفسير، تفسير سورة الأنعام ٢/٣٤٨، ٣٤٩، برقم ٣٢٤١ وصححه.
والآجري في الشريعة، باب ذكر أمر النبي - ﷺ - أمته بلزوم الجماعة، ص١٥، ١٦، برقم ٨، ٩.
والبغوي في تفسيره ٣/٢٠٥.
واللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة ١/٩٠، وحسن إسناده محققه أحمد الغامدي.

وقال - في موضع آخر - :" (١) وقال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ... ﴾ الآية، فنسب إليهم التفرق، ولو كان التفريق من مقتضى الدليل ؛ لم ينسبه إليهم، ولا أتى به في معرض الذَّم، وليس ذلك إلا باتِّباع الهوى " (٢).
وقال - في موضع ثالث - :" أن هذه الفرق (٣) يحتمل من جهة النظر أن يكونوا خارجين عن الملة بسبب ما أحدثوا ؛ فهم قد فارقوا أهل الإسلام بإطلاق، وليس ذلك إلا الكفر ؛ إذ ليس بين المنْزلتين منْزلة ثالثة تتصور.
ويدل على هذا الاحتمال ظواهر من القرآن والسنة :
كقول الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ وهي آية نزلت - عند المفسرين - في أهل البدع، ويوضحه قراءة من قرأ :﴿ إن الذين فارقوا دينهم ﴾ (٤)،
(١) أورده في سياق بيانه أن المبتدع آثم. [ انظر : الاعتصام ١/٢٤٣، ٢٤٤ ].
(٢) الاعتصام ١/٢٤٤.
(٣) أي الفرق الثلاث والسبعين الواردة في الحديث :" وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة " أخرجه أبو داود في سننه، في كتاب السنة، باب شرح السنة، ص ٦٨٩، برقم ٤٥٩٦.
والترمذي في جامعه، في كتاب الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة، ص ٥٩٥، برقم ٢٦٤٠، من حديث أبي هريرة، وقال عنه الترمذي :" حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ".
والشاطبي في بيان هذا الحديث أورد الاحتمالات في دخولهم في هذه الملة أو خروجهم منها [ انظر : الاعتصام ٣/١٥٦-١٨٥ ].
(٤) في قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ قراءتان سبعيتان :
القراءة الأولى :﴿ إن الذين فارقوا دينهم ﴾ : قرأه حمزة والكسائي بألف مخففاً، من المفارقة والفراق، على معنى أنهم تركوا دينهم وفارقوه.
القراءة الثانية :﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ ﴾ قرأها الباقون من السبعة، بتشديد الراء من غير ألف، من التفريق، والتفريق على معنى أنهم فرقوه فآمنوا ببعض، وكفروا ببعض، ففرقوا إيمانهم ودينهم [ انظر : التيسير ص٨٩، الكشف عن وجوه القراءات السبع ١/٤٥٨ ].

المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن بعض الناس كانوا يتوهمون الإثم في الطواف بالبيت بالثياب، وفي بعض المأكولات؛ حتى نزل قوله تعالى :﴿ قُلْ مَنْ tP

چxm spsYƒخ- "!$#...... ﴾ الآية.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (١).
ويدل عليه قول ابن عباس - رضي الله عنهما - :" إن الجاهلية كانوا يحرمون أشياء أحلها الله من الثياب وغيرها، وهو قول الله :﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا tAu"Rr& اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ $YB#uچxm Wx"n=xmur ﴾ (٢)، وهو هذا ؛ فأنزل الله :﴿ قُلْ مَنْ tP

چxm spsYƒخ- اللَّهِ الَّتِي yluچ÷zr& ¾دnدٹ$t٧دèد٩ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ ة-ّ-حhچ٩$# ﴾ " (٣).

وقال ابن جزي :" ﴿ قُلْ مَنْ tPچxm spsYƒخ- اللَّهِ ﴾ إنكار لتحريمها ؛ وهو ما شرعه الله لعباده من الملابس والمآكل، وكان بعض العرب إذا حجوا يجردون الثياب، ويطوفون عراة، ويحرمون الشحم واللبن ؛ فنَزل ذلك رداً عليهم " (٤).
المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن معنى قوله تعالى :﴿ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ ؛ أي: خلقت لأجلهم.

(١) انظر : جامع البيان ٥/٤٧٢-٤٧٥، أحكام القرآن للجصاص ٣/٤٤، بحر العلوم ١/١٣٨، النكت والعيون ٢/٢١٨، معالم التنْزيل ٣/٢٢٥، الكشاف ٢/٦٠، زاد المسير ٣/١٤٤، الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/٢٢٧، التسهيل ١/٣٠٠، البحر المحيط ٤/٢٩٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٢٢٠، فتح القدير ٢/٢٠١، ٢٠٢، تفسير القرآن الحكيم ٨/٣٨٧.
(٢) سورة يونس : ٥٩.
(٣) الأثر : أخرجه ابن جرير في تفسيره ٥/٤٧٣، وحسن إسناده : حكمت بشير ياسين في التفسير الصحيح (٢/٣١٣).
(٤) التسهيل ١/٣٠٠.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين، على أنه نوع من أنواع الاعتداء في الدعاء (١).
ويدل عليه عموم لفظ الآية، ونهي النبي - ﷺ - أصحابه عن رفع الصوت في الدعاء، كما في الحديث الذي أورده الشاطبي.
وأكثر المفسرين على أن الآية عامة، يدخل فيها جميع أنواع الاعتداء في الدعاء، ومنها : رفع الصوت بالدعاء.
وإنما نص الشاطبي على أن الاعتداء في الآية هو رفع الصوت بالدعاء ؛ لأنه أورد الآية في سياق إنكاره على من يجتمعون على الذكر، ويرفعون أصواتهم بالدعاء.
قال ابن جرير :" وأما قوله :﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ ؛ فإن معناه : إن ربكم لا يحب من اعتدى فتجاوز حدّه الذي حده لعباده في دعائه ومسألته ربه، ورفعه صوته فوق الحد الذي حدّ لهم في دعائهم إياه ومسألتهم، وفي غير ذلك من الأمور " (٢).
وقال الشوكاني :" قوله :﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ أي : المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وفي كل شيء، فمن جاوز ما أمر الله به في شيء من الأشياء ؛ فقد اعتدى، والله لا يحب المعتدين، وتدخل المجاوزة في الدعاء في هذا العموم دخولاً أولياً.
ومن الاعتداء في الدعاء : أن يسأل الداعي ما ليس له كالخلود في الدنيا، أو إدراك ما هو محال في نفسه، أو يطلب الوصول إلى منازل الأنبياء في الآخرة، أو يرفع صوته بالدعاء صارخاً به " (٣).
(١) انظر : جامع البيان ٥/٥١٥، الكشاف ٢/٦٦، المحرر الوجيز ٢/٤١٠، الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/١٤٤، مدارك التنْزيل ١/٤١٧، التسهيل ١/٣٠٣، البحر المحيط ٤/٣١٣، بدائع التفسير ٢/٢٣٢، ٢٣٣، أنوار التنْزيل ١/٣٤٢، تفسير الجلالين وحاشية الصاوي ٢/١٣٠، فتح القدير ٢/٢١٣، روح المعاني ٤/٣٧٩، محاسن التأويل ٣/٥٧٢، ٥٧٣، تفسير القرآن الحكيم ٨/٤٥٧-٤٦٠.
(٢) جامع البيان ٥/٥١٥.
(٣) فتح القدير ٢/٢١٣.

وأيضاً ؛ فإن الذِّلةَ الحاضرة في الدنيا موجودة في غالب الأحوال، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين وفيما بعد ذلك، حتى تلبسوا بالسلاطين، ولاذوا بأهل الدنيا، ومن لم يقدر على ذلك ؛ استخفى ببدعته، وهرب بِها من مخالطة الجمهور، وعمل بأعمالها على التَّقيّة.
وقد أخبر الله تعالى أن هؤلاء الذين اتخذوا العجل أن سينالهم ما وعدهم، فأنجز الله وعده، فقال :﴿ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ﴾ (١).
وصدق ذلك الواقع باليهود حيثما حلّوا، وفي أيّ زمان كانوا، لا يزالون أذلاء مقهورين: ﴿ y٧د٩¨sŒ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ﴾ (٢)، ومن جملة اعتدائهم اتخاذهم العجل.
هذا بالنسبة إلى الذِّلة، وأما الغضب ؛ فمضمون بصادق الأخبار، فيُخاف أن يكون المبتدع داخلاً في حكم الغضب، والله الواقي بفضله " (٣).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن المبتدع يلقى عليه الذل في الدنيا والغضب من الله تعالى ؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ ط'©!دŒur فِي دo٤quٹysّ٩$# الدُّنْيَا y٧د٩¨x‹x.ur "ح"ّgwU tûïخژyIّےكJّ٩$# ﴾ وأن هذه الآية عامة في كل مبتدع ؛ لأن البدع كلها افتراء على الله.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه كثير من المفسرين (٤).
(١) سورة البقرة : ٦١.
(٢) سورة البقرة : ٦١.
(٣) الاعتصام ١/٢١٧-٢١٩.
(٤) انظر : جامع البيان ٦/٧١، معالم التنْزيل ٣/٢٨٥، المحرر ٢/٤٥٨، زاد المسير ٣/٢٠٣، الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/١٨٦، البحر المحيط ٤/٣٩٦، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٢٥٩، فتح القدير ٢/٢٥٠، روح المعاني ٥/٦٥، ٦٦، محاسن التأويل ٢/٦٤١، تفسير القرآن الحكيم ٩/٢١١، ٢١٢، تيسير الكريم الرحمن ٣/٥٩.

وقد فسّر معنى الأمية في الحديث ؛ أي : ليس لنا علم بالحساب ولا الكتاب"(١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن الأمي منسوب إلى الأم ؛ وهو الباقي على أصل ولادة الأم، لم يتعلم كتاباً ولا غيره.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه بعض المفسرين ؛ كابن جرير (٢)، والبغوي (٣)، والصاوي (٤)، ورشيد رضا (٥).
وذهب بعض المفسرين إلى أن الأمي نسبة إلى الأُمّة الأمية (٦).
وذهب بعض المفسرين إلى أن الأمي نسبة إلى أم القرى (٧).
والذي يظهر : أنه لا مانع من نسبة الأمي إلى ما ذكروه ؛ إذ لكل نسبة اعتبارها ؛ لأن الأمي هو الذي لا يكتب ولا يحسب، كما فسرها الحديث، وهذا ما عليه العرب.
فمن نسبه إلى الأم ؛ فهذا صحيح من حيث بقاؤه على الحالة التي ولد عليها، أو كون الكتابة في الرجال دون النساء.
ومن نسبه إلى الأمة الأمية ؛ فهذا صحيح، ؛ إذ أن العرب في الغالب لا تكتب ولا تحسب.
ومن نسبه إلى أم القرى ؛ فهذا صحيح ؛ إذ أن أم القرى في الغالب لا تكتب ولا تحسب، كما هو حال العرب.
قال ابن جرير :" الأمي - عند العرب - : هو الذي لا يكتب.
قال أبو جعفر : وأرى أنه قيل للأمي : أمي ؛ نسبة له بأنه لا يكتب إلى أمه ؛ لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنُسب من لا يكتب ولا يَخُط من الرجال إلى أُمّه، في جهله بالكتابة، دون أبيه " (٨).
(١) الموافقات ٢/١٠٩، ١١٠.
(٢) انظر : جامع البيان ١/٤١٧.
(٣) انظر : معالم التنْزيل ٣/٢٨٨.
(٤) انظر : حاشية الصاوي ٢/٦٤.
(٥) انظر : تفسير القرآن الحكيم ٩/٢٢٤.
(٦) منهم : القرطبي [ انظر : الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/١٩٠] وابن تيمية [ انظر : مجموع الفتاوى ١٧/٤٣٥، ٢٥/١٦٧] وانظر : عمدة الحفاظ ١/١٣٧، محاسن التأويل ٣/٦٤٨، تيسير الكريم الرحمن ٣/١٠٠.
(٧) انظر : النكت والعيون ٢/٢٦٨، معالم التنْزيل ٣/٢٨٨، زاد المسير ٣/٢٠٨، حاشية الصاوي ٢/٦٤.
(٨) جامع البيان ١/٤١٧.

الحديث كما وقع مخالف
لقول الله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ y٧ڑ/u' مِنْ ûسة_t/ آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ِNهkyJƒحh'èŒ (١)ِNèdy‰pkô­r&ur عَلَى ِNخkإ¦àےRr& أَلَسْتُ ِNن٣خn/uچخ/ قَالُوا بَلَى ﴾ ؛ فالحديث يخبر أنه أخذهم من ظهر آدم، والكتاب يخبر أنه أخذ من ظهور بني آدم.
وهذا إذا تؤمل لا اختلاف فيه ؛ لأنه يمكن الجمع بينهما ؛ بأن يخرجوا من صلب آدم - عليه الصلاة والسلام - دفعة واحدة على وجه كما لو خرجوا على الترتيب كما أخرجوا إلى الدنيا، ولا محال في هذا ؛ بأن ينفطر في تلك الأخذة الأبناء عن الأبناء من غير ترتيب زمان، وتكون النسبتان معاً صحيحتين على الحقيقة لا على المجاز"(٢).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أنّه لا اختلاف بين قوله تعالى :﴿ وَإِذْ أَخَذَ y٧ڑ/u' مِنْ ûسة_t/ آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ِNهkyJƒحh'èŒ ﴾ في إخراج الذرية من ظهور بني آدم وبين ما جاء في الحديث :" إن الله لما خلق آدم مسح ظهره بيمينه، فأخرج منه ذريته إلى يوم القيامة " في إخراج الذرية من ظهر آدم؛ لأنه يمكن الجمع بينهما ؛ بأن يخرجوا من صلب آدم - عليه الصلاة والسلام - دفعة واحدة كما لو خرجوا على الترتيب كما أخرجوا إلى الدنيا، ولا محال في هذا ؛ بأن ينفطر في تلك الأخذة الأبناء عن الأبناء من غير ترتيب زمان، وتكون النسبتان معاً صحيحتين على الحقيقة لا على المجاز.
وما ذهب إليه الشاطبي من أنه لا اختلاف بين الآية والحديث ؛ ذهب إليه كثير من المفسرين، وإن اختلفوا في تقرير هذا الجمع.
(١) قوله :﴿ ذرياتهم ﴾ في هذه الآية قراءتان سبعيتان :
القراءة الأولى :﴿ ذرياتهم ﴾ بالجمع وكسر التاء، قرأ بها نافع وأبو عمرو وابن عامر.
القراءة الثانية :﴿ NهkyJƒحh'èŒ ﴾ بالتوحيد ونصب التاء، قرأ بها الباقون ؛ ابن كثير، وعاصم، وحمزة والكسائي. [انظر : التيسير ص٩٤، إتحاف فضلاء البشر ٢/٦٨، ٦٩].
(٢) الاعتصام ٣/٣٨٨-٣٩٠.

ذهب الشاطبي إلى أنه لا يجوز تفسير ﴿ ô ذَرَأْنَا ﴾ في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ ﴾ بمعنى : ألقينا فيها.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره ابن قتيبة.
كما أن المفسرين على تفسير :﴿ ô ذَرَأْنَا ﴾ في الآية بمعنى : خلقنا (١).
قال ابن قتيبة :" وقالوا في قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ #[ژچدWx. مِنَ اd`إgù:$# وَالْإِنْسِ ﴾ دفعنا وألقينا، واحتج من احتج منهم بقول المثقب العبدي - حكاية عن ناقته:
تقول إذا ذَرَأتُ لها وضيني...... أهذا دِينُهُ أبداً وديني
وهذا جهل باللغة وتصحيف، وإنما هو درأت؛ بالدال غير المعجمة، والله يقول: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا z ﴾ بالذال. وأحسبهم سمعوا بقول العرب : أذرته الدابة عن ظهرها ؛ أي : ألقته، فتوهموا أن ذرأنا من ذلك، ذرأنا في تقدير فعلنا، غير مهموز، ولو أريد ذلك المعنى لكان : ولقد أذرينا لجهنم. وسمعوا بقولهم : ذرته الريح، وبقول الله :﴿ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ كx"tƒحhچ٩$# ﴾ (٢)؛ أي : تنسفه وتلقيه، فتوهموه منه، ولو أريد ذلك لكان : ولقد ذرونا لجهنم، وليس يجوز أن يكون ذرأنا في هذا الموضع إلا خلقنا، كما قال :﴿ ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ ﴾ (٣) وقال :﴿ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ﴾ أي : يخلقكم في الرحم، ومنه قيل : ذرية الرجل لولده وإنما هو خلق الله " (٤).
وقال ابن جرير - في الآية - :" قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ولقد خلقنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس، يقال منه : ذرأ الله خلقه يذرؤكم ذرءاً، وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل " (٥).
(١) انظر : جامع البيان ٦/١٢٩، ١٣٠، النكت والعيون ٢/٢٨١، معالم التنْزيل ٣/٣٠٦، المحرر الوجيز ٢/٤٧٩، زاد المسير ٣/٢٢٣، فتح القدير ٢/٢٦٧، روح المعاني ٥/١١٠.
(٢) سورة الكهف : ٤٥.
(٣) سورة المؤمنون : ٧٩.
(٤) الاختلاف في اللفظ ص١٧، ١٨.
(٥) جامع البيان ٦/١٢٩.

ولكن ما ذهب إليه الشاطبي ؛ يؤيده : ما ذهب إليه جماعة من المفسرين بأن الآية محكمة غير منسوخة، وأن قوله :﴿ (#ûqكJn=÷و$#ur أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾ (١) الآية ؛ مبين لها.
وممن ذهب إليه : الطبري(٢)، ومكي بن أبي طالب (٣)، وابن العربي (٤)، وابن الجوزي(٥)، والألوسي (٦).
وذهب جماعة من المفسرين إلى أن الآية منسوخة بقوله :﴿ (#ûqكJn=÷و$#ur أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ﴾ (٧) الآية (٨).
والذي يظهر : أن الآية محكمة غير منسوخة ؛ إذ لا يصار إلى النسخ ما أمكن الجمع.
قال ابن جرير :" وليس في الآية دليل على أن حكمها منسوخ.." (٩).
وقال ابن الجوزي :" والعجب ممن يدعي أنها منسوخة، فإن عامة ما تضمنت أن الأنفال لله والرسول، والمعنى أنهما يحكمان فيها، وقد وقع الحكم فيها بما تضمنه من الخمس. وإن أريد أن الأمر بنفل الجيش ما أريد، فهذا حكم باق، فلا يتوجه النسخ بحال، ولا يجوز أن يقال عن آية إنها منسوخة إلا أن يرفع حكمها، وحكم هذه ما رفع فكيف يدعى النَّسخ " (١٠).
(١) سورة الأنفال : ٤١.
(٢) انظر : جامع البيان ٦/١٧٥، ١٧٦، وأخرج عن عبد الرحمن بن زيد القول بأنها محكمة.
(٣) انظر: الإيضاح ص٢٩٥.
(٤) انظر : الناسخ والمنسوخ ص١٧٨، ١٧٩.
(٥) انظر : ناسخ القرآن ومنسوخه ص٤٠٨.
(٦) انظر : روح المعاني ٥/١٥١.
(٧) سورة الأنفال : ٤١.
(٨) ممن رُوي عنه نسخها : مجاهد وعكرمة والسدي [ انظر : جامع البيان ٦/١٧٥ ]، وذهب إليه ابن حزم [انظر: الناسخ والمنسوخ ص٣٩].
(٩) جامع البيان ٦/١٧٦.
(١٠) ناسخ القرآن ومنسوخه ص ٤٠٨.

قال القرطبي :" قوله :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ د]ƒد‰utù:$# كِتَابًا $Ygخ٦"t±tF-B z'دT$sW¨B تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ كû، ح#s؟ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى حچّ. دŒ اللَّهِ ﴾ (١) ؛ أي : تسكن نفوسهم من حيث اليقين إلى الله، وإن كانوا يخافون الله، فهذه حالة العارفين بالله، الخائفين من سطوته وعقوبته، لا كما يفعله جهَّال العوام والمبتدعة الطَّغَام من الزعيق والزئير، ومن النُّهاق الذي يشبه نُهاق الحمير، فيقال لمن تعاطى ذلك، وزعم أن ذلك وَجْدٌ وخشوع : لم تبلغ أن تساوي حال الرسول ولا حال أصحابه في المعرفة بالله، والخوف منه، والتعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن الله، والبكاء خوفاً من الله، ولذلك وصف الله أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه، فقال :﴿ وَإِذَا سَمِعُوا مَا tAح"Ré& إِلَى الرَّسُولِ #"uچs؟ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آَمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ﴾ (٢) فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم " (٣).
(١) سورة الزمر : ٢٣.
(٢) سورة المائدة : ٨٣.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/٢٣٢، ٢٣٣.

وما ذهب إليه الشاطبي - بأن مراد عطاء بالنسخ في هذا الموضع التخصيص والبيان - ؛ ذهب إليه بعض المفسرين ؛ كالألوسي (١)، والقاسمي (٢)، ورشيد رضا (٣).
كما سبق بيان مراد السابقين بالنسخ، وأنه أعم من إطلاق المتأخرين والأصوليين (٤).
كما ذهب أكثر المفسرين إلى أن الآية محكمة غير منسوخة، وإنما هي مخصوصة ومُبينة بقوله:
﴿ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ tbrمژô³دم tbrمژة٩"|¹ (#qç٧د=َّtƒ مِائَتَيْنِ ﴾ (٥) (٦) ؛ إذ لا يصار إلى النسخ ما أمكن الجمع إلا بدليل.
قال الطبري :" وإنما قلنا هي محكمة غير منسوخة ؛ لما قد بينا في غير موضع من كتابنا هذا وغيره : أنه لا يجوز أن يحكم لحكم آية بنسخ، وله في غير النسخ وجه، إلا بحجة يجب التسليم لها..." (٧).
وقال النحاس :" ولا يجوز أن تكون منسوخة ؛ لأنه خبر ووعيد، ولا ينسخ الوعيد كما لا ينسخ الوعد " (٨).
(١) انظر : روح المعاني ٥/١٧٠.
(٢) انظر : محاسن التأويل ٤/٢٠.
(٣) انظر : تفسير القرآن الحكيم ٩/٦١٨، ١٠/٨٠، ٨١.
(٤) انظر : ص٢١١، ٢١٢.
(٥) سورة الأنفال : ٦٥، ٦٦.
(٦) نسبه إلى أكثر المفسرين : ابن عطية في تفسيره ٢/٥١٠، والقرطبي في تفسيره ٤/٧/٢٤٢، والشوكاني في تفسيره ٢/٢٩٤، وابن عاشور في تفسيره ٩/٤٤.
وانظر: جامع البيان ٦/٢٠١، ٢٠٢، الناسخ والمنسوخ للنحاس ص١٤٦، الإيضاح ص٢٩٧، الناسخ والمنسوخ لابن العربي ص١٨١، المحرر الوجيز ٢/٥٠١، ناسخ القرآن ومنسوخه لابن الجوزي ص٤١٠، ٤١١، الجامع لأحكام القرآن ٤/٧/٢٤٢، التسهيل ١/٣٤١، أنوار التنْزيل ١/٣٧٨، فتح القدير ٢/٢٩٤، روح المعاني ٥/١٧٠، محاسن التأويل ٤/٢٠، تيسير الكريم الرحمن ٣/١٥١.
(٧) جامع البيان ٦/٢٠٢.
(٨) الناسخ والمنسوخ ص١٤٦.

وقال - في موضع آخر - (١) :" وما عللتم به من حاجتنا إليهم فليس بموجب
لتسويغ البيع منهم ؛ لأن الله تعالى قال :﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا (#qç/uچّ)tƒ y‰إfَ،yJّ٩$# tP#uچysّ٩$# بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ﴾ الآية، فنبهت الآية على أن الحاجة إليهم في جلب الطعام إلى مكة لا ترخص في انتهاك حرمة الحرم ؛ فكذلك لا ترخص في استباحة الإضرار بالمسلمين " (٢).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن الله تعالى لم يعذر الصحابة في ترك منع المشركين خوف العيلة، وأن حاجة المسلمين في جلب الطعام إلى مكة لا ترخص في انتهاك حرمة الحرم.
وكذلك فإن الحاجة لا ترخص في استباحة الإضرار بالمسلمين.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ هو ما تدل عليه الآية وقواعد الشريعة في تحريم الضرر والإضرار بالمسلمين.
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - :" لما نفى الله المشركين عن المسجد الحرام، ألقى الشيطان في قلوب المؤمنين الحَزَن، قال : من أين تأكلون ؟ وقد نُفيَ المشركون وانقطعت عنهم العير، فقال الله تعالى :﴿ وَإِنْ َOçFّے½z Z's#ّٹtم فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ ے¾د&ح#ôزsù إِنْ شَاءَ ﴾ فأمرهم بقتال أهل الكتاب، وأغناهم من فضله " (٣).
وقال أبو بكر الجزائري :" لا يمنع المؤمن من امتثال أمر ربه الخوف من الفاقة والفقر، فإن الله تعالى تعهد بالإغناء إن شاء " (٤).
(١) جاء هذا في جوابه عن سؤال، وهو : هل يباح لأهل الأندلس بيع الأشياء التي منع العلماء بيعها من أهل الحرب كالسلاح وغيره ؛ لكونهم محتاجين إلى النصارى في أشياء أخرى من المأكول والملبوس وغير ذلك، أم لا فرق بين أهل الأندلس وغيرهم من أرض الإسلام ؟ [انظر : فتاوى الإمام الشاطبي ص١٩٢، ١٩٣].
(٢) فتاوى الإمام الشاطبي ص ١٩٣.
(٣) الأثر : أخرجه ابن جرير في تفسيره ٦/٣٤٦.
وحسَّن إسناده : حكمت بشير ياسين في التفسير الصحيح ٢/٤٤١.
(٤) أيسر التفاسير ٢/٣٥٧.

١١٦/٢ قال الشاطبي :" وعن عراك بن مالك (١)، وعمر بن عبدالعزيز(٢)، وابن شهاب (٣) ؛ أن قوله :﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ﴾ الآية، منسوخ بقوله :﴿ خُذْ مِنْ ِNدlخ;¨uqّBr& ps%y‰|¹ً ﴾ (٤) (٥)، وإنما هو بيان لما يسمى كنْزاً، وأن المال إذا أدّيت زكاته لا يُسمى كنْزاً، وبقي ما لم يُزَكَّ داخلاً تحت التسمية ؛ فليس من النَّسخ في شيء " (٦).
الدّراسة :
(١) عراك بن مالك : هو عراك بن مالك الغفاري الكناني المدني، من التابعين، توفي بعد المائة، زمن يزيد بن عبدالملك. [انظر: الكاشف ٢/١٦، ١٧، تهذيب التهذيب ٧/١٥٦، ١٥٧، تقريب التهذيب ص ٣٨٨].
(٢) عمر بن عبد العزيز : هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص، القرشي، الأموي، المدني، ثم الدمشقي، أمير المؤمنين، أمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب، ولي إمرة المدينة للوليد، وكان مع سليمان كالوزير، وولي الخلافة بعده، فَعُدَّ من الخلفاء الراشدين، توفي سنة ١٠١هـ. [انظر: الكاشف ٢٨٦٥، تهذيب التهذيب ٧/٤١٨-٤٢٠].
(٣) ابن شهاب : هو الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب القرشي، الزهري، الفقيه الحافظ، أحد الأئمة الأعلام، وعالم الحجاز والشام، توفي سنة ١٢٥هـ وقيل غير ذلك. [انظر : الكاشف ٢/٢١٩، تهذيب التهذيب ٩/٣٩٥-٣٩٩].
(٤) سورة التوبة : ١٠٣.
(٥) الأثر : حكاه مكي في الإيضاح ص ٣١٤، وابن العربي في أحكام القرآن ٢/٤٨٨، والناسخ والمنسوخ ص٢٠٠، ٢٠١، وأخرجه ابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص ٤٣٠ مسنداً إلى عراك بن مالك، وعمر بن عبد العزيز.
(٦) الموافقات ٣/٣٥٧.

والآيتان في معنيين، ولكنه نبَّه على أنَّ الحكم بعد غزوة تبوك أن لا يجب النَّفير على الجميع " (١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن ما جاء عن ابن عباس بأن قوله تعالى :﴿ انْفِرُوا $]ù$xے½z وَثِقَالًا ﴾ منسوخ بقوله :﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾ (٢) ؛ ليس هو النَّسخ باصطلاح الأصوليين والمتأخرين ؛ لأن الآيتين في معنيين.
وما ذهب إليه الشاطبي في أنَّ مراد ابن عباس بالنَّسخ في هذا الموضع ليس هو النَّسخ باصطلاح الأصوليين والمتأخرين ؛ لم أجد أحداً من المفسرين وجَّه قول ابن عباس هنا إلى ما وجَّهه إليه الشاطبي على وجه الخصوص.
وأما على وجه العموم ؛ فقد سبق بيان ذلك : بأن السابقين يطلقون النَّسخ على ما هو أعم مما عند الأصوليين والمتأخرين (٣).
ولكن ما ذهب إليه الشاطبي يؤيده : ما ذهب إليه جماعة من المفسرين بأن الآية محكمة غير منسوخة.
وممن ذهب إليه : السمرقندي (٤)، وابن العربي (٥)، وابن الجوزي (٦)، والقرطبي (٧)، والألوسي(٨).
وذهب بعض المفسرين إلى أن الآية منسوخة.
وممن ذهب إليه : مكي بن أبي طالب (٩)، والشنقيطي (١٠).
والذي يظهر أن الآية محكمة ؛ إذ لا يُصار إلى النَّسخ ما أمكن الجمع إلا بدليل، والجمع ممكن : فقوله تعالى :﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً... ﴾ (١١) الآية، يحتمل أمرين، وهما قولان في المراد بالنَّفير :
(١) الموافقات ٣/٣٤٧، ٣٤٨.
(٢) سورة التوبة : ١٢٢.
(٣) انظر : ص٢١١، ٢١٢.
(٤) انظر : بحر العلوم ٢/٥٢.
(٥) انظر : أحكام القرآن ٢/٥١٧.
(٦) انظر : ناسخ القرآن ومنسوخه ص ٤٣١-٤٣٤.
(٧) انظر : الجامع لأحكام القرآن ٤/٨/٩٦.
(٨) انظر : روح المعاني ٥/٢٩٥.
(٩) انظر : الإيضاح ص ٣١٥.
(١٠) انظر : أضواء البيان ٢/٤٧٠، دفع إيهام الاضطراب ص ١٤٨.
(١١) سورة التوبة : ١٢٢.

دن!$xےyè'ز٩$# وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ ëluچxm إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ ¾د&د!qك™u'ur } (١) الآيات ؛ فبيَّن أهل الأعذار هنا، وهم الذين لا يطيقون الجهاد، وهم : الزَّمنى، والصبيان، والشيوخ، والمجانين، والعميان، ونحوهم، وكذلك من لم يجد نفَقة أصلاً، ولا وجد مَن يحمله، وقال فيه :﴿ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ ¾د&د!qك™u'ur ﴾ ومن جملة النصيحة لله ورسوله أن لا يبقوا من أنفسهم بقية في طاعة الله، ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿ انْفِرُوا $]ù$xے½z وَثِقَالًا ﴾ (٢)، وقال :﴿ إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ ﴾ (٣) الآية ؛ فما ظنك بمن كان عذره هوى نفسه ؟ " (٤).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أنَّ الجَدَّ بن قيس ممن نزل فيه قوله تعالى :﴿ ائْذَنْ لِي وَلَا ûسةi_دGّےs؟ ﴾.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (٥)، وهو المشهور عند أهل التفسير.
قال ابن كثير :" وهكذا روي عن ابن عباس، ومجاهد وغير واحد أنها نزلت في الجَدِّ بن قيس " (٦).
وقال رشيد رضا :" واتفقت الروايات على أن جَدّ بن قيس من شيوخهم، قال هذا للنبي - ﷺ - في أول عهد الدعوة للغزوة، وأثناء التجهيز للسفر " (٧).
(١) سورة التوبة : ٩١.
(٢) سورة التوبة : ٤١.
(٣) سورة التوبة : ٣٩.
(٤) الموافقات ١/٥١٥، ٥١٦.
(٥) انظر : جامع البيان ٦/٣٨٦، ٣٨٧، بحر العلوم ٢/٥٤، المحرر الوجيز ٣/٤١، ٤٢، التفسير الكبير ٨/١٦/٦٧، ٦٨، أسباب النّزول ص ٢٤٧، ٢٤٨، مجموع الفتاوى ١٥/٣٤٣، ٢٨/١٦٦-١٦٨، التسهيل ١/٣٦٠، البحر المحيط ٥/٥٢ بدائع التفسير ٢/٣٥٩، ٣٦٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٣٧٦، تفسير الجلالين وحاشية الصاوي ٢/٢٤٥، الدر المنثور ٣/٤٤٣-٤٤٥، تفسير القرآن الحكيم ١٠/٤٧٧.
(٦) تفسير القرآن العظيم ٢/٣٧٦.
(٧) تفسير القرآن الحكيم ١٠/٤٧٧.

وما ذهب إليه الشاطبي - في أن مراد ابن حبيب بالنسخ في هذا الموضع ليس هو النسخ الحقيقي باصطلاح المتأخرين والأصوليين - ؛ لم أجد أحداً من المفسرين وجّه قول ابن حبيب هنا إلى ما وجَّهه إليه الشاطبي على وجه الخصوص.
وأما على وجه العموم ؛ فقد سبق بيان ذلك : بأن السابقين يطلقون النسخ على ما هو أعم مما عند الأصوليين والمتأخرين (١).
ولكن ما ذهب إليه الشاطبي يؤيده : ما ذهب إليه مكي بن أبي طالب (٢)، وابن العربي(٣) ؛ بأن الآية محكمة مخصوصة، وليست بمنسوخة، كما أن عامة المفسرين لم يتعرضوا لنسخها.
وهذا هو الظاهر ؛ إذ لا يصار إلى النسخ ما أمكن الجمع إلا بدليل.
قال مكي :" وقوله تعالى :﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ #Xچّےà٢ وَنِفَاقًا ﴾
قال ابن حبيب : نسخ ذلك بالآية التي تحتها، وهي قوله :﴿ وَمِنَ ة>#uچôمF{$# مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# ﴾ (٤) الآية.
قال أبو محمد : وهذا خبر لا يُنسخ، ولا معنى للنسخ فيه ؛ لأن الله أعلمنا أن الأعراب أصناف، وبيَّن ذلك فقال : منهم من يتخذ ما ينفق مغرماً، ومنهم صنف يؤمن بالله واليوم الآخر.
وأخبر عنهم أنهم أشد كفراً ونفاقاً، وهو لفظ عام، معناه الخصوص في قوم بأعيانهم، دلَّ على أنه مخصوص قوله :﴿ وَمِنَ ة>#uچôمF{$# مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ حچ½zFy$# ﴾ إلى ﴿ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ (٥)، فَمِن للتبعيض، فلا نسخ يحسن في هذا، لا في المعنى ولا في اللفظ " (٦).
وقال ابن العربي - في قول ابن حبيب بالنسخ - :" لقد مُني ابن حبيب بالوهم، أو بنقل ما لم يقل عنه... " (٧).
(١) انظر : ص٢١١، ٢١٢.
(٢) انظر : الإيضاح ص ٣١٨.
(٣) انظر : الناسخ والمنسوخ ص ٢٠٠، ٢٠٣.
(٤) سورة التوبة : ٩٩.
(٥) سورة التوبة : ٩٩.
(٦) الإيضاح ص ٣١٨.
(٧) الناسخ والمنسوخ ص ٢٠٢.

وهي صفة من صفات المنافقين، حيث ينظرون إلى ظواهر الأمور ظناً منهم أن ذلك نافعهم، كما قال تعالى :﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا (#ûqن٩$s% آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ (#ûqن٩$s% إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ tbrâنح"÷kyJَ، مB (١٤) اللَّهُ ن-ح"÷kyJَ،o" ِNخkح٥ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ (١).
قال ابن جرير :" ﴿ y٧د٩¨sŒ ِNهk®Xr'خ/ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾ ؛ يقول : فعل الله بهم هذا الخذلان، وصرف قلوبهم عن الخيرات ؛ من أجل أنهم لا يفقهون عن الله مواعظه، استكباراً ونفاقاً " (٢).
وقال ابن عطية :" ﴿ y٧د٩¨sŒ ِNهk®Xr'خ/ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾، أي : لا يفهمون عن الله ولا عن رسوله " (٣).
وقال ابن كثير :" ﴿ ِNهk®Xr'خ/ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ﴾، أي : لا يفهمون عن الله خطابه ولا يقصدون لفهمه، ولا يريدونه، بل هم في شغل عنه ونفور منه، فلهذا صاروا إلى ما صاروا إليه"(٤).
وقال القاسمي :" أي : لا يتدبرون أمر الله حتى يفقهوا " (٥).
(١) سورة البقرة : ١٤، ١٥.
(٢) جامع البيان ٦/٥٢١.
(٣) المحرر الوجيز ٣/١٠٠.
(٤) تفسير القرآن العظيم ٢/٤١٨.
(٥) محاسن التأويل ٤/٢٢٩.

ومراد الشاطبي : أن كلا التفسيرين يطلق على كل منهما حي وميت، فهما يتَّفِقان في العبارة كالمعنى الواحد، وإن اختلفا في بيان الحي والميت من حيث الحقيقة والمجاز.
وما ذهب إليه الشاطبي - في عدم نصب الخلاف في هذا الموضع ؛ إذ لا خلاف في الحقيقة - ؛ ذهب إليه جمع من المفسرين ؛ كالسمرقندي (١)، والبغوي (٢)، والقرطبي (٣)، والنسفي (٤)، وابن كثير (٥)، والشوكاني (٦)، والسعدي (٧).
قال القرطبي :" ﴿ ((((( (((((((( (((((((( (((( ((((((((((( ﴾ ؛ أي : النبات من الأرض، والإنسان من النطفة، والسنبلة من الحبَّة، والطير من البيضة، والمؤمن من الكافر " (٨).
وقال ابن كثير :" وقوله تعالى :﴿ (((((((((( (((((((( (((( ((((((((((( (((((((((( ((((((((((( (((( ((((((((( ﴾ (٩) ؛ أي : تخرج الزَّرع من الحب، والحب من الزرع، والنخلة من النواة، والنواة من النخلة، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن، والدجاجة من البيضة، والبيضة من الدجاجة، وما جرى هذا المجرى في جميع الأشياء " (١٠).
(١) انظر : بحر العلوم ٢٨٩٧.
(٢) انظر : معالم التنْزيل ١/٢٤، ١٣٢.
(٣) انظر : الجامع لأحكام القرآن ٤/٨/٢١٤.
(٤) انظر : مدارك التنْزيل ١/١٧٠، ٥٣٨.
(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم ١/٣٦٤، ٢/٤٣١.
(٦) انظر : فتح القدير ٢/٤٤٣.
(٧) انظر : تيسير الكريم الرحمن ٣/٣٤٩.
(٨) الجامع لأحكام القرآن ٤/٨/٢١٤.
(٩) سورة آل عمران : ٢٧.
(١٠) تفسير القرآن العظيم ١/٣٦٤.

قال البغوي: "قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ 'دoTخ) لَكُمْ نَذِيرٌ êْüخ٧-B ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ويعقوب: (أني)-بفتح الهمزة-؛ أي: بأني"(١).
قال ابن الجوزي: "قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ 'دoTخ) ﴾ قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي (أني)؛ بفتح الألف، والتقدير: أرسلناه بأني"(٢).
قال العكبري: "قوله تعالى: ﴿ 'دoTخ) ِNن٣s٩ ﴾ يقرأ بكسر الهمزة؛ على تقدير: فقال إني، وبفتحها؛ على تقدير: بأني"(٣).
(١) معالم التنْزيل ٤/١٧٠.
(٢) زاد المسير ٤/٧٣.
(٣) إملاء ما مَنّ به الرحمن ص٢٩١.

وإنما المراد اختلاف آخر، وهو الاختلاف الذي بعث الله النبيين ليحكموا فيه بين المختلفين ؛ كما قال تعالى :﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً Zoy‰دn¨ur فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ ڑْïحچدe±u; مB وَمُنْذِرِينَ tAu"Rr&ur مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ... ﴾ (١) الآية، وذلك الاختلاف في الآراء والنِّحَل والأديان والمعتقدات المتعلقة بما يسعد الإنسان به، أو يشقى في الآخرة والدنيا.
هذا هو المراد من الآيات التي ذكر فيها الاختلاف الحاصل بين الخلق، إلا أن هذا الاختلاف الواقع بينهم على أوجه :
أحدها : الاختلاف في أصل النِّحلة :
وهو قول جماعة من المفسرين ؛ منهم : عطاء ؛ قال :﴿ وَلَا tbqن٩#u"tƒ ڑْüدےد=tGّƒèرحمه الله (١١٨) إِلَّا مَنْ رَحِمَ y٧ڑ/u' y٧د٩¨s%د!ur خَلَقَهُمْ ﴾ ؛ قال : اليهود والنصارى والمجوس والحنيفية، وهم الذين :﴿ رَحِمَ y٧ڑ/u' ﴾ الحنيفية (٢)، خرَّجه ابن وهب (٣)، وهو الذي يظهر لبادئ الرأي في الآية المذكورة.
وأصل هذا الاختلاف هو في التوحيد والتوجه للواحد الحقِّ سبحانه ؛ فإن الناس في عامة الأمر لم يختلفوا في أن لهم مُدَبِّراً يُدَبِّرهم، وخالقاً أوجدهم ؛ إلا أنهم اختلفوا في تعيينه على آراء مختلفة ؛ من قائل بالاثنين، أو بالخمسة، أو بالطبيعة، أو بالدهر، أو بالكوكب... إلى أن قالوا بالآدميين والشجر والحجارة، وما ينحتونه بأيديهم، ومنهم من أقرَّ بواجب الوجود الحق، لكن على آراء مختلفة - أيضاً -.
(١) سورة البقرة : ٢١٣.
(٢) الأثر : أخرجه عن عطاء : ابن جرير في تفسيره ٧/١٣٧، ١٣٨.
(٣) ابن وهب : هو أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم المصري الفقيه، صاحب التصانيف، كان ثقة فقيهاً حافظاً عابداً، توفي سنة ١٩٧هـ. [انظر : ميزان الاعتدال ٢/٥٢١-٥٢٣، تهذيب التهذيب ٦/٦٥-٦٧].

وقال - في موضع آخر - :" قال الراوي :" ثم مَلُّوا مَلَّة ؛ فقالوا : حدثنا شيئاً فوق الحديث ودون القرآن ؛ فنَزلت سورة يوسف " فيها آيات ومواعظ، وتذكيرات وغرائب تحثهم على الجد في طاعة الله، وتروح من تعب أعباء التكاليف مع ذلك ؛ فدُلُّوا على ما تضمن قصدهم مما هو خادم للضرورات، لا مما هو خادم لضد ذلك " (١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن سورة يوسف نزلت بسبب قول الصحابة : حدثنا حديثاً فوق الحديث ودون القرآن ؛ فنَزلت.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (٢).
وهو الذي يدل عليه حديث سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال :" أنزل على النبي - ﷺ - القرآن، قال : فتلاه عليهم زماناً، فقالوا : يا رسول الله، لو قصصت علينا ؛ فأنزل الله :﴿ الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴾ إلى قوله :﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ (٣) الآية، قال : ثم تلاه عليهم زماناً، فقالوا : يا رسول الله، لو حدثتنا ؛ فأنزل الله :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ د]ƒد‰utù:$# كِتَابًا $Ygخ٦"t±tF-B ﴾ (٤)... " (٥).
(١) الموافقات ٣/٥٢٢.
(٢) انظر : جامع البيان ٧/١٤٧، ١٤٨، أسباب النّزول، ص ٢٦٩، معالم التنْزيل ٤/٢١٢، التفسير الكبير ٩/١٨/٦٨، الجامع لأحكام القرآن ٥/٩/٧٩، مجموع الفتاوى ١٧/٣٩، ٤٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٤٨٣، ٤٨٤، الدر المنثور ٤/٤، ٥، لباب النقول ص ١٢٩، فتح القدير ٣/٤، ٦، روح المعاني ٦/٣٦٢، التحرير والتنوير ١٢/٥، ٦.
(٣) سورة يوسف : ١، ٢.
(٤) سورة الزمر : ٢٣.
(٥) أخرجه ابن جرير في تفسيره ٧/١٤٨.

١٢٧/٢ قال الشاطبي :" ومثله (١) ما خرَّجه مسلم (٢) عن سفيان (٣) ؛ قال :" سمعت رجلاً يسأل جابر بن يزيد الجعفي (٤) عن قوله :﴿ فَلَنْ yyuچِ/r& الْأَرْضَ ٤س®Lxm يَأْذَنَ لِي 'د١r& أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ مژِچyz tûüدJإ٣"utù:$# ﴾ ؛ فقال جابر : لم يجئ تأويل هذه الآية، قال سفيان : وكذب. قال الحميدي (٥) : فقلنا لسفيان : ما أراد بهذا ؟
(١) ومثله : أي ومثله في المتشابه الإضافي الذي حصل بسبب تقصير الناظر في الأدلة أو جهله بمواقع الأدلة - كما عند المعتزلة والخوارج -؛ ما جاء عن جابر الجعفي. [انظر : الموافقات ٣/٣١٧].
(٢) مسلم : هو الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري، كان ثقة إماماً حافظاً مصنفاً عالماً بالفقه، وهو صاحب صحيح مسلم، توفي سنة ٢٦١هـ. [انظر : سير أعلام النبلاء ١٢/٥٥٧-٥٨٠، تقريب التهذيب ص ٥٢٩].
(٣) سفيان : هو الإمام أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي، ثم المكي، كان ثقة حافظاً إماماً فقيها حجة، توفي سنة ١٩٨هـ. [انظر : صحيح مسلم بشرح النووي ١/١/١٠١، ١٠٢، سير أعلام النبلاء ٨/٤٥٤-٤٧٥، تهذيب التهذيب ٤/١٠٤-١٠٧].
(٤) جابر بن يزيد الجعفي : هو أبو عبد الله جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي رافضي، من أكبر علماء الشيعة، ضعيف في الرواية، توفي سنة ١٢٧هـ، وقيل غير ذلك. [انظر : ميزان الاعتدال ١/٣٧٩-٣٨٤، الكاشف ١/٢٨٨، تهذيب التهذيب ٢/٤١-٤٤].
(٥) الحميدي : هو الإمام الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي الحميدي، المكي، شيخ الحرم، كان ثقة حافظاً فقيهاً من أجل أصحاب ابن عيينة، توفي سنة ٢١٩هـ. [انظر : سير أعلام النبلاء ١٠/٦١٦-٦٢١، الكاشف ١/٥٠٢، تقريب التهذيب ص ٣٠٣].

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جمهور المفسرين (١).
وهذا هو الظاهر ؛ لأن التفسير منه ما يكون تفسيراً على اللفظ، ومنه ما يكون تفسيراً على المعنى، ولا تعارض بينهما ولا اختلاف إذا كانا صحيحين ؛ لاختلاف نوعي التفسير، ولذا فإن ابن الجوزي مع كثرة نصبه للخلاف لم يجعل بينهما خلافاً ؛ لاختلاف الأصلين، أو نوعي التفسير.
قال البغوي :" ﴿ قَارِعَةٌ ﴾ ؛ أي : نازلة وداهية تقرعهم من أنواع البلاء، أحياناً بالجدب، وأحياناً بالسلب، وأحياناً بالقتل والأسر " (٢).
قال ابن الجوزي :" فأما القارعة، فقال الزجاج : هي في اللغة : النازلة الشديدة تنْزل بأمر عظيم.
وفي المراد بِها ههنا قولان :
أحدهما : أنها عذاب من السماء، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني : السَّرايا والطلائع التي كان ينفذها رسول الله - ﷺ -، قاله عكرمة " (٣).
وقال القرطبي :" أي : لا يزال الكافرون تصيبهم داهية مهلكة ؛ من صاعقة كما أصاب أَرْبَدَ، أو من قتل، أو من أسر، أو جدب، أو غير ذلك من العذاب والبلاء " (٤).
وقال ابن القيم :" وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول : تفسير على اللفظ، وهو الذي ينحو إليه المتأخرون، وتفسير على المعنى، وهو الذي يذكره السلف، وتفسير على الإشارة والقياس، وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم " (٥).
(١) انظر : جامع البيان، بحر العلوم، معالم التنْزيل ٤/٣٢٠، الكشاف ٢/٢٨٩، المحرر الوجيز ٣/٣١٣، زاد المسير ٤/٢٥٤، التفسير الكبير ١٠/١٩/٤٣، الجامع لأحكام القرآن ٥/٩/٢١٠، فتح القدير ٣/٨٤، روح المعاني ٧/١٥٠، محاسن التأويل ٤/٤٥١.
(٢) معالم التنْزيل ٤/٣٢٠.
(٣) زاد المسير ٤/٢٥٤.
(٤) الجامع لأحكام القرآن ٥/٩/٢١٠.
(٥) التبيان في أقسام القرآن، ص ٥١.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جمهور من المفسرين (١).
وهذا هو الظاهر ؛ إذ لا يكون الشكر لله إلا بصرف ما أنعم عليك في مرضاته، وهذا من معاني الشكر، كما دلت عليه النصوص الشرعية، ومنها :
قوله تعالى :﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ (٢).
وقوله :﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ ِNن٣¯Ry‰ƒخ-{ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ 'د١#x‹tم لَشَدِيدٌ ﴾ (٣).
وقوله :﴿ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ 'دn١u' 'دTuqè=ِ٦u‹د٩ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ uچs٣x© فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ uچxےx. فَإِنَّ 'دn١u' @سة_xî ×Lqحچx. ﴾ (٤).
قال ابن القيم :" والشكر مبني على خمس قواعد : خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بِها، وأن لا يستعملها فيما يكره.
فهذه الخمس : هي أساس الشكر، وبناؤه عليها، فمتى عُدم منها واحدة ؛ اختل من قواعد الشكر قاعدة.
وكل من تكلم في الشكر وحَدِّه ؛ فكلامه إليها يرجع، وعليها يدور " (٥).
وقال القاسمي :" ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ ﴾ أي : نعمه، بصرفها إلى ما خلقت له ؛ كالعقل إلى تصحيح الاعتقاد فيه، واستعمال سائر النعم بمقتضاه " (٦).
(١) انظر : جامع البيان ٧/٤٢٠، معالم التنْزيل ٤/٣٣٧، الكشاف ٢/٣٩٤، التفسير الكبير ١٠/١٩/٦٨، الجامع لأحكام القرآن ٥/٩/٢٢٥، مدارج السالكين ٢/٢٥٤-٢٥٦، أنوار التنْزيل ١/٥١٣، التعريفات ص١٢٨، بصائر ذوي التمييز ٣/٣٣٤، تفسير الجلالين وحاشية الصاوي ٢/٤٤٧، معترك الأقران ٢/٣٧٨، روح المعاني ٧/١٨١، محاسن التأويل ٤/٤٦٤، تيسير الكريم الرحمن ٤/١٢٥.
(٢) سورة البقرة : ١٥٢.
(٣) سورة إبراهيم : ٧.
(٤) سورة النمل : ٤٠.
(٥) مدارج السالكين ٢/٢٥٤.
(٦) محاسن التأويل ٤/٤٦٤.

والشريعة المباركة المحمدية منَزلة على هذا الوجه، ولذلك كانت محفوظة في أصولها وفروعها (١) ؛ كما قال تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا uچّ. دe%!$# وَإِنَّا لَهُ tbqفàدے"utm: ﴾ ؛ لأنها ترجع إلى حفظ المقاصد التي بِها يكون صلاح الدارين، وهي : الضروريات، والحاجيات، والتحسينات، وقد قام البرهان القطعي على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها ؛ فلا إشكال في أنها علم أصيل، راسخ الأساس، ثابت الأركان " (٢).
وقال - في موضع ثالث - :" إن هذه الشريعة المباركة معصومة، كما أن صاحبها - ﷺ - معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة.
ويتبين ذلك بوجهين :
أحدهما : الأدلة الدالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً ؛ كقوله تعالى :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا uچّ. دe%!$# وَإِنَّا لَهُ tbqفàدے"utm: ﴾ " (٣).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن الحفظ المضمون في قوله :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا uچّ. دe%!$# وَإِنَّا لَهُ tbqفàدے"utm: ﴾ إنما المراد به حفظ أصول الدين الكلية، لا أن المراد المسائل الجزئية.
(١) في هذا الموضع الثاني : ذكر الشاطبي بأن الشريعة محفوظة في أصولها وفروعها، واستدل بقوله :﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا uچّ. دe%!$# وَإِنَّا لَهُ tbqفàدے"utm: ﴾ على ذلك، وفي الموضع الأول بيَّن بأن هذه الآية يراد بِها حفظ الأصول دون حفظ الفروع.
والذي يظهر : أنه يرى أن الآية تدل على حفظ الأصول دون حفظ الفروع ؛ لأنه صرَّح بذلك نفياً وإثباتاً - نفياً لحفظ الفروع، وإثباتاً لحفظ الأصول - في هذا الموضع وفي موضع آية المائدة. [انظر : ص ٢٨٣-٢٨٧] ولعل مراده بحفظ الفروع في آية الحجر : إنما هو من حيث إنها ترجع إلى أصل قطعي، ونفيه لها من حيث إنه لم ينص عليها كما نص على الأصول، وإنما يجتهد في استخراجها من الأصول.
(٢) الموافقات ١/١٠٧، ١٠٨.
(٣) الموافقات ٢/٩١.

المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن المراد بقوله :﴿ وَمِنْهَا ضچح !$y_ ﴾ أنها طرق البدع والضلالات.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كابن عباس (١)، والرازي (٢)، وابن تيمية (٣)، والقاسمي (٤)، وغيرهم (٥)، على أنها من الجائر عن السبيل.
وذهب بعض المفسرين إلى أن المراد بها : ملل الكفر ؛ كاليهودية، والنصرانية، وغيرها.
وممن ذهب إلى ذلك : ابن جرير (٦)، والسمرقندي (٧)، والبغوي (٨)، وابن عطية (٩)، والرازي (١٠).
والذي يظهر : أن الآية عامة في الملل وأهل البدع والضلال ؛ لأنها كلها جائرة عن طريق الحق، وإن اختلفت في مقدار هذا الجور، وهذا ما أشار إليه جماعة من المفسرين في هذا الموضع ؛ كالرازي، والقاسمي، وفي مواضع سابقة لجماعة من المفسرين (١١).
وإنما نص الشاطبي في هذا الموضع على أهل البدع والضلال ؛ لأنه أورد هذه الآية، مستدلاً بها على ذم القرآن للبدع.
قال الرازي :" ومن السبيل ما هو جائر غير قاصد للحق، وهو أنواع الكفر والضلال"(١٢).
(١) أخرجه عن ابن عباس: ابن جرير في تفسيره ٧/٥٦٥، وحسَّن إسناده : حكمت ياسين في التفسير الصحيح ٣/١٧٥.
(٢) انظر : التفسير الكبير ٩/١٠/١٨٤.
(٣) انظر : مجموع الفتاوى ٥/٢٠٨.
(٤) انظر : محاسن التأويل ٤/٥٠٦.
(٥) وغيرهم : كابن المبارك فيما نقله عنه البغوي في تفسيره ٥/١١، وابن الجوزي في تفسيره ٤/٣٢٨.
(٦) انظر : جامع البيان ٧/٥٦٤.
(٧) انظر : بحر العلوم ٢/٢٢٩.
(٨) انظر : معالم التنْزيل ٥/١١.
(٩) انظر : المحرر الوجيز ٣/٣٨١.
(١٠) انظر : التفسير الكبير ١٠/١٩/١٨٤.
(١١) انظر : ص ٤٨٨، ٤٨٩.
(١٢) التفسير الكبير ٩/١٠/١٨٤.

قوله تعالى: ﴿ إِنَّا !$uZّ٩u"Rr& إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾ (١).
وقوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا tAح"Ré& إِلَيْكَ مِنْ y٧خn/

' ﴾ (٢).

قال البغوي :" ﴿ !$uZّ٩u"Rr&ur إِلَيْكَ uچٍ٢دe%!$# لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا tAحh"çR ِNخkِژs٩خ) ﴾ (٣) أراد بالذكر : الوحي، وكان النبي - ﷺ - مبيِّناً للوحي، وبيان الكتاب يطلب من السنة " (٤).
وقال السعدي :" ﴿ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا tAحh"çR ِNخkِژs٩خ) ﴾ وهذا شامل لتبيين ألفاظه، وتبيين معانيه" (٥).
وقال الشنقيطي :" وقد ذكر الله - جل وعلا - في هذه الآية حكمتين من حكم إنزال القرآن على النبي - ﷺ - :
إحداهما : أن يبين للناس ما نزل إليهم في هذا الكتاب من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد، ونحو ذلك، وقد بين هذه الحكمة في غير هذا الموضع - أيضاً - ؛ كقوله :﴿ وَمَا $uZّ٩u"Rr& عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ﴾ (٦)، وقوله :﴿ !$¯Rخ) !$uZّ٩u"Rr& y٧ّ‹s٩خ) |="tGإ٣ّ٩$# بd،ysّ٩$$خ/ zNن٣َstGد٩ tû÷üt/ ؤ¨$¨Z٩$#... ﴾ الآية (٧).
الحكمة الثانية : هي التفكر في آياته والاتعاظ بها " (٨).

(١) سورة النساء : ١٠٥.
(٢) سورة المائدة : ٦٧، وانظر : ص٣٩٠، ٣٩١.
(٣) سورة النحل : ٤٤.
(٤) معالم التنْزيل ٥/٢١.
(٥) تيسير الكريم الرحمن ٤/٢٠٦.
(٦) سورة النحل : ٦٤.
(٧) سورة النساء : ١٠٥.
(٨) أضواء البيان ٣/٢٧٥.

وما ذهب إليه الشاطبي - من نفي الجهة في حق الله تعالى - ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كالرازي (١)، وأبي حيان (٢)، والألوسي (٣).
ومذهب أهل السنة والجماعة في لفظ ( الجهة ) : أنها من الألفاظ المجملة المحدثة التي لم يرد في الكتاب والسنة إثباتها ولا نفيها، فإطلاق القول بنفيها أو إثباتها ليس من مذهب أهل السنة والجماعة، ولا عليه دليل شرعي، ولكن يستفصل عن مراد قائلها : فإن أراد أن الله في جهة مخلوقة تحويه، فينفى عنه هذا المعنى ؛ لأن الله أعظم وأجل من أن تحويه جهة مخلوقة.
وإن أراد بالجهة أنه فوق المخلوقات، فهذا نثبته لله، ودلت عليه النصوص الشرعية، كما دل عليه العقل والفطرة (٤).
والذي يظهر أن مراد الشاطبي وغيره بنفي الجهة ؛ نفي الفوقية والعلو لله بذاته على خلقه، كما هو ظاهر في عقائدهم من إطلاق هذا اللفظ.
ونفي العلو والفوقية عن الله هو مذهب الجهمية والمعتَزلة والأشاعرة (٥).
وذهب جماعة من المفسرين إلى أن قوله تعالى :﴿ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ﴾ إلى أنه يدل على إثبات جهة العلو والفوقية لله تعالى، وهو مذهب أهل السنة والجماعة.
(١) انظر : التفسير الكبير ١٠/٢٠/٣٧، ٣٨.
(٢) انظر : البحر المحيط ٥/٤٨٣.
(٣) انظر : روح المعاني ٧/٣٩٦.
(٤) انظر : مجموع الفتاوى ٥/١٢-١٩، شرح العقيدة الطحاوية ص٢٨٢-٢٩٣.
(٥) انظر : مجموع الفتاوى ٥/١٢٢-١٢٧، الإمام الشاطبي عقيدته وموقفه من البدع وأهلها ص٢٣٤-٢٣٨، الإعلام بمخالفات الموافقات والاعتصام ص٤٧-٥٥، المفسرون بين التأويل والإثبات في آيات الصفات ٢/٩٥١-٩٥٤.

وهذا ما عليه جمهور المفسرين (١)، وأن هذا قبل أن تحرم الخمر ؛ لأن سورة النحل مكية.
قال ابن عطية :" والسَّكَر ما يسكر، هذا هو المشهور في اللغة " (٢).
وقال الشنقيطي :" جمهور العلماء على أن المراد بالسَّكَر في هذه الآية الكريمة : الخمر ؛ لأن العرب تطلق اسم السَّكَر على ما يحصل به اسم السكر، من إطلاق المصدر وإرادة الاسم" "وإذا عرفت أن الصحيح هو مذهب الجمهور، وأن الله امتن على هذه الأمة بالخمر قبل تحريمها، فاعلم أن هذه الآية مكية، نزلت بعدها آيات مدنية بينت تحريم الخمر " (٣).
وقال مناع القطان :" نزل قوله تعالى :﴿ وَمِنْ دN¨uچyJrO النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ #Xچx٦y™ وَرِزْقًا $·Z|،xm إِنَّ فِي y٧د٩¨sŒ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ في مقام الامتنان بنعمه سبحانه، وإذا كان المراد بالسَّكَر ما يسكر من الخمر، وبالرزق ما يؤكل من هاتين الشجرتين، كالتمر والزبيب - وهذا ما عليه جمهور المفسرين -، فإن وصف الرزق بأنه حسن، دون وصف السكر، يشعر بمدح الرزق والثناء عليه وحده دون السَّكَر " (٤).
وأما إذا قيل بأن المراد بالسَّكَر في الآية : الخل، أو هو اسم للعصير ما دام حلواً، فإن السَّكَر بهذا المعنى حسن ؛ كالرزق.
(١) نسبه للجمهور : السمرقندي في تفسيره ٢/٢٤١، والقرطبي في تفسيره ٥/١٠/٨٥، ٨٦، وأبو حيان في تفسيره ٥/٤٩٤، ٤٩٥، والشوكاني في تفسيره ٣/١٧٥، والشنقيطي في تفسيره ٣/٣٠٥، وانظر: معالم التنْزيل ٥/٢٨، ٢٩، أحكام القرآن لابن العربي ٣/١٣٢-١٣٦، المحرر الوجيز ٣/٤٠٥، البحر المحيط ٥/٤٩٤، ٤٩٥، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٢/٥٩٦، فتح القدير ٣/١٧٥، محاسن التأويل ٤/٥٢٩، التحرير والتنوير ١٣/١٦٣، أضواء البيان ٣/٣٠٥، دفع إيهام الاضطراب ص١٧٣-١٧٥.
(٢) المحرر الوجيز ٣/٤٠٥.
(٣) أضواء البيان ٣/٣٠٥.
(٤) مباحث في علوم القرآن ص١١٣، ١١٤.

ومنه إحسان القِتْلَة كما نبَّه عليه الحديث (١)، وإحسان الذبح إنما هو مندوب لا واجب، وقد يكون في الذبح من باب الواجب إذا كان هذا الإحسان راجعاً إلى تتميم الأركان والشروط، وكذلك العدل في عدم المشي بنعل واحدة (٢) ليس كالعدل في
أحكام الدماء والأمور وغيرها، فلا يصح إذاً إطلاق القول في قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ أنه أمر إيجاب أو أمر ندب، حتى يفصل الأمر فيه، وذلك راجع إلى نظر المجتهد تارة، وإلى نظر المكلف وإن كان مقلداً تارة أخرى، بحسب ظهور المعنى وخفائه " (٣).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أنه لا يصح إطلاق القول في قوله تعالى :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ أنه أمر إيجاب أو ندب، حتى يفصل الأمر فيه؛ لأنه ينقسم كل منهما بحسب المناطات.
وما ذهب إليه الشاطبي من كون العدل والإحسان يتفاوتان بحسب المناطات ؛ فهذا ظاهر؛ إذ لكل شيء منْزلته ومقامه في الشريعة.
(١) الحديث : أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل وتحديد الشفرة ٣/١٥٤٨، برقم ١٩٥٥، عن شداد بن أوس - مرفوعاً - بلفظ :" إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحد أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته"
(٢) كما جاء في صحيح البخاري، في كتاب اللباس، باب لا يمشي في نعل واحدة، ص١٠٣١، برقم ٥٨٥٥، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً- :" لا يمشي أحدكم في نعل واحدة، لينعلهما جميعاً أو ليُحفهما جميعاً ".
(٣) الموافقات ٣/٣٩٦.

وذهب بعض المفسرين (١) إلى أن الحياة الطيبة في الآية أنها في الآخرة.
والذي يدل عليه ظاهر الآية والنصوص الشرعية هو أنها في الدنيا ؛ لأن قوله :﴿ َOكg¨Ytƒح"ôfuZs٩ur Nèduچô_r& ﴾ مقابل لقوله :﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ Zo٤qu‹xm طَيِّبَةً ﴾ والقول بأنها كلها في الآخرة يكون تكراراً وتأكيداً، بخلاف ما إذا قيل بأن الحياة الطيبة في الدنيا وجزاء الأجر في الآخرة؛ فإنه تأسيس، والتأسيس أقوى من التأكيد، فيقدم عليه.
كما أنه موافق لقوله تعالى :﴿ فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ دouچ½zFy$# ﴾ (٢).
وفي مقابل عقوبة المعرضين كقوله تعالى :﴿ وَمَنْ uعuچôمr& عَنْ "حچٍ٢دŒ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ (٣).
ولا شك أن كمال الحياة الطيبة في الآخرة، ولكن هذا لا يعارض أن المراد بها هنا أنها في الدنيا.
قال أبو حيان :" والظاهر من قوله تعالى :﴿ فَلَنُحْيِيَنَّهُ Zo٤qu‹xm طَيِّبَةً ﴾ أن ذلك في الدنيا، وهو قول الجمهور، ويدل عليه قوله :﴿ َOكg¨Ytƒح"ôfuZs٩ur Nèduچô_r& ﴾ يعني في الآخرة " (٤).
(١) هذا القول مروي عن الحسن وقتادة ومجاهد وابن زيد، كما أخرجه عنهم ابن جرير في تفسيره ٧/٦٤٢.
(٢) سورة آل عمران : ١٤٨.
(٣) سورة طه : ١٢٤.
(٤) البحر المحيط ٥/٥١٦.

وهذا الرد على شرط الجواب في الجدل ؛ لأنه أجابهم بما يعرفون من القرآن الذي هو بلسانهم، والبشر هنا : جَبْر، وكان نصرانياً فأسلم (١)، أو سلمان (٢)،
وقد كان فارسياً فأسلم(٣)، أو غيرهما(٤)، ممن كان لسانه غير عربي باتفاق منهم"(٥).
الدّراسة :
(١) هذا القول : أخرجه ابن جرير في تفسيره ٧/٦٤٨، عن ابن إسحاق وعبد الله بن كثير، وأخرجه ابن جرير -أيضاً- في تفسيره ٧/٦٤٩ عن عبد الله بن مسلم الحضرمي - رضي الله عنه - بلفظ :" أنه كان لهم عبدان من أهل عير اليمن، وكانا طفلين، وكان يقال لأحدهما : يسار، والآخر جبر، فكانا يقرآن التوراة، وكان رسول الله - ﷺ - ربما جلس إليهما يتعلم منهما، فأنزل الله قوله تعالى :﴿ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ @'د١uچtم êْüخ٧-B ﴾ وصحح إسناده : ابن حجر في الإصابة ٢/٤/٢٠٧، وأخرجه الحاكم في المستدرك في كتاب التفسير، تفسير سورة النحل ٢/٣٨٩، برقم ٣٣٦٣، عن ابن عباس - رَضِيَ الله عَنْهُم - بلفظ :" قالوا : إنما يعلم محمداً عبد ابن الحضرمي، وهو صاحب الكتب، وصححه ووافقه الذهبي، وانظر : الصحيح المسند من أسباب النْزول ص١٤٠-١٤٢.
(٢) سلمان : هو الصحابي الجليل أبو عبد الله سلمان الفارسي، أصله من أصبهان، وقيل : من رامَهُرمُز، أسلم بالمدينة، وأول مشاهده الخندق، وهو الذي أشار بحفره، وكان من المعمرين توفي سنة ٣٤هـ، وقيل غير ذلك. [انظر: أسد الغابة ٢/٤١٧-٤٢١، الإصابة ٢/١/١١٣-١١٤، التقريب ص٢٤٦].
(٣) هذا القول : أخرجه ابن جرير في تفسيره ٧/٦٤٩ عن الضحاك وقد ردَّ هذا القول جماعة من المفسرين، كما سيأتي في الدراسة.
(٤) أو غيرهما : انظر : الأقوال الأخرى في جامع البيان ٧/٦٤٧-٦٤٩، النكت والعيون ٣/٢١٤، ٢١٥، زاد المسير ٤/٣٧٥، ٣٧٦، الجامع لأحكام القرآن ٥/١٠/١١٦، ١١٧.
(٥) الموافقات ٤/٢٢٤.

وقال - في موضع آخر - (١) :"قال الله تعالى :﴿ مَنْ uچxےں٢ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ
wخ) مَنْ onحچٍ٢é&... ﴾
الآية ؛ فأباح التكلم بكلمة الكفر، مع أن ترك ذلك أفضل عند جميع الأمة، أو عند الجمهور، وهذا جار في قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أن الأمر مستحب، والأصل مستتب، وإن أدى إلى الإضرار بالمال والنفس، لكن يزول الانحتام ويبقى ترتب الأجر على الصبر على ذلك " (٢).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ مَنْ uچxےں٢ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ onحچٍ٢é& وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ حچّےن٣ّ٩$$خ/ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ يدل على أن الله أباح للمكره التكلم بكلمة الكفر، مع أن ترك ذلك أفضل عند جميع الأمة، أو عند الجمهور.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جميع المفسرين (٣).
وهو ظاهر الآية، وتدل عليه النصوص الشرعية.
(١) في سياق حديثه : بأنه جاء في الشريعة الأمر بالوقوف مع مقتضى الأمر والنهي مجرداً، والصبر على حلوه ومرِّه، وإن انتهض موجب الرخصة، وأدلة ذلك لا تكاد تنحصر، ثم ذكر أمثلة على ذلك، ومنها : هذا المثال. [انظر: الموافقات ١/٤٩٨-٥٠١].
(٢) الموافقات ١/٥٠١.
(٣) انظر : جامع البيان ٧/٦٥٢، بحر العلوم ٢/٢٥٢، أحكام القرآن للهراسي ٢/٢٤٦، معالم التنْزيل ٥/٤٦، الكشاف ٢/٣٤٥، أحكام القرآن لابن العربي ٣/١٦٢، المحرر الوجيز ٣/٤٢٣، زاد المسير ٤/٣٧٨، التفسير الكبير ١٠/٢٠/٩٨، الجامع لأحكام القرآن ٥/١٠/١١٩، ١٢٤، البحر المحيط ٥/٥٢١، أنوار التنْزيل ١/٥٥٨، نظم الدرر ١١/٢٥٨، فتح القدير ٣/١٩٧، روح المعاني ٧/٤٧٣، محاسن التأويل ٤/٥٥٠-٥٥٢، التحرير والتنوير ١٣/٢٣٦-٢٣٨.

قال ابن عطية : و (التي) يريد بها الحالة والطريقة، وقالت فرقة :﴿ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ : لا إله إلا الله.
قال القاضي أبو محمد : والأول أعم، وكلمة الإخلاص وغيرها من الأقوال داخلة في الحال التي هي أقوم من كل حال تجعل بإزائها " (١).
وقال الزمخشري :" ﴿ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ للحالة التي هي أقوم الحالات وأسدها، أو للملة، أو للطريقة، وأيتهما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف، لما في إبهام الموصوف بحذفه من فخامة تفقد مع إيضاحه " (٢).
وقال البقاعي :" ﴿ لِلَّتِي ﴾ أي : للطرائق، والأحوال، والسنن التي ﴿ ﴾'دd مPuqّ%r& } من كل طريقة وسنة وحال دعا إليها كتاب من الكتب السماوية " (٣).
(١) المحرر الوجيز ٣/٤٤١.
(٢) الكشاف ٢/٣٥٣.
(٣) نظم الدرر ١١/٣٨٠، ٣٨١.

قوله تعالى :﴿ رُسُلًا tûïخژإe³t٦-B وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ (١).
وقوله :﴿ y٧د٩¨sŒ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ y٧د=ôgمB ٣"uچà)ّ٩$# بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ﴾ (٢).
وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّا Nكg"sYُ٣n=÷dr& بِعَذَابٍ مِنْ ¾د&ح#ِ٧s% لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ ٣"u"ّƒwUur ﴾ (٣).
قال ابن جرير :" وقوله :﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ ٤س®Lxm نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ ؛ يقول تعالى ذكره : وما كُنَّا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم" (٤).
وقال ابن تيمية :" فإن الله أخبر في كتابه أنه لا يعذب أحداً إلا بعد بلوغ الرسالة، قال تعالى: ﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ ٤س®Lxm نَبْعَثَ رَسُولًا ﴾ " (٥).
وقال ابن كثير :" قوله تعالى :﴿ $tBur $¨Zن. tûüخ/ةj‹yèمB ٤س®Lxm y]yèِ٦tR Zwqك™u' ﴾ إخبار عن عدله تعالى، وأنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه " (٦).
(١) سورة النساء : ١٦٥.
(٢) سورة الأنعام : ١٣١.
(٣) سورة طه : ١٣٤.
(٤) جامع البيان ٨/٥٠.
(٥) مجموع الفتاوى ١١/١٨٦.
(٦) تفسير القرآن العظيم ٣/٣١.

ذهب الشاطبي إلى أن قول ابن عباس : إن قوله تعالى :﴿ مَنْ كَانَ ك‰ƒحچمƒ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ ك‰ƒحچœR ﴾ ناسخ لقوله تعالى :﴿ مَنْ كَانَ ك‰ƒحچمƒ y^ِچxm دouچ½zFy$# ôٹح"tR لَهُ فِي ¾دmدOِچxm وَمَنْ كَانَ ك‰ƒحچمƒ y^ِچxm الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا ﴾ (١) ؛ بأن مراده بالنسخ هنا هو تقييد المطلق.
وما ذهب إليه الشاطبي - في بيان مراد ابن عباس بالنسخ في هذا الموضع بأنه تقييد المطلق- ؛ لم أجد مَن نصَّ عليه، إلا أنه يؤيد ما ذهب إليه الشاطبي ما يلي :
١ - أن بعض المفسرين وجه قول ابن عباس بالنسخ، بأن مراده بالنسخ بأنه مثله في المعنى(٢)، وهذا على فرض صحة الحديث إلى ابن عباس، وإلا فهو ضعيف كما سبق بيانه في الحاشية.
قال النحاس :" يجوز أن يتأول الحديث الأول أن يكون معناه : هذه على نسخة هذه، فيصح ذلك، وربما أغفل من لم ينعم النظر في مثل هذا، فجعل في الأخبار ناسخاً ومنسوخاً فلحقه الغلط " (٣).
٢ - أن أكثر المفسرين ذهبوا إلى أن الآيتين محكمتان، فلا نسخ فيهما (٤).
قال النحاس :" والقول الآخر : أنها غير منسوخة، وهو الذي لا يجوز غيره ؛ لأن هذا خبر، والأشياء كلها بإرادة الله تعالى " (٥).
(١) سورة الشورى : ٢٠.
(٢) انظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ص٢١٦، الإيضاح ص٤٠٤.
(٣) الناسخ والمنسوخ ص٢١٦.
(٤) انظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ص٢١٦، الإيضاح ص٤٠٤، أحكام القرآن لابن العربي ٣/١٨٣، الناسخ والمنسوخ لابن العربي ص٢٠٨، ٢٧٦ن ٢٧٧، زاد المسير ٧/١١٥، ناسخ القرآن ومنسوخة ص٥٠٤، الجامع لأحكام القرآن ٥/١٠/١٥٤، ٨/١٦/١٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٣٦، فتح القدير ٣/٢١٦، أضواء البيان ٣/٤٩٤، دفع إيهام الاضطراب ص١٥٣.
(٥) الناسخ والمنسوخ ص٢١٦.

وأما إذا قيل : بأن المراد بالروح هو جبريل، أو ملك من الملائكة، أو القرآن، أو عيسى، أو روح البدن هل هي محدثة مخلوقة أو قديمة (١) ؛ فإن الآية جواب عما سألوا ؛ إذ هذه الأشياء معروفة، فجبريل، أو ملك من الملائكة، أو عيسى بن مريم، أو الروح بمعنى مخلوقة ومحدثة ؛ كلها من أمر الله وخلقه، وأما القرآن فهو من أمر الله ووحيه الذي أنزل على محمد - ﷺ -، وليس من محمد - ﷺ - (٢).
قال ابن العربي :" قال ابن وهب عن مالك : لم يأته في ذلك جواب " (٣).
وقال ابن عطية :" واختلف الناس في الروح المسؤول عنه، أي روح هو ؟ فقالت فرقة هي الجمهور : وقع السؤال عن الروح التي في الأشخاص الحيوانية ما هي ؟ فالروح اسم جنس على هذا، وهذا هو الصواب، وهو المشكل الذي لا تفسير له " (٤).
ثم ذكر ابن عطية الأقوال الأخرى في الآية، وهي : جبريل، وعيسى بن مريم، وملك له سبعون ألف وجه، والقرآن، ثم قال عنها :" وهذه كلها أقوال مفسرة " (٥).
وقال الشوكاني :" وقد اختلف الناس في الروح المسؤول عنه، فقيل : هو الروح المدبر للبدن الذي تكون به حياته، وبهذا قال أكثر المفسرين.
(١) انظر : جامع البيان ٨/١٤٢، ١٤٣، النكت والعيون ٣/٢٦٩-٢٧١، زاد المسير ٥/٦٠، ٦١.
(٢) انظر : أحكام القرآن للجصاص ٣/٢٦٩، ٢٧٠، النكت والعيون ٣/٢٦٩-٢٧١، المحرر الوجيز ٣/٤٨١، ٤٨٢، زاد المسير ٥/٦٠، ٦١، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٦٤، ٦٥، محاسن التأويل ٤/٦٢٠-٦٢٩، التحرير والتنوير ١٤/١٥٣-١٥٨.
(٣) أحكام القرآن ٣/٢١٥.
(٤) المحرر الوجيز ٣/٤٨١.
(٥) المحرر الوجيز ٣/٤٨١، ٤٨٢.

ذكر الشاطبي أن قوله تعالى :﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ... ﴾ الآية، استدل به على أن أصحاب الكهف ﴿ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ ؛ لأن الله تعالى حكم على القولين السابقين في قوله :﴿ سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ بأنها من رجم الغيب، ثم حكى القول الثالث ولم يتبعه بإبطال ؛ بل سكت عنه، وهو قوله: ﴿ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ ؛ فدل على صحته دون القولين السابقين.
وما ذكره الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (١).
قال ابن تيمية :" اشتملت هذه الآية الكريمة على الأدب في هذا المقام، وتعليم ما ينبغي في مثل هذا، فإنه تعالى أخبر عنهم بثلاثة أقوال، ضَعَّف القولين الأولين، وسكت عن الثالث، فدل على صحته ؛ إذ لو كان باطلاً لرده كما ردَّهما " (٢).
وقال ابن كثير :" يقول تعالى مخبراً عن اختلاف الناس في عدة أصحاب الكهف، فحكى ثلاثة أقوال، فدل على أنه لا قائل برابع.
(١) نسبه للأكثر : الرازي في تفسيره ١١/٢١/٩٠، والقاسمي في تفسيره ٥/١٨. وانظر : معالم التنْزيل ٥/١٦١، ١٦٢، الكشاف ٢/٣٨٥، التفسير الكبير ١١/٢١/٩٠، ٩١، مدارك التنْزيل ٢/١٠، ١١، مجموع الفتاوى ١٣/٣٦٧، التسهيل ١/٥٠٦، البحر المحيط ٦/١٠٩، ١١٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٨٢، أنوار التنْزيل ٢/٨، نظم الدرر ١٢/٤٢، تفسير الجلالين ٣/١٧، فتح القدير ٣/٢٧٨، روح المعاني ٨/٢٢٨، محاسن التأويل ٥/١٨، ١٩، تيسير الكريم الرحمن ٥/٢٣، أضواء البيان ٤/٧٥.
(٢) مجموع الفتاوى ١٣/٣٦٧.

وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى :﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ "حچّBr& ﴾ لا يدل على نبوة الخضر، وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى: ﴿ !$uZّٹxm÷rr&ur إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ﴾ (١)، ﴿ ٤'xm÷rr&ur y٧ڑ/u' إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ ةA$t٦إgù:$# بُيُوتًا ﴾ (٢) (٣).
والذي يظهر أن الآية تدل على نبوته ؛ إذ نفى اجتهاده ورأيه، فدل على أن الله أمره به وأوحاه إليه، ومثل هذه الأفعال العظيمة الثلاث لا تكون إلهاماً لولي، وإنما هي وحي وشريعة، وهذا إنما يكون للأنبياء.
كما يؤيد هذا الآياتُ الأخرى في القصة ؛ كقوله تعالى :﴿ فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا çm"sY÷ s؟#uن رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا çm"sY÷K¯=tوur مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا ﴾ (٤)، فوصف الخضر بأنه أوتي علماً، وليس إلهاماً.
ومع كل ذلك : فإنه لا يُقطع بنبوته ؛ إذ لم يظهر نص قاطع بنبوته أو عدمها (٥).
قال ابن عطية :" وقول الخضر :﴿ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ "حچّBr& ﴾ يقتضي أن الخضر نبي"(٦).
(١) سورة القصص : ٧.
(٢) سورة النحل : ٦٨.
(٣) وممن ضعف هذا الاستدلال : الرازي في تفسيره ١١/٢١/١٢٧، والسعدي في تفسيره ٥/٦٥، ٦٦، وأما عدم نبوة الخضر فقد نسب القول به إلى جمهور العلماء : البغوي في تفسيره ٥/١٨٨، وابن تيمية في مجموع الفتاوى ٤/٣٣٨، وانظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/١٠٥.
(٤) سورة الكهف : ٦٥.
(٥) انظر : المحرر الوجيز ٣/٥٢٩، ٥٣٠، ٥٣٧، الجامع لأحكام القرآن ٦/١١/١٢، ٢٠، التسهيل ١/٥١٨، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/١٠٥، البداية والنهاية ٢/٢٤٨، ٢٤٩، فتح الباري ٦/٤٣٤، ٤٣٥، أضواء البيان ٤/١٥٨، ١٥٩، ١٦٢.
(٦) المحرر الوجيز ٣/٥٣٧.

فقد يجتمع التفسيران في الآية : تفسير سعد (١) بأنهم اليهود والنصارى(٢)، وتفسير علي (٣) بأنهم أهل البدعة (٤) ؛ لأنهم قد اتفقوا على الابتداع، ولذلك فسَّر
كُفْر النصارى بأنهم تأولوا في الجنة غير ما هي عليه، وهو التأويل بالرأي " (٥).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن الله تعالى لما وصف الأخسرين أعمالاً بالضلال مع ظنهم الاهتداء في قوله تعالى ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي دo٤quٹutù:$# الدُّنْيَا ﴾ ؛ دل هذا على أن الآية عامة في المبتدعين في أعمالهم، فيدخل فيها اليهود والنصارى وأهل البدع.
(١) سعد : هو الصحابي الجليل أبو إسحاق سعد بن أبي وقاص مالك بن وهيب القرشي الزهري، أحد العشرة. وآخرهم وفاة، وأول من رمى بسهم في سبيل الله، وأحد الستة أهل الشورى، شهد بدراً والمشاهد كلها، وكان رأس من فتح العراق، وكان مستجاب الدعوة، ومناقبه كثيرة، توفي بالعقيق سنة ٥٥هـ على المشهور. [انظر : أسد الغابة ٢/٣٦٦-٢٦٩، الإصابة ٢/٣/٨٣-٨٥].
(٢) الأثر : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب قوله :﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ ص٨٢٢، برقم ٤٧٢٨، من رواية مصعب بن سعد قال :" سألت أبي :﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ هم الحرورية ؟ قال : لا، هم اليهود والنصارى ".
(٣) علي : هو الصحابي علي بن أبي طالب، وقد سبقت ترجمته، انظر : ص ٣٩٥.
(٤) الأثر : أخرجه ابن جرير في تفسيره ٨/٢٩٤، من رواية أبي الطفيل قال :" سأل عبد الله بن الكواء علياً عن قوله :﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ﴾ قال : أنتم يا أهل حروراء "، وصحح إسناده محقق الاعتصام أبو عبيدة. [انظر : الاعتصام ١/٩٤].
(٥) الاعتصام ١/٩٥.

وما ذهب إليه الشاطبي - بأن الآية لا نسخ فيها باصطلاح المتأخرين - ؛ لم أجد أحداً نبَّه على هذا.
ولكن يؤيد ما ذهب إليه الشاطبي : أن جماعة من المفسرين أنكروا القول بالنسخ في هذا الموضع، وردوه، وجعلوه من باب البيان لا النسخ.
وممن ذهب إليه : مكي بن أبي طالب (١)، وابن العربي (٢)، وابن الجوزي (٣)، والقرطبي(٤)، وغيرهم (٥).
كما سبق -أيضاً- بيان مراد السلف بالنسخ، وأنه أعم مما يطلقه الأصوليون والمتأخرون(٦).
قال مكي بن أبي طالب :" قوله تعالى :﴿ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا... ﴾ الآية.
قال قوم : إنه منسوخ بقوله :﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى... ﴾ الآية (٧)، ولا يحسن هذا ؛ لأنه خبر لا يجوز نسخه.
وأيضاً : فإن النسخ إزالة الحكم كله، وهذا لا يزول حكمه كله، لا بد من ورود خلق كثير إلى النار، ولكنه تخصيص وبيان أن من سبقت له الحسنى لا يَرِدها، وهذا إنما يكون على قول من قال : الورود لازم للجميع، ثم يُبْعَدُ منها منهم مَن سبقت له الحسنى.
فأما من قال : إن الآية في الورود للكفار خاصة، فلا تخصيص فيها ولا نسخ " (٨).
(١) انظر : الإيضاح ص٣٤٥-٣٤٦.
(٢) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن العربي ص٢٢٤، ٢٢٥.
(٣) انظر : ناسخ القرآن ومنسوخة ص٤٦٢، ٤٦٣.
(٤) انظر : الجامع لأحكام القرآن ٦/١١/٩٤.
(٥) انظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ص١٨٢، المحرر الوجيز ٤/٣٧.
(٦) انظر : ص٢١١، ٢١٢.
(٧) سورة الأنبياء : ١٠١.
(٨) الإيضاح ص٣٤٥، ٣٤٦.

ذهب الشاطبي إلى أن تفسير قوله تعالى :﴿ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ﴾ بأنه إشارة إلى خلع الكونين، أو أن المعنى: اخلع الكل منك تصل إلينا بالكلية، أو أن النعل هو النفس ونحوها من التفاسير ؛ بأن هذه التفاسير لم تنقل عن السلف، وخارجة عما تفهمه العرب، وأنها دعوى لا دليل عليها في مراد الله بكلامه.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين (١)؛ من حيث إنه لم يقل به أحد من المفسرين المُعتبرين، ولم ينقله أحدٌ منهم عن السلف. وهو مردود لوجوه، منها :
الوجه الأول : أنه لا دليل عليه من الكتاب والسنة وتفاسير السلف.
الوجه الثاني : أن تفاسير السلف والمفسرين قائمة على سبب خلع النعلين الحقيقيين (٢).
الوجه الثالث : أن هذا التفسير لا تدل عليه اللغة، وخارج عما تفهمه العرب من كلامها ؛ إذ يطلق النعل على معانٍ كثيرة، ليس منها ما ذكروا (٣).
الوجه الرابع : أن بعض المفسرين ذكر بعض هذه التفاسير وردها ونسبها إلى تفاسير الصوفية الباطنية، أو إلى بدع التفسير ونحوها.
(١) انظر : جامع البيان ٨/٣٩٦، ٣٩٧، أحكام القرآن للجصاص ٣/٢٨٧، النكت والعيون ٣/٣٩٦، معالم التنْزيل ٥/٢٦٦، أحكام القرآن لابن العربي ٣/٢٥٣، ٢٥٤، المحرر الوجيز ٤/٣٩، زاد المسير ٥/٢٠٣، التفسير الكبير ١١/٢٢/١٦، الجامع لأحكام القرآن ٦/١١/١١٦، البحر المحيط ٦/٢١٦، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/١٥١، فتح القدير ٣/٣٥٨، روح المعاني ٨/٤٧١.
(٢) جاء في اللغة إطلاق النعل على الزوجة، ولذا ذكر بعض المفسرين قولاً في الآية غير منسوب لأحد بأن المراد تفريغ قلبك من الأهل والزوجة، وهذا القول ذكر الشوكاني في تفسيره ٣/٣٥٨ بأنه من بدع التفاسير، وذكر الألوسي في تفسيره ٨/٤٨٤ بأنه ضعيف.
(٣) انظر : القاموس المحيط ص١٣٧٤، مادة "نعل".

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ هو ظاهر الآيات ؛ إذ يعلم بأن السحرة مبطلون وأنه على الحق، ويدل على هذا قوله لهم :﴿ مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا كxد=َءمƒ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ (١).
﴿ وَيْلَكُمْ لَا (#rمژyIّےs؟ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٣"uژyIّù$# ﴾ (٢)، وأما كونه غير عالم بالسحر ؛ فهذا أبعد عن التهمة والرِّيبة والقدح، كما هي حال الأنبياء والمرسلين.
وأما قول الشاطبي :" ولو كان عالماً به لم يخف، كما لم يخف العالمون به وهم السحرة " : فهذا على رأي من يرى أن الخوف الذي وقع له إنما هو الخوف بمقتضى الطبع البشري لما رأى من سحرهم وتخييلهم، كما ذهب إليه بعض المفسرين ؛ كالسعدي (٣).
والرأي الثاني : أن الخوف إنما هو من باب خوفه على الناس أن يلتبس عليهم أمره وأمر السحرة فلا يؤمنوا به، كما ذهب إليه بعض المفسرين، كابن الجوزي (٤)، وابن كثير(٥).
وهما رأيان محتملان في قوله تعالى :﴿ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ ÷L؟eحچَsإ™ $pk®Xr& تَسْعَى (٦٦) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ Zpxے‹½z ٤سy›q-B (٦٧) قُلْنَا لَا تَخَفْ y٧¯Rخ) أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾.
وكثير من المفسرين ذكروهما جميعاً من غير ترجيح (٦).
(١) سورة يونس : ٨١.
(٢) سورة طه : ٦١.
(٣) انظر : تيسير الكريم الرحمن ٥/١٧٠.
(٤) انظر : زاد المسير ٥/٢٢٤.
(٥) انظر : تفسير القرآن العظيم ٣/١٦٦، البداية والنهاية ٢/٧٤، وانظر : تفسير الجلالين ٣/٩٩.
(٦) انظر : بحر العلوم ٢/٣٤٩، النكت والعيون ٣/٤١٣، معالم التنْزيل ٥/٢٨٣، الكشاف ٢/٤٤٠، التفسير الكبير ١١/٢٢/٧٢، ٧٣، الجامع لأحكام القرآن ٦/١١/١٤٨، مدارك التنْزيل ٢/٤٤٠، البحر المحيط ٦/٢٤١، أنوار التنْزيل ٢/٥٢، فتح القدير ٣/٣٧٤، روح المعاني ٨/٥٣٨، محاسن التأويل ٥/١٠٨.

ذهب الشاطبي إلى أن من فسّر غَوَى في قوله تعالى :﴿ وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى ﴾ بأنه تخم من أكل الشجرة، أخذاً من قول العرب : غوي الفصيل يَغْوَى غوىً ؛ إذا بشم من شرب اللبن ؛ بأن هذا التفسير فاسد من جهة اللفظ ؛ لأن غوي الفصيل على وزن فَعِل، والذي في القرآن على وزن فَعَل.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ - من رده لهذا التفسير - ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين ؛ كابن قتيبة (١)، والزمخشري (٢)، والعكبري (٣)، وغيرهم (٤).
كما أن أكثر المفسرين على أن معنى ﴿ فَغَوَى ﴾ بمعنى أخطأ وضل ونحوها، وليس بمعنى تخم(٥).
والذي يظهر أن هذا القول مبني على قراءة ﴿ فَغَوِي ﴾ بالياء وكسر الواو، وهي قراءة شاذة.
قال ابن الجوزي :" قال ابن الأنباري : وقد غلط بعض المفسرين، فقال : معنى غوى : أكثر مما أكل من الشجرة حتى بشم، كما يقال : غوي الفصيل ؛ إذا أكثر من لبن أمه فبشم فكاد يهلك، وهذا خطأ من وجهين :
أحدهما : أنه لا يقال من البَشَم : غَوَى يَغْوِي، وإنما يقال : غَوي يَغْوَى.
والثاني : أن قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا ذَاقَا nouچyf¤±٩$# ﴾ يدل على أنهما لم يكثرا، ولم تتأخر عنهما العقوبة حتى يصلا إلى الإكثار " (٦).
(١) انظر : الاختلاف في اللفظ ص٣٦.
(٢) انظر : الكشاف ٢/٤٥٠.
(٣) انظر : إملاء ما من به الرحمن ص٤٢٤.
(٤) كابن الأنباري فيما نقله عنه ابن الجوزي في تفسيره ٥/٢٤٢، ٢٤٣.
(٥) نسبه للأكثر : الثعلبي في تفسيره ٦/٢٦٤. وانظر : الكشاف ٢/٤٥٠، المحرر الوجيز ٤/٦٨، زاد المسير ٥/٢٤٢، ٢٤٣، التفسير الكبير ١١/٢٢/١١١، الجامع لأحكام القرآن ٦/١١/١٧٠، مدارك التنْزيل ٢/٧٦، البحر المحيط ٦/٢٦٤، ٢٦٥، الدر المصون ٨/١٥٥، أنوار التنْزيل ٢/٦٠، روح المعاني ٨/٥٨٢، التحرير والتنوير ١٦/١٩٦.
(٦) زاد المسير ٥/٢٤٢، ٢٤٣.

وهذا هو الظاهر ؛ إذ أنها قضية واحدة خُص سليمان بفهمها مع كونهما أوتيا حكماً وعلماً، ومثلها قصة اختلاف المرأتين اللتين سرق الذئب ابن إحداهما، وادعاء كل منهما أن ابن الأخرى هو المسروق، فقضى به داود للكبرى، وسليمان للصغرى (١).
قال الماوردي :" وفي حكمهما قولان :
أحدهما : أنه كان متفقاً لم يختلفا فيه..." " وهذا قول شاذ من المتكلمين.
والقول الثاني : وهو قول الجمهور من العلماء والمفسرين أن حكمهما كان مختلفاً أصاب فيه سليمان، وأخطأ داود... " " فرجع داود إلى قضاء سليمان فحكم به، فقال الله تعالى: ﴿ $yg"sYôJ£gxےsù سُلَيْمَانَ ﴾ فجعل الحق معه وفي حكمه، ولا يمتنع وجود الغلط والخطأ من الأنبياء كوجوده من غيرهم، لكن لا يقرون عليه وإن أقر عليه غيرهم " (٢).
(١) ولفظ الحديث :" كانت امرأتان معهما ابناهما، جاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت لصاحبتها : إنما ذهب بابنك، فقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك، فتحاكمتا إلى داود - عليه السلام - فقضى به للكبرى، فخرجتا على سليمان بن داود - عليهما السلام - فأخبرتاه، فقال : ائتوني بالسكين أشقه بينهما، فقالت الصغرى : لا تفعل - يرحمك الله - هو ابنها، فقضى به للصغرى " أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الفرائض، باب: إذا ادعت المرأة ابناً، ص١١٦٧، برقم ٦٧٦٩، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً.
(٢) النكت والعيون ٣/٤٥٧.

من دون الله كلهم النار ؛ لأن النسخ إزالة الحكم الأول، وحلول الثاني محله، ولا يجوز زوال الحكم الأول في هذا بكليته، إنما زال بعضه، فهو تخصيص وبيان)(١)"(٢).
وقال -في موضع آخر-(٣) :" وأما قوله :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ... ﴾ الآية، فقد أجاب الناس عن اعتراض ابن الزِّبَعْرَى (٤) فيها بجهله بموقعها(٥)،
(١) الإيضاح ص٣٥١.
(٢) الموافقات ٣/٣٦١-٣٦٣.
(٣) أورده في سياق رده على من قال بأن المعتبر في العموم هو العموم اللفظي أو اللغوي، والشاطبي يرى بأن المعتبر في العموم هو العموم الاستعمالي، وعلى هذا فالتخصيص ونحوه عند الشاطبي بيان، وليس استثناء من العموم كما هو عند الأصوليين، وردَّ هنا في هذا الموضع على من استدل بفهم ابن الزبعري للعموم اللفظي في قوله :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ـ=|ءxm جَهَنَّمَ ﴾ وأنه يشمل الملائكة والمسيح ؛ بأن استدلال ابن الزبعري مخالف لسياق الآية، وفيه غفلة عما قصد في الآيات. [انظر : الموافقات ٤/٢٤-٣٢].
(٤) ابن الزِّبَعْرَي : هو الصحابي عبد الله بن الزبعري بن قيس القرشي السهمي، من أشد الناس على رسول الله - ﷺ - في الجاهلية وعلى أصحابه بلسانه ونفسه، وكان يناضل عن قريش ويهاجي المسلمين، وكان من أشعر قريش، ثم أسلم بعد الفتح وحسن إسلامه. [انظر : أسد الغابة ٣/٢٣٦، ٢٣٧، الإصابة ٢/٣/٦٨].
(٥) اعتراض ابن الزبعري : أنه قال :" يا محمد أليس فيما أنزل الله عليك :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ـ=|ءxm جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا ڑcrكٹح'¨ur ﴾ قال : نعم، قال : فهذه النصارى تعبد عيسى، وهذه اليهود تعبد عزيراً، وهذه بنو تميم تعبد الملائكة، فهؤلاء في النار ؟ فأنزل الله - عز وجل - ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ﴾ ".. أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ١٢/١١٨، برقم ١٢٧٣٩، من طريق أبي زين عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، قال عنه الهيثمي في المجمع ٤/٧/٦٩ :"رواه الطبراني، وفيه عاصم بن بهدلة، وقد وثق، وضعفه جماعة". وأخرجه ابن حجر في موافقة الخبر الخبر ٢/١٧٢، ١٧٣، من طريق عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وقال عنه: " هذا حديث حسن".

وما جاء عن السلف والمفسرين من أقوال في تفسير المراد بالإلحاد (١) ؛ فهي داخلة في الإلحاد ؛ إذ أنها من باب التمثيل لا الحصر - إذا كانت من المنهيات -.
قال الزجاج :" ومعنى الإلحاد في اللغة : العدول عن القصد " (٢).
وقال ابن عطية :" والإلحاد : الميل، وهذا الإلحاد والظلم يجمع جميع المعاصي من الكفر إلى الصغائر " (٣).
وقال أبو حيان :" وقال ابن عباس : الإلحاد هنا : الشرك، وقال - أيضاً - : هو استحلال الحرام. وقال مجاهد : هو العمل السيء فيه. وقال ابن عمر : لا والله، وبلى والله؛ من الإلحاد. وقال حبيب بن أبي ثابت : الحكر بمكة من الإلحاد بالظلم.
والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل، لا على الحصر ؛ إذ الكلام يدل على العموم "(٤).
وقال الشنقيطي :" والمراد بالإلحاد في الآية : أن يميل ويحيد عن دين الله الذي شرعه، ويعم ذلك كل ميل وحيدة عن الدين، ويدخل في ذلك دخولاً أولياً : الكفر بالله، والشرك به في الحرم، وفعل شيء مما حرمه، وترك شيء مما أوجبه، ومن أعظم ذلك : انتهاك حرمات الحرم..." ثم قال :"الذي يظهر في هذه المسألة: أن كل مخالفة بترك واجب، أو فعل محرم؛ تدخل في الظلم المذكور، وأما الجائزات؛ كعتاب الرجل امرأته، أو عبده؛ فليس من الإلحاد، ولا من الظلم" (٥).
(١) انظر : جامع البيان ٩/١٣٠-١٣٢، معالم التنْزيل ٥/٣٧٧، ٣٧٨.
(٢) معاني القرآن ٣/٤٢١.
(٣) المحرر الوجيز ٤/١١٦.
(٤) البحر المحيط ٦/٣٣٧.
(٥) أضواء البيان ٥/٥٨، ٥٩.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين (١).
وتدل عليه النصوص الشرعية التي أوردها الشاطبي، وغيرها من النصوص(٢)، كقوله - ﷺ - :" إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه " (٣).
قال ابن القيم :" أخبرهم تعالى أنه يسر عليهم دينهم غاية التيسير، ولم يجعل عليهم فيه من حرج ألبتة " (٤).
وقال الصاوي :" قوله :﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ ٨luچxm ﴾ ؛ المراد بالدين أصوله وفروعه، حيث لم يشدد عليهم كما شدد على من قبلهم " (٥).
وقال القاسمي :" ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ ٨luچxm ﴾ ؛ أي : في جميع أمور الدين من ضيق، بتكليف ما يشق القيام به، كما كان على من قبلنا، فالتعريف في ﴿ الدِّينِ ﴾ للاستغراق" (٦).
وقال الشنقيطي :" وما تضمنته هذه الآية الكريمة والآيات التي ذكرنا معها من رفع الحرج والتخفيف في شريعة نبينا - ﷺ - ؛ هو إحدى القواعد الخمس التي بني عليها الفقه الإسلامي"(٧).
(١) انظر : جامع البيان ٩/١٩٢، ١٩٣، بحر العلوم ٢/٤٠٥، معالم التنْزيل ٥/٤٠٣، الكشاف ٣/٤١، المحرر الوجيز ٤/١٣٥، التفسير الكبير ١٢/٢٣/٦٤، الجامع لأحكام القرآن ٦/١٢/٦٧، مدارك التنْزيل ٢/١٢٧، البحر المحيط ٦/٣٦١، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٢٤٦، ٢٤٧، أنوار التنْزيل ٢/٩٨، حاشية الصاوي ٣/١٨٦، ١٨٧، فتح القدير ٣/٤٧١، روح المعاني ٩/١٩٩، محاسن التأويل ٥/٢٢٣، تيسير الكريم الرحمن ٥/٣٣٠، أضواء البيان ٥/٧٤٨، ٧٤٩.
(٢) انظر : أضواء البيان ٥/٧٤٨، ٧٤٩، الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية ص١٥٧-١٦٠.
(٣) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب : الدين يسر ص٩، ١٠، برقم ٣٩، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٤) بدائع التفسير ٣/٢٢٣.
(٥) حاشية الصاوي ٣/١٨٦.
(٦) محاسن التأويل ٥/٢٢٣.
(٧) أضواء البيان ٥/٧٤٨، ٧٤٩.

إحداها - وهي الآكد في المقام - : بيان الأوصاف المكتسبة للعبد التي إذا اتصف بها رفعه الله وأكرمه، وذلك قوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ... ﴾ إلى قوله :﴿ هُمْ فِيهَا tbrà$ح#"yz ﴾ (١).
والثانية : بيان أصل التكوين للإنسان وتطويره الذي حصل له جارياً على مجاري الاعتبار والاختيار ؛ بحيث لا يجد الطاعن إلى الطعن على من هذا حاله سبيلاً.
والثالثة : بيان وجوه الإمداد له من خارج بما يليق به في التربية والرفق، والإعانة على إقامة الحياة، وأن ذلك له بتسخير السموات والأرض وما بينهما، وكفى بهذا تشريفاً وتكريماً.
ثم ذكرت قصص من تقدم مع أنبيائهم واستهزائهم بهم بأمور، منها : كونهم من البشر، ففي قصة نوح مع قومه قولهم :﴿ مَا هَذَا إِلَّا ضژ|³o٠ مِثْلُكُمْ ك‰ƒحچمƒ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ ﴾ (٢).
ثم أجمل ذكر قوم آخرين أرسل فيهم رسولاً منهم ؛ أي : من البشر لا من الملائكة، فقالوا :﴿ مَا هَذَا إِلَّا ضژ|³o٠ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ... ﴾ الآية (٣).
﴿ وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ #[ژ|³o٠ مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا tbrمژإ£"y‚©٩ ﴾ (٤).
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ ٣"uژyIّù$# عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ﴾ أي : هو من البشر (٥).
ثم قال تعالى :﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا $sYn=ك™â' تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ ﴾ (٦).
فقوله :﴿ رَسُولُهَا ﴾ مشيراً إلى أن المراد : رسولها الذي تعرفه منها.
(١) سورة المؤمنون : ١-١١.
(٢) سورة المؤمنون : ٢٤.
(٣) سورة المؤمنون : ٣٣.
(٤) سورة المؤمنون : ٣٤.
(٥) سورة المؤمنون : ٣٨.
(٦) سورة المؤمنون : ٤٤.

" (١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أنه روي أن الصحابة كانوا يلتفتون في الصلاة؛ حتى نزل قوله تعالى :﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي ِNخkجEںx|¹ خَاشِعُونَ ﴾.
وهذه الرواية التي ذكرها الشاطبي في نزول الآية ضعيفة ؛ لأنها مرسلة - كما سبق بيان ذلك في تخريجها -.
وإيراد الشاطبي لها بصيغة التمريض (روي) يدل - فيما يظهر - على تضعيفه لها.
كما أن ما جاء في الروايات الأخرى بأنها نزلت في رفع النبي - ﷺ - بصره إلى السماء ونحو ذلك؛ فهو ضعيف - أيضاً - ؛ لأنه مرسل - كما سبق بيان ذلك في تخريجها -.
قال ابن العربي :" وقوله تعالى :﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي ِNخkجEںx|¹ خَاشِعُونَ ﴾ ذكروا عن ابن سيرين أن النبي - ﷺ - كان ينظر إلى السماء في صلاته، فلما نزلت هذه الآية ترك ذلك، ونظر حيث يسجد، وروي عن غيره أن المؤمنين كانوا يلتفتون في الصلاة، ويتكلمون، فنسخ الله ذلك، وحديث ابن سيرين باطل، وما روى غيره لا أصل له " (٢).
وقال - أيضاً - :" وكان سبب نزولها في رواية محمد : أن النبي - ﷺ - كان يقلب بصره في السماء إذا صلى، فنَزلت آية. قال محمد : إن لم تكن ﴿ tûïد%©!$# ِNèd 'خû ِNخkجEںx|¹ tbqمèد±"yz ﴾ فلا أدري أيَّة آية هي ؟
قال القاضي : هو محمد بن سيرين، وهذا الحديث مقطوع مظنون، فمقصوده غير مقطوع"(٣).
(١) الموافقات ٣/٣٤٢، ٣٤٣.
(٢) الناسخ والمنسوخ ص٢٣٨، ٢٣٩.
(٣) أحكام القرآن ٣/٣١١.

والوجه الثالث: أن التقدير: واعلموا أن هذه أمتكم.
وذهب إليه بعض المفسرين ؛ كالفراء(١)، وابن جرير(٢)، وابن الأنباري(٣).
وهذه الأوجه كلها لها وجهها اللغوي.
قال النحاس: "ففي فتح الهمزة ثلاثة أقوال:
فقول البصريين: أن المعنى: ولأن، وحذفت اللام، و(أن) في موضع نصب.
وقول الكسائي وهو أحد قولي الفراء :(أن) في موضع خفض نسقاً على "ما تعملون" أي: إني بما تعملون عليم وبأن هذه أمتكم.
والقول الثالث: قول الفراء: أنها في موضع نصب على إضمار فعل، والتقدير: واعلموا أن هذه أمتكم"(٤).
وقال مكي: "قوله: ﴿ وَإِنَّ ے¾دnة‹"yd أُمَّتُكُمْ ﴾ قرأه الكوفيون بكسر الهمزة؛ على الابتداء والاستئناف والقطع مما قبله.
وقرأ الباقون بالفتح ؛ على تقدير حذف اللام؛ أي: ولأن هذه أمتكم"(٥).
وقال أبو حيان :"قرأ الكوفيون ﴿ ¨bخ)ur ﴾ بكسر الهمزة والتشديد؛ على الاستئناف، والحرميان وأبو عمرو بالفتح والتشديد؛ أي: ولأن، وابن عامر بالفتح والتخفيف وهي المخففة من الثقيلة"(٦).
(١) انظر: معاني القرآن ٢/١٤٢.
(٢) انظر: جامع البيان ٩/٢٢١.
(٣) انظر: البيان في غريب إعراب القرآن ٢/١٨٥، ١٨٦.
(٤) إعراب القرآن ٣/١١٦.
(٥) الكشف عن وجوه القراءات ٢/١٢٩.
(٦) البحر المحيط ٦/٣٧٧.

وما جاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - بأن معناه : تكذبون (١)، فهو داخل في المعنى، من حيث إن هذا الانخداع والانصراف عن الحق هو نوع من أنواع التكذيب، كما أن التكذيب منه ما يكون بسبب الشبهات ؛ إذ هذه الشبهات تصرفه وتخدعه عن الحق.
قال البغوي :" ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ ؛ أي : تخدعون وتصرفون عن توحيده وطاعته، والمعنى : كيف يُخَيَّلُ لكم الحق باطلاً ؟ " (٢).
وقال ابن كثير :" ﴿ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ ؛ أي : فكيف تذهب عقولكم في عبادتكم معه غيره، مع اعترافكم وعلمكم بذلك " (٣).
وقال البيضاوي :" ﴿ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ ﴾ فمن أين تخدعون فتصرفون عن الرشد مع ظهور الأمر وتظاهر الأدلة " (٤).
وقال الشنقيطي :" والظاهر أن معنى ﴿ ڑcrمچysَ،è@ ﴾ هنا : تخدعون بالشبه الباطلة، فيذهب بعقولكم عن الحق، كما يفعل بالمسحور " (٥).
(١) الأثر : أخرجه عن ابن عباس - رَضِيَ الله عَنْهُما - ابن جرير في تفسيره ٩/٢٣٩، وحسن إسناده حكمت بشير ياسين في التفسير الصحيح ٣/٤٣٧.
(٢) معالم التنْزيل ٥/٤٢٧.
(٣) تفسير القرآن العظيم ٣/٢٦٤.
(٤) أنوار التنْزيل ٢/١١٠.
(٥) أضواء البيان ٥/٨١٤.

والواحدي (١)، وابن عطية (٢)، وابن الجوزي (٣)، والبيضاوي (٤)، وغيرهم (٥).
وبعض المفسرين (٦) أورد روايتين في سبب نزولها ولم يرجح :
ففي رواية أنها نزلت في هلال ابن أمية، وفي رواية أنها نزلت في عويمر العجلاني.
والذي يظهر أنه لا مانع أن تتعدد القصص ويتحد النّزول، سوى أن أقربها لسبب النّزول قصة هلال بن أمية ؛ لأمور، منها :
١- أن الحديث الوارد في قصة عويمر العجلاني ليس فيه التصريح بسبب النّزول، ففيه :" قال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأل رسول الله - ﷺ - عن ذلك، فجاء عويمر فقال: يا رسول الله، رجل وجد مع امرأته رجلاً، أيقتله فتقتلونه؟ أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله - ﷺ - : قد أنزل الله القرآن فيك وفي صاحبتك " (٧).
(١) انظر : أسباب النّزول ص٣١٦، ٣١٧.
(٢) انظر : المحرر الوجيز ٤/١٦٥، ١٦٦.
(٣) انظر : زاد المسير ٥/٣٦٦.
(٤) انظر : أنوار التنْزيل ٢/١١٦.
(٥) انظر : الجامع لأحكام القرآن ٦/١٢/١٢٢، ١٢٣، البحر المحيط ٦/٣٩٨، روح المعاني ٩/٣٠٢.
(٦) كالسمرقندي في تفسيره ٢/٤٢٧، ٤٢٨، والماوردي في تفسيره ٤/٧٦، وابن العربي في تفسيره ٣/٣٤٩، والرازي في تفسيره ١٢/٢٣/١٤٣، ١٤٤، والنسفي في تفسيره ٢/١٥١، وابن كثير في تفسيره ٣/٢٧٦-٢٧٩.
(٧) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب قوله عز وجل :﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ ِNكgy_¨urّ-r& وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ﴾ برقم ٤٧٤٥، ص٨٢٧، ٨٢٨. ومسلم في صحيحه، في كتاب اللعان، برقم ١٤٩٢، ٢/١١٢٩، من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين (١).
ويدل عليه حديث الإفك - وفيه - :" قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - وكان ينفق على مِسْطَح بن أُثَاثَة لقرابته منه : والله لا أنفق على مسطح بشيء أبداً بعدما قال لعائشة؛ فأنزل الله تعالى :﴿ وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ (#ûqè؟÷sمƒ ﴾ إلى قوله :﴿ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ " (٢).
قال ابن عطية :" المشهور من الروايات أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر بن أبي قحافة الصديق ومِسْطَح بن أُثَاثَة " (٣).
وقال ابن الجوزي :" قال المفسرون : سبب نزولها أن أبا بكر الصديق كان ينفق على مِسْطَح لقرابته وفقره، فلما خاض في أمر عائشة ؛ قال أبو بكر : والله لا أنفق عليه شيئاً أبداً، فنَزلت هذه الآية "(٤).
(١) نسبه للمفسرين : ابن الجوزي في تفسيره ٥/٣٧٣، والرازي في تفسيره ١٢/٢٣/١٦٢، وانظر : جامع البيان ٩/٢٨٩، ٢٩٠، بحر العلوم ٢/٤٣٣، النكت والعيون ٤/٨٤، أحكام القرآن للهراسي ٢/٣١٠، معالم التنْزيل ٦/٢٦، الكشاف ٣/٦٧، أحكام القرآن لابن العربي ٣/٣٦٨، المحرر الوجيز ٤/١٧٢، ١٧٣، الجامع لأحكام القرآن ٦/١٢/١٣٨، مدارك التنْزيل ٢/١٥٥، ١٥٦، التسهيل ٢/٨٦، ٨٧، البحر المحيط ٦/٤٠٤، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٣/٢٨٦، أنوار التنْزيل ٢/١١٩، روح المعاني ٩/٣٢١، تيسير الكريم الرحمن ٥/٤٠٢، أضواء البيان ٦/١٥٩.
(٢) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الشهادات، باب تعديل النساء بعضهن بعضاً، برقم ٢٦٦١، ص٤٣١-٤٣٣، واللفظ له. ومسلم في صحيحه، في كتاب التوبة، باب في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، برقم ٢٧٧٠، ٤/٢١٢٩-٢١٣٦، من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٣) المحرر الوجيز ٤/١٧٢.
(٤) زاد المسير ٥/٣٧٣.

١٦٣/٣ قال الشاطبي :" وقال (١) في قوله تعالى :﴿ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ ٤س®Lxm (#qف، دSù'tGَ،n@ وَتُسَلِّمُوا عَلَى $ygد=÷dr& ﴾ : إنه منسوخ بقوله :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ îy$sYم_ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ ﴾ الآية (٢).
وليست من الناسخ المنسوخ في شيء ؛ غير أن قوله :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ îy$sYم_ ﴾ يثبت أن البيوت في الآية الأخرى إنما يراد بها المسكونة "(٣).
الدّراسة :
(١) وقال : أي، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما -. [انظر : الموافقات ٣/٣٤٥-٣٤٧].
(٢) الأثر : أخرجه عن ابن عباس - رَضِيَ الله عَنْهُما - : ابن جرير في تفسيره ٩/٢٩٧، ٣٠٢، من طريق ابن جريج، وقال الداراني محقق ناسخ القرآن ومنسوخه لابن الجوزي ص٤٧٢، "وهذا إسناد معضل"، وأخرجه النحاس في الناسخ والمنسوخ ص١٩٣، من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، وفيه جويبر قال عنه ابن حجر في التقريب ص١٤٣ "ضعيف جداً "، والبخاري في الأدب المفرد ص١٩٧، ١٩٨ بلفظ الاستثناء وليس بلفظ النسخ، إذ فيه :"واستثنى من ذلك فقال :﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ îy$sYم_ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ ﴾ وقال عنه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص٤٠٧ "صحيح الإسناد" وأخرجه ابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص٤٧١، ٤٧٢، من طريق عكرمة بلفظ النسخ والاستثناء إذ فيه، "ثم نسخ واستثنى من ذلك، ﴿ لَيْسَ عَلَيْكُمْ îy$sYم_ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ﴾ ". وقال عنه الداراني محقق الكتاب :" وهذا إسناد حسن". وذكره مكي في الإيضاح ص٣٦٥، وابن العربي في الناسخ والمنسوخ ص٢٤٤.
(٣) الموافقات ٣/٣٤٧.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا uچygsك مِنْهَا ﴾ ليس منسوخاً بقوله تعالى :﴿ ك‰دم¨uqs)ّ٩$#ur مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ îy$sYم_ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ ٧puZƒح"خ/ ﴾ وإنما هو تخصيص لما تقدم من العموم.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه بعض المفسرين ؛ كمكي بن أبي طالب (١)، وابن العربي(٢)، وابن الجوزي (٣).
وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله تعالى :﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا uچygsك مِنْهَا ﴾ منسوخ بقوله :﴿ ك‰دم¨uqs)ّ٩$#ur مِنَ النِّسَاءِ ﴾ (٤).
وممن ذهب إليه : ابن حزم (٥)، والبارزي (٦)، وغيرهم (٧).
والذي يظهر أن الآية محكمة غير منسوخة ؛ إذ لا يصار إلى النسخ ما أمكن الجمع إلا بدليل، والجمع ممكن من وجوه :
الوجه الأول : أن قوله تعالى :﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا uچygsك مِنْهَا ﴾ فيمن يخاف الافتتان بها، كالفتيات اللاتي يتعلق بال الرجال بهن.
وأما قوله تعالى :﴿ ك‰دم¨uqs)ّ٩$#ur مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا ﴾ فهي في العجائز. وعلى هذا فمعنى الآيتين مختلف (٨).
(١) انظر : الإيضاح ص٣٦٦.
(٢) انظر : الناسخ والمنسوخ ص٢٤٥، ٢٤٦.
(٣) انظر : ناسخ القرآن ومنسوخه ص٤٧٢، ٤٧٣.
(٤) سورة النور : ٦٠.
(٥) انظر : الناسخ والمنسوخ ص٤٨.
(٦) انظر : ناسخ القرآن العزيز ص٤٢.
(٧) كالضحاك فيما نسبه إليه ابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص٤٧٣.
(٨) انظر : الناسخ والمنسوخ لابن العربي ص٢٤٥، ٢٤٦، ناسخ القرآن ومنسوخه لابن الجوزي ص٤٧٢، ٤٧٣.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى في محاجة إبراهيم لأبيه وقومه :﴿ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا '@sàsYsù لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آَبَاءَنَا y٧د٩¨x‹x. يَفْعَلُونَ ﴾ ؛ يدل على أنهم حادوا عن الجواب إلى الاستمساك بتقليد الآباء.
وما ذهب إليه الشاطبي فيه تفصيل :
إن كان مراده أنهم لم يجيبوه مطلقاً عن سماعها وضررها ونفعها ؛ فهذا ذهب إليه بعض المفسرين ؛ كأبي حيان.
قال أبو حيان :" ﴿ قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا ﴾ هذه حيدة عن جواب الاستفهام ؛ لأنهم لو قالوا: يسمعوننا وينفعوننا ويضروننا فضحوا أنفسهم بالكذب الذي لا يمترى فيه، ولو قالوا : يسمعوننا ولا يضروننا لسجلوا على أنفسهم بالخطأ المحض، فعدلوا إلى التقليد البحت لآبائهم في عبادتها من غير برهان ولا حجة " (١).
وذهب جماعة من المفسرين إلى أنهم أجابوه ؛ إذ في الكلام متروك، استغني بدلالة ما ذكر عما ترك.
وممن ذهب إليه : ابن جرير (٢)، والبغوي (٣)، وابن عطية (٤)، والرازي (٥)، وابن كثير(٦)، والبيضاوي (٧)، وغيرهم (٨).
وهذا هو الظاهر ؛ إذ كانوا معترفين ومقرين بذلك، كقولهم :﴿ نَعْبُدُ أَصْنَامًا ﴾ وقولهم :﴿ لَقَدْ |MôJد=tم مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ﴾ (٩).
(١) البحر المحيط ٧/٢١.
(٢) انظر : جامع البيان ٩/٤٥١.
(٣) انظر : معالم التنْزيل ٦/١١٧.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ٤/٢٣٤.
(٥) انظر : التفسير الكبير ١٢/٢٤/١٢٣.
(٦) انظر : تفسير القرآن العظيم ٣/٣٥٠.
(٧) انظر : أنوار التنْزيل ٢/١٥٧.
(٨) انظر : فتح القدير ٤/١٠٤، روح المعاني ١٠/٩٢، محاسن التأويل ٥/٣٧١.
(٩) سورة الأنبياء : ٦٥.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (١).
والآية صريحة في أنه لا أضل ممن لم يتبع هدى الله في هدى نفسه.
كما أن الآية حصرت اتباع الهوى بين أمرين، لا ثالث لهما، وهما اتباع الهوى، واتباع هدى الله.
قال النسفي :" ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ yىt٧¨؟$# هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدَى مِنَ اللَّهِ ﴾ ؛ أي : لا أحد أضل ممن اتبع في الدين هواه " (٢).
قال أبو حيان :" ﴿ وَمَنْ أَضَلُّ ﴾ ؛ أي : لا أحد أضل، و ﴿ بِغَيْرِ هُدَى ﴾ في موضع الحال، وهذا الحال قيد في اتباع الهوى ؛ لأنه قد يتبع الإنسان ما يهواه، ويكون ذلك الذي يهواه فيه هدى الله ؛ لأن الأهواء كلها تنقسم إلى ما يكون فيه هدى، وما لا يكون فيه هدى، فلذلك قيد بهذه الحال " (٣).
وقال ابن القيم :" قول الله تعالى ذكره :﴿ فَإِنْ لَمْ (#qç٧ٹإftFَ،o" لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ yىt٧¨؟$# هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدَى مِنَ اللَّهِ إِن اللَّهَ لَا "د‰÷ku‰ الْقَوْمَ tûüدJد="©à٩$# ﴾.
فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما ؛ إما الاستجابة لله والرسول وما جاء به، وإما اتباع الهوى، فكل ما لم يأت به الرسول فهو من الهوى " (٤).
(١) انظر : جامع البيان ١٠/٨٣، المحرر الوجيز ٤/٢٩١، التفسير الكبير ١٢/٢٤/٢٢٣، الجامع لأحكام القرآن ٧/١٣/١٩٥، مدارك التنْزيل ٢/٢٧٠، البحر المحيط ٧/١١٩، بدائع التفسير ٣/٣٥١، ٣٥٢، أنوار التنْزيل ٢/١٩٥، تفسير الجلالين ٣/٣٦٩، فتح القدير ٤/١٧٨، روح المعاني ١٠/٣٠٠، محاسن التأويل ٥/٤٢٥، تيسير الكريم الرحمن ٦/٣٢، ٣٣.
(٢) مدارك التنْزيل ٢/٢٧٠.
(٣) البحر المحيط ٧/١١٩.
(٤) بدائع التفسير ٣/٣٥٢.

وما ذهب إليه الشاطبي - من بطلان هذا القول والاستدلال عليه بالآية - ؛ ذهب إليه المسلمون والمفسرون.
ويؤيد ما ذهب إليه الشاطبي ما يلي :
١ - أن هذا القول لم يقل به أحد من المسلمين، ولم يقل به إلا بيان بن سمعان الزنديق.
٢ - أن ابن حزم ذكر قول بيان بن سمعان هذا، واستدلاله بالآية، وعده كفراً، كما ذكره الشهرستاني وسماه الخزي الفاحش.
قال ابن حزم :" وكان بيان - لعنه الله - يقول : إن الله تعالى يفنى كله حاشا وجهه فقط، وظن المجنون أنه تعلق في كفره هذا بقول الله تعالى :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ﴾ (١).
ولو كان له أدنى عقل أو فهم لَعَلم أن الله تعالى إنما أخبر بالفناء عما على الأرض فقط بنص قوله الصادق :﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾.
ولم يصف عز وجل بالفناء غير ما على الأرض، ووجه الله تعالى هو الله، وليس هو شيئاً غيره، وحاشا لله من أن يوصف بالتبعيض والتجزؤ، هذه صفة المخلوقين المحدودين، لا صفة من لا يُحدُّ ولا له مثل " (٢).
وقال الشهرستاني :" وزعم أن معبوده على صورة إنسان عضواً فعضواً، جزءاً، وقال : يهلك كله إلا وجهه ؛ لقوله تعالى :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ ومع هذا الخزي الفاحش..." (٣).
٣ - أن المفسرين الذين يتوسعون في ذكر الأقوال الواردة في تفسير الآيات لم يذكروا هذا القول المنكر في هذه الآية.
قال الماوردي :" قوله تعالى :﴿ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدهما : معناه إلا هو، قاله : الضحاك.
الثاني : إلا ما أريد به وجهه، قاله : سفيان الثوري.
الثالث : إلا ملكه، حكاه : محمد بن إسماعيل البخاري.
الرابع : إلا العلماء، فإن علمهم باق، قاله : مجاهد.
(١) سورة الرحمن : ٢٦، ٢٧.
(٢) الفصل ٥/٤٤.
(٣) الملل والنحل ص ١٥١، ١٥٢.

كما يدل على أن قصد الشارع من ضرب الأمثال هو تعقلها قوله تعالى :﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴾ (١)، وقوله :﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ (٢).
قال الصاوي :" قوله :﴿ ywخ) tbqكJد="yèّ٩$# ﴾ خصهم ؛ لأنهم المنتفعون بذلك، وأما الكافرون فيزدادون طغياناً وعتواً " (٣).
(١) سورة إبراهيم : ٢٥.
(٢) سورة الحشر : ٢١.
(٣) حاشية الصاوي ٣/٣٩٩.

وقال القاسمي :" ﴿ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ أي : فكيف مع هذا الاعتراف يصرفون عن عبادته وحده، ويشركون بها ما لا يضر ولا ينفع، وكثيراً ما يقرر تعالى مقام الإلهية بالاعتراف بتوحيد الربوبية، وقد كان المشركون يعترفون بذلك " (١).
(١) محاسن التأويل ٥/٤٥٤.

على تآلف ولا على تعاضد وتناصر، بل على ضد ذلك؛ فإن الإسلام واحد، وأمره واحد، فاقتضى أن يكون حكمه على الائتلاف التام لا على الاختلاف، وهذه الفرقة مشعرة بتفرق القلوب المشعر بالعداوة والبغضاء، ولذلك قال :﴿ وَاعْتَصِمُوا ب@ِ٧ut؟٢ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ (١)، فبيّن أن التآلف إنما يحصل عند الائتلاف على التعلق بمعنى واحد، وأما إذا تعلق كل شيعة بحبل غير ما تعلقت به الأخرى؛ فلابد من التفرُّق، وهو معنى قوله تعالى :﴿ وَأَنَّ هَذَا 'دغ¨uژإہ مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ ¾د&ح#‹خ٧y™ ﴾ (٢).
وإذا تبيّن هذا تنَزل عليه لفظ الحديث، واستقام معناه، والله أعلم " (٣).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن افتراق الأمة - الوارد في الحديث - إلى ثلاث وسبعين فرقة افتراق مقيد، وإن لم يكن الحديث نص عليه فإن الآيات تدل على ذلك، ومنها قوله تعالى :﴿ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٣١) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ ¤>÷"دm بِمَا ِNخkِ‰y‰s٩ tbqمmحچsù ﴾ (٤)، وقوله: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ (٥)؛ إذ الآيات تدل على التفرق الذي صاروا به شيعاً بسبب الاختلاف، ومراده بذلك أن الخلاف في الفروع الجزئية غير داخل في الحديث.
وما ذهب إليه الشاطبي؛ مضى تقريره في مسائل سابقة، وأن أكثر المفسرين على أن الاختلاف في الفروع ليس داخلاً في المذموم المنهي عنه، وإنما الاختلاف في الأصول المؤدي إلى التفرق شيعاً وأحزاباً (٦).
(١) سورة آل عمران : ١٠٣.
(٢) سورة الأنعام : ١٥٣.
(٣) الاعتصام ٣/١٦١، ١٦٢.
(٤) سورة الروم : ٣١، ٣٢.
(٥) سورة الأنعام : ١٥٩.
(٦) انظر : ص ٣١٥-٣١٩، ٤٨٢-٤٩٤، ٥٥٢-٥٦٨.

والذي يظهر : ما ذهب إليه جماعة المفسرين (١) إلى أن الآية عامة في كل ما يلهي عن طاعة الله؛ كالغناء والطبل والمزامير والمعازف، والحكايات والأخبار والأساطير الكاذبة، وغيرها.
وتفسير لهو الحديث بالغناء أو بالباطل وغيره؛ إنما هو من باب المثال.
والاختلاف فيه من اختلاف التنوع مع تفاوتها.
قال ابن جرير :" والصواب من القول في ذلك أن يقال : عني به كل ما كان من الحديث ملهياً عن سبيل الله، مما نهى الله عن استماعه أو رسوله؛ لأن الله تعالى عمّ بقوله :﴿ لَهْوَ الْحَدِيثِ ﴾ ولم يخصص بعضاً دون بعض، فذلك على عمومه، حتى يأتي ما يدل على خصوصه، والغناء والشرك من ذلك " (٢).
وقال الواحدي :" وأكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث : الغناء " " قال أهل المعاني: ويدخل في هذا كل من اختار اللهو والغناء والمزامير والمعازف على القرآن، وإن كان اللفظ ورد بالاشتراء؛ لأن هذا اللفظ يذكر في الاستبدال والاختيار كثيراً " (٣).
وقال ابن القيم :" ولا تعارض بين تفسير ﴿ لَهْوَ الْحَدِيثِ ﴾ بالغناء وتفسيره بأخبار الأعاجم وملوكها وملوك الروم ونحو ذلك مما كان النضر بن الحارث يحدث به أهل مكة يشغلهم به عن القرآن، فكلاهما لهو الحديث، ولهذا قال ابن عباس :﴿ لَهْوَ الْحَدِيثِ ﴾ الباطل والغناء.
فمن الصحابة من ذكر هذا، ومنهم من ذكر الآخر، ومنهم من جمعهما ".
" والغناء : أشد لهواً وأعظم ضرراً من أحاديث الملوك وأخبارهم " (٤).
(١) كابن جرير في تفسيره١٠/٢٠٥، والكشاف في تفسيره ٣/٢١٠، وابن عطية في تفسيره ٤/٣٤٦، والثعالبي في تفسيره ٢/٥٥٠، والصاوي في حاشيته ٣/٤٢٦، والشوكاني في تفسيره ٥/٤٧٣، ٤٧٤، والسعدي في تفسيره ٦/١٥٠.
(٢) جامع البيان ١٠/٢٠٥.
(٣) الوسيط ٣/٤٤١.
(٤) بدائع التفسير ٣/٤٠٥.

عَلَى اللَّهِ #[ژچإ،o" (١٩) يَحْسَبُونَ z>#u"ômF﴿$# لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ ـ>#u"ômF{$# يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي ة>#uچôمF{$# يَسْأَلُونَ عَنْ ِNن٣ح !$t٦/Rr& وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا (#ûqè=tG"s% إِلَّا Wx‹د=s% (٢٠) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ ×puZ|،xm لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ uچ½zFy$# uچx.sŒur اللَّهَ #[ژچدVx. (٢١) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ z>#u"ômF{$# قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا $VJٹد=َ،n@ur (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ (١).
(١) سورة الأحزاب : ١٠-٢٣.

قال الزمخشري - في الآية - :" وهذا من الكلام المنصف الذي كل من سمعه من موال أو مناف؛ قال لمن خُطب به : قد أنصفك صاحبك " (١).
وقال ابن عطية :" وقوله تعالى :﴿ وَإِنَّا أَوْ ِNà٢$

ƒخ) ﴾ تلطف في الدعوة والمحاورة، والمعنى كما تقول : لمن خالفك في مسألة : أحدنا يخطئ ؛ أي تثبّت وتنبّه.

والمفهوم من كلامك : أن مخالفك هو المخطئ، وكذلك هذا معناه :﴿ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ٥@"n=|ت &ْüخ٧-B ﴾ فلينتبه " (٢).
وقال ابن جزي :" ﴿ وَإِنَّا أَوْ ِNà٢$ƒخ) لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ٥@"n=|ت &ْüخ٧-B ﴾ هذه ملاطفة وتَنَزّل في المجادلة إلى غاية الإنصاف، كقولك : الله يعلم أن أحدنا على حق، وأن الآخر على باطل، ولا تعين بالتصريح أحدهما، ولكن تنبه الخصم على النظر حتى يعلم من هو على الحق ومن هو على الباطل " (٣).
وقال ابن عاشور :" وهذا اللون من الكلام يسمى الكلام المنصف، وهو أن لا يترك المجُادل لخصمه موجب تغيظ واحتداد في الجدال، ويسمى في علم المناظرة إرخاء العنان للمناظر، ومع ذلك فقرينة إلزامهم الحجة قرينة واضحة " (٤).

(١) الكشاف ٣/٣٥٩.
(٢) المحرر الوجيز ٤/٤١٩.
(٣) التسهيل ٢/٢٠٦.
(٤) التحرير والتنوير ٢٢/٥٨.

وقال ابن كثير :" ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً ﴾ استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع.
﴿ إِنْ بbôٹحچمƒ ك`"uH÷qچ٩$# بِضُرٍّ لَا تُغْنِ سةi_tم شَفَاعَتُهُمْ $Z"ّ‹x© وَلَا يُنْقِذُونِ ﴾ ؛ أي : هذه الآلهة التي تعبدونها من دونه لا يملكون من الأمر شيئاً، فإن الله تعالى لو أرادني بسوء فلا كاشف له إلا هو، وهذه الأصنام لا تملك دفع ذلك ولا منعه، ولا ينقذونني مما أنا فيه. ﴿ 'دoTخ) #]Œخ) 'إ"©٩ ٥@"n=|ت ﷺûüخ٧-B ﴾ ؛ أي : إن اتَّخذتها آلهة من دون الله " (١).
(١) تفسير القرآن العظيم ٣/٥٧٥.

ذهب الشاطبي إلى أن قراءة الرفع في القمر في قوله تعالى :﴿ uچyJs)ّ٩$#ur قَدَّرْنَاهُ tAخ-$sYtB ﴾ ؛
على اعتبار ﴿ وَالشَّمْسُ "حچّgrB ﴾ وأن قراءة النصب في القمر؛ على اعتبار ﴿ "حچّgrB ﴾.
ومراده بأن قراءة الرفع على اعتبار ﴿ وَالشَّمْسُ "حچّgrB ﴾ ؛ أي: أنها محمولة على اعتبار أنها اسم لم يعمل فيها فعل.
ومراده بأن قراءة النصب على اعتبار ﴿ "حچّgrB ﴾ ؛ أي: أنها محمولة على اعتبار أنها اسم عمل فيها فعل.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين(١).
قال الزجاج: " ﴿ uچyJs)ّ٩$#ur قَدَّرْنَاهُ tAخ-$sYtB ﴾ يقرأ بالرفع والنصب؛ فمن نصب فعلى: وقدرنا القمر منازل قدرناه منازل.
والرفع على معنى: وآية لهم القمر قدرناه، ويجوز أن يكون على الابتداء، وقدرناه: خبر"(٢).
وقال العكبري: "قوله تعالى: ﴿ uچyJs)ّ٩$#ur ﴾ بالرفع مبتدأ، و ﴿ قَدَّرْنَاهُ ﴾ الخبر، وبالنصب على فعل مضمر؛ أي: وقدرنا القمر؛ لأنه معطوف على اسم قد عمل فيه الفعل، فحمل على ذلك.
(١) انظر : جامع البيان ١٠/٤٤١، معاني القرآن للزجاج ٤/٢٨٧، إعراب القرآن ٣/٣٩٤، ، بحر العلوم ٣/١٠٠، التذكرة في القراءات ص٤٣١، ٤٣٢، الكشف عن وجوه القراءات السبع ٢/٢١٦، معالم التنْزيل ٧/١٨، الكشاف ٣/٢٨٦ المحرر الوجيز ٤/٤٥٤، إملاء ما مَن به الرحمن ص٤٤٦، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٥/٢١، مدارك التنْزيل ٢/٤٠٠، التسهيل ٢/٢٢٤، البحر المحيط ٧/٣٢٢، إتحاف فضلاء البشر ٢/٤٠٠، ٤٠١، حاشية الصاوي ٣/٥٤٦، فتح القدير ٤/٣٦٩، روح المعاني ١٢/١٦.
(٢) معاني القرآن ٤/٢٨٧.

فإن الكفار لما أُمروا بالإنفاق ؛ شحُّوا على أموالهم، وأرادوا أن يجعلوا لذلك الشحِّ مخرجاً، فقالوا :﴿ أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾، ومعلوم أن الله لو شاء لم يحوج أحداً إلى أحد، لكنه ابتلى عباده لينظر كيف يعملون، فَغَطَّى هواهم على هذا الأصل العظيم، واتبعوا ما تشابه من الكتاب بالنِّسبة إليه، فلذلك قيل لهم :﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ٥@"n=|ت &ûüخ٧-B ﴾ " (١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ٥@"n=|ت &ûüخ٧-B ﴾ من قول الله للكافرين رداً عليهم في قولهم :﴿ أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ ﴾.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين - على وجه الاحتمال والتجويز -؛ كابن جرير (٢)، والزمخشري (٣)، وابن عطية (٤)، والنسفي (٥)، وابن جزي (٦)، وأبي حيان(٧)، والبيضاوي(٨)، والألوسي (٩).
والقول الثاني : أن قوله تعالى: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ٥@"n=|ت &ûüخ٧-B ﴾ من قول الكافرين للمؤمنين.
(١) الاعتصام ١/٢٣٣، ٢٣٤.
(٢) انظر : جامع البيان ١٠/٤٤٨.
(٣) انظر : الكشاف ٣/٢٨٨.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ٤/٤٥٦.
(٥) انظر : مدارك التنْزيل ٢/٤٠٢.
(٦) انظر : التسهيل ٢/٢٥٥، ٢٢٦.
(٧) انظر : البحر المحيط ٧/٣٢٥.
(٨) انظر : أنوار التنْزيل ٢/٢٨٣.
(٩) انظر : روح المعاني ١٣/٣٠.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (١).
ويدل عليه سياق الآية ؛ إذ أنها في رد قولهم :﴿ $¨Zح r& (#ûqن. ح'$tGs٩ $sYدGygد٩#uن لِشَاعِرٍ ¤bqمZّg¤رحمه الله ﴾.
قال ابن جرير :" وقوله :﴿ بَلْ جَاءَ بd،utù:$$خ/ ﴾ وهذا خبر من الله مكذباً للمشركين الذين قالوا للنبي - ﷺ - : شاعر مجنون ؛ كذبوا، ما محمد كما وصفوه به من أنه شاعر مجنون ؛ بل هو لله نبي، جاء بالحق من عنده، وهو القرآن الذي أنزل عليه، وصدق المرسلين الذين كانوا من قبله " (٢).
وقال الألوسي :" ﴿ بَلْ جَاءَ بd،utù:$$خ/ وَصَدَّقَ tûüد=y™ِچكJّ٩$# ﴾ رد عليهم، وتكذيب لهم ؛ ببيان أن ما جاء به -عليه الصلاة والسلام- من التوحيد هو الحق الثابت الذي قام عليه البرهان، وأجمع عليه كافة المرسلين، فأين الشعر والجنون من ساحته - ﷺ - الرفيعة الشأن ؟ " (٣).
(١) انظر : جامع البيان ١٠/٤٨٣، معالم التنْزيل ٧/٣٩، الكشاف ٣/٣٠٠، المحرر الوجيز ٤/٤٧١، زاد المسير ٦/٣٠٣، ٣٠٤، التفسير الكبير ١٣/٢٦/١١٨، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٥/٥٢، مدارك التنْزيل ٢/٤١٣، التسهيل ٢/٢٣٤، البحر المحيط ٧/٣٤٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٧، أنوار التنْزيل ٢/٢٩٣، نظم الدرر ١٦/٢٢٧، حاشية الصاوي ٣/٥٦٦، فتح القدير ٤/٣٩٢، روح المعاني ١٢/٨٢، محاسن التأويل ٦/٦٢، تيسير الكريم الرحمن ٦/٣٧٤.
(٢) جامع البيان ١٠/٤٨٣.
(٣) روح المعاني ١٢/٨٢.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا y٧"sYù=yèy_ Zpxے‹د=yz فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بd،utù:$$خ/ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ يدل على أن الله حصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده، وهو الحق والهوى، وأن اتباع الهوى مضاد للحق.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه جماعة من المفسرين (١)، ولا أعلم له مخالفاً.
وقد سبق بيان نحو هذه المسألة فيما سبق (٢).
والآية صريحة في ذلك ؛ إذ أمرت بالحكم بالعدل ونهت عن اتباع الهوى وأنه سبب للضلال، والأمر بالشيء نهي عن ضده.
قال ابن القيم - في الآية - :" فقسم سبحانه طريق الحكم بين الناس إلى الحق وهو الوحي الذي أنزل الله على رسوله - ﷺ -، وإلى الهوى وهو ما خالفه " (٣).
وقال الشنقيطي :" وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة :﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بd،utù:$$خ/ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ ؛ قد أمر نبيه داود فيه : بالحكم بين الناس بالحق، ونهاه فيه عن اتباع الهوى، وأن اتباع الهوى علة للضلال عن سبيل الله ؛ لأن الفاء في قوله: ﴿ y٧¯=إزمٹsù `tم ب@‹خ٦y™ "!$# ﴾ تدل على العليّة " (٤).
(١) منهم : الرازي في تفسيره ١٣/٢٦/١٧٥، وابن تيمية في الفتاوى ٢٨/١٣٤، وأبو حيان في تفسيره ٧/٣٧٨، ٣٧٩، وابن القيم في بدائع التفسير ٤/٣٨، وابن كثير في تفسيره ٤/٣٥، والبقاعي في تفسيره ١٦/٣٦٨، ٣٦٩، والشوكاني في تفسيره ٤/٤٢٩، والألوسي في تفسيره ١٢/١٧٩، والقاسمي في تفسيره ٦/٩٥، ٩٦، والشنقيطي في تفسيره ٧/٢٥.
(٢) انظر : ص٦٩٥-٦٩٦.
(٣) بدائع التفسير ٤/٣٨.
(٤) أضواء البيان ٧/٢٥.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا !$tRqç/حhچs)م‹د٩ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ يدل على أن المشركين وضعوا آلهتهم لتقربهم إلى الله زلفى في زعمهم.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين (١)، وهو ظاهر الآية وصريحها.
قال ابن كثير :" ثم أخبر عز وجل عن عُبَّاد الأصنام من المشركين أنهم يقولون :﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا !$tRqç/حhچs)م‹د٩ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ ؛ أي : إنما يحملهم على عبادتهم لهم أنهم عمدوا إلى أصنام اتخذوها على صور الملائكة المقربين في زعمهم فعبدوا تلك الصور تنْزيلاً لذلك منْزلة عبادتهم الملائكة ليشفعوا لهم عند الله تعالى في نصرهم ورزقهم وما ينوبهم من أمور الدنيا"(٢).
وقال الشنقيطي - في الآية - :" فبيّن أنهم يزعمون أنهم ما عبدوا الأصنام إلا لأجل أن تقربهم من الله زلفى " (٣).
(١) انظر : جامع البيان ١٠/٦١١، بحر العلوم ٣/١١٤، معالم التنْزيل ٧/١٠٧، ١٠٨، الكشاف ٣/٣٣٧، ٣٣٨، المحرر الوجيز ٤/٥١٨، زاد المسير ٦/٤١، التفسير الكبير ١٣/٢٦/٢١٠، ٢١١، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٥/١٥٢، التسهيل ٢/٢٦٣، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٤٩، فتح القدير ٤/٤٤٩، روح المعاني ١٢/٢٢٥، ٢٢٦، محاسن التأويل ٦/١١٣، ١١٤، تيسير الكريم الرحمن ٦/٤٤٥-٤٤٧، أضواء البيان ٧/٤٣.
(٢) تفسير القرآن العظيم ٤/٤٩.
(٣) أضواء البيان ٧/٤٣.

وقال الألوسي :" وقوله تعالى :﴿ قُلْ ﴾ على معنى قل له - أيضاً - بياناً للحق، وتصريحاً به، وتنبيهاً على شرف العلم والعمل ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ tbqكJn=÷ètƒ ﴾ فيعملون بمقتضى علمهم ويقنتون الليل سجداً وركعاً، يحذرون الآخرة، ويرجون رحمة الله ﴿ tûïد%©!$#ur ںw tbqكJn=÷ètƒ ﴾ فيعملون بمقتضى جهلهم وضلالهم، كدأبك أيها الكافر الجاعل لله تعالى أنداداً"(١).
(١) روح المعاني ٢/٢٣٦.

المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ د]ƒد‰utù:$# كِتَابًا $Ygخ٦"t±tF-B ﴾ ؛ معناه : يشبه بعضه بعضاً، ويصدق أوله آخره، وآخره أوله.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين (١).
قال البغوي :" قوله عز وجل :﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ د]ƒد‰utù:$# كِتَابًا $Ygخ٦"t±tF-B ﴾ يشبه بعضه بعضاً في الحسن، ويصدق بعضه بعضاً، ليس فيه تناقض ولا اختلاف " (٢).
وقال أبو حيان :" و ﴿ $Ygخ٦"t±tF-B ﴾ مطلق في مشابهة بعضه بعضاً، فمعانيه متشابهة لا تناقض فيها ولا تعارض، وألفاظه في غاية الفصاحة والبلاغة والتناسب، بحيث أعجزت العظماء والبلغاء " (٣).
المسألة الثالثة : أن الذين يخشون ربهم هم العلماء، وقد سبق بيانها في سورة فاطر (٤).
(١) انظر : جامع البيان ١٠/٦٢٨، معاني القرآن للزجاج ٤/٣٥١، بحر العلوم ٣/٣٤٤، معالم التنْزيل ٧/١١٥، الكشاف ٣/٣٤٤، المحرر الوجيز ٤/٥٢٧، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٥/١٦٢، مجموع الفتاوى ١٤/٤٠٧، التسهيل ٢/٢٦٧، البحر المحيط ٧/٤٠٦، أنوار التنْزيل ٢/٣٢٣، نظم الدرر ١٦/٤٨٨، تفسير الجلالين ٣/٦٢٥، فتح القدير ٤/٤٥٩، روح المعاني ١٢/٢٤٧، محاسن التأويل ٦/١١٨، تيسير الكريم الرحمن ٦/٤٦٣، ٤٦٤.
(٢) معالم التنْزيل ٧/١١٥.
(٣) البحر المحيط ٧/٤٠٦.
(٤) انظر : ص ٧٢٦.

وقال - في موضع آخر - " وقارف بعضهم بارتداد أو غيره وخاف أن لا يغفر له، فسئل في ذلك رسول الله - ﷺ - ؛ فأنزل الله :﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ الآية (١) " (٢).
وقال - في موضع ثالث - :" وقوله :﴿ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴾ أعقب بقوله: ﴿ (#ûqç٧ دRr&ur إِلَى رَبِّكُمْ ﴾ الآية، وفي هذا تخويف عظيم مهيج للفرار من وقوعه، وما تقدم من السبب من نزول الآية يبين المراد، وأن قوله :﴿ لَا تَقْنَطُوا ﴾ رافع لما تخوَّفوه من عدم الغفران لما سلف " (٣).
وقال -في موضع رابع- (٤): " وقيل(٥) في قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ منسوخ بقوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ﴾ (٦) الآية، وقوله :﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا #Y‰دdJyètG-B ¼çnنt!#u"yfsù جَهَنَّمُ ﴾ الآية (٧)، وهذا من باب تخصيص العموم لا من باب النسخ"(٨).
الدّراسة :
تحدّث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
(١) الحديث : أخرجه الحاكم في المستدرك، في كتاب التفسير، تفسير سورة الزمر ٢/٤٧٢، ٤٧٣، برقم ٣٦٢٨، وابن جرير في تفسيره ١١/١٥، ١٦، والواحدي في أسباب النُّزول ص٣٧٠، ٣٧١، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بمعناه، وسيأتي لفظه في الدراسة.
(٢) الموافقات ٢/٢٨٢، ٢٨٣.
(٣) الموافقات ٤/١٧٦، ١٧٧.
(٤) أورده في سياق بيانه : بأن المتقدمين يطلقون النّسخ على ما هو أعم مما عند الأصوليين والمتأخرين [انظر: الموافقات ٣/٣٤٤-٣٦١] وانظر : ص٢١١، ٢١٢].
(٥) لم أجد من صرح بهذا القول، ولكن يمكن أن يقول به من لا يرى للقاتل المتعمد توبة [انظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ص١٠٥، ١٠٦].
(٦) سورة النساء : ٤٨.
(٧) سورة النساء : ٩٣.
(٨) الموافقات ٣/٣٦١.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين ؛ إذ لم يستدل أحد من المفسرين بهذه الآية على ذلك، وأكثر أقوالهم تدور حول معنى ما ذكره الشاطبي (١).
قال عثمان بن سعيد الدارمي :" وادعى المعارض (٢) - أيضاً - زوراً على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله :﴿ ٤'sAuژô£ys"tƒ عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ﴾ قال : يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو، وليس على ما يتوهمونه.
(١) انظر : جامع البيان ١١/١٩، معاني القرآن ٤/٣٥٩، بحر العلوم ٣/١٥٥، تفسير القرآن العزيز ٤/١١٧، النكت والعيون ٥/١٣٢، الوجيز ٢/٩٣٧، تفسير القرآن للسمعاني ٤/٤٧٧، مدارك التنْزيل ٧/١٢٩، الكشاف ٣/٣٥٢، المحرر الوجيز ٤/٥٣٨، زاد المسير ٧/٦٠، الجامع الأحكام القرآن ٨/١٥/١٧٦، مدارك التنْزيل ٢/٤٦١، التسهيل ٢/٣٧٢، البحر المحيط ٧/٤١٧، أنوار التنْزيل ٢/٣٩، الجواهر الحسان ٣/٨٥، تفسير الجلالين ٣/٦٣٥، إرشاد العقل السليم ٥/٤٠٠، فتح القدير ٤/٤٧١، روح المعاني ١٢/٢٧٢، محاسن التأويل ٦/١٢٣، تيسير الكريم الرحمن ٦/٤٨٦.
(٢) لم يبين الدارمي، ولا الألمعي محقق كتاب الدارمي مَنْ هذا المعارض. [انظر : نقض الإمام أبي سعيد عثمان بن سعيد على الْمَرِيسيّ ١/١٣٨-١٤٣].

وفي رواية أخرى :«جاء يهودي إلى النبي - ﷺ - فقال : يا محمد، إن الله يمسك السموات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول : أنا الملك، فضحك النبي - ﷺ - حتى بدت نواجده، قال :﴿ ((((( (((((((((
(((( (((( ((((((((( ﴾
»
(١).
وفي رواية :«فضحك النبي - ﷺ - تعجُّباً وتصديقاً» (٢).
والحديث الأول كأنه مفسر لهذا، وبمعناه يتبين معنى قوله :﴿ ((((( ((((((((( (((( (((( ((((((((( ﴾ ؛ فإن الآية بينت أن كلام اليهودي حقّ في الجملة، وذلك قوله :﴿ (((((((((( (((((((( ((((((((((( (((((( ((((((((((((( ((((((((((((((( ((((((((((( (((((((((((( ﴾، وأشارت إلى أنه لم يتأدب مع الربوبية، وذلك - والله أعلم - لأنه أشار إلى معنى الأصابع بأصابع نفسه، وذلك مخالف للتنْزيه للباري سبحانه ؛ فقال :﴿ ((((( ((((((((( (((( (((( ((((((((( ﴾ " (٣).
الدّراسة :
تحدّث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
(١) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، باب قوله :﴿ ((((( ((((((((( (((( (((( ((((((((( ﴾ ص٨٤٨، برقم ٤٨١١، ومسلم في صحيحه، في كتاب صفة القيامة والجنة والنار ٤/٢١٤٧، برقم ٢٧٨٦، والترمذي في جامعه، في كتاب تفسير القرآن، باب : ومن سورة الزمر ص٧٣٢، برقم ٣٢٣٨، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، واللفظ للترمذي.
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التوحيد، باب قوله الله تعالى :﴿ ((((( (((((((( (((((((( ﴾ ص١٢٧٥، برقم ٤/٧٤، ومسلم في صحيحه، في كتاب صفة القيامة والجنة والنار، ٤/٢١٤٧، برقم ٢٧٨٦، من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، بنحوه.
(٣) الموافقات ٤/١٦٣، ١٦٤.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾ ليس منسوخاً بقوله :﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ (١)؛ لأن قوله تعالى :﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾ إنما جاءت في معرض التهديد والوعيد، وهو معنى لا يصح نسخه.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه بعض المفسرين ؛ كمكي بن أبي طالب (٢)، وابن العربي(٣)، وهذا هو الظاهر ؛ كما يدل عليه سياق الآية والنصوص الشرعية ؛ كما أن القول بالنسخ لم ينقل إلا عن عبد الملك بن حبيب، وردَّ عليه من ذَكَر قولَه ؛ كمكي بن أبي طالب، وابن العربي.
قال مكي بن أبي طالب :" قوله تعالى :﴿ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ﴾ : ذكر ابن حبيب أنه منسوخ بقوله :﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ (٤)، وكذلك قال في قوله تعالى :﴿ لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ (٥)، قال : هو منسوخ بقوله :﴿ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ ﴾ وكذلك قال في قوله :﴿ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ (٦).
قال أبو محمد : وهذا كله محكم لا يجوز نسخه ؛ لأنه تهدد من الله للكفار ووعيد لهم، ليس هو إباحة لهم في ذلك، والتهدُّد والوعيد للكفار لا يجوز أن ينسخ ؛ إذ لا يُنسخ إلا بالرضا عنهم والقبول لهم والوعد للكفار، وهذا لا يجوز.
وما رأيت أحداً ذكر النسخ في هذا غيره، وهو قول بعيد لا يجب أن يلتفت إليه.
وحكى ابن حبيب أن بعض الناس قال : هو تهدد ووعيد، وليس بتفويض، يريد أنه غير منسوخ، وهذا هو الصواب - إن شاء الله - " (٧).
(١) سورة التكوير : ٢٩.
(٢) انظر : الإيضاح ص٤٠١، ٤٠٢.
(٣) انظر : الناسخ والمنسوخ ص٢٧٤.
(٤) سورة التكوير : ٢٩.
(٥) سورة التكوير : ٢٨.
(٦) سورة الكهف : ٢٩.
(٧) الإيضاح ص٤٠١، ٤٠٢.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ وَلَوْ çm"sYù=yèy_ $¸R#uنِچè% $w‹دJyfôمr& لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ @'دJyfôم­#uن @'د١uچtمur ﴾ يدل على أن القرآن عربي مبين ؛ إذ لو لم يكن كذلك لم يكن حجة على من نزل عليهم، ولكان حجة لهم.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه كثير من المفسرين (١).
وهو ظاهر لا يحتاج إلى بيان، كما تدل عليه النصوص الشرعية ؛ كقوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ @'د١uچtم êْüخ٧-B ﴾ (٢)، وقوله :﴿ وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) tAu"tR بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) ﷺb$|، د=خ/ ٥c'د١uچtم &ûüخ٧-B ﴾ (٣).
قال الهراسي :" قوله تعالى :﴿ وَلَوْ çm"sYù=yèy_ $¸R#uنِچè% $w‹دJyfôمr& ﴾ الآية.
فيه دليل على أن القرآن بلغة العرب، وأنه ليس أعجمياً " (٤).
وقال القرطبي :" قوله تعالى :﴿ وَلَوْ çm"sYù=yèy_ $¸R#uنِچè% $w‹دJyfôمr& ﴾ أي : بلغة غير العرب ﴿ لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ ﴾ ؛ أي : بينت بلغتنا فإننا عرب لا نفهم الأعجمية.
(١) انظر : جامع البيان ١١/١١٨، أحكام القرآن للجصاص ٣/٥٠٩، أحكام القرآن للهراسي ٢/٣٦٣، الكشاف ٣/٣٩٣، أحكام القرآن لابن العربي ٤/٨٧، ٨٨، المحرر الوجيز ٥/٢٠، زاد المسير ٧/١٠٣، التفسير الكبير ١٤/٢٧/١١٥، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٥/٢٤٠، مدارك التنْزيل ٢/٥٠٠، التسهيل ٢/٢٩٤، البحر المحيط ٧/٤٨٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/١١١، حاشية الصاوي ٤/٦٤، روح المعاني ١٢/٣٨٠، ٣٨١، تيسير الكريم الرحمن ٦/٥٨٤.
(٢) سورة النحل : ١٠٣.
(٣) سورة الشعراء : ١٩٢-١٩٥.
(٤) أحكام القرآن ٢/٣٦٣.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه كثير من المفسرين (١).
وظاهر الآية يدل على ذلك ؛ إذ أضافت نتائج أعمال العباد إليهم، وأطلقت ذلك ولم تقيده بشيء.
كما تدل النصوص الشرعية عليه ؛ كقوله تعالى :﴿ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ ِ/ن٣إ،àےR{ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ﴾ (٢).
وقوله :﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ #Xچّ‹yz ¼çnuچtƒ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا ¼çnuچtƒ ﴾ (٣)، وحديث أبي ذر :" إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها " (٤).
قال ابن القيم :" قوله تعالى :﴿ مَنْ عَمِلَ $[sد="|¹ ¾دmإ، ّےuZد=sù وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا y٧ڑ/u' بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾، أي : لا يحمل المسيء عقاب ما لم يعمله، ولا يمنع المحسن من ثواب عمله" (٥).
وقال السعدي :" ﴿ مَنْ عَمِلَ $[sد="|¹ ﴾ وهو العمل الذي أمر الله به ورسوله ﴿ ¾دmإ، ّےuZد=sù ﴾ نفعه وثوابه في الدنيا والآخرة، ﴿ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ﴾ ضرره وعقابه في الدنيا والآخرة.
وفي هذا حث على فعل الخير، وترك الشر، وانتفاع العاملين بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السيئة، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى " (٦).
(١) انظر : جامع البيان ١١/١٢١، بحر العلوم ٣/١٨٦، الكشاف ٤/٣٩٤، المحرر الوجيز ٥/٢١، التفسير الكبير ١٤/٢٧/١١٦، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٥/٢٤١، بدائع التفسير ٤/١٠٥، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/١١٢، فتح القدير ٤/٥٢١، روح المعاني ١٢/٣٨٢، محاسن التأويل ٦/١٦٠، تيسير الكريم الرحمن ٦/٥٨٦، أضواء البيان ٣/٤٠٥، ٤٠٦، ٧/١٣٩.
(٢) سورة الإسراء : ٧.
(٣) سورة الزلزلة : ٧، ٨.
(٤) الحديث : سبق تخريجه، انظر : ص٧٧٣.
(٥) بدائع التفسير ٤/١٠٥.
(٦) تيسير الكريم الرحمن ٦/٥٨٦.

١ - أن السابقين يطلقون النسخ على ما هو أعم مما عند المتأخرين والأصوليين، كما سبق بيانه(١)، ولذا وجه بعض المفسرين قول وهب بالنسخ إلى البيان.
٢ - أن أكثر المفسرين على أن الآية محكمة غير منسوخة (٢)، ولم يقل بالنسخ إلا طائفة معدودة(٣).
٣ - أن جماعة من المفسرين أنكروا القول بالنسخ وردّوه ؛ لأن الآية من باب الأخبار، والأخبار لا تنسخ (٤).
٤ - أنه لا يصار إلى النسخ ما أمكن الجمع، والجمع ممكن، ومن ذلك :
الوجه الأول : أن الآية عامة، يراد بها الخصوص، فهي خاصة بالمؤمنين.
الوجه الثاني : أن الاستغفار المراد به : الحلم عنهم والرزق لهم، أو التوفيق للهداية، وعلى هذا فالآية عامة.
(١) انظر : ص٢١١، ٢١٢.
(٢) انظر : جامع البيان ١١/١٢٩، الناسخ والمنسوخ للنحاس ص٢١٥، الإيضاح ص٣٩٩، ٤٠٣، معالم التنْزيل ٧/١٨٤، الكشاف ٣/٣٩٧، الناسخ والمنسوخ لابن العربي ص٢٧٣، ٢٧٦، المحرر الوجيز ٥/٢٦، التفسير الكبير ١٤/٢٧/١٢٦، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٦/٥، مدارك التنْزيل ٢/٥٠٤، التسهيل ٢/٢٩٨، البحر المحيط ٧/٧٨٧، فتح القدير ٤/٥٢٦، أضواء البيان ٧/١٥٢، ١٥٣.
(٣) نسب ابن الجوزي في ناسخ القرآن ومنسوخه ص٥٠١ القول بالنسخ إلى وهب بن منبه، والسدي، ومقاتل بن سليمان، وذهب إليه ابن حزم في الناسخ والمنسوخ ص٥٣، ٥٤، والبارزي في ناسخ القرآن العزيز ص٤٨.
(٤) انظر : الناسخ والمنسوخ للنحاس ص٢١٥، الإيضاح ص٣٩٩، ٤٠٣، الناسخ والمنسوخ لابن العربي ص٢٧٣، ٢٧٦، المحرر الوجيز ٥/٢٦، زاد المسير ٧/١١٠، ناسخ القرآن ومنسوخه لابن الجوزي ص٥٠١، ٥٠٢، التسهيل ٢/٢٩٨.

قال ابن جرير: "والآخر: أن يكون معناه: ليس مثله شيء، وتكون الكاف هي المدخلة في الكلام، كقول الراجز: وصاليات كَكَما يُؤثَفيْنِ.
فأدخل على الكاف كافاً توكيداً للتشبيه"(١).
قال العكبري: " والكاف في ﴿ ¾دmد=÷WدJx. ﴾ زائدة؛ أي: ليس مثله شيء، فمثله؛ خبر ليس، ولو لم تكن زائدة لأفضى إلى المحال، إذ كان يكون المعنى أن له مثلاً، وليس لمثله مثل، وفي ذلك تناقض؛ لأنه إذا كان له مثل فلمثله مثل، وهو هو، مع أن إثبات المثل لله سبحانه محال"(٢).
الوجه الثاني: أن المِثْل هي الزائدة، جاءت لتوكيد الكلام، وتقدير الكلام: ليس هو كشيء، أو ليس كهو شيء، وهي كقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ ﴾ (٣).
وذهب إليه بعض المفسرين؛ كابن جرير(٤)، والثعلبي(٥).
ودليلهم: أن هذا وارد في لغة العرب.
قال ابن جرير: "وقوله: ﴿ لَيْسَ ¾دmد=÷WدJx. شَيْءٌ ﴾ فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون معناه: ليس هو كشيء، وأدخل المثل في الكلام توكيداً للكلام إذا اختلف اللفظ به وبالكاف، وهما بمعنى واحد، كما قيل:
ما إنْ نَديتُ بشيء أَنْتَ تَكْرَهُهُ
فأدخل على (ما) وهي حرف جحد (إن) وهي أيضاً حرف جحد ؛ لاختلاف اللفظ بهما، وإن اتفق معناهما توكيداً للكلام، وكما قال أوس بن حجر:
وَقَتْلي كَمِثْلِ جُذُوعِ النَّخِيلْ تَغَشَّاهُمُ مُسْبِلٌ مُنْهَمِرْ
ومعنى ذلك: كجذوع النخيل"(٦).
وتعقب هذا القول بعض المفسرين، ولم يستحسنوه(٧).
(١) جامع البيان ١١/١٣٣.
(٢) إملاء ما مَن به الرحمن ص٤٦٦.
(٣) سورة البقرة : ١٣٧.
(٤) انظر: جامع البيان ١١/١٣٣.
(٥) انظر: الكشف والبيان ٨/٣٠٥.
(٦) انظر: جامع البيان ١١/١٣٣.
(٧) كالعكبري في إملاء ما مَن به الرحمن ص٤٦٦، وأبي حيان في تفسيره ٧/٤٨٩، والسمين الحلبي في تفسيره ٩/٥٤٣، وشيخ محيي الدين زاده في حاشيته ٧/٤٠٩، ٤١٠.

وقال السعدي - في الآية - :" يخبر تعالى أنه ما أصاب العباد من مصيبة في أبدانهم وأموالهم وأولادهم، وفيما يحبون، ويكون عزيزاً عليهم ؛ إلا بسبب ما قدمته أيديهم من السيئات"(١).
(١) تيسير الكريم الرحمن ٦/٦١٨.

وهو الآباء، إذ كانوا عندهم من أهل العقل والنظر، وقد كانوا على هذا الدين، وليس إلا لأنه صواب، فنحن عليه ؛ لأنه لو كان خطأ ؛ لما ذهبوا إليه.
وهو نظير من يستدل على صحة البدعة بعمل الشيوخ ومن يشار إليه بالصلاح، ولا ينظر إلى كونه من أهل الاجتهاد في الشريعة أو من أهل التقليد، ولا إلى كونه يعمل بعلم أو بجهل.
ولكن مثل هذا يعدُّ استدلالاً في الجملة ؛ من حيث جُعل عمدة في اتباع الهوى واطراح ما سواه، فمن أخذ به ؛ فهو آخذ للبدعة بدليل مثله، ودخل في مسمّى أهل البدعة، إذ كان مِنْ حقِّ مَنْ هذا سبيله أن ينظر في الحق إذ جاءه، ويبحث عنه، ويتأنّى، ويسأل، حتى يتبين له الحق فيتبعه، والباطل فيجتنبه.
ولذلك قال تعالى -رداً على المحتجين بما تقدم- :﴿ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آَبَاءَكُمْ ﴾، وفي الآية الأخرى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ (#qمèخ٧¨؟$# مَا tAu"Rr& اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا ﴾ فقال تعالى :﴿ أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ $Z"ّ‹x© وَلَا يَهْتَدُونَ ﴾ (١)، وفي الآية الأخرى :﴿ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ (٢)"(٣).
وقال - في موضع ثالث - :" ولقد زلَّ - بسبب الإعراض عن أصل الدليل والاعتماد على الرجال - أقوام خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم، فضلوا عن سواء السبيل.
ولنذكر لذلك عشرة أمثلة :
(١) سورة البقرة : ١٧٠.
(٢) سورة لقمان : ٢١.
(٣) الاعتصام ١/٢٧٦، ٢٧٧.

قال ابن جرير :" وقوله :﴿ فَمَنْ دmƒد‰÷ku‰ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ يقول تعالى ذكره : فمن يوفقه لإصابة الحق، وإبصار حجة الرشد بعد إضلال الله إياه ﴿ أَفَلَا tbrمچھ.x‹s؟ ﴾ أيها الناس، فتعلموا أن من فعل الله به ما وصفنا ؛ فلن يهتدي أبداً، ولن يجد لنفسه ولياً مرشداً" (١).
وقال السعدي :" ﴿ فَمَنْ دmƒد‰÷ku‰ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ ﴾ ؛ أي : لا أحد يهديه وقد سد الله عليه أبواب الهداية، وفتح له أبواب الغواية، وما ظلمه الله، ولكن هو الذي ظلم نفسه، وتسبب لمنع رحمة الله عليه " (٢).
(١) جامع البيان ١١/٢٦٣.
(٢) تيسير الكريم الرحمن ٧/٢٩.

وقال الشنقيطي :" ومعنى الآية ؛ قل لهم يا نبي الله : ما كنت أول رسول أرسل إلى البشر، بل قد أرسل الله قبلي جميع الرسل إلى البشر، فلا وجه لاستبعادكم رسالتي، واستنكاركم إياها ؛ لأن الله أرسل قبلي رسلاً كثيرة " (١).
(١) أضواء البيان ٧/٣٧٧.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين بلا خلاف (١).
كما يدل عليه نص الآية في سياقها، كما قال تعالى :﴿ وَيَوْمَ قعuچ÷èمƒ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي â/ن٣د؟$uٹxm الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ tb÷ru"ّgéB عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ tbrمژة٩ُ٣tGَ،n@ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ بd،utù:$# وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ ﴾.
قال ابن العربي :" لا خلاف أن هذه الآية في الكفار بنص القرآن ؛ لقوله في أولها :﴿ وَيَوْمَ قعuچ÷èمƒ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ ﴾ ؛ أي: فيقال لهم: ﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي â/ن٣د؟$uٹxm الدُّنْيَا ﴾ يريد أفنيتموها في الكفر بالله ومعصيته " (٢).
وقال الشنقيطي :" وأما كون الآية في الكفار ؛ فقد صرح الله تعالى به في قوله :﴿ وَيَوْمَ قعuچ÷èمƒ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ ﴾ الآية " (٣).
المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن استعمال المباح لا يدخل في قوله تعالى :﴿ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي â/ن٣د؟$uٹxm الدُّنْيَا ﴾ ؛ لأن المراد به الإسراف الخارج عن حد المباح، بدليل كونه - ﷺ - يأكل الطيب إذا وجده.
(١) انظر : جامع البيان ١١/٢٨٩، أحكام القرآن للجصاص ٣/٥١٨، معالم التنْزيل ٧/٢٦٠، أحكام القرآن لابن العربي ٤/١٢٧، المحرر الوجيز ٥/١٠٠، التفسير الكبير ١٤/٢٨/٢٢، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٦/١٣٤، التسهيل ٢/٣٣٥، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/١٧٢، فتح القدير ٥/٢١، روح المعاني ١٣/١٨٠، ١٨١، تيسير الكريم الرحمن ٧/٥١، أضواء البيان ٧/٣٩٠.
(٢) أحكام القرآن ٤/١٢٧.
(٣) أضواء البيان ٧/٣٩٣.

كما أنها لم تهلك السموات والأرض والجبال وغيرها، كما يدل عليه الواقع.
قال ابن جرير :" وإنما عنى بقوله :﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ حچّBr'خ/ رَبِّهَا ﴾ مما أرسلت بهلاكه ؛ لأنها لم تدمر هوداً ومن كان آمن به " (١).
وقال ابن عطية :" وقوله :﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ ظاهره العموم، ومعناه الخصوص في كل ما أمرت بتدميره " (٢).
وقال ابن الجوزي :" ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ حچّBr'خ/ رَبِّهَا ﴾ ؛ أي : تهلك كل شيء مرّت به من الناس والدواب والأموال " (٣).
وقال ابن القيم :" ﴿ مچدiBy‰è؟ ¨@ن. ¥نَسx" حچّBr'خ/ $pkحh٥u' ﴾ ؛ أي : كل شيء يقبل التدمير ومن شأن الريح أن تدمره " (٤).
(١) جامع البيان ١١/٢٩٤.
(٢) المحرر الوجيز ٥/١٠٢.
(٣) زاد المسير ٧/١٧٨.
(٤) بدائع التفسير ٤/١٥٥.

وما ذهب إليه الشاطبي من أن المقصود بقوله :﴿ مَثَلُ دp¨Ypgù:$# ﴾ الممثل ؛ ذهب إليه جمهور المفسرين من حيث إن المراد بالمثل هنا الصفة، لا المشابهة بين شيئين(١).
وهذا هو ظاهر الآية، كما أن من معاني المثل هو الصِّفة، كقوله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ (٢) أي: الصفة العليا (٣).
قال ابن قتيبة :"والمثل: الصورة والصِّفة، كقوله: ﴿ مَثَلُ دp¨Ypgù:$# الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ ﴾ ؛ أي: صفة الجنة " (٤).
وقال ابن الجوزي: " قوله تعالى: ﴿ مَثَلُ دp¨Ypgù:$# ﴾ أي: صفتها أن الأنهار تجري من تحتها، هذا قول الجمهور "(٥).
وقال -أيضاً- :" ﴿ مَثَلُ دp¨Ypgù:$# الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ ﴾ ؛ أي: صفتها " (٦).
وقال ابن جزي: ﴿ مَثَلُ دp¨Ypgù:$# ﴾ (٧) هنا وفي القتال(٨) صفتها، وليس بضرب مثل لها"(٩).
وقال الفيروز ابادي: "وقد يعبر بالمثل والشبه عن وصف الشيء ؛ نحو قوله تعالى: ﴿ م@sW¨B دp¨Ypgù:$# سةL©٩$# y‰دممr tbqà)­GكJّ٩$# ﴾ " (١٠).
(١) انظر : تأويل مشكل القرآن ص٤٩٦، جامع البيان ١١/٣١٣، بحر العلوم ٣/٢٤٣، الوسيط ٤/١٢٢، المفردات ص٤٦٢، ٤٦٣، معالم التنْزيل ٧/٢٨٢، زاد المسير ٤/٢٥٥، ٧/١٨٩، التفسير الكبير ١٤/٢٨/٤٧، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٦/١٥٧، مدارك التنْزيل ٢/٥٦٣، التسهيل ١/٤٣٨، البحر المحيط ٨/٧٨، ، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/١٨٩، أنوار التنْزيل ٢/٤٠٢، بصائر ذوي التمييز ٤/٤٨١، تفسير الجلالين ٤/١٤٩، إرشاد العقل السليم ٦/٨٧، فتح القدير ٥/٣٤، روح المعاني ١٣/٢٠٤، تيسير الكريم الرحمن ٧/٧٠.
(٢) سورة النحل : ٦٠.
(٣) انظر: معالم التنْزيل ٤/٣٢٢.
(٤) تأويل مشكل القرآن ص٤٩٦.
(٥) زاد المسير ٤/٢٥٥.
(٦) زاد المسير ٧/١٨٩.
(٧) سورة الرعد : ٣٥.
(٨) أي سورة محمد.
(٩) التسهيل ١/٤٣٨.
(١٠) بصائر ذوي التمييز ٤/٤٨١.

المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن معنى قوله: ﴿ لَعَنِتُّمْ ﴾ أي: لحرجتم ولدخلت عليكم المشقة.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين(١)، وأقوال المفسرين راجعة إليه، فيدخل في معناه الإثم والهلاك(٢).
قال ابن جرير :" ﴿ لَعَنِتُّمْ ﴾ يقول : لنالكم، يعني: الشدة والمشقة في كثير من الأمور".
"وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله: ﴿ (#ûqكJn=÷و$#ur أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ﴾ قال أهل التأويل"(٣).
وقال الزجاج: " والعنت: الفساد والهلاك"(٤).
وقال الشوكاني: "والمعنى: لو يطيعكم في كثير مما تخبرونه به من الأخبار الباطلة، وتشيرون
به عليه من الآراء التي ليست بصواب لوقعتم في العنت؛ وهو التعب والجهد، والإثم والهلاك"(٥).
المسألة الثانية: ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ |=٧xm إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ ﴾ يدل على أن الله حبب إلينا الإيمان بتيسيره وتسهيله.
(١) انظر : جامع البيان ١١/٣٨٥، معاني القرآن للزجاج ٥/٣٤، معالم التنْزيل ٧/٣٣٩، المحرر الوجيز ٥/١٤٧، التفسير الكبير ١٤/٢٨/١٠٥، الجامع لأحكام القرآن ٨/١٦/٢٠٦، مدارك التنْزيل ٢/٥٨٣، التسهيل ٢/٣٥٧، البحر المحيط ٨/١١٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٢٢٥، فتح القدير ٥/٦٠، روح المعاني ١٣/٢٩٩، محاسن التأويل ٦/٢٩٦، تيسير الكريم الرحمن ٧/١٣١.
(٢) انظر : بحر العلوم ٣/٢٦٣، النكت والعيون ٥/٣٢٩، تفسير الجلالين ٤/١٨٥.
(٣) جامع البيان ١١/٣٨٥، ٣٨٦.
(٤) معاني القرآن ٥/٣٤.
(٥) فتح القدير ٥/٦٠.

وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ } يعني : وما لها من صدوع وفتوق" (١).
وقال البغوي: " ﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ $yg"sYّ‹t^t/ ﴾ بغير عمد، ﴿ $yg"¨Y

ƒy-ur ﴾ بالكواكب ﴿ وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ ﴾ شقوق وفتوق وصدوع " (٢).

وقال أبو حيان :" ﴿ كَيْفَ $yg"sYّ‹t^t/ ﴾ مرتفعة من غير عمد، ﴿ $yg"¨Yƒy-ur ﴾ بالنيرين وبالنجوم، ﴿ $tBur $olm; `دB ٨lrمچèù ﴾ أي : من فتوق وسقوف، بل هي سليمة من كل خلل " (٣).

(١) جامع البيان ١١/٤٠٩.
(٢) معالم التنْزيل ٧/٣٢٧.
(٣) البحر المحيط ٨/١٢١.

وقوله :﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ ِNن٣ّ‹s٩خ) ûسة_t٦"tƒ آَدَمَ أَن لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ ×ûüخ٧-B (٦٠) وَأَنِ 'دTrك‰ç٦ôم$# هَذَا شق¨uژإہ زOٹة)tGَ،-B ﴾ (١).
وقوله - ﷺ - :" يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال : الله ورسوله أعلم، قال: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً "(٢).
قال ابن تيمية -في الآية- :" الذي عليه جمهور المسلمين أن الله خلقهم لعبادته، وهو فعل ما أمروا به..."، "فهذا هو المعنى الذي قصد بالآية قطعاً، وهو الذي تفهمه جماهير المسلمين، ويحتجون بالآية عليه، ويعترفون بأن الله خلقهم ليعبدوه، لا ليضيعوا حقه" (٣).
وقال ابن القيم -في الآية- :"فأخبر سبحانه أن الغاية المطلوبة من خلقه هي عبادته التي أصلها كمال محبته" (٤).
وقال ابن كثير :"ومعنى الآية : أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده، لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب" (٥).
(١) سورة يس : ٦٠، ٦١.
(٢) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي - ﷺ - أمّته إلى توحيد الله تبارك وتعالى ص١٢٦٨، ١٢٦٩، برقم ٧٣٧٣، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة ١/٥٨، برقم ٣٠، من حديث معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.
(٣) مجموع الفتاوى ٨/٥١، ٥٣.
(٤) بدائع التفسير ٤/٢٤٧.
(٥) تفسير القرآن العظيم ٤/٢٥٥.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه المفسرون(١)؛ من حيث إنهم لم يذكروا هذا القول، وأن معنى قوله: ﴿ كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ ﴾ ؛ أي: قطعاً وعذاباً من السماء، وأن الآية خطاب لمشركي قريش.
قال ابن جرير في الآية :"يقول تعالى ذكره: وإن يَرَ هؤلاء المشركون قطعاً من السماء ساقطاً، والكسف: جمع كِسْفة مثل التمر : جمع تمرة، والسِّدر: جمع سدرة.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل" (٢).
وقال النسفي -في الآية- :" والكسف القطعة، وهو جواب قولهم :﴿ أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا ﴾ (٣) " (٤).
وقال القاسمي -في الآية- :"هذا جواب لمشركي قريش الذين كانوا يستعجلون العذاب ويقترحون الآيات" (٥).
(١) انظر : جامع البيان ١١/٤٩٧، ٤٩٨، معاني القرآن للزجاج ٥/٦٧، ٦٨، بحر العلوم ٣/٢٨٦، النكت والعيون ٥/٣٨٦، معالم التنْزيل ٧/٣٩٤، الكشاف ٤/٣٦، المحرر الوجيز ٥/١٩٣، زاد المسير ٧/٢٧٠، التفسير الكبير ١٤/٢٨/٢٣٠، ٢٣١، الجامع لأحكام القرآن ٩/١٧/٥٢، مدارك التنْزيل ٢/٦١٠، البحر المحيط ٨/١٥٠، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٢٦٢، تفسير الجلالين ٢/٢٢٨، فتح القدير ٥/١٠٢، محاسن التأويل ٦/٣٥٦، تيسير الكريم الرحمن ٧/٢٠٠.
(٢) جامع البيان ١١/٤٩٧
(٣) سورة الإسراء : ٩٢.
(٤) مدارك التنْزيل ٢/٦١٠.
(٥) محاسن التأويل ٦/٣٥٦.

والذي يظهر: أنه لا تعارض بين القولين -في الجملة-؛ إذ هما متلازمان ؛ لأن الشريعة في القرآن ومعه السنة، والقرآن هو الشريعة، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي !$uZّٹxm÷rr& إِلَيْكَ ﴾ (١).
قال ابن كثير :" ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ ؛ أي: إنما يقول ما أمر به يبلغه إلى الناس كاملاً موفوراً من غير زيادة ولا نقصان"(٢).
وقال البيضاوي :" ﴿ ÷bخ) uqèd ﴾ ما القرآن أو الذي ينطق به ﴿ wخ) ضسَrur ٤سyrqمƒ ﴾ أي إلا وحي يوحيه الله إليه"(٣).
(١) سورة الشورى : ١٣.
(٢) تفسير القرآن العظيم ٤/٢٦٤.
(٣) أنوار التنْزيل ٢/٤٣٨.

والظن المراد في الآيات وفي الحديث(١) -أيضاً- غير ما زعموا، وقد وجدنا له محامل ثلاثة:
أحدها: أنه الظن في أصول الدين ؛ فإنه لا يغني عند العلماء ؛ لاحتماله النقيض عند الظان؛ بخلاف الظن في الفروع ؛ فإنه معمول به عند أهل الشريعة ؛ للدليل الدال على إعماله، فكأن الظن مذموم إلا ما تعلق بالفروع منه، وهذا صحيح ذكره العلماء في هذا الموضع(٢).
والثاني: أن الظن هنا هو ترجيح أحد النقيضين على الآخر من غير دليل مرجح، ولا شك أنه مذموم هنا ؛ لأنه من التحكم، ولذلك أتبع في الآية بهوى النفس في قوله: ﴿ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ ﴾ فكأنهم مالوا إلى أمر بمجرد الفرض والهوى، لا باتباع الهدى المنبّه عليه بقوله: ﴿ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ مNخkحh٥' الْهُدَى ﴾ ولذلك أثبت ذمَّه، بخلاف الظن الذي أثاره دليل، فإنه غير مذموم في الجملة ؛ لأنه خارج عن اتباع الهوى، ولذلك أُثبت وعمل بمقتضاه حيث يليق العمل بمثله ؛ كالفروع.
والثالث: أن الظن على ضربين:
(١) يعني قوله - ﷺ - :"إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" وقد أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب الأدب، باب: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا #[ژچدWx. مِنَ الظَّنِّ إِن بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ﴾ برقم٦٠٦٦، ص١٠٥٩، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) انظر: أحكام القرآن لابن العربي ٤/١٥٧، المحرر الوجيز ٥/٢٠٣، التفسير الكبير ١٤/٢٥٩، ٢٦٠، أنوار التنْزيل ٢/٤٤٠، وانظر: بيان هذا الأمر في مجموع الفتاوى١٣/١١١-١٢٥، مذكرة في أصول الفقه ص١٢٢-١٢٦.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين(١).
قال ابن جرير :"وقوله: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٣"uچ÷èدe±٩$# ﴾ يقول تعالى ذكره : وأن ربك يا محمد هو رب الشعرى، يعني بالشعرى: النجم الذي يُسمّى هذا الاسم، وهو نجم كان بعض أهل الجاهلية يعبده من دون الله.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل"(٢).
وقال ابن جزي :" ﴿ ٣"uچ÷èدe±٩$# ﴾ نجم في السماء، وتسمى كلب الجبّار، وهما شعريان، وهما الغيمصاء، والعَبور، وخصها بالذكر دون سائر النجوم ؛ لأن بعض العرب كان يعبدها"(٣).
وقال السمين الحلبي :" والشِّعرى : نجم معروف، وتخصيصه بالذكر في قوله :﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ ٣"uچ÷èدe±٩$# ﴾ ؛ لأن خزاعة كانت تعبدها "(٤).
وقال الشوكاني: " وإنما ذكر سبحانه أنه رب الشعرى مع كونه رباً لكل الأشياء ؛ للرد على من كان يعبدها، وأول من عبدها أبو كبشة، وكان من أشراف العرب"(٥).
(١) انظر : جامع البيان ١١/٥٣٦، معاني القرآن للزجاج ٥/٧٦، ٧٧، بحر العلوم ٣/٣٩٥، النكت والعيون ٥/٤٠٥، معالم التنْزيل ٧/٤١٩، الكشاف ٤/٤٢، المحرر الوجيز ٥/٢٠٨، زاد المسير ٧/٢٨٧، التفسير الكبير ١٥/٢٩/٢١، الجامع لأحكام القرآن ٩/١٧/٧٨، مدارك التنْزيل ٢/٦١٨، التسهيل ٢/٣٨٥، البحر المحيط ٨/١٦٥، عمدة الحفاظ ٢/٣١٦، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٢٧٨، نظم الدرر ٦/١٧١، ١٧٢، أنوار التنْزيل ٢/٤٤٣، تفسير الجلالين ٤/٢٢٣، حاشية الصاوي ٤/٢٢٣، فتح القدير ٥/١١٧، روح المعاني ١٤/٦٨، ٦٩، محاسن التأويل ٦/٣٨٠، تيسير الكريم الرحمن ٧/٢٢٠، ٢٢١.
(٢) جامع البيان ١١/٥٣٦.
(٣) التسهيل ٢/٣٨٥.
(٤) عمدة الحفاظ ٢/٣١٦.
(٥) فتح القدير ٥/١١٧.

ولكن إن صح، ففيه دليل، وإلا فليس في الآية ما يعين أنهم من الفرق، وكلامنا فيه"(١).
الدّراسة :
ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ uچs)y™ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ çm"sYّ)n=yz بِقَدَرٍ ﴾ إن صح بأنه نزل في أهل القدر ؛ ففيه دليل على تعيين أنهم من الفرق المبتدعة الضالة، وإن لم يصح نزولها فيهم، فليس في الآية ما يعين أن القدرية من الفرق المبتدعة الضالة.
وقوله هذا هو من حيث تعيينها ونزول النص فيها مع الاتفاق على ضلالها.
وما ذهب إليه الشاطبي يتبين بما يلي:
أولاً: أن سبب نزول الآية في أهل القدر صحيح.
ومما يدل عليه : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :" جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله - ﷺ - في القدر فنَزلت ﴿ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ uچs)y™ (٤٨) إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ çm"sYّ)n=yz بِقَدَرٍ ﴾ "(٢).
ثانياً : ذهب أكثر المفسرين إلى أن الآية نزلت في أهل القدر(٣).
قال ابن جرير :" وقوله: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ çm"sYّ)n=yz بِقَدَرٍ ﴾ يقول تعالى ذكره: إنا خلقنا كل شيء بمقدار قدرناه وقضيناه.
وفي هذا بيان أن الله -جل ثناؤه- توعد هؤلاء المجرمين على تكذيبهم في القدر مع كفرهم به.
(١) الاعتصام ٣/٢٢٨، ٢٢٩.
(٢) الحديث: سبق تخريجه انظر : ص٨٣١.
(٣) انظر : جامع البيان ١١/٥٦٨، بحر العلوم ٣/٣٠٢، ٣٠٣، النكت والعيون ٥/٤٢٠، أسباب النّزول ص٤٠٠، ٤٠١، معالم التنْزيل ٧/٤٣٥، ٤٣٦، المحرر الوجيز ٥/٢٢١، زاد المسير ٧/٢٩٩، ٣٠٠، التفسير الكبير ١٥/٢٩/٦٢، الجامع لأحكام القرآن ٩/١٧/٩٥، ٩٦، مدارك التنْزيل ٢/٦٢٦، التسهيل ٢/٣٩١، بدائع التفسير ٤/٣١٥، ٣١٦، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٢٨٦، لباب النقول ص٢٠٢، الدر المنثور ٦/١٨٥-١٨٧، حاشية الصاوي ٤/٢٥٧، تيسير الكريم الرحمن ٧/٢٤١، ٢٤٢.

قال ابن جرير -في الآية- :" وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: عُني بذلك المسافر الذي لا زاد معه، ولا شيء له، وأصله من قولهم: أقوت الدار: إذا خلت من أهلها وسكانها"(١).
وقال البغوي: " ﴿ لِلْمُقْوِينَ ﴾ ؛ المسافرين، والمقوي: النازل في الأرض، والقِيُُّ والقَوا هو: القفر الخالية البعيدة من العمران، يقال: أقوت الدار ؛ إذا خلت من سكانها. والمعنى : أنه ينتفع بها أهل البوادي والأسفار ؛ فإن منفعتهم بها أكثر من منفعة المقيم، وذلك أنهم يوقدونها ليلاً لتهرب منهم السباع، ويهتدي بها الضُّلاَّل وغير ذلك من المنافع، هذا قول أكثر المفسرين"(٢).
وقال ابن جزي :"ويحتمل المقوين أن يكون من الأرض القواء وهي الفيافي، ومعنى المقوين الذين دخلوا في القواء، ولذلك عبر ابن عباس عنه بالمسافرين"(٣).
وقال أبو حيان :" ﴿ وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ ؛ أي: النازلين الأرض القَوا، وهي القفر.
وقيل: للمسافرين، وهو قريب مما قبله"(٤).
وقال الشنقيطي: " وقوله تعالى: ﴿ وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ ﴾ ؛ أي: منفعة للنازلين بالقواء من الأرض، وهو الخلاء والفلاة التي ليس بها أحد، وهم المسافرون ؛ لأنهم ينتفعون بالنار انتفاعاً عظيماً في الاستدفاء بها والاستضاءة وإصلاح الزاد"(٥).
(١) جامع البيان ١١/٦٥٧.
(٢) معالم التنْزيل ٨/٢١، ٢٢.
(٣) التسهيل ٢/٤٠٤.
(٤) البحر المحيط ٨/٢١٢.
(٥) أضواء البيان ٧/٧٩٦.

ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى :﴿ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ مNخkِژn=tم الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ضژچدWx.ur مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ ؛ فيه إشارة إلى أن من أهل الكتاب من لم يفسق.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره جماعة من المفسرين ؛ كالسمرقندي(١)، والقرطبي(٢)، والنسفي(٣)، والصاوي(٤).
وهذا ما دلت عليه الآية ؛ حيث حكمت بأن أكثرهم فاسقون، وليسوا كلهم، وهذا يدل على أن منهم من لم يفسق.
ويدل على هذا الاستدلال النصوص الشرعية التي ذكرها الشاطبي.
كما أن مما يدل عليه قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ #[ژِچyz لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ مNèdمژnYٍ٢r&ur الْفَاسِقُونَ ﴾ (٥).
قال القرطبي -عن أهل الكتاب في الآية- :"ثبتت طائفة منهم على دين عيسى حتى بُعث النبي - ﷺ - فآمنوا به، وطائفة منهم رجعوا عن دين عيسى وهم الذين فسقهم الله"(٦).
وقال النسفي: " ﴿ ضژچدWx.ur مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ خارجون عن دينهم، رافضون لما في الكتابين؛ أي وقليل منهم مؤمنون"(٧).
وقال الصاوي: " قوله: ﴿ ضژچدWx.ur ِNهk÷]دiB ڑcqà)إ،"sù ﴾ ؛ أي: خارجون عن طاعة الله وطاعة نبيهم، والقليل متمسك بشرع نبيه.
وهذا الإخبار عنهم قبل ظهوره - ﷺ -، وأما بعده ظهوره فكل من لم يؤمن به فهو فاسق خارج عن طاعة الله تعالى"(٨).
(١) انظر: بحر العلوم ٣/٣٢٦.
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن ٩/١٧/١٦٢.
(٣) انظر: مدارك التنْزيل ٢/٦٤٩.
(٤) انظر: حاشية الصاوي ٤/٢٩٤، وانظر: زاد المسير ٧/٣٤٧، أضواء البيان ٧/٨١٣.
(٥) سورة آل عمران : ١١٠.
(٦) الجامع لأحكام القرآن ٩/١٧/١٦٢.
(٧) مدارك التنْزيل ٢/٦٤٩.
(٨) حاشية الصاوي ٤/٢٩٤.

إلا أنهم بينوا أن هذا الاغترار إنما هو لمن اغتر بها وأقبل عليها كالكافرين.
والشاطبي -فيما يظهر- يتفق مع هؤلاء المفسرين -في الجملة- بأن هذا الاغترار إنما هو لمن اغتر بها وركن إليها ؛ لأنه أورد هذا الاستدلال في سياق ذكره للأدلة الدالة على وصف الدنيا بما يقتضي ذمها، ثم أورد الأدلة الأخرى التي تدل على مدحها؛ من حيث إنها تدل على وحدانية الله ونحو ذلك(١).
قال ابن جرير :"وقوله: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ يقول تعالى ذكره: وما زينة الحياة الدنيا المعجلة لكم أيها الناس إلا متاع الغرور"(٢).
وقال القرطبي: " ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ هذا تأكيد ما سبق ؛ أي تغر الكفار، فأما المؤمن فالدنيا له متاع بلاغ إلى الجنة"(٣).
وقال ابن كثير: " وقوله تعالى: ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ ؛ أي: هي متاع فانٍ غارٌ لمن ركن إليه، فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أن لا دار سواها ولا معاد وراءها، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى الدار الآخرة"(٤).
(١) الموافقات ٥/٣٥٤-٣٦٦.
(٢) جامع البيان ١١/٦٨٥.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٩/١٧/١٦٦.
(٤) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٣٣٥.

وفرقة لم تكن لهم طاقة بمؤاذاة الملوك، ولا بأن يقيموا بين ظهراني قومهم فيدعوهم إلى دين الله ودين عيسى بن مريم، فساحوا في الجبال، وترهبوا فيها، هم الذين قال الله - عز وجل- فيهم: ﴿ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ بb¨uqôتح' اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا ¨،xm رِعَايَتِهَا $sY÷ s؟$t"sù الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْهُمْ َOèduچô_r& ضژچدWx.ur مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾.
فالمؤمنون الذين آمنوا بي وصدّقوا بي، والفاسقون : الذين كذبوا بي وجحدوا بي"(١). وهذا الحديث من أحاديث الكوفيين.
والرهبانية فيه بمعنى اعتزال الخلق بالسياحة في الجبال، واطِّراح الدنيا ولذَّاتها من النساء وغير ذلك، ومنه لزوم الصوامع والدِّيارات -على ما كان عليه كثير من النصارى قبل الإسلام- مع التزام العبادة، وعلى هذا التفسير جماعة من المفسِّرين.
ويحتمل أن يكون الاستثناء في قوله تعالى: ﴿ إِلَّا ابْتِغَاءَ بb¨uqôتح' اللَّهِ ﴾ متَّصلاً ومنفصلاً:
فإذا بنينا على الاتصال ؛ فكأنه يقول: ما كتبناها عليهم إلا على هذا الوجه الذي هو العمل بها ابتغاء رضوان الله، فالمعنى أنها مما كُتِبَ لهم- أي: مما شرع لهم- لكن بشرط قصد الرِّضوان.
(١) الحديث: أخرجه ابن جرير في تفسيره ١١/٦٩١، بلفظ :"إحدى وسبعين" بدل "ثنتين وسبعين" والحاكم في المستدرك في كتاب التفسير، تفسير سورة الحديد ٢/٥٢٢، برقم ٣٧٩٠ بنحوه، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: "ليس بصحيح فإن الصعق وإن كان موثقاً فإن شيخه منكر الحديث، قاله البخاري [حاشية مستدرك الحاكم ٢/٥٢٢] وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ١/١٦٣: "رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وفيه عقيل بن الجعد، قال البخاري: منكر الحديث".

وذكر أكثر المفسرين أنها نزلت في المهاجرين(١).
ولا خلاف بين القولين ؛ لأن أهل الصفة هم الفقراء المهاجرون.
ولم يرد سبب في نزول هذه الآية، ولكن هذا الوصف المذكور في الآية هو وصف لهؤلاء المهاجرين أهل الصفة؛ كقوله تعالى: ﴿ دن!#uچs)àےù=د٩ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ Nكgèùحچ÷ès؟ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ﴾ (٢).
قال قتادة -في الآية- :"هؤلاء المهاجرون تركوا الديار والأموال والأهلين والعشائر، خرجوا حباً لله ولرسوله، واختاروا الإسلام على ما فيه من الشدة، حتى لقد ذكر لنا أن الرجل كان يعصب الحجر على بطنه ليقيم به صلبه من الجوع، وكان الرجل يتخذ الحفيرة في الشتاء ماله دثار غيرها"(٣).
وقال الماوردي - في الآية - :" يعني بالمهاجرين : من هاجر عن وطنه من المسلمين إلى رسول الله - ﷺ - في دار هجرته، وهي المدينة، خوفاً من أذى قومه، ورغبة في نصرة نبيه"(٤).
وقال ابن الجوزي -في الآية- :"قال المفسرون : يعني بهم المهاجرين"(٥).
المسألة الثانية: ذهب الشاطبي إلى أن قوله تعالى: ﴿ (#qم_حچ÷zé& ﴾ يدل على أنهم أخرجوا منها اضطراراً، إذ لم يقل: خرجوا من ديارهم وأموالهم.
(١) نسبه ابن الجوزي في تفسيره ٨/٢٣ للمفسرين، وانظر: جامع البيان ١٢/٣٩، بحر العلوم ٣/٣٤٥، النكت والعيون ٥/٥٠٥، معالم التنْزيل ٨/٧٥، المحرر الوجيز ٢٨٦، ٢٨٧، الجامع لأحكام القرآن ٩/١٨/١٥، التسهيل ٢/٤٢٨، ٤٢٩، الدر المنثور ٦/٢٨٨، حاشية الصاوي ٤/٣٢٢، فتح القدير ٥/٢٠٠، روح المعاني ١٤/٢٤٤، ٢٤٥.
(٢) سورة البقرة : ٢٧٣، وانظر: ص٢٤٠، ٢٤١.
(٣) أخرجه ابن جرير في تفسيره ١٢/٣٩، وحسن إسناده حكمت بشير ياسين في التفسير الصحيح ٤/٤٦٥.
(٤) النكت والعيون ٥/٥٠٥.
(٥) زاد المسير ٨/٢٣.

والذي يظهر : أن الآية في المنافقين واليهود ؛ إذ سياق الآيات في الحديث عنهما، والوصف يصدق عليهما، والآية تحتملها، وإن كانت في المنافقين أظهر.
ففي أول الآيات: ﴿ أَلَمْ uچs؟ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ قOخgدR¨uq÷z﴾ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ َOçFô_حچ÷zé& لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ } (١).
وفي وسطها -مخاطباً المؤمنين- :﴿ َOçFR{ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ (٢).
وفي نهايتها: ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا uچxےں٢ قَالَ 'دoTخ) ضنü"حچt/ مِنْكَ 'دoTخ) أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (١٦) فَكَانَ !$uKهkyJt٦ة)"tم $yJهk®Xr& فِي النَّارِ بûّït$ح#"yz فِيهَا y٧د٩¨sŒur (#نt¨u"y_ tûüدJد="©à٩$# ﴾ (٣).
ولذا من اقتصر على أحدهما من المفسرين لم يَرُدَّ الآخر.
قال الزمخشري :"وقوله: ﴿ فِي صُدُورِهِمْ ﴾ دلالة على نفاقهم، يعني أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله، وأنتم أهيب في صدورهم من الله" "ويجوز أن يريد أن اليهود يخافونكم في صدورهم أشد من خوفهم من الله ؛ لأنهم كانوا قوماً أولي بأس ونجدة، فكانوا يتشجعون لهم مع إضمار الخيفة في صدورهم"(٤).
وقال ابن عطية -في الآية- :"ثم خاطب تعالى أمة محمد مخبراً أن اليهود والمنافقين أشد خوفاً من المؤمنين منهم من الله تعالى ؛ لأنهم يتوقعون عاجل الشر من المؤمنين، ولا يؤمنون بآجل العذاب من الله تعالى، وذلك لقلة فهمهم بالأمور وفقههم بالحق"(٥).
قال ابن جزي: " ﴿ َOçFR{ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ﴾ الرهبة: هي الخوف، والمعنى: أن المنافقين واليهود يخافون الناس أكثر مما يخافون الله"(٦).
(١) سورة الحشر : ١١.
(٢) سورة الحشر : ١٣.
(٣) سورة الحشر : ١٦، ١٧.
(٤) التسهيل ٢/٤٣٠.
(٥) الكشاف ٤/٨٣.
(٦) المحرر الوجيز ٥/٢٨٩.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ يؤيده فعله - ﷺ - وفعل الصحابة في المحافظة على إقامة الجمعة(١).
كما يؤيده قوله - ﷺ - :" لينتهين أقوام عن وَدْعِهم الجُمُعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكُونُنَّ من الغافلين"(٢).
وظاهر الآية يدل على ذلك؛ إذ فيها: ﴿ إِذَا نُودِيَ دo٤qn=¢ء=د٩ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى حچّ. دŒ اللَّهِ ﴾ إذ السعي مطلوب عند كل جمعة ينادى لها، وليست جمعة واحدة، وهذا يستلزم المحافظة على إقامتها.
المسألة الثانية : ذهب الشاطبي إلى أن النهي عن البيع في قوله تعالى: ﴿ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ تأكيد للأمر بالسعي ؛ لكونه يعطل السعي إلى الجمعة.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره كثير من المفسرين(٣).
وهذا هو الظاهر، ويدل عليه سياق الآية في لاحقها -أيضاً- ؛ إذ يقول تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ (٤) فأباح البيع بعد انقضاء الصلاة.
قال ابن العربي :"البيع إنما مُنع للاشتغال به، فكلُّ أمر يشغل عن الجمعة من العقود كلها فهو حرام شرعاً مفسوخ ردعاً"(٥).
(١) انظر: صحيح مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة ٢/٥٩٥، رقم ٨٧٢، ٨٧٣.
(٢) الحديث: أخرجه مسلم في صحيحه، في كتاب الجمعة، باب التغليظ في ترك الجمعة، ٢/٥٩١، برقم ٨٦٥ من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة - رضي الله عنهم -.
(٣) انظر : أحكام القرآن للجصاص ٣/٥٩٩، ٦٠٠، بحر العلوم ٣/٣٦٣، أحكام القرآن لابن العربي ٤/٢٤٩، زاد المسير ٨/٥٤، التفسير الكبير ١٥/٣٠/١٠، مدارك التنْزيل ٢/٦٨٤، مجموع الفتاوى ٢٤/٢٢٤، البحر المحيط ٨/٢٦٥، بدائع التفسير ٤/٤٤٩، نظم الدرر ٢٠/٦٥، تيسير الكريم الرحمن ٧/٣٨٤، التحرير والتنوير ٢٨/٢٠٢.
(٤) سورة الجمعة : ١٠.
(٥) أحكام القرآن ٤/٢٥٠.

وقال ابن جزي: " ﴿ (#rمچد±tFR$$sù 'خû اعِ'F{$# ﴾ هذا الأمر للإباحة باتفاق"(١).
(١) التسهيل ٢/٤٤٦.

وأما من حيث تعيين المراد باللهو الذي نزلت فيه الآية فإنه الطبل والمزمار ؛ كما جاء من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: " كان الجواري إذا نكحوا كان يمرون بالكَبَر والمزامير، ويتركون النبي - ﷺ - قائماً على المنبر، وينفضون إليها، فأنزل الله :﴿ وَإِذَا رَأَوْا ¸ouچ"pgدB أَوْ #³qّlm; (#ûq'زxےR$# إِلَيْهَا ﴾ "(١).
قال الزجاج :"والكَبَر : هو الطبل(٢). واللهو ههنا قيل الطبل، وهو -والله أعلم- كل ما يُلهى به"(٣).
وقال ابن الجوزي :"المراد باللهو: ضرب الطبل"(٤).
(١) الحديث: أخرجه ابن جرير في تفسيره ١٢/٩٩. قال عنه مقبل الوادعي في الصحيح المسند ص٢٤٨، ٢٤٩: "رجاله رجال الصحيح".
(٢) انظر: القاموس المحيط ص٦٠٢، لسان العرب ٥/١٣٠، مادة "كبر".
(٣) معاني القرآن ٥/١٧٣.
(٤) زاد المسير ٨/٥٦.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين(١).
وهو ظاهر الآية، وتدل عليه النصوص الشرعية ؛ كقوله تعالى :﴿ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا (#ûqن٩$s% آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ (#ûqن٩$s% إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ tbrâنح"÷kyJَ، مB ﴾ (٢).
وقوله: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا (#ûqمB$s% إِلَى دo٤qn=¢ء٩$# قَامُوا كُسَالَى tbrâن!#uچمƒ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا Wxٹد=s% (١٤٢) tûüخ/x‹ِ/x‹-B بَيْنَ y٧د٩¨sŒ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ ب@د=ôزمƒ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا ﴾ (٣).
قال ابن الجوزي: " قوله تعالى: ﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ ﴾ يعني: عبد الله بن أُبيّ وأصحابه ﴿ قَالُوا نَشْهَدُ y٧¯Rخ) مAqك™uچs٩ اللَّهِ ﴾ وههنا تم الخبر عنهم، ثم ابتدأ فقال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ يَعْلَمُ y٧¯Rخ) ¼م&è!qك™uچs٩ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ وإنما جعلهم كاذبين ؛ لأنهم أضمروا غير ما أظهروا"(٤).
(١) انظر : جامع البيان ١٢/١٠٠، معاني القرآن للزجاج ٥/١٧٥، بحر العلوم ٣/٣٦٤، النكت والعيون ٦/١٣، ١٤، معالم التنْزيل ٨/١٢٩، أحكام القرآن لابن العربي ٤/٢٥٧، المحرر الوجيز ٥/٣١١، زاد المسير ٨/٥٨، التفسير الكبير ١٥/٣٠/١٣، الجامع لأحكام القرآن ٩/١٨/٨٠، التسهيل ٨/٥٨، البحر المحيط ٨/٢٦٧، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٣٩٣، نظم الدرر ٢٠/٧٤-٧٦، تفسير الجلالين ٤/٣٥٣، فتح القدير ٥/٢٣٠، روح المعاني ١٤/٣٠٣، ٣٠٤، محاسن التأويل ٧/١٠٤.
(٢) سورة البقرة : ١٤.
(٣) سورة النساء : ١٤٢، ١٤٣.
(٤) زاد المسير ٨/٥٨.

وتدل عليه النصوص الشرعية، من حيث إنهم ينظرون إلى العزة نظرة دنيوية ؛ كما قال تعالى: ﴿ بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٣٨) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ z`ƒحچدے"s٣ّ٩$# أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ (١).
وقال تعالى: ﴿ الَّذِينَ tbqفء­/uژyItƒ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ (#ûqن٩$s% أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ tûïحچدے"s٣ù=د٩ نَصِيبٌ (#ûqن٩$s% أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ (٢).
قال القرطبي -في الآية- :"توهّمُوا أن العزة بكثرة الأموال والأتباع ؛ فبين الله أن العزة والمنعة والقوة لله"(٣).
المسألة الثانية: ذهب الشاطبي إلى أن قراءة الحسن: (لَنُخْرِجَنَّ الأَعَزَّ منها الأَذَلَّ) معناها: ذليلاً أو أذل من غيره.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره بعض المفسرين ؛ كالنحاس(٤)، والزمخشري(٥)، وابن الجوزي(٦)، والسمين الحلبي(٧)، والألوسي(٨)، وغيرهم(٩).
قال ابن الجوزي:" وقرأ الحسن: (لنُخْرِجَنَّ) بالنون مضمومة وكسر الراء، (الأعزَّ) بنصب الزاي، والأذل: منصوب على الحال -بناءً على جواز تعريف الحال، أو زيادة (أل) فيه، أو بتقدير (مثل). المعنى: لنخرجنه ذليلاً على أيِّ حال ذل"(١٠).
(١) سورة النساء : ١٣٨، ١٣٩.
(٢) سورة النساء : ١٤١.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ٩/١٨/٨٤.
(٤) انظر: إعراب القرآن ٤/٤٣٥.
(٥) انظر: الكشاف ٤/١٠٢.
(٦) انظر: زاد المسير ٨/٦٠.
(٧) انظر: الدر المصون ١٠/٣٤٣.
(٨) انظر: روح المعاني ١٤/٣١٠.
(٩) انظر: إتحاف فضلاء البشر ٢/٥٤٠، القراءات الشاذة ص٨٨.
(١٠) زاد المسير ٨/٦٠.

القول الثاني: أنها عامة في المفروض والمندوب، وذهب إليه بعض المفسرين(١).
والشاطبي أورد هذا من باب أن قوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا Nن٣"sYّ%y-u' ﴾ من الألفاظ المجملة التي تحتاج إلى بيان، ولذا بينّه - ﷺ - بأقواله وأفعاله.
ولم يتعرض الشاطبي هنا إلى تعيين المراد بالآية هل هي عامة أو خاصة بالزكاة المفروضة.
قال الماوردي: " ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا Nن٣"sYّ%y-u' ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنها الزكاة المفروضة من المال، قاله الضحاك.
الثاني: أنها صدقة التطوع ورفد المحتاج ومعونة المضطر"(٢).
وقال ابن عطية: "قوله تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا Nن٣"sYّ%y-u' ﴾.
قال جمهور من المتأولين : المراد الزكاة، وقال آخرون : ذلك عام في مفروض ومندوب"(٣).
وقال الألوسي: "جَعلَ قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ﴾ (٤) إلخ، تمهيداً وتوطئة للأمر بالإنفاق لكن على وجه العموم في قوله سبحانه: ﴿ (#qà)دےRr&ur `دB $¨B Nن٣"sYّ%y-u' ﴾ "(٥).
(١) ممن ذهب إليه: ابن جزي في تفسيره ٢/٤٥٠، والبقاعي في تفسيره ٢٠/٩٣، والشوكاني في تفسيره ٥/٢٣٣، والألوسي في تفسيره ١٤/٤١٢، والسعدي في تفسيره ٧/٣٩٠.
(٢) النكت والعيون ٦/١٩.
(٣) المحرر الوجيز ٥/٣١٥.
(٤) سورة المنافقون : ٩.
(٥) روح المعاني ١٤/٣١٢.

وكما أن من اتقى الله ؛ جعل له فرجاً ومخرجاً، فمن لم يتق الله ؛ يقع في الآصار والأغلال التي لا يقدرون على التخلص منها والخروج من تبعتها"(١).
(١) تيسير الكريم الرحمن ٧/٤١٠.

والجواب: أن آية التحريم إن كانت هي السابقة على آية العقود(١)؛ فظاهر أنها مختصة بالنبي - ﷺ - ؛ إذ لو أريد الأمة -على قول من قال به من الأصوليين-؛ لقال: لِمَ تحرمون ما أحل الله لكم ؟ كما قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ﴾ (٢) الآية، وهو بيِّن؛ لأن سورة التحريم قبل آية الأحزاب، ولذلك لما آلى النبي - ﷺ - (٣) من نسائه شهراً بسبب هذه القصة ؛ نزل عليه في سورة الأحزاب :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ y٧إ_¨urّ-X{ إِنْ كُنْتُنَّ ڑcôٹحچè؟ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا tû÷،s!$yètFsù أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ (٤)
(١) المراد بالعقود: سورة المائدة، وهي اسم من أسمائها [انظر: الإتقان ١/٧١].
(٢) سورة الطلاق : ١.
(٣) الإيلاء : هو الحلف، وهو أن يحلف الرجل ألا يجامع زوجته [انظر: القاموس المحيط ص١٦٢٧ مادة "ألى" تفسير القرآن العظيم لابن كثير ١/٢٧٥].
(٤) سورة الأحزاب : ٢٨.

وقال -في موضع ثالث- :"ومثل ذلك(١) : قوله: ﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾ ؛ فقيل: كالنهار بيضاء لا شيء فيها(٢)، وقيل: كالليل سوداء لا شيء فيها(٣)؛ فالمقصود
شيء واحد، وإن شُبهِّ بالمتضادين اللذين لا يتلاقيان"(٤).
الدّراسة :
تحدث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن الآيات تدل على عقاب أصحاب الجنة ؛ لأنهم احتالوا لإسقاط حق المساكين.
وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذكره بعض المفسرين، كابن عطية(٥)، وابن تيمية(٦)، وابن القيم(٧)، وابن كثير(٨)، والسعدي(٩).
(١) أورده الشاطبي في سياق بيانه : بأن من الخلاف ما لا يعتد به في الخلاف، ومن ذلك: أن يقع الخلاف في تنْزيل المعنى الواحد ؛ فيحمله قوم على المجاز -مثلاً-، وقوم على الحقيقة، والمطلوب أمر واحد، وذكر مثالين على ذلك، منها: هذا المثال. [انظر: الموافقات ٥/٢١٠-٢١٦].
(٢) وممن نسب إليه هذا القول: المبرد ؛ كما ذكره القرطبي في تفسيره ٩/١٨/١٥٨، وأبو حيان في تفسيره ٨/٣٠٦.
(٣) ذهب إلى هذا القول : جماعة من المفسرين؛ كالزجاج في معاني القرآن ٥/٢٠٨، والسمرقندي في تفسيره ٣/٣٩٤، والسعدي في تفسيره ٧/٤٤٩، وانظر: جامع البيان١٢/١٩٠، المحرر الوجيز٥/٣٤٩، البحر المحيط ٨/٣٠٦.
(٤) الموافقات ٥/٢١٥، ٢١٦.
(٥) انظر: المحرر الوجيز ٥/٣٤٩.
(٦) انظر: مجموع الفتاوى ١٦/٦٩.
(٧) انظر: بدائع التفسير ٤/٥١١، ٥١٢.
(٨) انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/٤٣٣، ٤٣٤.
(٩) انظر: تيسير الكريم الرحمن ٧/٤٤٩، ٤٥٠.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه عامة المفسرين(١).
قال البغوي :" ﴿ وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ ﴾ ؛ أي: عددهم في القلة ﴿ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ؛ أي: ضلالة لهم حتى قالوا ما قالوا"(٢).
وقال ابن كثير :"يقول تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلْنَا |="utُ¾r& النَّارِ ﴾ ؛ أي: خزنتها: ﴿ إِلَّا مَلَائِكَةً ﴾ ؛ أي: زبانية غلاظاً شداداً، وذلك رد على مشركي قريش حين ذكروا عدد الخزنة، فقال أبو جهل : يا معشر قريش أما يستطيع كل عشرة منكم لواحد منهم فتغلبونهم ؟ فقال الله تعالى: ﴿ $tBur !$uZù=yèy_ |="utُ¾r& ح'$¨Z٩$# wخ) Zps٣ح´¯"n=tB ﴾ ؛ أي: شديدي الخلق لا يقاومون ولا يغالبون"(٣).
(١) انظر : جامع البيان ١٢/٣١٢، ٣١٣، بحر العلوم ٣/٤٢٢، ٤٢٣، النكت والعيون ٦/١٤٥، معالم التنْزيل ٨/٢٧٠، ٢٧١، المحرر الوجيز ٥/٣٩٦، زاد المسير ٨/١٥٠، ١٥١، التفسير الكبير ١٥/٣٠/١٧٩، ١٨٠، الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٩/٥٢-٥٤، مدارك التنْزيل ٢/٧٤٨، ٧٤٩، التسهيل ٢/٥٠٨، ٥٠٩، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٤٧٤، تفسير الجلالين ٤/٤٥٥، فتح القدير ٥/٣٢٩، ٣٣٠، روح المعاني ١٥/١٣٩، ١٤٠، محاسن التأويل ٧/٢١٢، ٢١٣.
(٢) معالم التنْزيل ٨/٢٧١.
(٣) تفسير القرآن العظيم ٤/٤٧٣، ٤٧٤.

وقال الشنقيطي -في الآية- :" فصرح تعالى عنهم، مقرراً له أن من الأسباب التي سلكتهم في سقر -أي: أدخلتهم النار- ؛ عدم الصلاة، وعدم إطعام المسكين، وعد ذلك مع الكفر بسبب التكذيب بيوم الدين"(١).
وقال -أيضاً- :" ففي الآية التصريح بأن من الأسباب التي سلكتهم في سقر ؛ عدم إطعام المسكين، وهو فرع من الفروع"(٢).
وقد ذكر الشاطبي هذا المثال في سياق بيانه بأن كل حكاية وقعت في القرآن ؛ فلا يخلو أن يقع قبلها أو بعدها وهو الأكثر رد لها أو لا، فإن وقع رد ؛ فلا إشكال في بطلان ذلك المحكي وكذبه، وإن لم يقع معها رد ؛ فذلك دليلُ صحةِ المحكي وصدقه(٣).
ثم ذكر الدليل -فيما إذا كان صحيحاً- فقال: "الدليل على صحته من نفس الحكاية وإقرارها، فإن القرآن سمي فرقاناً، وهدىً، وبرهاناً، وبياناً، وتبياناً لكل شيء.
وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم، وهذا المعنى يأبى أن يحكى فيه ما ليس بحق ثم لا ينبه عليه"(٤).
وقد ذكر هذه القاعدة بعض المفسرين ؛ كالقاسمي(٥)، وابن عاشور(٦)، وغيرهما(٧).
(١) أضواء البيان ٧/١١٤.
(٢) مذكرة في أصول الفقه ص٤٠.
(٣) انظر: الموافقات ٤/١٥٨-١٦١.
(٤) الموافقات ٤/١٦٠.
(٥) انظر: محاسن التأويل ١/٧١.
(٦) انظر: التحرير والتنوير ١/٩٤.
(٧) انظر: روح المعاني ٥/١٤٧، قواعد التفسير ٢/٧٥٨-٧٦٢.

وذهب إليه جماعة من المفسرين؛ كابن جرير(١)، والعكبري(٢)، وابن تيمية(٣)، وابن كثير(٤)، وغيرهم(٥).
ولكل من هذه الأقوال وجهه اللغوي، وهي في الجملة -من حيث المعنى- لا تضاد بينها؛ حيث إنهم متفقون على شرابهم من هذه العين، سوى أن القول الرابع له وجاهته؛ من حيث إفادته معنى الري أو اللذة ونحوها علاوة على شرابهم.
قال ابن جرير: "ويعني بقوله: ﴿ (((((((( ((((( ((((((( (((( ﴾ يروى بها وينتفع"(٦).
وقال العكبري :" قوله تعالى :﴿ (((((((( ((((( ﴾ قيل الباء زائدة، وقيل هي معنى (مِن)، وقيل هو حال أن يشرب ممزوجاً بها، والأولى أن يكون محمولاً على المعنى، والمعنى: يلتذ بها"(٧).
وقال ابن تيمية: "والعرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض، كما يقولون في قوله: ﴿ (((((( (((((((( ((((((((( (((((((((( (((((( (((((((((( ﴾ (٨)؛ أي: مع نعاجه، و ﴿ (((( (((((((((( ((((( (((( ﴾ (٩)؛ أي: مع الله، ونحو ذلك، والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين، فسؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه...".
"وكذلك قوله: ﴿ (((((((( ((((( ((((((( (((( ﴾ ضُمِّن يروى بها"(١٠).
وقال -أيضاً-: " وليس في القرآن لفظ إلا مقرون بما يبين به المراد، ومن غلط في فهم القرآن؛ فمن قصوره أو تقصيره، فإذا قال القائل: ﴿ (((((((( ((((( ﴾ أن الباء زائدة؛ كان من قبل علمه، فإن الشارب قد يشرب ولا يروى.
فإن قيل: يشرب منها؛ لم يدل على الري.
(١) انظر: جامع البيان ١٢/٣٥٨.
(٢) انظر: إملاء ما مَن به الرحمن ص٥٢٤.
(٣) انظر: مجموع الفتاوى ١٣/٣٤٢، ٢٠/٤٧٤، ٢١/١٣٦، ١٣٧.
(٤) انظر: تفسير القرآن العظيم ٤/٤٨٤.
(٥) انظر: البحر المحيط ٨/٣٨٧، أضواء البيان ٨/٦٧٤.
(٦) جامع البيان ١٢/٣٥٨.
(٧) إملاء ما مَن به الرحمن ص٥٢٤.
(٨) سورة ص : ٢٤.
(٩) سورة الصف : ١٤.
(١٠) مجموع الفتاوى ١٣/٣٤٢.

قال ابن كثير -في الآية- :"أي: ليس علمها إليك ولا إلى أحد من الخلق ؛ بل مردها ومرجعها إلى الله -عز وجل- فهو الذي يعلم وقتها على التعيين"(١).
وقال السعدي: " ﴿ ((((( ((((( ((( ((((((((((( ﴾ ؛ أي: ما الفائدة لك ولهم في ذكرها، ومعرفة وقت مجيئها ؟ فليست تحت ذلك نتيجة.
ولهذا لما كان علم العباد للساعة، ليس لهم فيه مصلحة دينية ولا دنيوية، بل المصلحة في إخفائه عليهم ؛ طوى علم ذلك عن جميع الخلق، واستأثر بعلمه فقال: ﴿ (((((( ((((((( (((((((((((( ﴾ ؛ أي: ينتهي علمها"(٢).
(١) تفسير القرآن العظيم ٤/٥٠١.
(٢) تيسير الكريم الرحمن ٧/٥٦٥.

وقال الشوكاني: " ﴿ ((((( ((((((((( ((((((((( (((((((( ﴾ التفت سبحانه إلى خطاب نبيه - ﷺ - ؛ لأن المشافهة أدخل في العتاب"(١).
(١) فتح القدير ٥/٣٨٢.

قال أبو حيان: " ﴿ يَوْمَ لَا à٧د=ôJs؟ نَفْسٌ لِنَفْسٍ $Z"ّ‹x© ﴾ عام، كقوله: ﴿ فَالْيَوْمَ لَا à٧د=ôJtƒ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ﴾ (١) "(٢).
وقال ابن كثير: " ﴿ tPِqtƒ ںw à٧د=ôJs؟ سّےtR <

ّےuZدj٩ $Z"ّ‹x© ﴾ ؛ أي: لا يقدر أحد على نفع أحد ولا خلاصه مما هو فيه إلا أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى"(٣).

(١) سورة سبأ : ٤٢.
(٢) البحر المحيط ٨/٤٢٩.
(٣) تفسير القرآن العظيم ٤/٥١٥.

وما ذكره الشاطبي ؛ صحيح، وذهب إليه عامة المفسرين(١).
وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: « قال رسول الله - ﷺ - : ليس أحد يحاسب إلا هلك، قالت: قلت: يا رسول الله : جعلني الله فداءك، أليس يقول الله -عز وجل- : ؟ ﴿ ((((((( (((( ((((((( (((((((((( (((((((((((( ((( (((((((( ((((((((( (((((((( (((((((( ﴾ قال: ذاك العَرْض يُعْرَضُون، ومن نوقش الحساب هلك »(٢).
قال ابن الجوزي: "قوله تعالى: ﴿ (((((((( ((((((((( (((((((( (((((((( ﴾ وهو أن تعرض عليه سيئاته، ثم يغفرها الله له"(٣).
وقال السعدي: " ﴿ (((((((( ((((((((( (((((((( (((((((( ﴾ وهو العرض اليسير على الله فيقرره الله بذنوبه حتى إذا ظن العبد أنه قد هلك ؛ قال الله تعالى: إني قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أسترها لك اليوم"(٤).
(١) نسبه ابن جرير في تفسيره ١٢/٥٠٧، إلى أهل التأويل، وانظر: معاني القرآن للزجاج ٥/٣٠٤، بحر العلوم ٣/٤٦٠، النكت والعيون ٦/٢٣٥، ٢٣٦، معالم التنْزيل ٨/٣٧٤، الكشاف ٤/١٩٨، المحرر الوجيز ٥/٤٥٧، زاد المسير ٨/٢٢٨، التفسير الكبير ١٦/٣١/٩٧، الجامع لأحكام القرآن ١٠/١٩/١٧٩، مدارك التنْزيل ٢/٧٨٨، ٧٨٩، التسهيل ٢/٢٥٢، البحر المحيط ٨/٤٣٩، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٥٢١، تفسير الجلالين ٤/٥١٩، نظم الدرر ٢١/٣٤٠، ٣٤١، فتح القدير ٥/٤٠٦-٤٠٩، روح المعاني١٥/٢٨٨، ٢٨٩، تيسير الكريم الرحمن٧/٥٩٦.
(٢) الحديث : أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب التفسير، باب: "فسوف يحاسب حساباً يسيراً، ص٨٨١، برقم ٤٩٣٩.
(٣) زاد المسير ٨/٢٨٨.
(٤) تيسير الكريم الرحمن ٧/٥٩٦.

وقال الشوكاني: " ثم ذكر سبحانه منته عليه وكرامته فقال: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ x٨uچّ. دŒ ﴾ قال الحسن: وذلك أن الله لا يُذكر في موضع إلا ذُكِر معه - ﷺ -. قال قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله. قال مجاهد: ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ x٨uچّ. دŒ ﴾ يعني بالتأذين. وقيل المعنى: ذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبله، وأمرناهم بالبشارة به. وقيل: رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء، وعند المؤمنين في الأرض.
والظاهر: أن هذا الرفع لذكره الذي امتن الله به عليه ؛ يتناول جميع هذه الأمور، فكل واحد منها من أسباب رفع الذكر..." "وبالجملة فقد ملأ ذكره الجليل السموات والأرض"(١).
(١) فتح القدير ٥/٤٦٢.

وما ذهب إليه الشاطبي ؛ ذهب إليه أكثر المفسرين(١).
ويدل على ذلك: أن الآيات الخمس الأولى منها نزلت في بدء الوحي، كما يدل عليه حديث عائشة -رضي الله عنها- في بدء الوحي- وفيه: "فجاءه المَلَك فقال: اقرأ. فقال رسول الله - ﷺ - : ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: ﴿ ù&uچّ%$# بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) ù&uچّ%$# وَرَبُّكَ مPuچّ.F{$# (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ ôMn=÷ètƒ ﴾ الآيات"(٢).
(١) انظر : جامع البيان ١٢/٦٤٧، بحر العلوم ٣/٥٩٤، ٥٩٥، معالم التنْزيل ٨/٤٧٧، المحرر الوجيز ٥/٥٠٢، زاد المسير ٧/٢٩٢-٢٩٤، التفسير الكبير ١٦/٣٢/١٨، الجامع لأحكام القرآن ١٠/٢٠/٨٣-٨٦، مدارك التنْزيل ٢/٨٢١، التسهيل ٢/٥٩٠، البحر المحيط ٨/٤٨٨، ٤٨٩، تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٤/٥٦٥، ٥٦٦، أنوار التنْزيل ٢/٦١٠، تفسير الجلالين ٤/٥٧٨، ٥٧٩، فتح القدير ٥/٤٦٨، روح المعاني ١٥/٤٠٦، محاسن التأويل ٧/٣٥٩، ٣٦١.
(٢) الحديث: أخرجه البخاري في صحيحه، في كتاب التفسير، سورة :﴿ ù&uچّ%$# بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ ص٨٨٦، برقم ٤٩٥٣، ومسلم في صحيحه، في كتاب الإيمان، باب بدء الوحي إلى رسول الله - ﷺ - ١/١٣٩-١٤٢، برقم ١٦٠.

ودليلهم : أن ورود اللفظ بصيغة الجمع لا يمنع نزولها في شخص معين، كغيرها من الآيات التي جاءت بصيغ العموم مع نزولها في أشخاص بأعيانهم(١).
وذهب أكثر المفسرين إلى أنها عامة غير مختصة بشخص معين(٢).
والقولان محتملان، سوى أن الآثار المروية في تعيين الأشخاص ؛ لم أجد فيها أثراً صحيحاً مرفوعاً، ولم أجد أحداً من المفسرين صححها، وإنما نقلوها من غير تصحيح.
وبناء على هذا ؛ فما ذهب إليه الشاطبي ؛ فيه نظر، إذ لم يثبت بسند صحيح مرفوع أنها في رجل معين من الكفار(٣).
قال ابن جرير :"والصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله عم بالقول كل همزة لمزة، كل من كان بالصفة التي وصف هذا الموصوف بها، سبيله سبيله كائناً من كان من الناس"(٤).
وقال الماوردي :"واختلفوا فيمن نزلت فيه على خمسة أقاويل :
أحدها : في أبي بن خلف، قاله عمار.
الثاني : في جميل بن عامر الجمحي، قاله مجاهد.
الثالث: في الأخنس بن شريق الثقفي، قاله السدي.
الرابع: في الوليد بن المغيرة، قاله ابن جريج.
الخامس: أنها مرسلة على العموم من غير تخصيص، وهو قول الأكثرين"(٥).
والسادس : أنها في العاص بن وائل السهمي(٦).
(١) انظر: التفسير الكبير ١٦/٣٢/٨٦.
(٢) نسبه للأكثرين: الماوردي في تفسيره ٦/٣٣٦، والقرطبي في تفسيره ١٠/٢٠/١٢٥، وأخرجه ابن جرير في تفسيره ١٢/٦٨٨ عن مجاهد.
(٣) انظر : جامع البيان ١٢/٦٨٧-٦٨٨، الكشف والبيان ١٠/٢٨٦، معالم التنْزيل ٨/٥٣٠، لباب النقول ص٢٣٤، ٢٣٥، روح المعاني ١٥/٤٦٠.
(٤) جامع البيان ١٢/٦٨٨.
(٥) النكت والعيون ٦/٣٣٦.
(٦) ذكره ابن الجوزي في تفسيره ٨/٣١٨ ونسبه لعروة.

بالمهدي(١)، حين ملك إفريقية واستولى عليها ؛ كان له صاحبان من كُتَامة(٢) ينتصر بهما على أمره، وكان أحدهما يسمى بنصر الله، والآخر بالفتح ؛ فكان يقول لهما : أنتما اللذان ذكركما الله في كتابه فقال :﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ ﴾.
قالوا : وقد كان عمل ذلك في آيات من كتاب الله تعالى ؛ فبدل قوله: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ ôMy_حچ÷zé& لِلنَّاسِ ﴾ (٣) بقوله: كتامة خير أمة أخرجت للناس، ومن كان في عقله لا يقول مثل هذا ؛ لأن المتسمين بنصر الله والفتح المذكورين إنما وجدا بعد مئين من السنين من وفاة رسول الله - ﷺ - ؛ فيصير المعنى: إذا مت يا محمد ثم خلق هذان: ﴿ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ ﴾ الآية ؛ فأي تناقض وراء هذا الإفك الذي افتراه الشيعي قاتله الله"(٤).
الدّراسة :
تحدث الشاطبي في هذا الموضع عن مسألتين :
المسألة الأولى : ذهب الشاطبي إلى أن ظاهر سورة النصر أن الله أمر نبيه - ﷺ - أن يسبح بحمد ربه ويستغفره إذ نصره الله وفتح عليه، وباطنها أن الله نعى إليه نفسه.
(١) عبيد الله الشيعي: هو أبو محمد عبيد الله المدعي أنه علوي، الملقب بالمهدي، باني المدينة بمدينة المهدية، أول الخلفاء الفاطميين، كانت ولايته وإمامته قرابة أربع وعشرين سنة، كان شهماً شجاعاً، واختلف في نسبه اختلافاً كثيراً، فقيل: بأن نسبه يرجع إلى علي بن أبي طالب، وقيل بأنه ليس له نسب صحيح إلى علي بن أبي طالب، وأن والده كان يهودياً صباغاً، توفي سنة ٣٢٢هـ، والفاطميون يبطنون الكفر المحض [انظر: الكامل ٦/٢٣٨، البداية والنهاية ١٥/٨٣-٨٥، ٣٦٦].
(٢) كُتَامة :-بضم الكاف وفتح التاء- قبيلة من البربر، نزلت ناحية من بلاد المغرب [انظر: الأنساب ٤/١٢٥].
(٣) سورة آل عمران : ١١٠.
(٤) الموافقات ٤/٢٢٦، ٢٢٧.

الفائدة السادسة: أن عقيدة الشاطبي قائمة على تعظيم الله ودينه وشرعه واتباع الكتاب والسنة والذب عنهما؛ إلا أنه خالف السلف في آيات الصفات؛ فأخذ بمذهب الأشاعرة في تأويلها أو تفويض معانيها، ظناً منه أن هذا مذهب السلف.
الفائدة السابعة: أن الشاطبي يعتبر من أئمة الفقه المالكي المجتهدين الذين يبنون تفاسيرهم وأحكامهم على دلالة الكتاب والسنة ومذهب السلف الصالح.
الفائدة الثامنة : أن المذهب المالكي كان هو السائد في بلاد الأندلس. كما أن كثيراً من أهل العلم بالأندلس كانوا متأثرين بمذهب الأشاعرة -ظناً منهم أن هذا هو مذهب السلف.
الفائدة التاسعة : اهتمام علماء التفسير بالأندلس بالقراءات واللغة والإعراب اهتماماً ملحوظاً.
الفائدة العاشرة : أن تفاسير علماء الأندلس كانت في الجملة بعيدة عن آراء الفرق الضالة والمبتدعة، كما كانت بعيدة عن الآراء الفلسفية والطرق الجدلية، كما أنهم يحاربونها وأهلها.
الفائدة الحادية عشرة : أن الأخبار الإسرائيلية في تفاسيرهم كانت قليلة جداً؛ لأنهم يحذرون منها ويحاربونها.
ومن المواضيع التي يمكن أن تكون مناسبة للبحث في مؤلفات الشاطبي ما يلي:
١- إعراب القرآن عند الشاطبي.
٢- دراسة ضوابط التفسير وعلوم القرآن عند الشاطبي دراسة مفصلة.
٣- القواعد والضوابط الشرعية العامة عند الشاطبي.
وفي ختام هذا البحث أحمد الله أولاً وآخراً على إتمام هذا البحث، وأن يعفو عن الزلل والخطأ والتقصير؛ إذ النقص من صفة البشر، والكمال لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
إِنَّ اللَّهَ ôMن. قگكDù'tƒ أَنْ تَذْبَحُوا Zouچs)t/ }... ٦٧... ٦٤٠
﴿ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ ôMن. قگكDù'tƒ أَنْ تَذْبَحُوا Zouچs)t/... ﴾... ٦٧-٧١... ١٦١
﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ﴾... ٨٣... ١٣٠
﴿ وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ... ﴾... ٨٩، ٩٠... ١٢٦
﴿ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ﴾... ٩٠... ١٢٤
﴿ قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾... ٩٣... ٢٦٠
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا $uZدم¨u'... ﴾... ١٠٤... ١٦٤
﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ yىsY¨B y‰إf"|،tB اللَّهِ أَنْ uچx. ُ‹مƒ فِيهَا اسْمُهُ ﴾... ١١٤... ٩٩، ١٦٧
﴿ بَدِيعُ دN¨uq"yJ، ،٩$# وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا... ﴾... ١١٧... ١٦٩
﴿ الَّذِينَ مNكg"sY÷ s؟#uن الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ ¨،xm تِلَاوَتِهِ ﴾... ١٢١... ٢٨٩
﴿ وَوَصَّى بِهَا قO؟دd¨uچِ/خ) بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ... ﴾... ١٣٢... ٩٥، ١١٥، ١٧٠
﴿ فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ ﴾... ١٣٧... ٧٨٠
﴿ y٧د٩¨x‹x.ur ِNن٣"sYù=yèy_ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ... ﴾... ١٤٣... ١٧٢، ٣٢٠، ٣٢١
﴿ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ¼çmtRqèùحچ÷ètƒ كَمَا tbqèùحچ÷ètƒ ِNèduن!$sYِ/r& ﴾... ١٤٦... ١٢١
﴿ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾... ١٥٢... ٥٨٢
﴿ Nن٣¯Ruqè=ِ٧sYs٩ur بِشَيْءٍ مِنَ إ$ِqsƒù:$# وَالْجُوعِ... ﴾... ١٥٥-١٥٧... ٨٧، ١٧٤
﴿ إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ حچح !$yèx© اللَّهِ ﴾... ١٥٨... ٩٦، ١٧٦
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا... ﴾... ١٦٥... ٤٣٨
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ (#qمèخ٧¨؟$# مَا tAu"Rr& اللَّهُ... ﴾... ١٧٠... ٧٨٧
﴿ إِنَّمَا tP

چxm عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ حچƒح"Yد‚ّ٩$#... ﴾... ١٧٣... ١٧٩

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ ة>حچَّyJّ٩$#ur... ﴾... ١٧٧... ٦٦، ١٣٤، ١٣٥
إن ناساً يزعمون أن هذه الآية نسخت... ٣٢٩
إن هذه الآية لأمة محمد - ﷺ -... ٤٥٢
أن هلال بن أمية قذف امرأته... ٦٧٩، ٦٨٠
أن يطاع فلا يعصى... ٣١٠
إنا أمة أمية... ٥٠٨
أنا من ذلك القليل... ٦٢٥
أنزل على النبي - ﷺ - القرآن... ٥٧٠، ٥٧١
أنزلت :﴿ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ ﴾ ولم ينْزل :﴿ مِنَ الْفَجْرِ ﴾... ١٨٥
إنما هي أعمالكم أحصيها لكم... ٧٧٣، ٧٧٤
أنه سأل ابن مسعود فقال: إني حلفت... ٤٠٠، ٤٠٣، ٨٨٦
إنه كان لهم عبدان من أهل عير اليمن... ٦٠٧
إنه كان ينهى عن قيل وقال... ٤٢٦
إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه... ٤٠٢
أنهم كانوا يلتفتون في الصلاة... ٨٠
إني بعثت إلى أمة أميين... ٥٠٧
أي قول الله لا يختلف... ٣٥٦
إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث... ٨٢٢
أيما رجل من أهل الكتاب... ٨٣٨
أين تذهب بكم هذه الآية... ٧٩٦
أين تذهب بكم هذه الآية؟... ١٣٨
أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا... ٣٠٦
بعثت إلى أمة أمية... ٥٠٧
بينا رسول الله - ﷺ - ذات يوم... ٩٣٣
تبيض وجوه أهل السنة والجماعة... ٣١٩
تلا رسول الله - ﷺ - هذه الآية: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ ﴾... ٢٧١
ثم استفتى الناس رسول الله - ﷺ -... ٣٦٦
جاء الحارث الغطفاني إلى رسول الله - ﷺ -... ٧١٧
جاء رجل إلى النبي - ﷺ - من أهل الكتاب... ٧٦٢
جاء مشركو قريش إلى النبي - ﷺ -... ٦٤، ٧٥، ٨٣١، ٨٣٢
جاء يهودي إلى رسول الله - ﷺ - فقال... ٧٦٠
حق الله على العباد... ٥٨١
الحمد لله رب العالمين: هي السبع المثاني... ١٢٣
خط لنا رسول الله - ﷺ - يوماً... ٤٨٣، ٤٨٦
خلق أهل الرحمة أن لا يختلفوا... ٦٢، ٦٣، ٥٥٤
خلقهم فريقين ؛ فريقاً يرحم... ٥٦٧
ذكر لابن عباس الخوارج وما يصيبهم عند قراءة القرآن... ٦٢، ٢٧٥
ذلك الفضل المبتغى... ٨٦٩
ابن الجوزي... ١٨٢، ١٩١، ٢١٣، ٢٣٣، ٣١١، ٣١٨، ٣٢٤، ٣٣٢، ٣٣٨، ٣٨٣، ٤٣٠، ٤٥٥، ٤٧٧، ٤٧٨، ٤٨١، ٤٨٨، ٤٩٩، ٥١٩، ٥٣١، ٥٣٤، ٥٥٠، ٥٧٩، ٦٠٩، ٦٢٠، ٦٣٦، ٦٤٢، ٦٤٣، ٦٤٦، ٦٥٤، ٦٦٩، ٦٧٩، ٦٨٢، ٦٨٤، ٦٨٥، ٦٨٨، ٦٨٩، ٧٢٤، ٧٧٨، ٨٠١، ٨٠٥، ٨٢٩، ٨٥٥، ٨٧١، ٨٧٤، ٨٧٧، ٨٨١، ٨٨٢، ٩٢١
ابن حجر... ٥، ١٢٩، ١٤٣، ١٤٤، ١٨٦، ٣٣٢، ٤٢٩، ٥٣٨، ٦٨٠، ٨٩٢
ابن حزم... ٥، ٦٥٥، ٦٨٤، ٦٨٨، ٦٩٨
ابن الزبعري... ٦٥٢، ٦٥٦
ابن زنجلة... ٤٦٨
ابن زيد... ٧٤، ١٠٤، ٣٠٨، ٨٠٩، ٨٩٠
ابن شهاب الزهري... ١٩٣، ٣٨٥، ٥٢٩، ٥٣٠
ابن عادل... ٧٨٢
ابن عاشور... ١٥٧، ١٥٨، ١٧٨، ١٩١، ١٩٥، ٢٠٠، ٢٠٤، ٢٢١، ٢٣٦، ٢٤٧، ٢٤٩، ٢٥٥، ٢٦٠، ٢٨٣، ٢٨٤، ٢٩٠، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٦٨، ٤١١، ٤٣٧، ٤٦٤، ٤٧٤، ٤٧٥، ٤٧٧، ٥١٢، ٦٠٠، ٦١٢، ٧٢٣، ٧٣٤، ٨٥٠، ٨٦٧، ٨٩٢، ٩٠٥، ٩٠٧
ابن عامر الشامي... ٧٧، ٤٦٧، ٤٦٩
ابن عباد... ٣٨
ابن عباس... ٥٧، ٦٠، ٦٢، ٧١، ٧٢، ٧٥، ١٠٣، ١١٧، ١٤٢، ١٤٤، ١٦٢، ١٨٩، ١٩٨، ٢٠٧، ٢١٥، ٢١٩، ٢٢٤، ٢٢٩، ٢٣٠، ٢٥٨، ٢٨١، ٢٩٣، ٣١١، ٣١٩، ٣٢٧، ٣٣٢، ٣٤٧، ٣٥١، ٣٥٢، ٣٦٦، ٣٦٧، ٣٩٥، ٤١٠، ٤١٤، ٤٢٣، ٤٢٩، ٤٤٧، ٤٥١، ٤٥٤، ٤٥٥، ٤٦٦، ٤٩٧، ٤٩٩، ٥١٨، ٥٢٨، ٥٣٣، ٥٣٥، ٥٣٨، ٥٦١، ٥٦٧، ٥٧٩، ٥٩٠، ٦١٨، ٦١٩، ٦٢٥، ٦٦٠، ٦٧٦، ٦٨٤، ٦٨٦، ٦٨٩، ٧١٩، ٧٢٠، ٧٥٣، ٧٦٠، ٧٦٢، ٧٦٣، ٧٦٤، ٧٩٥، ٨٩٠، ٨٩١، ٩٣٥، ٩٣٧، ٩٣٨
تابع / ابن عباس
ابن عبد البر... ٦٣، ٤٣٧
ابن العربي... ١٤، ٥٢، ٥٦، ١٧٢، ١٧٣، ١٨٠، ١٨١، ١٩٣، ١٩٧، ٢٢١، ٢٤٢، ٢٤٣، ٣٠٧، ٣١٨، ٣١٩، ٣٣٢، ٣٤٧، ٣٦٩، ٣٧٠، ٣٧١، ٣٨٣، ٣٨٤، ٤٢١، ٤٢٣، ٤٣٣، ٥١٩، ٥٣١، ٥٣٥، ٥٤٢، ٥٤٣، ٥٦٤، ٥٦٨، ٦١١، ٦١٢، ٦٣١، ٦٣٦، ٦٥٤، ٦٥٥، ٦٧٢، ٦٨٤، ٦٨٨، ٦٨٩، ٧٥٤، ٧٦٤، ٧٦٨، ٧٦٩، ٧٧٨، ٧٩٧، ٧٩٩، ٨٤٥، ٨٦٦، ٨٩١
ابن عرفة... ٣٨
ابن عطاء... ٦٣٨
لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، سنة ١٤١٦هـ.
١١- أحكام القرآن.
لعماد الدين بن محمد الطبري المعروف بالكيا الهرَّاسي، دار الكتب العلمية، سنة١٤٢٢هـ.
١٢- أحكام أهل الذمة.
لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، تحقيق: طه عبدالرؤوف سعد، دار الكتب العلمية، ط. الأولى، سنة ١٤١٥هـ.
١٣- الأحكام في أصول الأحكام.
لأبي محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، دار الكتب العلمية، ط. الأولى، سنة ١٤٠٥هـ.
١٤- الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبِّهة.
للإمام أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، دار الكتب العلمية، ط. الأولى، سنة ١٤٠٥هـ.
١٥- الأدب المفرد.
للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، عني به صالح أحمد الشامي، دار القلم، ط. الأولى، سنة ١٤٢٢هـ.
١٦- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم.
لأبي السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي، وضع حواشيه عبداللطيف عبد الرحمن، دار الكتب العلمية، ط. الأولى، سنة ١٤١٩هـ.
١٧- إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول.
لمحمد بن علي الشوكاني، دار المعرفة.
١٨- إرواء الغليل في تخريج منار السبيل.
لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط. الثانية، سنة ١٤٠٥هـ.
١٩- أسباب النّزول -الطبعة المعتمدة-.
لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، تخريج وتدقيق: عصام الحميدان، دار الذخائر ومؤسسة الريان، سنة ١٤٢٠هـ.
٢٠- أسباب النّزول -طبعة أخرى-.
لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري، تخريج وتحقيق ودراسة: كمال بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، سنة ١٤١٩هـ.
٢١- أسد الغابة في معرفة الصحابة.
لعز الدين بن الأثير أبي الحسن علي بن محمد الجزري، تحقيق: محمد البنا، ومحمد عاشور، ومحمود فايد، دار الشعب، سنة ١٩٧٠م.
٢٢- الإصابة في تمييز الصحابة.
المبحث العاشر: منهجه في آيات الاعتقاد............................................... ٩٠
المبحث الحادي عشر: منهجه في آيات الأحكام........................................ ٩٣
المبحث الثاني عشر: منهجه في الآيات المشكلة.......................................... ٩٥
المبحث الثالث عشر: منهجه في الجمع بين الآيات والأحاديث والرد على الأقوال الضعيفة................................................................ ٩٧
المبحث الرابع عشر: منهجه في الناسخ والمنسوخ....................................... ١٠١
المبحث الخامس عشر: منهجه في الاختيار والترجيح..................................... ١٠٤
الفصل الرابع: القواعد التفسيرية عند أبي إسحاق الشاطبي بين النظرية والتطبيق..................................................................... ١٠٧
القسم الثاني: أقوال أبي إسحاق الشاطبي في التفسير............................... ١١٩
سورة الفاتحة:...................................................................... ١٢٠
١/١... قوله تعالى: ؟ ﴿ ؟؟(((((((((؟(((((((((((؟(((((((((((((((؟ ﴾ ؟[٦، ٧]........................................... ١٢١
سورة البقرة :....................................................................... ١٢٧
٢/١... نزول سورة البقرة........................................................................ ١٢٨
٣/٢... قوله تعالى: ﴿ ؟؟(((((((((؟(((((((((((؟((((((((((((؟((((((((((((؟(((((((((((؟ ﴾ ؟[٣]....................... ١٣٠
٤/٣... قوله تعالى: ﴿ ؟؟؟((((((؟((((((((؟(((؟(((((((؟((((((((؟((((((؟((((((((((((((؟((((((((؟ ﴾ ؟[٨-١٤]............. ١٣٢
٥/٤... قوله تعالى: ﴿ ؟؟؟(((((((((((؟؟؟؟(((((((؟(((((((((((؟((((((((؟(((((((؟((((((((((؟ ﴾ ؟[٢١]................. ١٣٤
٦/٥... قوله تعالى: ﴿ ؟؟؟((((؟(((((((((((؟((؟(((((((((؟ ﴾ ؟[٢٢]................................................ ١٣٦
٧/٦... قوله تعالى: ﴿ ؟؟((((؟((((؟((؟((((((((((((؟(((؟((((((((؟((((((؟(((؟(((((((((؟ ﴾ ؟[٢٦].............. ١٤١
٨/٧... قوله تعالى: ﴿ ؟؟((((((؟(((((؟((((((؟((((((((((((((((؟ ﴾ ؟؟؟؟؟............................................... ١٤٧
----------------------------------------------------------------------
First subsection The era of ﷺbe-Eshak ﷺ l-Shatebi
... Chapter one: political status.
... Chapter two: Social status.
... Chapter three: Scientific status.
Second subsection The bibliography of ﷺbe-Eshak ﷺ l-Shatebi
... Chapter one: his names and affiliation
... Chapter two: his born and upbringings
... Chapter three: his professors and his students.
... Chapter four: his believes (Akeda) and interpretation approach
... Chapter five: his scientific grade
... Chapter six: his scientific heritage
... Chapter seven: تعالىeath
----------------------------------------------------------------------------
Second subsection his ﷺbe-Eshak ﷺ l-Shatebi resources in interpretation (Tafsear) of the Holy Quarn.
-------------------------------------------------------------------------------
Third subsection: ﷺbe-Eshak ﷺ l-Shatebi methodology in interpretation (Tafsear).
... Chapter one: interpretation of holy Quarn by holy Quarn.
... Chapter two: interpretation of holy Quarn by Prophet Mohamed act (Sunah).
... Chapter three: interpretation of holy Quran by the Prophet companions sayings.
... Chapter four: interpretation of holy Quran by the fellow Prophet companions sayings.
... Chapter five: his approach in readings
... Chapter six: his approach in descending reasons
... Chapter seven: his approach in linguistics
... Chapter eight: his approach in semantics
... Chapter nine: his approach in benefits induction
... Chapter ten: his approach in believe verses
... Chapter eleven: his approach in judgments
... Chapter twelve: his approach in problematic verses
............ المطلب الثالث : شيوخه وتلاميذه.
............ المطلب الرابع : عقيدته ومذهبه الفقهي.
............ المطلب الخامس : مكانته العلمية.
............ المطلب السادس : آثاره العلمية.
............ المطلب السابع : وفاته.
الفصل الثاني : مصادر أبي إسحاق الشاطبي في التفسير.
الفصل الثالث : منهج أبي إسحاق الشاطبي في التفسير. [ وفيه خمسة عشر مبحثاً].
......... المبحث الأول : تفسير القرآن بالقرآن.
......... المبحث الثاني : تفسير القرآن بالسنة.
......... المبحث الثالث : تفسير القرآن بأقوال الصحابة.
......... المبحث الرابع : تفسير القرآن بأقوال التابعين.
......... المبحث الخامس : منهجه في القراءات.
......... المبحث السادس : منهجه في أسباب النزول.
......... المبحث السابع : منهجه في الجانب اللغوي.
......... المبحث الثامن : منهجه في دلالة السياق.
......... المبحث التاسع : منهجه في الاستنباط واستخراج الفوائد.
......... المبحث العاشر : منهجه في آيات الاعتقاد.
......... المبحث الحادي عشر : منهجه في آيات الأحكام.
......... المبحث الثاني عشر : منهجه في الآيات المشكلة.
......... المبحث الثالث عشر : منهجه في الجمع بين الآيات والأحاديث
والرد على الأقوال الضعيفة.
......... المبحث الرابع عشر : منهجه في الناسخ والمنسوخ.
......... المبحث الخامس عشر : منهجه في الاختيار والترجيح.
الفصل الرابع : القواعد التفسيرية عند أبي إسحاق الشاطبي بين النظرية والتطبيق.
القسم الثاني : أقوال أبي إسحاق الشاطبي في التفسير.
... وذكرتُ فيه أقوال أبي إسحاق الشاطبي في التفسير مع دراستها.
الخاتمة.
الفهارس.


Icon